في الوقت الذي أعلنت فيه بعض مؤسسات التعليم الخصوصي، بمختلف ربوع المملكة، عن اتخاذها لإجراءات تحمي جيوب الأسر المغربية المتعاقدة معها خلال جائحة كورونا، موازاة مع التدابير الاحترازية التي اتخذتها الوزارة الوصية، خاصة التعليم عن بعد، رفضت مؤسسات أخرى اتخاذ أي خطوات توازي بين نوعية الخدمات المقدمة خلال هذه الفترة، والمقابل المادي لها من جهة، وتراعي الظرفية الاقتصادية الوطنية الحالية، التي أعلن فيها جميع المغاربة عن شعار التضحية لاجتيازها.
وقد عمدت مؤسسات للتعليم الخصوصي، إلى الإعلان عن تخفيض نسبة واجبات التمدرس، من 40 في المائة إلى 60 في المائة، حسب المستويات الدراسية، ولصالح جميع التلاميذ دون الأخذ بعين الاعتبار الوضعية المادية والاقتصادية للأسرة، وعزت ذلك إلى واجبها الوطني، ثم إلى نوعية الخدمات المقدمة والتي تختلف كثيرا عن التعليم المباشر والذي قد يكلف المؤسسة ماديا أكثر من التعليم عن بعد، الذي قلب الكفة، وزاد من التكاليف المادية للأسر، التي اضطرت لاقتناء هواتف ذكية أو لوحات إلكترونية لأبنائها، حتى يتمكنوا من متابعة دراستهم، هذا إلى جانب تكاليف الإنترنيت أيضا وغيرها…
وفي الوقت ذاته، لم تكتف مؤسسات أخرى بمطالبة الأسر بواجبات التمدرس كاملة فقط، بل طالبت أيضا بواجبات النقل والمطعمة أيضا، مما أثار سخطا عارما بين صفوف الأسر، التي اختارت التعليم الخصوص بحثا عن جودة تعليمية، أجمع الأغلبية على غيابها أو انعدامها خلال هذه الفترة…
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل ارتفعت حدة الجدال القائم عقب رفع مؤسسات خصوصية شعار الوثائق مقابل الأداء، حيث رفضت تسليم الأسر للوثائق الإدارية الخاصة بأبنائها (شواهد مدرسية، وثائق التأمين، شواهد الإنتقال…)، من أجل الانتقال إلى الدراسة في التعليم العمومي.
ولجأت عدد من الأسر إلى محامين ومفوضين قضائيين لإبلاغ المؤسسات بطلب وثائقها، الأخيرة التي لم تتردد في تعبيرها عن رفضها المطلق لتسليم الوثائق دون استخلاصها «لمستحقاتها المادية»، خاصة بعد دخول الجدل في النفق المسدود عقب اتهام الأسر لوزارة التربية الوطنية بالانحياز للمؤسسات الخاصة.
وقرر عدد من الآباء والأمهات تحويل أبنائهم المتمدرسين في التعليم الخصوصي إلى التعليم العمومي، إما كرد فعل احتجاجي على تمسك أرباب المدارس الخاصة باستخلاص واجبات التمدرس خلال فترة الحجر الصحي التي توقفت فيها الدروس الحضورية، أو بسبب عدم قدرتهم على سداد هذه الواجبات مستقبلا، بسبب تضررهم من الجائحة. وفيما يسعى بعض الآباء والأمهات إلى تحويل أبنائهم إلى التعليم العمومي، ترفض المدارس الخاصة، كما تم الإشارة إليه تسليمهم «شهادة المغادرة» إلا بعد أن يؤدوا واجبات التمدرس لشهور أبريل، وماي، ويونيو، وهو ما ترفضه الأسر وحقوقيون ومتابعون للشأن التعليمي معتبرين إياه شرطا «غير قانوني»، ومبررين ذلك بأن أبناءهم لم يستفيدوا من كل الخدمات التي تتضمنها العقود المبرمة بين الطرفين.
هذا وقال سعيد أمزازي، وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، إنه من غير المعقول اعتبار التعليم الخصوصي مستنزفا لأموال الأسر بل يقدم خدمة عمومية».
وأضاف أمزازي، يوم الثلاثاء الأخير من الشهر المنصرم، في اجتماع لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب :»إن المادتين 13و14 في القانون الإطار تتضمن مجموعة من المعطيات حول إعادة الشراكة مع القطاع الخاص، وكيف يمكن أن ينتشر في العالم القروي وأن يساهم في دعم التمدرس فيه العالم بدعم من الدولة، وكيف يمكن أن يقدم منحا للأسر المعوزة لكي يبقى شريكا حقيقيا وأن لا تبقى تلك النظرة النمطية للتعليم الخصوصي بأنه يستنزف أموال الأسر. بالعكس هو يقدم خدمة».
وتابع الوزير: «موعدنا في الدورة الخريفية لدراسة مشاريع القوانين التي ستكون مهمة بالنسبة إلينا من بينها التعليم الخصوصي».
وزاد قائلا :»كاين 5528 مؤسسة تعليم خصوصي على المستوى الوطني ومليون و46 ألف تلميذ هادوك راه مغاربة وهذه خدمة عمومية، وبالتالي التعليم الخاص يقوم بخدمة عمومية هو امتداد للتعليم العمومي لهذا لا يجب هدمه».
واستطرد الوزير: «فاش كيجيو أسر يقررو ما يخلصوش، هذا مشكل ، لأنه يجب أن ندرس حالة بحالة، الموظف لي ماتقاسش ليه الأجر ديالو علاش ماغاديش يخلص خاصو يخلص».
