اتفاق الصيد

وقع المغرب مع المفوضة الأوروبية المكلفة بالشؤون البحرية والصيد البحري، أول أمس الأربعاء بالرباط، بالأحرف الأولى، على بروتوكول جديد للصيد البحري بين المملكة والاتحاد الأوروبي. وبالرغم من أن تفاصيل مواده لم تنشر بعد كاملة، فإن ما تم تعميمه لحد الآن، يكشف استجابة مهمة لما أبدته المملكة من مطالب وانشغالات، حيث جرى مثلا تقليص إمكانيات الصيد، من خلال الترخيص فقط لـ 126 باخرة أوروبية مقابل 137 في إطار البروتوكول السابق، كما أن المقابل المالي الإجمالي السنوي للبروتوكول يقدر بـ 40 مليون أورو، منها 14 مليون أورو مخصصة لمواصلة تفعيل مخطط (أليوتيس)، بغية التعزيز الاقتصادي لقطاع الصيد البحري الوطني، بالإضافة إلى ضمان تدبير مستدام ومسؤول للموارد البحرية، ومراعاة احترام القانون الدولي والحكامة الجيدة والمردودية الاقتصادية…
من جهة أخرى، لقد مثل توقيع الرباط لهذا الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي فشلا قويا لكل خصوم الوحدة الترابية للمملكة، خاصة على صعيد المطالبة بإخراج الأقاليم الجنوبية من دائرة الاتفاق، وفي المقابل انتصرت الرباط في الوصول إلى اتفاق عادل ومتوازن وفق ما كانت تطالب به دائما.
من المؤكد أن توقيع البروتوكول الجديد، وخصوصا بعد انتهاء إجراءات المصادقة البرلمانية عليه، سيخدم مصالح الصيادين الأوروبيين، وأساسا الإسبان، ولهذا فقد كان طبيعيا أن تسارع مدريد إلى التأكيد على أنها تلقت بإيجاب وصول الطرفين إلى هذه النتيجة، ودعت إلى وضع كافة الآليات الضرورية لتنفيذ هذا الاتفاق في أقرب وقت ممكن.
لكن المغرب بدوره يشدد على ضرورة أخذ مصالحه الوطنية بعين الاعتبار، ليس فقط من خلال عدم المس بسيادته على كافة ترابه الوطني، واحترام وحدته الترابية، وإنما أيضا من خلال مراعاة مصالح المهنيين المغاربة ومطالبهم، وأيضا الحرص على أن  تساهم الشراكة مع الاتحاد الأوروبي بشكل عملي وملموس في تطوير القطاع وتأهيله وتحديثه وتحسين أوضاع العاملين فيه، وبالتالي الارتقاء بالقطاع ككل إلى مستوى القطاع الاقتصادي المنتج والمتقدم والمساهم في تقوية شروط التنمية لمهنييه وللبلاد كلها.
وفقط وفق هذا المنظور يمكن التطلع إلى شراكة متوازنة تتحقق الاستفادة من خلالها للطرفين معا، وليس فقط للوبيات إسبانية لا زالت تعتبر الصيد في المياه المغربية بمثابة «حق» تاريخي لها، وتمارس مختلف الضغوط، خاصة في ظرفية الأزمة الاقتصادية الحالية، كي تنال ذلك.
ثم إن قطاع الصيد البحري الوطني يطرح اليوم إشكالات ومعضلات متعددة لا يمكن حلها فقط من خلال الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وإنما هي تتطلب أيضا سياسة وطنية إرادية تتوجه للمستهلك المغربي المحلي، وتعمل على تطوير صناعات مختلفة ترتبط بالبحر وبموارده الثمينة، وذلك من خلال تحسين جودة الحكامة ومحاربة الريع والنهب والفساد من قبل أباطرة البحر، والاهتمام بأوضاع صغار المهنيين وأسرهم ومناطقهم.
[email protected]

 

Top