مدارس الريادة: الانزياح عن القانون الإطار 51.17 وتفقير باقي المؤسسات التعليمية

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن نتائج اعتماد ما يسمى في المجتمع التربوي المغربي بمدارس الريادة. ففي إطار الإصلاح التربوي والبيداغوجي الذي تعرفه منظومة التربية والتكوين، يتم حاليا تنزيل مشروع جديد تحت مسمى “مدارس الريادة”، والذي أصبحت الوزارة الوصية تعتبره النموذج الجديد للمدرسة العمومية المغربية، بل حلا جذريا لما تم تسجيله من نتائج سلبية ضد المتعلمين المغاربة في التقويمات الوطنية والدولية من جهة ومن جهة أخرى العجز الكبير لدى المتخرجين من المدرسة المغربية في التواصل باللغات المدرسة وكذا إنجاز عمليات رياضياتية بسيطة ومعتادة. فهذا النموذج الجديد يتم تجريبه حاليا (ابتداء من الأربعاء 6 شتنبر 2023 حسب المادة 5 من المقرر الوزاري رقم 19.23 الخاص بتنظيم السنة الدراسية 2024/2023) فيما يناهز 628 مؤسسة تعليمية متفرقة في كل المديريات والأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، ويهم مجموع متعلمين ومتعلمات يفوق 322000 فرد، وتعداد المدرسين والمدرسات الذي بلغ قرابة 11 ألفا يؤطرهم ما يقارب 160 مفتشا ومفتشة. وهذا كله حسب ما تم تسطيره في رزنامة مشاريع بناء نموذج المدرسة الرائدة.

فمنذ الدخول المدرسي الحالي، والوزارة الوصية تحاول تصوير هذا النموذج، الذي يتم فيه تجريب أربعة مشاريع بشكل تزامني ضمن نفس المؤسسات المحتضنة، بأنه ورقة الخلاص للارتقاء بالمدرسة المغربية إلى مستويات تضاهي الدول المتقدمة. فبالإضافة إلى مقاربة الدعم التربوي وفق المستوى المناسب لكل متعلم (TARL) يتم تنزيل أيضا مقاربة التدريس بالتخصص في السلك الابتدائي والتعليم الناجع أو الممارسات الصفية الناجعة ناهيك عن علامة الجودة التي ستسعى المدارس الرائدة للحصول عليها عند نهاية الموسم الدراسي، وهي التي ترتبط بها منحة التحفيز الخاصة بالأطر العاملة في كل مؤسسة. وقد شهد شهر شتنبر وشهر أكتوبر من الموسم الحالي تطبيق أنشطة الدعم وفق مقاربة (TARL) المشار إليها سابقا، بعد رائز قبلي تم التطرق لنتائجه كمنطلقات منطقية لتنزيل المشروع، حيث سيتم العمل على تجاوزها بعد أجرأة طريقة الدعم الجديدة. وموازاة مع ذلك تحاول الوزارة الوصية تنظيم أكبر حملة دعائية لتنزيل مشاريع المدارس الرائدة وخصوصا مشروع الدعم التربوي وفق المقاربة المستوردة من دولة الهند (TARL)، وكأنها تحاول إقناع الجميع بنجاعتها ونجاحها في حل مشاكل المدرسة العمومية المغربية المتراكمة على مر السنين قبل إخضاع كل مكونات هذا المشروع لتقويم دقيق. ولعل بلاغ 9 نونبر الحالي وكذا ظهور ومشاركة العديد من المشاركين في هندسة النموذج الجديد على قنوات التلفاز ومحطات الإذاعة لخير دليل على ذلك، حيث يمكن مناقشة هذا المشروع وما يرافقه من إجراءات من خلال النقط التالية:

1- بلاغ 9 نونبر 2023: تلاعب باللغة والكلمات للتوهيم والتفاف عن منطلقات ومرامي المشروع.