وأردف قائلا :»الأسر كيقولو الوزير قالينا التعليم عن بعد ليس هو التعليم الحضوري، ولكن الخدمة تم تقديمها والتعليم عن بعد يأخذ وقتا أكثر من الأستاذ وبالتالي يجب تأدية ثمن تلك الخدمة في التعليم الخصوصي»، مشيرا إلى أن الوزارة عقدت اجتماعا مع الجهات المعنية، وكان «اتفاق لي ماعندوش باش يخلص مايخلصش ومؤسسات عديدة نقصت من الرسوم وبعضها أزال هذه الرسوم بصفة نهائية» يضيف أمزازي.
هذا وقد ارتأت بيان اليوم، فتح ملف هذا الجدل القائم، من خلال التواصل مع مختلف الأطراف المعنية، لاستقاء مواقفهم ودفوعاتهم بخصوص القرارات التي يتبعونها.
***
جمال كريمي بنشقرون: على الدولة أن تتحمل مسؤوليتها فهي التي عملت على توقيف العملية التربوية
كشف جمال كريمي بنشقرون النائب البرلماني عن حزب التقدم والاشتراكية مجموعة من الخروقات والاختلالات على مستوى مؤسسات التعليم الخاصة.
وسجل كريمي بنشقرون الذي كان يتحدث في اجتماع لجنة التعليم بمجلس النواب أن مجموعة من المدارس الخاصة تعتمد أسعار مرتفعة للغاية، والتي تصل إلى مابين 3000 درهم و 6000 درهم ببعض المناطق، خصوصا محور الرباط والدارالبيضاء.
وفي إطار توضيحه لوزير التربية الوطنية إشكالية الأسعار، قدم بنشقرون عضو المجموعة النيابية لحزب التقدم والاشتراكية مثالا حول قسم مكون من 20 تلميذا، والذي تؤدي فيه كل أسرة 3000 درهم، بما مجموعه 60 ألف درهم تجنيها المدرسة الخاصة كأرباح عن قسم واحد، وتخصص منها فقط 3000 أو 5000 درهم للأستاذ.
واعتبر بنشقرون أن هذه الأرقام هي المتوسط فقط وتعكس مدى أرباح المدارس الخاصة، في حين تصل الأسعار إلى 6000 وأكثر بمدن الدارالبيضاء والرباط وغيرها من المدن الكبرى، فيما الرواتب المقدمة للأساتذة بنفس المدارس لا تتجاوز 5000 درهم وبعضها الآخر لا يحترم حتى الحد الأدنى للأجور، وأغلبها تتراوح بين 2000 و3000 درهم كراتب للأستاذ.
وأبرز بنشقرون أن من بين الاختلالات إشكالية الانتقاء، بحيث تقوم المدارس الخاصة بإجبار الأسر على دفع تكاليف في بداية السنة من أجل إجراء امتحان للطفل وتقييم قدراته من أجل الحسم في قبوله بالمدرسة من عدمه، مسجلا أن هذا السلوك يعكس أن المدارس الخاصة تتعمد هذا الاختبار من أجل انتقاء الأطفال الذين لهم قدرات عالية والذين تسهل عملية تلقينهم وكذا تفوقهم الدراسي، وهو ما تقدمه هذه المدارس على أساس أنها مثال للجودة في التعليم، منبها إلى خطورة هذه المسألة وإضرارها بالمدرسة العمومية، التي تتمتع بجودة حقيقة من حيث التكوين.
المؤسسات الخاصة تنقل تجربة المدرسة العمومية
في هذا السياق، أشار النائب البرلماني عن حزب “الكتاب” إلى مسألة التعليم عن بعد التي نجحت فيها المدرسة العمومية مقابل فشل المدرسة الخصوصية، مسجلا أن مجموعة من المؤسسات الخاصة قامت بنقل التجربة من المدرسة العمومية، وأبانت عن نقص في جودة التكوين الذي تقدمه وكذا الصورة النمطية التي بنتها طيلة السنوات الأخيرة على حساب المرفق العمومي.
كلمة بنشقرون التي خلقت جدلا واسعا في مواقع التواصل الاجتماعي، شدد فيها على أن الحل يكمن في تصحيح وضعية المدارس الخاصة، وضمان المساواة بينها وبين المدرسة العمومية، وذلك من خلال وضع نظام شراكة بين العمومي والخصوصي والبحث عن حلول لإصلاح المنظومة التعليمية.
ودعا المتحدث إلى إصلاح المنظومة التعليمية برمتها، وأساسا المدرسة العمومية، وتجاوز سياسة التقشف وغيرها من السياسات التي أدت إلى تغول القطاع الخصوصي على حساب العمومي، مؤكدا على ضرورة الإصلاح العاجل لتجنب مشاكل كبيرة قد تحدث في المدى القريب والمتوسط، وخصوصا تنامي الحقد الاجتماعي الذي تنميه إشكالية التعليم العمومي والخصوصي، مشددا على أن المدخل هو حكامة القطاع وضمان المساواة وتكافؤ الفرص.
مسؤولية الدولة
وفي سياق متصل، قال جمال كريمي بنشقرون، في تصريح خص به جريدة بيان اليوم، إن الواقع المادي للأسر يبين فعلا أنه أكثر من 80 في المائة من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تعاني بسبب جائحة كورونا نظرا لالتزامها المادية وقروضها البنكية استثماراته.
وتابع بنشقرون في التصريح ذاته مستطردا، “لكن ليس على حساب الأب أو الأم أو الأسرة، فعلى الدولة أن تتحمل مسؤوليتها، فهي التي عملت على توقيف العملية التربوية والتعليم الحضوري، والتعليم عن بعد ليس ببديل حقيقي لا يمكن أن تؤدى عنه نفس الرسوم والواجبات”.
ضرورة التفاوض
وعلق بنشقرون على ما قاله أمزازي بشأن ضرورة أداء الموظفين غير المتضررين والذين لديهم حس تضامني، قائلا إن “الموظف الذي تضرر لا يعني أن أسرته لم تتضرر، ثم ثانيا لا يمكن للآباء دفع ثمن خدمة لم تؤدى، لأن التعليم عن بعد ليس ببديل حسب قول المسؤولين أنفسهم”.
