فضل المجلس العلمي الأعلى اقتراح حلولا بديلة، للقضايا الخلافية الواردة في بعض مقترحات الهيئة المكلفة بمراجعة المدونة، خاصة تلك التي تتأسس على أحكام ونصوص دينية، كالتعصيب، وإثبات النسب، والتوريث بين الزوجين مختلفي الدين، والوصية للوارث.
وخلال استعراضه لمضمون الرأي الشرعي للمجلس العلمي الأعلى، أول أمس الثلاثاء بالرباط، قال أحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، “إن المجلس العلمي الأعلى جاء موافقا لأغلب المسائل والقضايا التي رفعت إليه وعددها 17” مبرزا في الوقت ذاته، أن المجلس ولجانه المختصة، تقترح حلولا بديلة توافق الشرع وتحقق المطلوب، قال إنه من الأفضل الأخذ بها في إشارة إلى تلك القضايا الخلافية وعدد ثلاثة والتي جاءت فيها أحكام أو نصوصا قطعية.
وحصر أحمد التوفيق بصفته عضوا بالمجلس العلمي الأعلى، تلك القضايا في “استعمال الخبرة الجينية في إثبات النسب” و”إلغاء العمل بقاعدة التعصيب” بالإضافة إلى “التوارث بين المسلم وغير المسلم” مؤكدا على أن الحلول البديلة التي يقترحها المجلس تحقق المطلوب وتوافق الشرع.
وبخصوص إثبات النسب خارج الرواج، أفاد الوزير أحمد توفيق أن البديل الذي يقترحه المجلس العلمي الأعلى، هو تحميل الأب كالأم المسؤولية عن حاجيات الولد، دون إثبات النسب، لأن ثبوت النسب في نظر المجلس “يخالف الشرع والدستور ويؤدي إلى هدم مؤسسة الأسرة وخلق أسرة بديلة”، فيما ذهب المجلس إلى اقتراح “الهبة للبنات وعدم اشتراط الحيازة الفعلية” بديلا لمطلب إلغاء التعصيب بالنسبة لمن ترك البنات دون الأبناء.
وحسب أحمد توفيق، فإن موضوع الوصية بالنسبة للوارث، فإن البديل الذي يقترحه المجلس العلمي الأعلى هو الهبة عوض الوصية وعدم اشتراط الحيازة الفعلية، فيما اقتراح المجلس بخصوص التوارث بين الزوجين مختلفي الدين، إمكانية أن يوصي أو يهب، كل منهما للأخر بإرادته، ودون التقيد بشرط الحيازة الفعلية، ويمكن الإشارة إلى ذلك، يضيف أحمد توفيق، في المادة 332 مباشرة بعد المنع، ويمكن لولي الأمر أن يفرض تنزيلا واجبا لأحد الزوجين للمصلحة.
واقترح المجلس العلمي الأعلى، حسب ما أورد الوزير، اقتراحين بديلين، بخصوص مسألة “التوارث بين الكافل والمكفول” أو “التنزيل الواجب” وهما أنه يمكن “لكل منهما حيازة المال في حال عدم وجود ورثة وتنازلت الدولة عن الإرث، ويمكن لكل منهما أن يوصي أو يهب للآخر بإرادته مع عدم اشتراط الحيازة الفعلية، كما يمكن لولي الأمر أن يفرض تنزيلا واجبا لمكفول بمقتضى القانون إذا رأى في ذلك مصلحة.
عدا ذلك فقد وافق المجلس العلمي الأعلى على أغلب القضايا التي أحيلت عليه، بما فيها حصر سن الزواج في 18 سنة، وإمكانية عقد الزواج بالنسبة لمغاربة العالم دون اشتراط حضور الشاهدين المسلمين، وحضانة الأم لأطفالها حتى في حال زواجها، وغيرها من القضايا الأخرى التي لم تكن مثار خلاف داخل المجلس.
وذكر أحمد توفيق بأن العلاقة القائمة بين أمير المؤمنين والعلماء، هي علاقة ذات خصوصية مغربية قائمة على “البيعة الشرعية المكتوبة” وأن هذه البيعة مرتبطة بالنظام “الإسلامي الشرعي” الذي احتفظ به المغرب ويتميز به، مشيرا إلى أن البيعة مبنية على الكليات الخمس، وهي يقول الوزير “حفظ الدين، وأمن النفوس والنظام العام المعبر عنه عند الفقهاء بالعقل، وأن يحفظ للأمة العيش أو الاقتصاد وأن يحفظ الكرامة المعبر عنها في لغة الفقهاء بالعرض وهي الكرامة التي يجب أن تتضمنها مدونة الأسرة”.