الملاحظ، وبشكل لا يقبل الجدال ولا النقاش، أن الوزارة تحاول طمأنة المغاربة بخصوص منظومتهم التربوية بأي شكل من الأشكال. فمن خلال تسخير القنوات السمعية والبصرية وكذا بلاغ 9 نونبر 2023 الذي أصدرته الوزارة بخصوص نتائج عمليات الدعم التربوي باستخدام مقاربة (TARL) نلاحظ بأننا نعيش أكبر محاولة لطمس الواقع المر الذي باتت المنظومة التربوية المغربية تعيشه جراء الاحتجاجات والإضرابات التي طال أمدها منذ بداية الدخول المدرسي الحالي، وخصوصا مع الإفصاح عن وثيقة النظام الأساسي لموظفي قطاع التربية الوطنية، الأمر الذي خلف حالة من الفوضى العارمة وهدرا كبيرا لزمن التعلم سيؤدي المتعلم المغربي فاتورته غاليا في مستقبله التعليمي بكل تأكيد. هذا البلاغ كما تمت الإشارة لذلك تلاعب بالكلمات واللغة لتوهيم المتلقي من خلال كتابته بلغة محترفة مصحوبة بتلاعب كبير بالأرقام والنسب والمستويات. وهنا تجدر الإشارة إلى انطلاقه من معطيات أخرى مخالفة لمنطلقات المشروع الأساسية المتمثلة في كون نسبة 23% فقط من متعلمي المستوى الخامس هي القادرة على قراءة نص باللغة العربية من 80 كلمة، ونسبة 30% فقط من متعلمي المستوى الخامس قادرين على قراءة فقرة من 16 كلمة باللغة الفرنسية ثم نسبة 13% من متعلمي نفس المستوى قادرة على إنجاز عملية قسمة بسيطة. حيث يلاحظ كل متتبع للشأن التربوي بأن هذا البلاغ قد فضل اللجوء إلى المستويات الدنيا أساسا من خلال إعلانه عن انتقال نسبة القادرين على قراءة كلمات باللغة الفرنسية من %20 إلى %59 في المستوى الثالث والقادرين على قراءة فقرة، دون تحديد اللغة، في نفس المستوى من %20 إلى %50 ثم انتقال القادرين على إنجاز عملية جمع من قبيل 27+48 من %9 إلى %61 دون تحديد المستوى الدراسي المعني بذلك، ويعزى هذا الهروب إلى المستويات الدنيا في الغالب إلى كون نتائج المستويات العليا تعيش وضعا تربويا كارثيا يفوق ربما النسب المعلن عنها في منطلقات المشروع كما أنها غير معنية بالتقويمات الدولية والوطنية المعروفة والتي يشارك فيها النظام التربوي المغربي. كما أن كل ما تم قياسه بهذه النسب لا يتجاوز كونه موارد أو تعلمات جزئية فقط، بينما المشكلة التي يواجهها المتعلم المغربي في أي تقويم وطني أو دولي تهم توظيف هذه التعلمات الجزئية والموارد لتحقق الكفايات الأساسية، وبالتالي تسجيل التباين الكبير بين نقط المراقبة المستمرة التي تعني تعلمات وموارد جزئية في الغالب ونتائج هذه التقويمات التي تهتم بقياس مدى تحقق الكفاية. هذا كله وبعد إقرار البلاغ بكون التحليل قد شمل نتائج كل المستويات الدراسية يتضح للمتتبع والباحث التربوي كون القياس والتقويم المعتمد قبل إصدار البلاغ قد سار هو الآخر سير فروض المراقبة المستمرة وكرس نفس الوضع الذي تعيشه المدرسة المغربية أصلا وهو ما يؤكده الاطلاع على مختلف الروائز المعتمدة ثم التراجع عن ذكر نسبة القادرين على إنجاز عملية قسمة بسيطة باعتبارها عملية تقتضي توظيف موارد وتعلمات جزئية أخرى.