وشدد بنشقرون على ضرورة التفاوض مع الآباء، منوها بإعفاء بعض المؤسسات الأشخاص الذين لم يحصلوا على دخل، وذلك بنسبة 100 في المائة، كما عملت أيضا على تخفيض نسبة 50 في المائة أو قامت بتخفيض على حسب المستويات.
وأعرب بنشقرون عن استغرابه من كبار المؤسسات والتي قامت بمجموعة من السلوكيات السيئة، ولم تفتح باب الحوار مع الآباء.
وفيما يخص رفض مؤسسات خاصة تمكين أسر من الشواهد الإدارية مثل شهادة الانتقال والمغادرة، أكد بنشقورن على أن هذا الجانب يخص الأكاديميات باعتبارها الضامنة على المستوى البيداغوجي.
مسؤولية الأكاديميات
وأكد بنشقرون على حق التلميذ في الحصول على شهادة الانتقال، مشيرا إلى أنه فيما يخص مشكل مخلفات الأداء يجب على المؤسسات اللجوء إلى القضاء وليس الانتقام من التلاميذ وحرمانهم من حقوقهم الدستورية.
من جهة أخرى قال بنشقرون إن “تبضيع وتسليع التعليم خطر على الدولة، مشيرا إلى أن المطلب الأساسي للتقدم والاشتراكية هو أن تلعب الدولة الوطنية الراعية دورها المركزي فيما يتعلق بالصحة والتعليم العموميين لأن التخلي عليهما يهدم الدولة، وبالتالي يؤدي إلى ضياع حقوق الشعب، ويؤدي إلى ما نعيشه الآن من مظاهر الحقد الاجتماعي، والتخلف، والفقر، والأمية، والإجرام والانحراف…”.
وأضاف أن من حق كل مغاربة أن يتلقوا تعليما مجانيا وجيها حسب الدستور ومن الواجب توفير القاعات و الأساتذة و المقاعد وكل الظروف الملائمة لإنجاح سيرورته والعمل على توقيف أباطرة التعليم الخصوصي.
***
عبدالله مجالي*: فئات غير متضررة من الموظفين تزعمت الاحتجاجات
قال عبدالله مجالي، الكاتب الجهوي لرابطة التعليم الخاص بالمغرب جهة الدار البيضاء سطات، إنه من المؤسف ما يلاحظ هذه الأيام “من خلاف مفتعل أججت ناره أطراف متعددة كان من الممكن تجنبه لو تم فهم بالضبط عمق كلمة التضامن كما فرضتها جائحة كورونا ووضع النقاش الدائر الآن حول المؤسسات الخصوصية ضمن الدور التربوي الذي تقوم به في علاقته بالتنمية المنشودة بالبلاد وفي ارتباطه كذلك بالمسألة التعليمية عموما التي تربط بين شقي المنظومة سواء كان عموميا أو خصوصيا”.
وأضاف مجالي، في تصريح لجريدة بيان اليوم، أن ” النقاش محصور اليوم في التعليم الخصوصي الذي استجاب منذ البداية لتعليمات وزارة التربية الوطنية بالاستمرارية البيداغوجية في تعليم تلاميذه عن بعد إلى نهاية السنة الدراسية بما يعنيه ذلك من استكمال المقررات وإعداد التلاميذ للتوفر على المكتسبات المطلوبة للانتقال بجدارة للمستويات الأعلى”.
واعتبر مجالي متأسفا أن الرياح جرت بما لا تشتهيه هذه المؤسسات، حيث وجدت نفسها أمام مشاكل عديدة، مشيرا إلى أن أولى المشاكل تمثلت في توقيف التعليم الحضوري وتعويضه بالتعليم عن بعد استجابة لمتطلبات الحجر الصحي مع الاكتفاء بتقويم التعلمات عند حدود فروض المراقبة المستمرة المنجزة حضوريا إلى حدود تاريخ 14 مارس 2020 والتأكيد على استمرار الدراسة إلى نهاية السنة الدراسية مع ما يمكن أن يترتب عنه من فهم لنجاح التلاميذ ونهاية الدراسة عند المتعلمين وبالتالي عدم جدوى أداء مستحقات التمدرس لدى الآباء.
وتابع مجالي أن المشكلة الثانية تتعلق بالجدل القائم الذي أشعلته المقارنة بين التعليم الحضوري والتعليم عن بعد والتي دخل فيها على الخط محامون وحقوقيون بخسوا هذا النوع من التعليم، ودعوا الأسر إلى عدم الأداء بحجة أن العقد الذي يربط الأسر بالمؤسسة هو التعليم الحضوري، وبالتالي لاحق لهذه المؤسسات في المطالبة بأي أجر، متجاهلين أن القرار صادر عن وزارة التربية الوطنية، ويكتسي صبغة القوة القاهرة وهو إلزام لا اختيار، موضحا أنه الشيء الذي دفع العديد من الأسر لرفع سقف مطالبها تجاه المؤسسات لحد الإعفاء التام والمناداة بالمجانية والدخول في احتجاجات تطالب بتخفيضات موحدة من واجبات التمدرس عصفت بالاستقرار المالي لهذه المؤسسات ووضعتها في طريق الإفلاس .
أما المشكلة الثالثة، حسب المتحدث ذاته، هي أن هذه المؤسسات ليست في مستوى واحد من القدرة والمناعة المالية، حيث وجدت نفسها أمام صعوبة مالية كبيرة وهي تتحمل مبالغ تدفعها لأجرائها ومدينيها ومستحقات تدفعها لأطراف دائنة في حين كان مصدر تمويلها الوحيد هو أداء الأقساط الشهرية التي كان يدفعها الآباء.
