رمضاننا التلفزيوني

بعد انصرام الأيام العشرة الأولى من الشهر الكريم، يمكن للمرء تكوين نظرة شاملة عما تعرضه قنواتنا الوطنية، وإبداء تقييم عام بشأنها، وذلك انطلاقا مما يتداوله المشاهدون في مختلف مجالس حديثهم الرمضانية، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي. لم تحدث قنواتنا التلفزيونية(ثورة)هذا العام، أو أي قطيعة في المنطلقات وفي البنيات العامة لما تعرضه لمشاهديها، وتواصل، بالتالي، (السيستيم)نفسه، والتوليفة ذاتها.
في المضامين، تابعنا قلة من الأعمال تضحكنا، لكن أغلبها كان يضحك علينا ومنا، وقد تكرر في دواخل الكثيرين منا السؤال المحير: لماذا يحدث معنا هذا؟ ولماذا تأخرنا في الإبداع التلفزيوني إلى هذا الحد؟ ولماذا لم ننجح في صنع ولو مادة تلفزيونية رمضانية نستحقها وتستحقنا؟
نقر بداية بتألق ممثلات وممثلين قدموا أداء فنيا عالي المستوى، ونجحوا في إبراز قيمتهم الإبداعية الكبيرة، لكن مشكلتننا تتمثل في ضعف الأفكار، وفي تفكك الكتابة التلفزيونية أو غيابها الكامل، وهذا ورطنا كلنا في أعمال بدائية تصور واقعا مغربيا لا يوجد سوى في خيال الواقفين وراءها، ولم تتردد أعمال أخرى عرضت في اقتراف عنصرية بليدة صفعتنا بها جميعا خلال شهر الإمساك هذا، كما أن أعمال قيل إنها فنية أو كوميدية، ولو تعسفا، لم تنتبه إلى أن المغاربة، وحتى الصغار منهم، صاروا يمتلكون رصيدا كبيرا من المشاهدة يتيح لهم المقارنة، فقدمت لهم مشاهد صنعت بغباء فاضح، ومع ذلك لم تخجل في البحث عن تبرير للبلادة وملأت به أعمدة الصحف هذه الأيام والمواقع الالكترونية، وكأنها تقول للمغاربة(خليونا نتعلموا الحسانة في ريوس اليتامى)على حد معنى القول الدارج.
لقد صار من المخجل تكرار الحديث عن هذه الفضائح التلفزيونية كل عام، وعند كل رمضان، بل  المصيبة أن نفس الانتقادات والشكوى تثار طيلة العام.
تلفزيوننا سقط في رمضان، ليس فقط من خلال ما تضمنته برمجته المتعلقة بالمواد الفنية والترفيهية والتفاعلية، مع بعض الاستثناءات القليلة جدا جدا، وإنما غاب عنه أيضا أن البلاد في هذا الشهر الفضيل تعيش أحداث سياسية هامة تستحق أن تدرج ضمن البرمجة اليومية بما يليق بأدوار التلفزيون في تطوير الدينامية الديمقراطية في البلاد.
ليس مفهوما إصرار العقلية القائمة على الشأن التلفزيوني المغربي على اعتبار المغاربة غير معنيين بالقضايا السياسية والاجتماعية والدولية والفكرية، وبالنقاش حولها في شهر رمضان، وليس مفهوما أيضا عدم الالتفات إلى انتقادات المشاهدين وتذمرهم مما تقدمه قنواتهم الوطنية في كل رمضان.
إن تلفزيوننا ليس فقط بلا حس تفاعل مع مشاهديه، ومع ما يجري في البلاد، وإنما هو والقائمون عليه يسيرون بلا بصر أو بعد نظر.

Top