أكدت اللجنة الوطنية الاستشارية لليقظة السمومية عدم جدوى استعمال المصل المضاد للسعات العقارب.
وذكر بلاغ لوزارة الصحة أول أمس الثلاثاء، أنه في إطار الاهتمام الخاص الذي توليه الوزارة لموضوع لسعات العقارب، وتماشيا مع مخطط تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة لسعات العقارب، اجتمع خبراء اللجنة الوطنية الاستشارية لليقظة السمومية يوم الخميس الماضي بمقر مركز محاربة التسمم واليقظة الدوائية، وذلك لتقييم بروتوكول علاج لسعات العقارب المعتمد في إطار هذه الاستراتيجية، مع البث في مدى فعالية استعمال المصل في علاج هذه التسممات.
وحسب البلاغ فقد أوضحت اللجنة أن الخبراء أجمعوا على عدم جدوى استعمال المصل المضاد للسعات العقارب والذي تم التوقف عن استعماله في المغرب منذ سنة 1999، حيث تبين بعد دراسة مستفيضة ودقيقة لكل المعطيات الميدانية والعلمية المتوفرة حاليا، غياب أدلة علمية كافية تثبت فعاليته في علاج وتقليص عدد الوفيات الناجمة عن هذا النوع من التسممات، عكس المصل المضاد للدغات الأفاعي الذي برهن عن فعاليته ونجاعته، والذي تقوم وزارة الصحة باقتنائه (رغم قلة توفره في السوق العالمية) وتوزيعه على مصالح الإنعاش الموجودة في المناطق المعرضة للدغات الأفاعي.
وأضافت اللجنة، أن الدراسات الدوائية بينت أن استعمال المصل المضاد للسعات العقارب يمكن أن يعرض لخطر الصدمة الناتجة عن فرط في الحساسية مما قد يؤدي الى الوفاة.
وأشارت إلى أن بروتوكول علاج لسعات العقارب المعتمد حاليا في إطار الاستراتيجية الوطنية لمكافحة لسعات العقارب، والذي يعتمد أساسا على تركيبة دوائية تقاوم عواقب التسمم على الدورة الدموية والجهاز العصبي، قد برهن عن نجاعته وحقق نتائج جيدة، حيث انخفضت نسبة الوفيات من 2.37 في المائة سنة 1999 إلى 0.21 في المائة سنة 2016. لذلك، يوصي خبراء اللجنة بمواصلة استعمال هذا البروتوكول مع العمل على تعزيز العرض الصحي ليشمل المناطق الجغرافية المتضررة حديثا.
وأكدت اللجنة أن الحل الأساسي لإشكالية لسعات العقارب بالمملكة “ليس الاستمرار في الجدل حول ما هو العلاج وكيف يجب أن يكون، بل يجب أن تنكب الجهود على تفعيل الوسائل المجدية لتجنب الإصابة بهذه اللسعات”.
وفي هذا الإطار يؤكد خبراء اللجنة على أهمية اتباع مجموعة من التدابير الوقائية لتقليص عدد الإصابات، مشيرين إلى أن هناك تدابير تتعلق بالسلوك البشري والتوعوي كعدم إدخال الأيادي في الحفر وعدم الجلوس في الأماكن المعشوشبة وبجانب الأكوام الصخرية، وارتداء أحذية وملابس واقية، وإزالة الأعشاب المتواجدة قرب المنازل وصيانة الساحات المحيطة بها.
وهناك تدابير أخرى ، حسب الخبراء، تتعلق بالبنية السكنية كإغلاق الغيران والثقوب التي قد توجد على مستوى الجدران والأسقف، وتبليط الجدران المتواجدة داخل المنازل وخارجها، لتصبح ملساء على ارتفاع متر على الأقل قصد منع العقرب من تسلق الجدران والولوج إلى المنازل، وتخزين الخشب والمتلاشيات في أماكن خاصة للحيلولة دون إيجاد هذه الحيوانات لمخابئ تستقر بها.
ولتفعيل ناجح لهذه التدابير الوقائية، تؤكد اللجنة على ضرورة مساهمة وانخراط جميع الفعاليات الحكومية وغير الحكومية، التي تهتم بمجالات السكن والتجهيز والتربية والتعليم والإعلام والتنمية المحلية.
وضع حد للجدل
ويأتي بلاغ اللجنة بعد عودة الجدل، خلال صيف هذه السنة، حول مخاطر لسعات العقارب، ومدى نجاعة العلاجات المتوفرة، خاصة مع تزايد عدد الضحايا خلال هذا الفصل على وجه الخصوص.
وكان المركز المغربي لحقوق الانسان قد وجه، خلال شهر يوليوز الماضي، رسالة إلى وزير الصحة الحسين الوردي يطالب من خلالها بضرورة توفير المصل المضاد للسعات العقارب والتي أودت، حسب الرسالة، بعدد من الضحايا لاسيما بجهة بني ملال خنيفرة، حيث سجلت في أقل من أسبوعين أزيد من 15 إصابة بينهم حالتين للوفاة. وأرجعت الرسالة هذه الوضعية إلى عدم توفر الأمصال المضادة للسعات العقارب، بعد قرار لمعهد باستور بتوقيف مصلحة إنتاج الامصال، حسب ما تقول الرسالة دائما.