وأكد مجالي أن “الأمور لم تقف عند حدود فترة الجائحة، بل عمد البعض إلى اعتبارها فرصة سانحة للانتقام من التعليم الخصوصي بإثارة مواضيع تقليدية من قبيل مبالغ رسوم التسجيل والتأمين، ومبالغ الواجبات الشهرية التي جعلتها في صف واحد من الثراء ولم تترك لا نقيصة ولا مثلها إلا وجهتها للتعليم الخصوصي، في سابقة لم يشهد لها التاريخ المعاصر مثيلا”.
وشدد مجالي على أن قرار اعتبار هذا القطاع قطاعا لم تمسسه الجائحة زاد الطين بلة، فأغلق باب استفادة أجرائه من حقهم في التعويض من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بمن فيهم أولئك الذين توقفت خدماتهم. الشيء الذي أظهر هذا القطاع كقطاع تبرأ منه وتنكر له الجميع بمن فيه من أطر ومستخدمين.
وأكد مجالي على أن “كثير من المؤسسات المواطنة استمرت في عملها التربوي والاجتماعي وفق المبادئ التي حددتها رابطة التعليم الخاص بالمغرب: “لا تخلي عن تعليم تلاميذها عن بعد ــ لا تخلي عن أجرائها ــ لا تخلي عن التضامن مع الأسر المتضررة”.
وأضاف مجالي أن هذه المؤسسات “كانت تنتظر صدور توضيحات من وزارة التربية الوطنية والحكومة تفصل في الخلاف الذي نشب بين الأسر وهذه المؤسسات تضع حدا للخلاف القائم بين الطرفين واستمرت في تنفيذ التزاماتها وفق توجيهات الوزارة الوصية إلى حين صدور التصريحات الأخيرة التي جاءت متأخرة فعلا والتي أدلى بها وزير التربية الوطنية أمام لجنة التعليم بمجلس النواب حيث شكلت قولا فصلا في هذا الخلاف”.
واستطرد المتحدث ذاته قائلا: “إلا أن الأمور، مع ذلك، لم تجد سبيلها للحل العادل والمنصف للطرفين والذي يحصر التضامن في الفئات المتضررة الحقيقية التي تدلي بما يفيد ذلك والتي تقدم الوثائق الضرورية التي تبرر بها هذه المؤسسات التزاماتها الضريبية. كما يبدو أن هذه الفئات المتضررة من الجائحة المقصودة بالتضامن زاحمتها فئات غير متضررة من الموظفين ومن المنتمين لقطاعات غير متضررة من الجائحة تزعمت الاحتجاجات فأصبح الكل يطالب بتخفيضات موحدة للجميع قد تؤدي بكثير من هذه المؤسسات للإفلاس، وبالتالي ضياع حقوق مجموعة كبيرة من أجرائها”.
وتساءل مجالي مستنكرا “فهل تسير الأمور نحو الكارثة التي تضع هذه المؤسسات في مهب الريح رغم نبل رسالتها ودورها في تحقيق التنمية، والتي ستجعلها دون شك عرضة للإغلاق بما يعنيه ذلك من تخل عن عدد ضخم من الأجراء وعدد أضخم من التلاميذ في ظل استمرار الوضع الحالي لهذه الأزمة التي ربما تتفاقم أكثر في حال تعرض بلادنا لموجة ثانية من هذا الوباء”.
* الكاتب الجهوي لرابطة التعليم الخاص بالمغرب جهة الدار البيضاء سطات
***
لمياء أوراس: وزارة أمزازي تدخلت بانحياز لصالح المدارس الخاصة وسنلجأ للقضاء
أوضحت لمياء أوراس، عضو لجنة التنسيق الإقليمية لاتحاد آباء وأولياء التلاميذ بمؤسسات التعليم الخصوصي بالرباط، أن الوجه الحقيقي للخلاف بين آباء وأولياء أمور تلاميذ المؤسسات الخصوصية والمؤسسات المعنية يتمثل أساسا في مطالبة الأخيرة مستحقات رسوم الدراسة عن أشهر الحجر الصحي، مشيرة بالذات إلى كل من شهور أبريل وماي ويونيو.
وتابعت أوراس في تصريح خصت به جريدة بيان اليوم أن الأمر تعدى في بعض الحالات إلى المطالبة بمستحقات النقل، معتبرة أن أرباب المدارس الخاصة، تحت صدمة الجائحة، استخفوا بالأمر واعتقدوا أن لهم مستحقات لدى الأسر التي لم يتمدرس أبناؤها حضوريا خلال أشهر الحجر الصحي، وبالتالي حسب المتحدثة عينها، ظهر الخلاف بين الأسر وأرباب هذه المدارس حول مقابل الخدمة التي قدمتها المدارس الخصوصية ويعتبرون أنها “تستحق أجرا كاملا بنسبة مائة بالمائة”.
وأوضحت أوراس أنه في الوقت الذي يطالب فيه أرباب المدارس بالمستحقات كاملة بحجة أن الدراسة قد استمرت عن بعد، تتحفظ الأسر عن دفع مستحقات الدراسة عن بعد بنفس المقابل كما في التعليم الحضوري.
موقف تضامني
وأشارت أوراس، التي تتابع ابنتها دراستها بإحدى المدارس الخاصة بالرباط، إلى أنهم في الاتحاد تبنوا موقفا تضامنيا استباقيا وقدموا عرضا يقضي بدفع 50 في المائة عن شهري أبريل وماي ولا شيء عن شهر يونيو، وعزت ذلك إلى كونهم دفعوا رسوم شهر مارس إلا أن أبناءهم لم يتلقوا تعليمهم خلاله كاملا.
