الأمازيغية لغة رسمية

يستغرب المرء لبعض الكتابات الصحفية، أو لما يدبجه بعض كتاب الأعمدة وافتتاحيات الصحف، عندما يتعلق الأمر بضرورة التنزيل الديمقراطي لما ورد في الدستور الجديد بشأن رسمية اللغة الأمازيغية، وكأن هناك من يسعى إلى إغماض عينيه عن كل ما عاشته بلادنا من ديناميات وقطائع على هذا الصعيد. مؤخرا، وعلى هامش اليوم الدراسي الذي نظمه مجلس المستشارين حول «تدبير اللغات وتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية في ضوء الدستور»، خرج علينا من يحذرنا من»أي إخلال  بالتراتبية»، ويرعبنا بالقول بأن «أي ارتباك في هذا المسعى، بتقديم ما يلزم تأخيره، وتأخير ما يلزم تقديمه، تحت  الضغط السياسي أو بسبب فقدان البوصلة، سيكون مكلفا بالنسبة إلى بلد يضع التحديات الكبرى التي تواجهه، ولا يجد خارطة الطريق الصحيحة لمواجهتها».
ما معنى هذا الكلام؟ وما معنى أن البلد لا يجد خارطة الطريق الصحيحة لمواجهة ما هو مطروح عليه من تحديات ؟ ولمن يوجه هذا الكلام أساسا؟ وهل الأمر يتعلق فقط بترسيم الأمازيغية أم بكل قضايا وتحديات المجتمع؟
وحتى نبقى في موضوع الأمازيغية وحده، فان الدستور الجديد ليس فقط اعتبرها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة، وإنما أولا وقبل كل شيء نص على رسميتها إلى جانب العربية، وهذا ما يود  بعض محللينا تناسيه، وجر بلادنا إلى العودة كل مرة إلى مبتدأ الكلام.
إن التحدي اليوم هو في تطبيق مضامين الدستور، وصياغة القوانين والآليات والإجراءات ذات الصلة، وليس العودة بالنقاش إلى ما قبل فاتح يوليوز 2011، كما أن اعتماد حرف تيفيناغ جرى الحسم فيه قبل ذلك بمدة طويلة وبعد حوار علمي ولساني عميق، وباستشارة سياسية واسعة، ونال الأمر تصديق جلالة الملك، وإصرار البعض اليوم على «الزيادة في العلم» وربط التنصيص الدستوري على كون الأمازيغية تعتبر رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بالتلميح إلى ضرورة التراجع عن اعتماد حرف تيفيناغ، لا يعتبر سوى نوعا من التحايل لتعويم النقاش، وإرجاء كل خطوة جدية نحو تطبيق ما ورد في الدستور حول رسمية الأمازيغية.
اليوم عندما يطرح الحديث عن صياغة القانون التنظيمي المتعلق برسمية الأمازيغية، أو عندما تتم المصادقة على اتفاقيات دولية لها علاقة بالمساواة وحقوق المرأة، أو عندما تتكثف المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام، وهذه أمثلة فقط، يخرج علينا من يطرح المتاريس، ويهدد، تلميحا أو تصريحا، بفرملة النقاش داخل البرلمان، وإغراقه في الشعبويات الفجة، أو يبدأ في نشر التخويف وسط المجتمع، وعبر افتتاحيات الصحف، وكأن كل المصالحات التي أقدم عليها المغرب «مع الأمازيغية، وفي إطار تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان، ومن أجل النهوض بحقوق النساء…» ليست هي التي مكنت البلاد من النجاح في ربيعها الديمقراطي المتميز، وليست هي التي أتاحت لكل الأطراف السياسية والمجتمعية ما تستفيد منه اليوم من مكاسب ديمقراطية وحقوقية، ومواقع في مختلف المؤسسات، وبالتالي، فان مساعي استهداف هذه المكاسب اليوم أو محاولة الالتفاف عليها من شأنها أن تجعل كل ما راكمه المغرب بلا معنى أو امتداد.
ليس مقبولا اليوم إذن أي تراجع عن سعي المجتمع إلى أجرأة تنصيص الدستور الجديد على رسمية الأمازيغية، وليس مقبولا أيضا أي تردد في تقوية سير بلادنا نحو الانخراط في كامل منظومة حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها كونيا، وأساسا من خلال إلغاء عقوبة الإعدام ومنع وتجريم التعذيب، وتعزيز المساواة وحقوق المرأة، واحترام الحريات الفردية، وحرية الرأي والتعبير.
إنها عناوين مركزية في منظومة القيم والمبادئ المهيكلة للمشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي الذي توافق عليه المغاربة.
[email protected]

Top