الشعر والغناء والرقص عند «هوارة»

عبد الإله بنهدار كاتب مسرحي وسيناريست وناقد، من أهم أعماله الدرامية مسرحية «قاضي حاجة» التي أنتجتها فرقة أكاديما بمراكش من إخراج حسن المشناوي وصورت للقناة الثانية 2M، ومسرحية «قايد القياد ـ الباشا الكلاوي» إنتاج النادي الفني كوميديا والقناة الأولى SNRT إخراج حسن هموش، ومسرحية «رياض العشاق» إنتاج المسرح المفتوح بشراكة مع المسرح الوطني محمد الخامس إخراج عبد الصمد دينية، ومسرحية «الروكي بوحمارة» إخراج حسن هموش لفائدة النادي الفني كوميديا..

ثم مسرحية «الجدبة» إنتاج مسرح الحال بشراكة مع المسرح الوطني محمد الخامس فكرة وإخراج عبد الكبير الركاكنة. ومعظم هذه النصوص منشورة.
ساهم في كتابة سيناريوهات لحلقات مجموعة من السلسلات التلفزيونية كسلسلة «طالع هابط» القناة الأولى، «ناس الحومة» القناة الثانية.. ومسلسل «دموع الرجال» إخراج حسن غنجة إنتاج القناة الثانية. وكتب عدة أشرطة تلفزيونية منها «آسفة أبي» و»شهادة ميلاد» «الزمان العاك».. له إسهامات في مجال النقد المسرحي والسينمائي والأدبي ونشر عدة مقالات ودراسات بمختلف المنابر الصحافية الوطنية والعربية..
9 ) المقولة السائرة:

من مَثَل وحكمة ووصف رائع يقولها الفرد في مناسبة من المناسبات، وكلها مقولة سائرة على مر العصور لأنها تعبير صادق عن الحياة التي يحياها الإنسان كما في قوله:

وِيلا قلالُو الفلوسْ  أ الضامنْ
مُحالْ واشْ تلاَوْ يعرفوكْ..

10 ) الوحدة الموسيقية:

وهي تضبط القصيدة من بدايتها إلى نهايتها ويمكننا أن نلاحظ في الشعر الهواري هذه الإيقاعات:

أ- الإيقاع المتقطع: كما نجد في التكرار مثلا: حيث يورد الشاعر مقطعا ثم يتلوه إيقاع بطيء فسريع بالضرب (على البنادر والناقوس) ثم يعود للتكرار مرة أخرى.

ب – الإيقاع الواحد: كما نجد في حوران حين يتخد شكلا واحدا وإيقاعا مسترسلا من البداية إلى النهاية.