واعتبرت أوراس أنه، بعرضهم، يكونوا قد تضامنوا مع المدارس الخاصة التي تكون قد حصلت 80 بالمائة من مداخيلها السنوية في عصر الجائحة، مشيرة إلى أنه “لا يوجد أي مبرر قانوني يفرض على الأسر أن تدفع الرسوم كاملة عن أشهر الحجر الصحي، ولا توجد عقود مكتوبة تنظم هذا الأمر”.
وشددت أوراس على أن “جل المحامين الذين تكلموا في الموضوع أجمعوا على أنه لا حق للمدارس في استخلاص الرسوم عن أشهر الحجر الصحي، خاصة أن في ظل الإجماع على أن عملية التعليم عن بعد لم تكن في المستوى المنتظر بل أبانت عن عدم جاهزية المدارس الخصوصية لتقديم خدمة بمواصفات الجودة المطلوبة”.
انحياز
الملاحظ، حسب أوراس، هو أن “وزارة أمزازي، وفي غياب أي إطار قانوني يسمح لها بالتدخل في العملية التجارية بين المدارس الخصوصية والأسر، تبنت موقف الوساطة الذي نراه نحن في الاتحاد موقفا متحيزا، فبدلا أن تقف الوزارة موقفا وسطا على نفس المسافة بين الطرفين، خرجت علينا الوزارة من خلال برنامج أسئلة كورونا الذي أثار موجة من السخرية في مواقع التواصل الاجتماعي متحيزة للصيغة التي تعتبر أن هناك مستحقات رسوم يجب أن تدفع ويجب معالجة حالة بحالة، وكأن هناك إطارا قانونيا يجبر الآباء على دفع المستحقات وأن أرباب المدارس لهم الحق فيها وهذا ما أسميناه لغة الخشب”.
وأبرزت المتحدثة نفسها، أن آباء وأمهات وأولياء التلاميذ قاموا بوقفة احتجاجية أمام الأكاديمية الجهوية للتربية والتعليم، واستقبلتهم لجنة مكونة من أربعة رؤساء أقسام بتعليمات من مدير الأكاديمية، مضيفة “عبرنا عن مطالبنا المتمثلة أساسا في وساطة غير متحيزة، وعدم رهن المصلحة الفضلى للتلميذ في هذا الخلاف، وكف مؤسسات القطاع الخاص عن تهديد الأسر من قبيل اللائحة السوداء، والامتناع عن منح الشواهد المدرسية وغيرها، وقد كان جواب الأكاديمية واضحا حيث سمعنا أن هناك قرارا صدر عن الوزارة في هذا الشأن، وأكدت لنا الأكاديمية أنها لن تقبل أن يكون التلاميذ رهينة لهذا الخلاف”.
واعتبرت أوراس أن المعضلة الكبرى التي تتضح اليوم هي تصريح الوزير أمزازي في البرلمان، مشيرة إلى “استغرابه رفض الموظفين أداء رسوم التمدرس في الوقت الذي حصلوا فيه على أجرهم كاملا غير منقوص من الدولة، مدليا بحجة أن الخدمة قد أديت على أحسن وجه، بل ومشيجا بما أسماه المجهود الأكبر من طرف الأساتذة خلال عملية التعليم عن بعد”.
واستطردت أوراس قائلة “هذا ما نسميه نحن الكارثة العظمى حينما يتحدث رجل ينتمي إلى الفضاء الأكاديمي قبل أن يكون وزيرا ومن داخل القبة التشريعية بلغة غير قانونية. ودعني أوجه الأسئلة التالية لسعادة الوزير:
سعادة الوزير، هل ضبطت الملف الذي تحدثت عنه في البرلمان أم تحدثت بارتجالية؟
ومن أعطاك الحق أن توجه كلاما من داخل البرلمان مفاده أنه على الموظف أن يؤدي رسوما دون خدمة؟
وهل تعتقد أن ما قلته مقنعا لمليون أسرة على أن التعليم عن بعد الذي تلقاه أبناؤنا يساوي ذلك الأجر؟
وهل قمت بعملية تقييم لتحدد أن الخدمة المقدمة تساوي أجرا كاملا؟
ولماذا تطلب من الأسر أن يتضامنون ليحصل أرباب المدارس مداخيل 10 أشهر عوض ثمانية؟
وهل مصلحة 5000 مدرسة أولى عند سيادتكم من مصلحة مليون أسرة حتى تدعو بدون وجه حق وخارج القانون الموظفين لأداء رسوم ليست مفروضة عليهم؟
نقاش وحوار
وطالبت أوراس في تصريحها الوزير “بأجوبة قانونية وليس تقديرات مزاجية”، مؤكدة أن آباء وأمهات وأولياء التلاميذ لن يقبلوا التضامن في الوقت الذي ترفضه المدارس الخصوصية، مضيفة “الوطنية ليست شعارا يرفع، اليوم نطالب من الأسر أن تتضامن، وهي قبلت التضامن، فلماذا يصر أرباب المدارس الخصوصية على تحصيل مائة بالمائة دون وجه حق وضدا على القانون، ودون أي تضامن، ما معنى هذا العبث؟ ألسنا في دولة الحق والقانون؟”.
وشددت أوراس على أنهم سيلجأون إلى القضاء لأن القطاع الوصي يتكلم لغة الخشب، مؤكدة أنهم لم يسمحوا لأحد باستغفالهم أو امتصاص جيوبهم بدون وجه حق، “ولن يتحمل الموظف لوحده تداعيات الجائحة لينعم أرباب المدارس الخاصة بالأرباح السنوية كاملة خارج القانون ونحن مستعدون للنقاش والحوار وحتى المناظرة أمام الرأي العام في هذا الشأن” تضيف أوراس.