إن انطلاق البلاغ من مقولة شبيهة ببديهيات الحس المشترك الجمعي الذي يتولد لدى أي شخص جراء تغيير طريقة اشتغاله وهي المتمثلة في القول: “أبان الأستاذات والأساتذة بمدارس الريادة عن فعالية الأساليب الجديدة مع تسجيل تحسن كبير في مستوى التلاميذ”. لخير دليل على استهداف طمأنة المجتمع المغربي والإقرار بنجاح السياسة التربوية المتبعة للإصلاح، ناهيك عن تقديم معطى صادم يتمثل في كون %80 من متعلمي المدارس المعنية لا يتحكمون في الكفايات الأساسية المدرسة في السنة السابقة بالطريقة العادية. وهي النسبة التي لم يناقشها متن البلاغ الذي فضل اللجوء للتعلمات الجزئية لسهولة تصحيحها وبالتالي التغاضي عن توظيف التعلمات الذي يشكل كارثة المدرسة المغربية. وفي ختام مناقشة هذه النقطة لابد من الإشارة إلى كون عدد المتعلمين الذين خضعوا للتقويم السابق لبلاغ الوزارة هو 63000 متعلم أي ما تقدر نسبته بـ %19.56 فقط من متعلمي المدارس المحتضنة للمشروع، نظرا لانخراط أساتذة المتعلمين والمتعلمات الآخرين في الإضرابات والاحتجاجات التي يشهدها القطاع ورفضهم تمرير الرائز المعني، ليبقى السؤال المطروح هو ما مدى صدق هذه النتائج، رغم التلاعب باللغة وتوهيم المغاربة بنجاح الإصلاح، علما أنها اعتمدت فقط على أقل من خمس الفئة المستهدفة بالتقويم؟ وبموثوقية النتائج لهذا الخمس تقدر بـ %78 علما أن العلوم الإنسانية تفرض نسبة موثوقية تتجاوز %85 للإقرار بمصداقية النتائج دون الخوض في ما قد يشوب عملية التحليل من انزلاقات.

2- مدارس الريادة بين الإنصاف وتكافؤ الفرص وما سطره القانون الإطار 51.17 للمدرسة المغربية.

ما يسجله المتتبع للشأن التربوي المغربي بخصوص مدارس الريادة، من خلال اطلاعه على عرض رزنامة مشاريع بناء نموذج المدرسة العمومية الرائدة وكذا المذكرة الإطار رقم 22 بتاريخ 18 ماي 2023 في شأن تفعيل العمل بمشروع “مؤسسات الريادة”، هو غياب الإحالة على القانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، وكأن إصلاح المدرسة العمومية المغربية بعيد عن ما كفله هذا القانون للمتعلم والمتعلمة من حقوق ومواصفات. وهذا لربما سيعتبر خروجا عن مأسسة الإصلاح وجعله دينامية مستمرة بكفالة القانون وعدم ارتباطه بهذا وزير أو ذاك كما كان سابقا. كما أن المادة 27 من القانون الإطار 51.17 السالف الذكر تلزم الجميع بالعمل على تجديد وملاءمة المناهج والبرامج والتكوينات والمقاربات البيداغوجية، مع السهر على تنفيذ مضامين الهندسة اللغوية المعتمدة، وتطوير موارد ووسائط العملية التعليمية. ثم المادة 28 تقر بإحداث لجنة دائمة تعنى بالتجديد والملاءمة المستمرين لمناهج وبرامج وتكوينات مختلف مكونات منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، مع مراعاة خصوصيات كل مكون من هذه المكونات. هذه اللجنة ستمارس عملها المتمثل في إعداد أطر مرجعية ودلائل خاصة مؤطرة للمناهج والبرامج المعتمدة مع تحيينها من خلال التركيز على مجموعة من النقط التي تكفل فضاء جذابا ومركزية المتعلم في النظام التربوي وتطوير التدخلات واستعمال التكنولوجيا الحديثة بالإضافة لتدبير الزمن المدرسي وأشياء أخرى نجد بأن مدارس الريادة تم بموجب إقرارها التصرف دون الاحتكام لكل ما سبق. فالأجدر ضمن مأسسة الإصلاح تشكيل اللجنة المذكورة لتكون بمثابة المخاطب الرسمي في قيادة هذا الإصلاح الذي يتم تنزيله بشكل مباشر من مستشار السيد الوزير إلى المؤسسات المحتضنة. كما أن المادة 31 من نفس القانون أيضا تشير إلى تحديد الهندسة اللغوية المعتمدة لعناصر السياسة اللغوية المتبعة في مختلف مكونات منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي ومستوياتها.