د – الإيقاع الراقص: حيث يكون الإيقاع أي العزف على الآلات والرقص متلازمين كما هو الحال في التكرار ولوناسة وفي حوران لكن في هذا الأخير يكون الرقص عاديا وبدون قفز، وقد يعتمد فيه على تحريك الكتفين فقط.
«فالمغني إذن يعيش حالة معينة ولكن عوض أن ينقلها لنا بطريقة مباشرة، يستخدم هذه الطريقة، فيضفي عليها نوعا من الحيوية الفنية غير متجاوز واقعه الذي يكشفه أمامنا ليبين ما كنا نجهله فتظهر مهمته في طريقة العرض وحسن الاختيار…»
إن أهم ما يمكن الإشارة إليه في هذه الخاتمة هو ما يمكن استنتاجه من تلك السطور السالفة التي حاولت فيها قدر المستطاع أن أكشف عن بعض ما هو خفي في هذا التراث الشعبي الهواري بأغراضه وأهدافه وأهم أنواعه وقضاياه.
لقد تطرق الشعر الهواري إذن إلى مواضيع مختلفة عبر عنها نظما، ونثرا، ضمنيا وصراحة. كما أنه عبر في صدق وحرارة وبعاطفة متوقدة عن معاناة الإنسان الهواري ويتجلى ذلك بوضوح في قصائد عديدة، أو قصيدة حمادة كنموذج والتي هي على شكل حكاية شعبية مغناة، والجدير بالذكر هنا أن الحكاية الشعبية تتميز بأنها تنتقل من مكان إلى مكان آخر عن طريق الرواية الشفوية، وذلك عن طريق الراوي الذي يرددها. حسبما تسعفه الذاكرة، وكثيرا ما يضيف إليها أو يحذف منها. وربما يحكيها كما سمعها، ولهذا نقول: «إن الحكاية الشعبية ليست شيئا جامدا بل هي مادة مرنة تخضع العوامل التطور مما يضفي عليها صفة المرونة».
إلا أن هذه الحكايات عند الهواريين أديت على شكل قصيدة غنائية، مخالفة لما هو متعارف عليه في سرد الحكاية، حيث أدتها المجموعة الغنائية بإيقاعها الخاص وبأدواتها لضبط الإيقاع، فمزجت الحكي والسرد بالغناء والإيقاع. هذا علاوة على أن اهتمامها بالحكاية الشعبية وتقديمها على هذا المنوال أمر مقصود، وهي طريقة لتوصيل معاني كثيرة إلى المتلقي بواسطة الإيقاع والرقص. لأن الإنسان الهواري مطبوع على ذلك ومتذوق لفن الحكاية كلما أداها على الطريقة التي يحب من جهة، ومن جهة أخرى لأن الحكاية «تتميز بأنها ليست مجرد حكاية للترفيه، بل هي أيضا مرآة العصر وأفكار الشعب وحكمه، وهي ذات هدف، فقصة عنترة مثلا تحلل مشكلة الرق في الجاهلية، وفضلا عن هذا تبين القصة أن الشرف أو النبل ليس مصدر الحسب والنسب، بل عظمة الشخصية والسجايا».
كما أن الباحث في التراث الشعبي فاروق خورشيد يرى بأن «جميع الحكايات الشعبية يجب أن تؤخذ مأخذ الجد لأنها تعكس بيئة القصة وتساعدنا على فهم الناس الذين كانوا يعيشون في ذلك الزمن التاريخي وتوضح مشكلاتهم الاجتماعية».
هكذا يبدو أن التراث الهواري غنيةٌ دلالاتُه، ومتشعبة مداركه ومعارفه، كما تتشعب أيضا طرق التعبير والأداء في الفن وهو ما يستحق دراسات وافية، كغيره من باقي الثقافات الشعبية، إلا أنه ومع بالغ الأسف أصبح يغض الطرف عن هذا الجانب، فأصبح التراث الشعبي ينظر إليه فقط كتسلية أو كشيء ثانوي.
«إن الهدف من التراث الشعبي ليست مجرد وسيلة للتسلية والإمتاع فحسب، بل إن التراث الشعبي ذو أهمية حيوية. تجعله في مستوى النخلة التي تظله وتطعمه تهيأ أدواته وتسهم في بناء بيته».
إن معظم أفكار المبدعين الشعبيين سواء تعلق الأمر بالشعراء أم بالفنانين والقصاصين والحكائين وغيرهم «تنبثق من المجال الشعبي والروحي الذي يهدف إلى التمسك بوحدة الشعب أو القبيلة أو الأسرة في سبيل القيام بدور فعال في بناء المجتمع».
وأول خلاصة يمكن تسجيلها هي أن هذا التراث الشعبي، تعبير أصيل وصادق، وعنصر الصدق هذا أمر هام لنجاح أي فن وهو ما يضفي عليه صفة الاستمرارية والحيوية، صادق في تعبيره عن مكامن الذات، وعن معاناتها وعن خشونة الحياة أحيانا ورطوبتها أحيانا أخرى، إنه يصور حياة البادية، بكل بساطتها وعفويتها، ويعبر في صراحة عن جمالها وقبحها بدون حرج أو تحفظ.
أيضا يمكن القول على أن هذه الثقافة الشعبية ومن بينها الشعر الهواري كلمة وأداء تستجيب استجابة تامة لكل المؤثرات وتتفاعل معها إن إيجابا أو سلبا، وهذا عنصر آخر هام جدا.

«والثقافة التي لا تنسجم مع هذه المؤثرات، ولا تستجيب لها، ولا تلبي نداءها، تحكم على نفسها بالموت».
وهذه خلاصة ثانية، وهي أن هذه الثقافة الشعبية الهوارية من خلال تتبعنا لها وجدناها بحق معبرة عن كل التفاعلات والصراعات الداخلية بين ما هو ذاتي وموضوعي، صراع بين الذات أي: ذات الشاعر المبدع وقبيلته، أو صراع بينه وبين المكان الجغرافي الذي ينتمي إليه، أو صراع بينه وبين الزمن الذي يتحكم في هذه الذات ويفرض عليها ما تطيقه وما لا تطيقه.
يمكننا القول على أن الصراع الذي يعيشه الشاعر الهواري هو صراع ثنائي بين ما هو داخلي وخارجي أو بتعبير الصوفية بين ما هو (جواني وبراني) يتمثل الأول في معاناة الأنا وصراعها مع الذات، والثاني في تأثير ما هو خارجي على هذه الأنا ويتمثل في (المكان، الزمان، الموقع، الأهل، القبيلة، العرف، العادات….) كلها عناصر تقف وجها لوجه مع ذات الشاعر معاندة مصارعة له، والشاعر غالبا ما يتحدث وبطلاقة عن موقفه إيجابا أو سلبا منها، إذ في الأخير غالبا ما نجده يتضرع إلى الله أو يحتمي بالقوة العليا وبما هو غيبي (الله، الأولياء، الصالحين، القدر، الزمان، الأيام، المستقبل….)
كلها عناصر يلجأ إليها الشاعر ويتوسل بها كلما ضاقت به الأحوال وهي بمثابة الخلاص وتعليل النفس بالأماني.

Top