*عضو لجنة التنسيق الإقليمية لاتحاد آباء وأولياء التلاميذ بمؤسسات التعليم الخصوصي بالرباط
***
محمد ألمو: أرباب مؤسسات خاصة أبانوا عن نزعة تجارية لا تعترف بخصوصية المرحلة
أوضح محمد ألمو، محامي بهيئة الرباط وفاعل حقوقي، أنه في إطار الإجراءات الاحترازية الرامية إلى الحد من انتشار فيروس كورونا اضطرت الدولة إلى تعليق الدراسة منذ شهر مارس من هذه السنة الأمر الذي أدى إلى بروز نقاش حول مدى أحقية المدارس الخصوصية في استخلاص واجبات ورسوم التدريس عن فترة توقف الدراسة.
واعتبر ألمو، في تصريح خص به جريدة بيان اليوم، أن “أرباب مؤسسات خاصة أبانوا عن نزعة تجارية لا تعترف بخصوصية المرحلة ولا تداعيات هذا الفيروس بمطالبتهم الآباء بضرورة الأداء بدعوى استمرار عملية التدريس عن بعد”.
وأضاف ألمو أنه في المقابل تمسك أغلب الآباء بعدم أحقية هذه المؤسسات في الحصول على واجبات التمدرس عن هذه الفترة “لعدم قيامها بأي واجب يستدعي ذلك”، موضحا أن سندهم في ذلك هو توقف الدراسة وإغلاق أبواب هذه المؤسسات مما يجعلهم في حل من أي التزام تعاقدي تجاهها.
وأبرز ألمو أنه من الناحية القانونية يعد موقف الآباء أولى بالمناصرة القانونية، وعزا لذلك إلى أنه وجود قوة قاهرة أدت إلى توقف الالتزامات التعاقدية المتمثلة أولا في تقديم المؤسسات الخصوصية لخدماتها كاملة والالتزام الثاني أداء الآباء لمقابل هذه الخدمات.
وشدد المتحدث عينه أنه لاشك أن هذا المقابل المادي حدد حسب جودة الخدمات المقدمة من قبل كل مؤسسة وبالتالي حسبه، فالوضع لا يسمح بالحديث عن استمرار تقديم هذه الخدمات بالشكل المتعاقد من أجله في زمن الكورونا بوسيلة التعليم عن بعد، معتبرا أن هذه الوسيلة ثبت عدم نجاعتها وفعاليتها في العملية التدريسية كما أن أغلب الآباء غير ملزمين باعتمادها وأغلبها لم يكن مستعد تقنيا لتفعيلها.
وأوضح ألمو أن هذه العملية من الناحية الواقعية مفروضة على الآباء ودون موافقتهم وبالتالي فهم غير ملزمين بتنفيذ التزامات تعاقدية جديدة أنجزت من طرف واحد ولم تخضع لعملية الرضى والقبول.
واعتبر ألمو أن مقترح بعض الآباء الرامي إلى المساهمة بجزء من هذه الرسوم مع المؤسسات التعليمية المتعاقد معها يبقى عرضا مميزا وسخيا كان على أرباب هذه المقاولات أو المؤسسات الإسراع باحتضانه.
وأشار ألمو إلى أنه “في سياق هذا الاحتقان أقدمت المؤسسات الخاصة إلى نهج اسلوب التهديد والمساومة في حق آباء وأولياء التلاميذ لدفعهم جبرا لأداء الرسوم كاملة، مستعملين في ذلك الملفات المدرسية لأبنائهم كرهينة رافعين شعار الوثائق مقابل الأداء وهو سلوك مخالف للقانون إذ لا يحق لهم أن يمتنعون عن تمكين الآباء من وثائق أبنائهم بدعوى عدم الأداء يتعين على الوزارة الوصية التدخل لإجبار هؤلاء على رفع يديها على الوثائق التربوية.
*محامي بهيئة الرباط وفاعل حقوقي
***
عبد الرزاق بن شريج*:التعليم عن بعد أحسن من التعليم الحضوري.. من حق أبناء الشعب المغربي الاستفادة منه مجانا
> هل التعليم عن بعد يوازي التعليم المباشر من حيث الجودة ؟
< في البداية يجب التدقيق في المراد بكلمة “تعليم”؛ إن كان المقصود هو تعليم أو إكساب معلومات مجردة، يمكن القول: نعم هناك تواز بين التعليمين الحضوري وعن بعد، إن لم نقل بأن التعليم عن بعد أحسن من التعليم الحضوري في بعض المواد. أما إن كنا نقصد ما تقدمه المدرسة، أي التربية والتكوين، فيمكن الجزم بأن التعليم الحضوري أفيد وأهم؛ لأنه يشتغل على التربية قبل التعليم أو التعلم.
> إذا ما يسمى “التعليم عن بعد” المقدم من طرف وزارة التربية الوطنية ومؤسسات التعليم الخصوصي غير مجد؟
< ما يعتبر تعليما عن بعد جاء نتيجة جائحة مفاجئة للعالم كله، والهدف الأسمى منه هو تطبيق الحجر الصحي، وعدم ترك المتعلمين عرضة للفراغ. وبالتالي فالقرار أصلا احترازي حفاظا على صحة المواطن، لأن مسألة التعليم والتعلم ليست أولى من الصحة، فمن لم يتعلم اليوم سيتعلم غدا، ولكن من مات لن يتعلم. وبالتالي الجودة هنا هي الحفاظ على صحة المواطنين والمواطنات، خاصة أن الصغار حركيون وعلينا شغلهم بما يفيدهم.