وبناء على ذلك، يجب أن ترتكز الهندسة اللغوية المعتمدة في المناهج والبرامج والتكوينات المختلفة على إعطاء الأولوية للدور الوظيفي للغات المعتمدة في المدرسة لضمان الاندماج الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والقيمي للمتعلم، ثم تمكينه من إتقان اللغتين الرسميتين واللغات الأجنبية ولا سيما في التخصصات العلمية والتقنية، مع مراعاة مبادئ الإنصاف وتكافؤ الفرص واعتماد اللغة العربية لغة أساسية للتدريس، وتطوير وضع اللغة الأمازيغية في المدرسة ضمن إطار عمل وطني واضح ومتناغم مع أحكام الدستور، باعتبارها لغة رسمية للدولة، ورصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء. فهذا الدور الوظيفي للغات يشكل معضلة في المدرسة المغربية ولازال. إذ لم يستطع مشروع مدارس الريادة وخصوصا بلاغ نتائج الدعم وفق المستوى المناسب حتى التطرق لما تم رصده في هذا الجانب. لنصل إلى جرح النظام التربوي المغربي الذي استبشر الجميع خيرا بإمكانية طيه من خلال إعمال مقتضيات القانون وما جاء في المذكرة الوزارية 2023/28، وهو المتمثل في تدريس اللغة الأمازيغية التي نلاحظ إهمالها بشكل مستمر إلى أن جاءت مدارس الريادة فأرغمت مدرسيها المتخصصين على مباشرة الدعم التربوي حسب المستوى المناسب ضمن تخصص آخر للحصول على الإشهاد، بالإضافة إلى تغييبها من عدة الاشتغال بشكل نهائي. فكيف يستقيم إلزام المؤسسات الأجنبية العاملة بالمغرب بتدريس العربية والأمازيغية ونجد هذه الأخيرة غائبة تماما من عدة الاشتغال بمؤسسات عمومية قيل عنها بأنها رائدة؟

وبخصوص إنصاف المتعلم والمتعلمة وتكافؤ الفرص بين الجميع نلاحظ بأن هذا النموذج بعد اعتماده في 628 مؤسسة تعليمية هذا الموسم الدراسي، سيتم توسيعه بمعدل 2000 مؤسسة في السنة، حسب ما تم الإفصاح عنه، ضمن تعداد مؤسسات التعليمية الذي سيقترب من 13000 مؤسسة تعليمية بعد موسمين دراسيين. وهو ما يعني ضرورة الانتظار لمدة لا تقل عن ستة مواسم دراسية قبل التعميم، طبعا مع توفر الموارد المالية اللازمة لذلك. ومنه يتبين بأن من بين متعلمي المستوى الأول هذا الموسم هناك من سيكمل سلكه الابتدائي دون الاستفادة من سنة واحدة ضمن هذه المدارس التي يحكى عنها وعن نتائجها الكثير، وهذا مس خطير بتكافؤ الفرص والإنصاف اللذان يشكلان الأهداف الكبرى للنظام التربوي المغربي، طبعا دون الإفاضة في الحديث عن غياب التقاطع مع باقي مشاريع الوزارة في الحقل التربوي كمشروع التربية الدامجة الذي يحاول تعزيز هذا الإنصاف وتمكين الجميع من نفس فرص النجاح، بالإضافة إلى استثناء القائمين على تنزيل النموذج للمؤسسات المحتضنة التي تعرف انتشار الأقسام المشتركة (أزيد من 25 ألف قسم) من إرساء التعليم الناجع أو الممارسات الصفية الفعالة وكذا التدريس بالتخصص وبالتالي التأثير على نيل الإشهاد الخاص بمؤسسات الريادة مما يعتبر مسا كبيرا بإنصاف المتعلم القروي الذي يعاني الهشاشة وضربا صارخا لقدرة القائمين على هندسة النموذج الجديد على التخطيط المحكم للإصلاح.

3- مدارس الريادة: ارتفاع النفقات المالية وتفقير لباقي بنيات ومؤسسات التربية والتكوين.