< محمد حجيوي
***
رئيس الحكومة يعلن عن صياغة مدونة جديدة
أعلن رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، أن الحكومة ستعمل على صياغة مشروع مراجعة مدونة الأسرة في أقرب الآجال، مؤكدا أن الحكومة ستعمل على بلورة هذه المسائل في صياغة مشروع المراجعة في أقرب الآجال حتى يتم عرضه على البرلمان للمصادقة عليه.
وأشاد أخنوش في كشفه عن مجموعة من الإجراءات لمواكبة مراجعة مدونة الأسرة، في لقاء تواصلي، صباح أول أمس الثلاثاء بالرباط، بالتوجيهات الملكية التي كلفت الحكومة بمباشرة مراجعة مدونة الأسرة، معتبراً أن هذا التوجه يأتي في سياق تعزيز حقوق الأسرة والمساواة بين أفرادها.
وقال أخنوش إن جلالة الملك محمد السادس حدد في اللقاء الذي تأسه يوم الاثنين الماضي بالقصر الملكي بالدار البيضاء المبادئ والغايات التي ستحكم عملية مراجعة المدونة، وقال رئيس الحكومة إن اللقاء كان فرصة للاطلاع على مضامين التعديلات التي تهدف إلى التحديث والتطوير في مجال الأسرة، بما يتماشى مع تطورات المجتمع المغربي وتوجهاته الحديثة.
وكان بلاغ للديوان الملكي قد أشار البلاغ إلى أنه خلال هذه الجلسة، قدم وزير العدل عبد اللطيف وهبي، بصفته عضوا بالهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، بين يدي الملك، عرضا حول طريقة ومنهج عمل الهيئة، لا سيما ما تعلق منها بجلسات الإنصات والاستماع التي نظمتها، وأهم المقترحات التي انبثقت عنها، والتي ضمنتها في تقريرها المذكور، بالإضافة إلى الغايات المرجوة منها.
كما عرض وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق، بصفته عضوا بالمجلس العلمي الأعلى، خلاصات الرأي الشرعي للمجلس، التي قدمت التقعيد الشرعي الضروري لبعض مقترحات الهيئة، وفتحت “باب المصلحة” لإيجاد حلول مطابقة للشرع، بالنسبة لمقترحات أخرى. وهو ما شكل مناسبة لإبراز قدرة الاجتهاد البناء على استنباط الأحكام الشرعية، ووسطية واعتدال المدرسة الفقهية المغربية، المستمدة أسسها من الثوابت الدينية للمملكة.
وفي هذا الإطار، دعا الملك محمد السادس، المجلس العلمي الأعلى، إلى مواصلة التفكير واعتماد الاجتهاد البناء في موضوع الأسرة، عبر إحداث إطار مناسب ضمن هيكلته، لتعميق البحث في الإشكالات الفقهية التي تطرحها التطورات المحيطة بالأسرة المغربية، وما تتطلبه من أجوبة تجديدية تساير متطلبات العصر.
***
قالوا:
شرفات أفيلال: نسجل بارتياح مضامين التعديلات لكن في المقابل نرى أن هناك أمورا أخرى لا زالت عالقة
سجل كل من عبد الوهاب رفيقي باحث في الدراسات الإسلامية، وشرفات أفيلال رئيسة منتدى المناصفة والمساواة بحزب التقدم والاشتراكية، وعضوة المكتب السياسي، أهمية المراجعة الجوهرية المرتقبة لنص مدونة الأسرة، بما يجعلها تستجيب للمبادئ والمرجعيات التي حددتها الرسالة الملكية السامية إلى رئيس الحكومة بهذا الشأن، ووفق الضوابط والحدود التي وضعت بهدف إنجاز صيغة جديدة لمدونة الأسرة تتناسب ومغرب اليوم.
وفي مقابل التنويه بالمنهجية التي تم اتباعها في صياغة التعديلات والخلاصات التي حاولت الإجابة على بعض الاختلالات والإشكالات الأساسية بالمدونة، شدد كل من عبد الوهاب رفيقي وشرفات افيلال على أن هناك أمورا أخرى لا زالت عالقة، تتطلب مزيدا من النضال من أجل العمل على تجاوزها.