> إذا كان الأمر كذلك، لم كثرة الحديث عن جودة التعليم عن بعد بالمؤسسات الخصوصية؟
< ربما يتصور الآباء بما أنهم يؤدون ثمن تعليم أبنائهم، وبمنطق السوق أوالمقاولة، فهم يشترون سلعة بثمن معين، وإذا تغيرت السلعة أوتغيرت جودتها سيتغير الثمن، وبالتالي فلهم الحق في تقييم التعليم المقدم من طرف المؤسسة وتقدير ثمنه، ومن الناحية الأخرى تتصور المؤسسات أنها تقدم خدمة باتفاق مع وزارة التربية الوطنية وتنفذ ما يطلب منها من طرف الوزارة وبالتالي فالسلعة المقدمة (التعليم عن بعد) كانت بطلب من الوزارة وليس برغبة المؤسسة، والخلاصة بالنسبة للمؤسسات على الآباء محاسبة الوزارة، وهكذا استمر الصراع دون تدخل الحكومة التي اختارت خلق تعليم طبقي كشفت جائحة كورونا خطورته على أجيال المستقبل.
> ما رأيكم في الصراع الدائر بين مؤسسات التعليم الخصوصي والآباء حول واجب التمدرس، بصفتكم مهتما ومتابعا للشأن التعليمي؟
< الخلاصة الأساسية التي تستنتج من الصراع هو أن الحكومات المتعاقبة تشتغل على الآني واللحظي، ولم يكن لها تصور أو رؤية حول مآلات مجتمع الغد؛ تم التفكير بعقلية اقتصاد السوق حتى في القطاعات الاجتماعية، حيث احتضنت “مول الشكارة” للاستثمار في قطاع التربية والتكوين. وبعد أن عرت جائحة كورونا أخطاءها وبينت أن القطاعات الاجتماعية، مثل التعليم والصحة، من بين أسس الدولة المدنية، أخذت مسافة من المشكل وتركت المتصارعين في الحلبة دون حكم.
> كيف يستقيم هذا الكلام ونحن نعلم أن وزارة التربية الوطنية عقدت لقاءات مع ممثلي المدارس الخصوصية وجمعية آباء وأولياء التلاميذ؟
< أعرف ذلك، ولكن ما يهمني هو النتيجة، أو على الأقل درجة تدخل الحكومة ممثلة في وزارة التربية الوطنية، هل حلت المشكل؟ هل اتفقت مع الممثلين على حلول عملية؟
لقد تابعنا بلاغ جمعيات المدارس الخصوصية، وتصريح وزارة التربية الوطنية في هذا الشأن، وتابعنا حتى التعليمات التي توصلت بها الأكاديميات، لكن مازال الصراع قائما وسيبقى؛ لأن الأزمة مركبة ومعقدة وأكبر من وزارة التربية الوطنية. مع الإشارة إلى أن وزارة التربية الوطنية وجدت نفسها تناقش قضايا ليست من اختصاصها وهي أثمنة الدروس المقدمة عن بعد من طرف المؤسسات في حين الجانب المالي في العملية تتداخل فيه اختصاصات ثلاث وزارات (التشغيل، التربية الوطنية، والمالية).
> هل يفهم من هذا أن وزارة التربية الوطنية لم تقدم حلولا مقبولة من الطرفين؟
< أولا وزارة التربية الوطنية عقدت لقاء مع جمعيات المدارس الخصوصية وجمعيات أباء وأولياء تلاميذ المدارس العمومية، ولم تجتمع مع جمعية تمثل أباء وأولياء تلاميذ التعليم الخصوصي، وناقشت الشق التربوي والإداري، وهذا شق آخر من المشكل، لأن مؤسسات التعليم الخصوصي في الغالب لا تساعد على تأسيس جمعيات أولياء التلاميذ، ومن جهة أخرى الشق المالي الذي فجر الأزمة من اختصاص وزارة التشغيل ووزارة المالية، كما سبق ذكره، وبذلك أقول إن الحكومة لم ترد حل المشكل أوعلى الأقل عجزت عن حله.
> ولكن حسب تصريح وزير التربية الوطنية في اجتماعه يوم الثلاثاء 30/6/2020 مع لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب فهو قد اتفق مع وزير المالية ووزير التشغيل على استفادة فئة من العاملين بالمدارس الخصوصية، أليس هذا حلا مقبولا؟
< نعم، تابعت تصريح وزير التربية الوطنية في شريط منشور بمواقع التواصل الاجتماعي وعبر الواتساب، والذي يفهم منه أن الحكومة (وخاصة الوزارات الثلاث المعنية بالملف) ليس لها المعلومات الكافية حول مكونات وعناصر قطاعها، فهل من المعقول أن تضع كل مؤسسات التعليم الخصوص في اللائحة السلبية؟ وهل كان عليها أن تنتظر 3 أو 4 أشهر لتعرف أنها أخطأت التقدير، هل كانت وزارة التربية الوطنية تعتقد أن كل مؤسسات التعليم الخصوصي من صنف خمس نجوم ولم تعرف أنها ترخص لمنازل عادية لتحمل صفة مؤسسة خصوصية؟، هل المطلوب من الحكومة إيجاد حلول أم القيام بدور الوساطة بين الآباء والمؤسسات الخصوصية؟ علما أن المشكل في عمقه بين الحكومة وشريكها في التربية والتكوين.
> لكن الملاحظ أن الصراع بين الآباء والمؤسسات مستمر، وكل طرف يعلن عن تشبثه بموقفه، بل وصل الأمر إلى المحاكم والإعلان عن الوقفات والإضرابات؟!
