إصلاح الإعلام

بعد المناقشات التي جرت داخل البرلمان بحضور وزير الاتصال، وبعد شروع لجنة وزارية كلفها رئيس الحكومة في عملها بخصوص دفاتر تحملات قنوات القطب العمومي، وبعد التعديلات التي مست مواعيد النشرات الإخبارية، وبعد اليوم الدراسي الذي نظم من طرف وزارتي الاتصال والعدل بشراكة مع منظمات المهنيين، يبدو الآن أن السجال المتعلق بالدفاتر المذكورة قد بدأ يتحول تدريجيا إلى حوار مهيكل.
هنا يجب التذكير بأن إعلامنا السمعي البصري العمومي في حاجة فعلا إلى إصلاح عميق وحقيقي، وإن السجال الذي جرى في الفترة الأخيرة بشأن دفاتر التحملات يجب أن يستمر، ويتركز حول الأسئلة  الجوهرية ذات الصلة  بهذا القطاع، سواء على صعيد الجوانب المهنية أو التمويلية أو التدبيرية، أو فيما يتعلق بتنمية القدرات التنافسية، وأيضا على مستوى مواكبة التحولات المجتمعية والفعل فيها.
إن أكبر ضربة ستكون لمسلسل الإصلاح، هي أن نعتبر كون حاجتنا كجمهور وكمجتمع تتجسد فقط في دفاتر التحملات، ونغمض العين عن باقي الإشكالات التي يطرحها المهنيون والمتابعون منذ سنوات.
من جهة ثانية، فإن المسلسل الذي أعلن عن انطلاقه مؤخرا، والمتعلق بتغيير القوانين والتشريعات، وتقنين وتنظيم قطاع الإشهار، وإعمال التنظيم الذاتي للمهنة والسهر على احترام أخلاقيات المهنة، يجب أن يسير إلى نهايته، ويبتعد عن التماطل و»التجرجير» غير المبرر، وذلك حتى نمكن هذه المهنة وأهلها من الخروج من دوامة المعضلات التي تجعل بلادنا في النهاية محرومة من الإعلام الذي تستحق.
وسواء في الإعلام العمومي أو فيما يتعلق بالصحافة المكتوبة، أو في الممارسة المهنية بصفة عامة، فإن المشكلات صارت اليوم واضحة ومعروفة لدى الجميع، وهي متضمنة في بيانات ومطالب النقابة الوطنية للصحافة المغربية والفيدرالية المغربية لناشري الصحف، وفي توصيات وخلاصات الحوار الوطني (الإعلام والمجتمع)، وفي تقارير الحوارات السابقة بين المهنيين والوزارة المكلفة بالقطاع، وأيضا في مطالب ومواقف الأوساط الحقوقية والحزبية والنقابية والثقافية والفنية، وهذه الترسانة كلها لا تسمح لنا اليوم بأي تأخير جديد، بل إنها تجعل من حق المهن يين أن يطالبوا اليوم بتسريع الإعلان عن مختلف هذه الإصلاحات.
إن القطاع اليوم يتطلب إرادة سياسية واضحة من كل الأطراف، ورؤية شاملة لمتطلبات الإصلاح، مع ربط ذلك بالتطور المتسارع لهذا المجال في العالم، وبمحددات مشروعنا المجتمعي الديمقراطي الحداثي المنفتح، فضلا على أن مهنة الصحافة وتطوير ممارستها تستوجب اليوم من الدولة إعمال مخطط وطني شامل للنهوض بها على غرار ما حصل مع قطاعات اقتصادية واجتماعية وصناعية أخرى.
لكي يكتمل اليوم مسار الإصلاح، لا بد من إعمال منظومة واضحة وتشاركية للحوار، ولابد أيضا من تفادي التماطل، ولابد ثالثا من انخراط الدولة عبر توفير الكلفة المالية للإصلاح الشامل، وعبر اعتماد رؤية سياسية واضحة تحرص على الاستقلالية المهنية، وعلى تخليق التدبير وتجويد الحكامة، وعلى الانخراط في الزمن الإعلامي الحالي بكل ما يفرضه من التزامات تقنية ومالية وتدبيرية، وعلى مستوى إعمال قيم الحرية والتعدد والانفتاح واحترام عمل المهنيين.
[email protected]

Top