إن مضامين التعديلات التي ستكون في صلب المدونة الجديدة، سجلناها بارتياح كبير جدا، فلقد جاءت بعد مشاورات طويلة وعسيرة ومنفتحة، وشملت جميع أطراف المجتمع، بل نحن ننوه بالمنهجية التي تم اتباعها في هذا الخصوص.
أما بشأن مضامين التعديلات، فلقد جاءت محاولة الإجابة على جميع الاختلالات والإشكالات الأساسية بالمدونة، خاصة ما كانت تعانيه المرأة من التمييز والظلم الذي كان يطالها.
لكننا في المقابل نرى أن هناك أمورا أخرى لا زالت عالقة، سوف يتم العمل عليها قدر الإمكان لتجاوزها خلال المناقشة البرلمانية، وفي نفس الوقت سنقوم بتقديم مقترحات فيما يخص الأمور التي لا زالت عالقة.
أما في ما يخص الإيجابيات، فهناك أمور كثيرة من أهمها تحديد سن الزواج في 18 سنة، مع استثناءات قليلة جدا حددت في 17 سنة، وكذلك إخراج بيت الزوجية من التركة وهذا يحمي كرامة الزوجين بعد وفاة أحدهما، أما إشكالية التعصيب فالمجلس الأعلى وجد لها حلا وهو مشكور عليه، خاصة للأسر التي أنجبت البنات فقط، حيث فتح بابا للهبة، أما إشكالية التعدد فظلت محصورة فقط في حالات العقم أو مرض الزوجة، ولو أننا كنا نحبذ منعها بشكل قطعي.
وأريد أن أضيف مسألة الولاية القانونية والتي سجلناها بارتياح كبير وبإيجابية، من خلال بلاغ حزب التقدم والاشتراكية، أما مسألة النسب فكنا نتمنى أن يبدي المجلس الأعلى انفتاحا وأن يقف على مصلحة الطفل، لكنه ارتأى غير ذلك، لكننا سنعمل قدر الإمكان لكي تكون لدينا إجابات في هذه المسألة.
***
عبد الوهاب رفيقي: هناك مكتسبات يجب أن نثمنها في انتظار المزيد من النضال لبلوغ الأفضل
إن التعديلات التي أعلن عنها بخصوص مدونة الأسرة، قد لا تكون محققة لكل المطالب التي كانت تطرحها الحركة الحقوقية والنسائية، فهناك نوع من خيبة أمل خصوصا فيما يتعلق بموضوعي التعصيب والنسب، فهذان المطلبان كانا من أهم ما ناضلت عليه هذه الحركات، فتمنيت أن يكون هناك نوع من الاجتهاد والتطوير كذلك في هذه القوانين، لما فيه مصلحة الطفل ولما فيه أيضا مصلحة النساء، ولكن مع كل هذا أثمن مجموعة من التعديلات التي وردت في هذا الورش.
أما المكتسبات التي تمت فهي مهمة جدا، فموضوع إسناد الولاية القانونية للرجل والمرأة معا وإمكانية الحضانة المشتركة، وإخراج بيت الزوجية من التركة، وعدم السماح للورثة بطعن الهبة، وكذلك تحديد الزواج في سن 18 سنة، واستثناءات بشروط صارمة جدا في 17 سنة، وكذا تقييم العمل المنزلي باعتباره مساهمة للمرأة في مالية الأسرة، كلها تعديلات تعتبر مكسبا مهما للمرأة المغربية إذ حققت تقدما ملحوظا عما كان عليه الوضع من قبل وجاءت استجابة لعدد من المطالب الحقوقية.
إن الأمر كان أقل من الآمال التي كانت معقودة على هذا التعديل، ولكن في الوقت نفسه كانت هناك مكتسبات يجب أن نثمنها، في انتظار المزيد من النضال.
لذا ندعو المؤسسات الدينية، للاجتهاد أكثر مستقبلا وإعادة النظر وتعميق البحث كما جاء في بلاغ الديوان الملكي، وكذلك تعميق البحث في عدد من القضايا الفقهية المرتبطة بالأسرة، وجعل هذا الورش مفتوحا، لإعادة النظر في عدد من القضايا المتعلقة بالأسرة المغربية، بدل انتظار عشرين سنة مرة أخرى.
إنجاز: هاجر العزوزي