< صحيح، لأن الموضوع معقد ومتشعب، قانونيا لا يوجد أي عقد بين الآباء والمؤسسات، باستثناء العقد الشفوي، ثانيا، القانون 00.05 والقانون 00.06 يخول لوزارة التربية الوطنية المراقبة الإدارية والتربوية، وعلاقة المؤسسة بمشغليها من اختصاص وزارة التشغيل (مدونة الشغل)، والجانب المالي من اختصاص وزارة المالية. وهكذا تفرق دم الضحية بين القبائل، والسيد وزير التربية الوطنية كان صريحا في هذه النقطة بالضبط حين قال: ” هناك مشكل التنسيق بين القطاعات الحكومية، بين وزارة التشغيل ووزارة التربية الوطنية، وبالتالي من عليه أن يتحرك؟ وهذا هو المشكل”، وبالتالي وجدت الأسر نفسها في مواجهة المؤسسات، وفي غياب النصوص القانونية الصريحة التي يحتكم إليها كل متضرر سارع كل فريق إلى ملء الساحة والإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بالتفسيرات الخاصة والمساندة لطرف على طرف، وحين تجد المؤسسات نفسها محاصرة ستلجأ لكل الحلول وكل الأساليب ونفس الشيء بالنسبة للآباء، والحكومة تتفرج.
> من يتحمل مسؤولية هذا الصراع؟
< دون شك التعليم خدمة عمومية، ومن حق أبناء الشعب المغربي الاستفادة منه مجانا، حسب الدستور، وقانون إلزامية التعليم وخاصة الفصل الأول منه (التعليم الأساسي حق وواجب لجميع الأطفال المغاربة ذكوراً وإناثاً البالغين 6 سنوات. تلتزم الدولة بتوفيره لهم مجاناً في أقرب مؤسسة تعليمية عمومية لمكان إقامتهم ….)، والقانون الإطار للتربية والتكوين، والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الطفل، ومؤسسات التعليم الخصوصي شريك الحكومة في ذلك، وبالتالي فهي تقدم خدمة عمومية، تخلت عنها الدولة وتحملت أعباء الأسر، لكن هذه الشراكة غير واضحة المعالم، تم قبولها دون تمحيص لاستفادة الطرفين، استفادة المقاولين (المؤسسات الخصوصية) من الإعفاءات الضريبية والربح المضمون بحكم بيعها سلعة لا تبور، واستفادة خزينة الدولة من الضرائب المفروضة على الأجراء وعدم تحمل أعباء تعليم وتكوين عدد كبير من المتعلمين يقدر اليوم حسب آخر إحصائيات بمليون و46 ألف تلميذ وتلميذة، والتهرب من بناء 5 آلاف 828 مؤسسة تعليمية، وهو عدد المؤسسات الخصوصية. والمهم جدا في هذه النازلة والتي يجب أن نستخلصها من هذا الصراع أن نسبة 16% من تلاميذ المغرب (تلاميذ الخصوصي) خلقت الحدث، وتناقش حق الأبناء في تلقي تعليم جيد ولا تعترف بالتعليم عن بعد في حين 84%من التلاميذ (تلاميذ العمومي) راضية على الوضع ولم تتحرك لا الجمعيات ولا الأفراد، بل جمعية الآباء بالتعليم العمومي نصبت نفسها ممثلا لأبناء التعليم الخصوصي، ولم تتحرك فيما يخص أبناءها، وبناء على هذا الصراع يمكن استخلاص أن التعليم الطبقي يخلق طبقات متفاوتة في التفكير والتصور والموقف، إلخ.
> ما رأيكم في مؤسسات التعليم الخصوصي التي ترفض تسليم شهادات المغادرة والوثائق الإدارية الخاصة بالتلاميذ للآباء الذين لم يؤدوا الواجبات المادية؟
< القانون واضح، ليس من حق أي مؤسسة التحكم في وثائق متعلميها، الصراع بين الأب والمؤسسة وليس بينها وبين التلميذ، بالإضافة إلى أن حقه في التعليم مسؤولية الدولة وليست مسؤولية الأب فقط. ويمكن في هذا الباب الرجوع إلى قانون الإلزامية والدستور، وإلى المواثيق الدولية حول حقوق الطفل كما سبق ذكره.
ما هي مقترحاتكم لحل هذا النزاع؟
< أن تتحمل الدولة مسؤوليتها وتصدر قانونا يأخذ بعين الاعتبار أن “التعليم خدمة عمومية غير قابلة للتسليع”، وتحرص على تصفية القطاع تدريجيا، وإلا فاستمرار الصراع سيتسبب في إفلاس قرابة 80% من مؤسسات التعليم الخصوصي باعتبارها مؤسسات صغيرة ومتوسطة، خاصة وأن المغرب يعرف أزمة مالية خانقة لأسباب كثيرة منها جائحة كورونا. فقد كان على الوزارة إيقاف كل المؤسسات وتوحيد أبناء الشعب على مصدر واحد للتعليم عن بعد، أي ما تقدمه الوزارة في القنوات والمسطحة فقط، واعتبار مؤسسات الخصوصي مقاولات توقفت عن العمل مثلها مثل باقي المقاولات، ومنها سيعرف المؤسسات الخصوصية التي تصرح بمستخدميها، وتتحمل المسؤولية في غير المصرح بهم، ويبقى الاختيار للآباء الذين يريدون تلقي دروس المؤسسات الخصوصية عن بعد باتفاقات خاصة، هذه فقط حلول مؤقتة لحل الأزمة حفاظا على ميزانية الدولة من البحث عن حلول لأبناء الشعب المغادرين للخصوصي والالتحاق بالعمومي بأعداد كبيرة جدا (حوالي مليون و46 ألف تلميذ وتلميذة) وما يتطلبه ذلك من حجرات ومؤسسات وأساتذة، إلخ.
والأهم هو استفادة الدروس من كورونا، واعتماد مدرسة موحدة لتكوين مجتمع موحد، لأن اختلاف مستويات التكوين بين أبناء الشعب ينتج طبقات متفاوتة في التفكير وفي فهم المواطنة والوطن، ونتمنى أن يأخذ المخطط التشريعي لتنزيل القانون الإطار- المقرر عرضه يوم 17 يوليوز المقبل أمام اللجنة الحكومية المكلفة بتنزيل القانون الإطار للتربية والتكوين- في اعتباره ذلك.
*باحث تربويإنجاز: عبد الصمد ادنيدن