توجد الأسر المغربية اليوم في حيرة من أمرها، حول مستقبل أبنائها الدراسي في زمن كورونا، لاسيما وأن عدد حالات الإصابة بفيروس “كوفيد-19” تفاقمت بشكل صاروخي خلال الأسابيع الأخيرة عقب رفع الحجر الصحي بالمغرب.
وسيجد حوالي 8 ملايين ونصف المليون تلميذ أنفسهم أمام وضع جديد فرضته الجائحة في ظل عدم وجود لقاح فعال ضد الفيروس، وفق منظمة الصحة العالمية، وهو ما يجعل وزارة التربية الوطنية تفكر في السيناريوهات المحتملة لبداية الموسم الدراسي الجديد خلال شهر شتنبر القادم.
و بحسب الوزارة الوصية على قطاع التربية والتعليم والعديد من الخبراء يتأرجح الدخول المدرسي بالمغرب بين ثلاثة سيناريوهات ممكنة. وهي سيناريوهات يؤكدها المتتبعون للشأن التربوي، ويرون أن لا مفر منها في ظل الظرف الصحي الذي تعيشه البلاد وفي ظل ما هز متوفر من إمكانيات ولوجيستيك.
فحسب عبد الرزاق بن شريج، يتمثل السيناريو الأول في تنظيم دخول مدرسي عادي بداية شهر شتنبر القادم، على غرار السنوات الماضية، مؤكدا أن هذا الطرح غير وارد بتاتا في ظل التزايد المطرد في عدد الإصابات والوفيات خلال الأسابيع الأخيرة.
أما السيناريو الثاني الذي تحدث عنه بن شريج، فهو اللجوء إلى التعليم الحضوري غير التام من خلال تقسيم الزمن الدراسي إلى النصف، انطلاقا من بداية شهر نونبر، حيث الحاجة إلى تخصيص باقي أشهر سنة 2020 إلى استدراك الـ 25 في المائة من الحصص الدراسية التي لم تدرس بسبب انتشار فيروس كورونا بالمغرب.
وتقنيا أفاد الخبير التربوي، أن ذلك سيتم من خلال تخصيص نصف الحصص الدراسية لنصف تلاميذ القسم الواحد حسب الأسلاك الدراسية، وذلك بتقسيم الأسبوع إلى شطرين، بثلاث أيام حضورية لكل 10 أو 12 تلميذ “أي نصف عدد تلاميذ القسم”، على أساس تكثيف التعقيم الدائم للحجرات أثناء خروج كل فوج من التلاميذ.
وذكر المتحدث ذاته، أن عملية التعليم الحضوري بالنسبة للنصف من التلاميذ، لا بد من أن تتم مزاوجتها بالتعليم عن بعد بالنسبة للأسر التي تتوفر على الإمكانيات، أما التلاميذ الذين ليس باستطاعتهم ذلك، فسيكون من الصعب أن يستفيدوا من الدروس المقدمة على شاشة التلفاز، أو على مواقع وزارة التربية الوطنية المخصصة للتدريس عن بعد، لأسباب عديدة أهمها عدم توفر الإمكانات المادية.
وشدد على أن وزارة التربية الوطنية مطالبة، بخصوص هذا السيناريو الثاني، بأن تعيد صياغة استعمالات الزمن، وجداول الحصص الدراسية بشكل يأخذ بعين الاعتبار ظروف الجائحة، والإمكانات المادية المتوفرة لذا المتعلمين والمدرسين، والزمن المدرسي الفعلي.
وبخصوص البداية الفعلية للسنة الدراسية، يرى عبد الرزاق بن شريج، أن ذلك لن يكون إلا خلال يناير 2021، مشددا على ضرورة وضع برامج دراسية خاصة ومكيفة مع زمن كورونا، لأن البرامج الحالية موضوعة وفق الشروط العادية، لأن الوزارة، مع الأسف الشديد، يقول المتحدث، لم تضع ولم تأخذ بعين الاعتبار كل التوقعات لأوقات الأزمات “الحروب، الفيضانات، الزلازل، الأوبئة..”.
ودعا بن شريج وزارة التربية الوطنية إلى إعداد برنامج جديد يهم توزيع الدروس السنوية بشكل جديد يتماشى والوضعية الحالية التي يعيشها المغرب، من خلال تقليص عدد الساعات والمدة الزمنية لكل درس، خصوصا وأن البلاد مقبلة على موجة جديدة من فيروس كورونا، إلى جانب الفيروسات العادية التي تظهر خلال خريف وشتاء كل سنة.
وحول مدى استعداد الوزارة لإعداد هذا البرنامج، قال الخبير التربوي إن ذلك هو دورها، وكان من المفترض أن تتوفر على استراتيجيات جاهزة منذ زمن بعيد وليس إعدادها الآن، في وقت زمني ضيق، مطالبا بمحاسبة المسؤولين على الوضع الحالي الذي تعيشه المنظومة حتى في الوضع العادي قبل جائحة كورونا.
ووصف عبد الرزاق بن شريج السيناريو الثالث بالصعب، لأنه مرتبط باستمرار الوضعية الوبائية كما هي عليها الآن، حيث ستكون الدولة، وليس وزارة التربية الوطنية فحسب، مطالبة بالتجند لتمكين التلاميذ المغاربة من متابعة الدروس المدرسية عن بعد، انطلاقا من اعتماد منهجية جديدة، وليس التشبث بالصيغة التي تم اعتمادها مؤخرا.
وشدد بن شريج على أن الوزارة يجب ألا تفكر فقط في التلاميذ الذين يدرسون في الرباط، بل أيضا في من يدرس بامحاميد الغزلان بإقليم زاكورة، وأنكفو وغيرها من القرى والمداشير التي لا تملك فيها أغلب إن لم نقل كل الأسر الكهرباء، كما أن صبيب الأنترنيت غير متوفر للعديد منها حتى داخل المدن الهامشية، إن لم يكن منعدما بشكل كلي.
ويقترح المتحدث عرض الدروس المدرسية ثلاث مرات في اليوم على قنوات الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة “الرابعة، الرياضية..”، حتى يتسنى لجميع تلاميذ الأسرة الواحدة متابعة الحصص الدراسية في أوقات متفرقة بحسب كل مستوى دراسي.
وفي الوقت الذي تطلب فيه وزارة التربية الوطنية من الأساتذة إحداث أقسام دراسية، يشدد بن شريج على أن ذلك شبه مستحيل، في ظل عدم توفر الأساتذة والتلاميذ معا على الأنترنيت، مطالبا بالسماح لهم جميعا بالولوج إلى خدمة الاتصالات “مجانا” من خلال القن السري المخصص لتطبيق “مسار”.
وخلص المتحدث إلى أن انطلاق الدراسة، بشكل رسمي، ستكون، في حالة السيطرة على الفيروس في أواخر دجنبر من السنة الجارية 2020، خلال شهر يناير من سنة 2021 ،على أساس أن تتم برمجة الامتحانات خلال شهر يوليوز. أما إذا استمر الفيروس في الانتشار فإن التدريس عن بعد، يقول بن شريج، لا محيد عنه، ومن ثم يجب توفير الشروط الضرورية له.
يوسف الخيدر