المعروف في الوسط التربوي هو كون كل إصلاح له كلفة مالية واقتصادية تتحملها الدولة للقيام بدورها في تطوير المنظومة التربوية وتجديدها، وهو نفس ما عاشته وتعيشه مدارس الريادة بالمغرب. فقد تم توفير كل المستلزمات اللازمة لتنفيذ رزنامة المشاريع المكونة لهذا النموذج الجديد للمدرسة المغربية حسب ما تصرح به الوزارة الوصية. فتوفرت للمؤسسات منحة مالية مهمة بلغت 100000 درهم بالإضافة إلى تأهيلها بالكامل بتكلفة مادية مهمة من خلال صفقات عبر التراب الوطني، ثم تجهيز كل قسم بمسلاط ضوئي وتمكين الأستاذ من حاسوب محمول ثم عدة ورقية يتم توفيرها بمبالغ مالية مهمة أيضا. ليطرح سؤال مصدر التمويل بحدة نظرا لضخامة المبالغ المصروفة، وطبعا سنجد بأن الجواب يكمن في تدبير ميزانيات الأكاديميات والمديريات الإقليمية التي طلب منها توفير كل ما ذكر، بأوامر فوقية كما أشرنا سابقا، في غالب الأحيان من نفس ميزانياتها الموجهة لتمويل كل المؤسسات والأنشطة المعتادة لكل موسم دراسي، باستثناء الحواسيب المحمولة التي تم توفيرها من مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للتربية والتكوين. فما كان سوى التصرف في الميزانيات المتوفرة على حساب المؤسسات الأخرى التي لا تشارك في تنزيل هذا النموذج خصوصا أن الموازنات المالية الأولى قد منحت فقط 50000 درهم كمنحة لمشاريع المؤسسات المحتضنة للنموذج ليتم تعديلها إلى غاية بلوغها 10 ملايين سنتيم لكل مؤسسة. هذه الحالة جعلت العديد من المديريات والأكاديميات تبرمج أقل من مليون سنتيم كمنحة للمشروع المندمج لباقي المؤسسات التعليمية وغياب تام لوسائل الاشتغال من أقلام وأوراق نظرا لاستنزاف الميزانيات الخاصة بها. فنجد من أساتذة المؤسسات غير المدرجة في مدارس الريادة من تم تمكينه أربعة أقلام فقط لتغطية الفترة المتبقية من السنة المالية الحالية. وبالنظر والاطلاع على ميزانية القطاع لسنة 2024 نجد بأن الوزارة الوصية قد عادت لبرمجت منحة خاصة بتنزيل النموذج مقدرة في 50000 درهم خصوصا مع تزايد أعداد هذه المؤسسات وهو ما يعني نصف منحة التجريب هذه السنة بالإضافة إلى استنزاف المبالغ المرصودة للتكوين المستمر من خلال عدد أيام التكوين الخاصة بتنزيل النموذج الجديد والتي تبلغ ما يفوق 18 يوم لكل أستاذ وأستاذة، هذا كله دون إغفال منحة التحفيز التي ستصبح مستحقة مع نهاية الموسم الدراسي الحالي. فباعتماد تعداد مؤسسات الإرساء هذا الموسم الذي بلغ 628 مؤسسة نلاحظ ارتباكا كبيرا على مستوى ميزانيات التنفيذ لدى المديريات والأكاديميات وتفقيرا كبيرا وحادا لباقي المؤسسات التعليمية في مقابل التنزيل، وهو مس خطير بمبدأ تكافؤ الفرص وإنصاف المرتفقين بهذه المؤسسات، فكيف ستكون الحال عند اعتماد 2628 مؤسسة في الموسم الدراسي 2024/2025، أي بعد مضاعفة العدد الحالي أربع مرات؟

عموما وفي ختام مناقشة هذا الموضوع الذي يلقي بظلاله على كافة الجوانب المرتبطة بمنظومة التربية والتكوين، لابد من التذكير بأساسيات نجاح أي تجديد تربوي أو إرساء لنموذج تربوي آخر للمدرسة بصفة عامة والمدرسة العمومية المغربية بشكل خاص والمتمثلة في:

