في غمرة احتفالات دول العالم باليوم العالمي للمناخ، أصدر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تقريره السنوي بشأن مؤشر التنمية البشرية بعد إدخال تعديلات جديدة حيث تم إدراج معيار جديد في تطوير مؤشر التنمية البشرية: التأثير المناخي لكل بلد مع الأخذ بعين الاعتبار البصمة المادية أو الإيكولوجية لكل بلد وتأثيره على كوكب الأرض، وقد صدر تقرير التنمية البشرية لعام 2020 ساعات قليلة بعد صدور تقرير مؤشر الأداء المناخي الذي صنف المغرب في المرتبة السابعة عالميا كأول بلد عربي وإفريقي كصاحب أحسن مؤشر للأداء المناخي، إلا أن مؤشر التنمية البشرية الجديد بعد إدخال عامل التأثير المناخي والبصمة الإيكولوجية صنف تونس كأول بلد شمال إفريقي بالرتبة 95 عالميا، متبوعا بليبيا بالرتبة 105 عالميا، والمغرب بالرتبة 121 عالميا، أما على الصعيد العربي فقد احتلت الإمارات العربية المتحدة الرتبة الاولى عربيا و31 عالميا، متبوعة بالمملكة العربية السعودية بالمرتبة 40 عالميا، وقطر في المرتبة 45 عالميا، متبوعين بسلطنة عمان ثم الكويت ولبنان ثم تونس فالأردن وليبيا فمصر ثم المغرب. وتبقى البلدان الثلاثة الأولى في هذا الترتيب الجديد هي إيرلندا وسويسرا والمملكة المتحدة، في حين احتلت النرويج العام الماضي المركز الأول، تلتها سويسرا في المرتبة الثانية وإيرلندا في المركز الثالث.
اكتساح النرويج المركز الأول قبل إيرلندا
حددت الأمم المتحدة أيضا ترتيبها المعتاد بناء على مؤشر التنمية البشرية “الكلاسيكي”، مع مراعاة ثلاثة معايير فقط: نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، ومتوسط العمر المتوقع عند الولادة، ومستوى التعليم، حيث لا تزال النرويج في المركز الأول.
واعتادت النرويج، التي تأتي معظم ثروتها من استغلال حقولها النفطية، على أن تكون على رأس مخططات مؤشر التنمية البشرية، لكن هذا العام انخفض النظام البتروموني إلى المركز السادس عشر بحسب ما أفادت به وسائل الاعلام النرويجية.
وبمناسبة الذكرى الثلاثين لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي قررت الأمم المتحدة إدراج معيار جديد في مؤشر التنمية البشرية الخاص بها مع مراعاة التأثير المناخي لكل دولة وبشكل أكثر دقة البصمة الكربونية للأنشطة البشرية وكذلك انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، لقد أدى هذا المعيار إلى إسقاط العديد من البلدان بشكل عام في قمة الترتيب.
“فيما يتعلق بانبعاثات ثاني أكسيد الكربون تبلغ انبعاثات النرويج 8.3 طن للفرد مما يجعلها من بين أهم ثلاثين قيمة في الترتيب”، كما تشير وسائل الاعلام النرويجية، ولم يعد يتم تصنيف أكثر من 50 دولة على أنها “معظم البلدان المتقدمة”، هذا هو الحال من بين أمور أخرى، أستراليا التي خسرت مرتبتين مقارنة بالعام الماضي وأصبحت الثامنة عالميا، ولوكسمبورغ التي خسرت مرتبتين، وفقدت كل من تونس والسعودية وقطر 4 مراتب، وتقدمت الإمارات العربية المتحدة إلى المرتبة 31 عالميا متصدرة دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أما بالنسبة للبلدان الأخرى فإن هذا المعيار الجديد يرفعها في الترتيب. تقدمت كل من المملكة المتحدة والبرتغال وكرواتيا، وحافظت كل من فرنسا وإيطاليا وإسبانيا والمغرب على نفس المكانة مقارنة بتقرير 2019.
مؤشر الأداء المناخي أو الماركوتينغ البيئي
حافظت جل الدول التي صنفها مؤشر الأداء المناخي 2021 على مراتبها المتقدمة حسب مؤشر التنمية البشرية الجديد، حيث احتلت دولة السويد المصنفة الرابعة عالميا بأحسن مؤشر للأداء المناخي صنفها مؤشر التنمية البشرية 2020 في المرتبة السابعة، أما المملكة المتحدة صاحبة المرتبة الخامسة كأحسن مؤشر للأداء المناخي حصلت على المرتبة 13 في مؤشر التنمية البشرية، الدانمرك (6) احتلت الرتبة 10 عالميا، أما النرويج (8) فهي عروس مؤشر التنمية البشرية لهذا العام 2020، في حين تم تصنيف المغرب صاحب المقعد السابع كأحسن مؤشر للأداء المناخي، تم تصنيفه في المرتبة 121 من بين 189 شملتها الدراسة.
بالنسبة للبلدان الأخرى، فإن هذا المعيار الجديد يرفعها في الترتيب. تقدمت فرنسا 16 مرتبة، وإيطاليا 12، والبرتغال 15، وكرواتيا 19، والمملكة المتحدة 10 مراتب.