والحقيقة أن المغرب توقف عن إنتاج هذه الأمصال منذ سنة 2000، كما أشار إلى ذلك وزير الصحة في تصريح صحفي في مناسبة سابقة. ورغم ارتفاع نسبة الإصابات خلال فصل الصيف من كل سنة، إلا أن النسبة العامة للوفيات قد عرفت تراجعا على مدى السنوات الماضية (50 وفاة سنة 2016 مقابل 80 وفاة سنة 2012).
فيما تؤكد إحصائيات المركز المغربي لمحاربة التسمم واليقظة الدوائية أن لسعات العقارب تأتي على رأس قائمة حالات التسمم بالمغرب، بما مجموعه 27 ألفا و397 إصابة، موزعة على 57 من عمالات وأقاليم المملكة، أغلبها بجهة سوس ماسة درعة، متبوعة بجهة مراكش تانسيفت الحوز، تليها جهة دكالة عبدة، مع الإشارة أن غالبية المصابين بلدغات العقارب هم من الأطفال دون سن 15 سنة.
يعرف تواجد أكثر من 50 نوعا من العقارب موزعة على أقاليم التراب الوطني، وتعتبر “Butus occitonus” و”androctonus mauritanicus” من الأنواع الأكثر انتشار والأكثر خطورة وتهديدا لحياة البشر. وتوجد العقارب في جميع المناطق المغربية ولكنها تشكل خطرا أكبر في الجهات التالية: مراكش تنسيفت الحوز، الشاوية ورديغة، دكالة عبدة، تادلة أزيلال، سوس ماسة درعة، فاس بولمان و منطقة فكيك
ومن بين الإصابات يسجل المركز 300 حالة تسمم و500 حالة تشكل خطرا على حياة المصاب وتستوجب العلاج بمصلحة الإنعاش، وأغلب الإصابات تسجل بين الفترة الممتدة بين شهري يوليوز وشتنبر، وتهم الأطراف العليا والسفلى، وتقع غالبا ما بين الساعة الثامنة صباحا والسادسة مساء.
ضرورة التكفل الطبي السريع بالمصاب
وينص بروتوكول العلاج أي أقرته وزارة الصحة ضمن استراتيجيتها لمكافحة التسممات بلسعات العقارب على ضرورة التركيز على العلاج السريري والإنعاش، من أجل إنقاذ حياة المصابين من مضاعفات التسممات.
ويؤكد خبراء ومهنيو الصحة على ضرورة تعزيز البنية التحتية الصحية من أجل تحسين عملية التكفل بالمصابين، عبر سرعة التدخل وتوفير وسائل الإنعاش والعناية المركزة في المراكز الصحية عبر التراب الوطني. كما يشددون على ضرورة تعزيز جهود التوعية والتحسيس في صفوف المواطنين بضرورة الإسراع في تقديم المساعدة الطبية للمريض عوض اللجوء إلى عادات وممارسات عشوائية لعلاج لدغات العقارب، مثل ما يعرف بـ”التشراط” عبر إحداث خدوش وجروح قرب موضع اللسعة، أو استعمال بعض المواد كالحناء وغاز البوتان مع ربط الذراع، الأمر الذي يعتبر هؤلاء الخبراء أنه يؤخر عملية التكفل السريع بالمصاب ويساهم عكس ذلك في انتشار السم بشكل سريع وتعفنات جلدية وربما مضاعفات خطيرة.
ويمكن، عند ملاحظة أعراض التسمم بلسعة العقرب، بالنسبة للحالات الخفيفة، كالشعور بالألم والاحمرار والانتفاخ على مستوى موضع اللسعة، القيام بتعقيم موضع اللسعة وتمكين المريض من أدوية لمكافحة الآلام أو وضع الثلج على موضع الألم في حالة الافتقار إلى مسكنات، ومن ثم نقله بسرعة إلى أقرب مركز الصحي، حيث يخضع بالضرورة لمراقبة حالته لمدة لأربع ساعات (من الضرورة تسجيل ساعة اللسعة لأخذها بعين الاعتبار في عملية العلاج)، فإن استقرت حالته يمكنه مغادرة المركز الاستشفائي. بالمقابل، وبالنسبة إلى بعض الحالات الحرجة التي تعرف أعراضا متفاوتة الخطورة، كالقيء والتعرق الشديد المصحوب بارتفاع في درجة حرارة الجسم، إلى جانب انتصاب دائم على مستوى العضو الذكري، أو حتى لدى ظهور عرض واحد من بين الأعراض المذكورة يستوجب العلاج بالعناية المركزة ، فإن الأمر يتطلب تقديم وسائل الإنعاش لمد المريض بالأوكسجين مع تمكينه من دواء (dobutamine) لتحسين عمل وظيفة القلب.