– استحضار تاريخ وكرونولوجيا الإصلاح التربوي السابق: حيث يمكننا ذلك من ترصيد المكتسبات وتفادي إهدار الجهد والمال في أشياء وجوانب قد تكون المدرسة المغربية راكمت فيها تجربة مهمة يمكن الاعتماد عليها قصد التطوير والتحسين. وهنا على سبيل المثال يمكن الاستعانة بما تم تحقيقه في إطار المدارس الجماعاتية وتطويره بمدارس الريادة كنوع من الإنصاف لمتعلمي العالم القروي من جهة وتجاوز نقطة تطبيق الدعم فقط وفق مقاربة (TARL) دون غيرها من مكونات رزنامة مشاريع المؤسسة الرائدة. كما أن هذه المدارس الجماعاتية لها شراكات متعددة ومع أطراف مختلفة يمكنها المساهمة في تخفيف التبعات المالية لتنزيل الإصلاح.

– إدماج التنظيم الإداري للقطاع وكذا بنيات للحكامة ضمن سيرورة الإصلاح: وهذا ما يغيب في حالة المدارس الرائدة التي يتم فيها التنزيل بمعزل عن البنيات الإدارية الرسمية وبشكل مباشر من مستشار الوزير إلى الميدان ليبقى السؤال الذي تغيب إجابته هو كالتالي: كيف يمكن تنزيل إصلاح تربوي من هذا الحجم وبتبعات مالية وبيداغوجية ضخمة دون التأكد أولا من فهم البنيات التدبيرية للقطاع لمنطق الإصلاح المنشود؟ وكيف يمكن في ظل غياب هذا الفهم مطالبة تلك البنيات بتيسير التنزيل الذي يتجاوزها بحكم العلاقة المباشرة مع جهة خارج التنظيم الإداري الرسمي للقطاع؟

– التبعات المالية وقياس درجة الديمومة: وقد لاحظنا كما يلاحظ المتتبع والفاعل التربوي سابقا كيف يدبر هذا الجانب الذي يسجل فيه الجميع بما فيهم المشاركون في التجربة استحالة استمرار هذا التنزيل بكل هذه التبعات المالية رغم ما خلفته من تفقير لباقي مؤسسات التربية والتكوين، إذ لا يمكن الاستمرار بتلك الوتيرة إلى حين تعميم النموذج المنشود لنصبح في أحسن الأحوال أمام إصلاح قد نسلم بأنه جيد لكنه غير ملائم للمدرسة المغربية ناهيك عن الشرخ الذي سيحدثه اعتماد النموذج في مؤسسات دون الأخرى بالنسبة لهوية المدرسة المغربية.

– ضبط التجريب وتسريعه واعتماد آليات صادقة للتقويم: فمن سمات هذا النموذج الجديد أنه يصعب، وبشكل كبير، تعميمه في غضون ثلاث سنوات التي تعتمدها أغلب الأنظمة التربوية لتنزيل إصلاحاتها وتجديداتها مما يمس حقوق مرتادي المدارس العمومية كما سبقت الإشارة. كما أن احتكار جانب التقويم من قبل المتدخلين فقط في المشروع باستثناء استقدام تنظيم خارجي اعتمد على متقاعدي القطاع لإنجاز هذا التقويم الذي لم يتم فيه الإفصاح عن قدرة هذا النموذج في تطوير توظيف المعارف المدرسة لدى متعلمي المؤسسات المحتضنة.

فمن خلال مناقشة كل ما سبق سيتضح في النهاية بأن المدرسة المغربية رغم كل ما بذل من مجهود لازالت تخوض رحلة البحث عن طريق الخلاص والخروج من دائرة الاستهداف بالملاحظات السلبية من قبل الهيئات الوطنية والدولية العاملة في ميدان التربية والتعليم، وكذا الرتب المتدنية ضمن التصنيفات الدولية والتقويمات الوطنية وهذا لن يتأتى إلا من خلال اعتماد سياسة حكومية تعطي للمنظومة بكافة مكوناتها حقها الكامل في الإبداع والابتكار والتحفيز والاعتراف.

بقلم: سعيد اخيطوش

باحث في قضايا التربية والتكوين والسياسة التربوية

Top