مؤشر تجريبي جديد للتنمية البشرية
أحدث وباء كوفيد-19 أزمة اقتصادية كبرى يواجهها العالم، وستبقى تبعاتها لسنين عديدة، لكن لن تكون الأزمة الأخيرة في تاريخ البشرية ولن تكون الجائحة الأخيرة للأسف ما لم يفقد البشر قبضتهم على الطبيعة، فوفقا لآخر تقرير لهيئة الأمم المتحدة وبرنامجها الإنمائي الذي صدر بحر الأسبوع الماضي سيتم اقتراح مؤشر تجريبي جديد للتنمية البشرية ليأخذ في الاعتبار البصمة الكربونية والبصمة الإيكولوجية والمادية للبلدان، ويقدم التقرير خيارا صعبا لزعماء العالم: اتخاذ خطوات جريئة لتقليل الضغط الهائل على الأوساط الطبيعية مما سيؤثر حتما على خريطة الدول المستدامة وتوزيعها، والأخرى المنتشية فرحا بتربعها ضمن الدول العشر الأوائل بأحسن مؤشر مناخي المؤشر الذي يعطى للنوايا البيئية الحسنة والوعود المناخية الافتراضية والمتوقع حدوثها في أفق 2050، دون الأخذ بعين الاعتبار الأوساط الطبيعية التي تحتضر في صمت كبار الأنهار أصبحت مستنقعات للمياه العادمة ومناطق رطبة أصبحت منتجعات سياحية وأخرى أصبحت جافة قاحلة لعوامل عديدة وأخرى تبنى فوقها مركبات اقتصادية، وأخرى تلقى فيها مياه الصرف الصحي بمباركة من المجتمع المدني البيئي، نموذج حي للأسف تعرفه بعض البلدان التي صنفت ذات المؤشر المناخي الجيد ومنظوماتها البيئية تئن في صمت، ومحطاتها الحرارية تلوث ليل نهار الغلاف الجوي بثاني أوكسيد الكبريت السام، وتشيد في محطات معالجة المياه العادمة وعدد مهم منها لا يشتغل، بالإضافة الى خلق مجموعة من مطارح النفايات التي تجمع الليكسيفيا دون أن تجد لها حلولا علمية وعملية لحماية الفرشة المائية من سموم عصارة النفايات، في حين العديد من المطارح العشوائية للنفايات توجد وسط أو قرب أوساط طبيعية، أنهارا كانت أو غابات أو مناطق رطبة مصنفة (رامسار).
“يمارس البشر ضغطا على كوكب الأرض لم يكن أبدا بهذه السعة، في مواجهة كوفيد-19 ودرجات الحرارة القياسية والتفاوتات المتزايدة، فقد حان الوقت لاستخدام هذه القوة لإعادة تعريف ما نعنيه بالتنمية المستدامة، الآن بعد أن أصبحت آثار الكربون والاستهلاك لدينا معروفة” كما يقول أكيم شتاينر مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ويضيف: “وكما يوضح هذا التقرير، لم تحقق أي دولة في العالم مستوى عال جدا من التنمية البشرية دون ممارسة ضغط هائل على هذا الكوكب، لكن يمكن أن نكون الجيل الأول لتصحيح هذا الوضع، وهذه ستكون هي الخطوة الحاسمة التالية في التنمية البشرية”.
ويؤكد التقرير بأنه مع دخول البشرية حقبة جيولوجية جديدة بالكامل تسمى الأنثروبوسين، أو عصر البشر، فقد حان الوقت لجميع البلدان لإعادة التفكير في طريقها للتقدم من خلال تبنيها بالكامل مع مراعاة الضغوط الخطيرة التي يمارسها البشر على الكوكب، والقضاء على الاختلالات الصارخة في القوة والفرص التي تمنع التغيير.
ويؤكد أكيم شتاينر: “من خلال تعديل مؤشر التنمية البشرية الذي يقيس الصحة والتعليم ومستوى المعيشة فقط في بلد ما ومع إدراج عنصرين آخرين وهما انبعاثات ثاني أكسيد الكربون للبلد والبصمة الإيكولوجية، يوضح المؤشر كيف يمكن أن تتغير الحالة العامة للتنمية العالمية، إذا كان رفاه البشر وتخفيف الضغوط على الكوكب كلاهما محوريين في تعريف التنمية البشرية”.
وعلى الرغم من هذه التعديلات فإن كوستاريكا ومولدوفا وبنما تعمل على تحسين تصنيفاتها بما لا يقل عن 30 مرتبة، مما يبرز إمكانية تقليل الضغط على الكوكب، ويبقى تقرير التنمية البشرية هو إنتاج هام للأمم المتحدة، “في وقت الحاجة إلى اتخاذ إجراءات، يساعدنا الجيل الجديد من تقارير التنمية البشرية، والذي يركز بشكل أكبر على القضايا المحددة في عصرنا، مثل تغير المناخ وعدم المساواة، في توجيه جهودنا”، قال ستيفان لوفين رئيس الوزراء السويدي البلد المضيف لإطلاق التقرير الأممي: “نحو المستقبل الذي نصبو إليه”، ووفقا للتقرير، ستتطلب الخطوة الحاسمة التالية في التنمية البشرية العمل مع الطبيعة وليس ضدها: على سبيل المثال، تتوقع التقديرات الجديدة أنه بحلول عام 2100 يمكن أن تشهد أفقر دول العالم ما يصل إلى 100 يوم إضافي في السنة من الطقس المتطرف بسبب تغير المناخ – وهو رقم يمكن أن ينخفض إلى النصف إذا تم تنفيذ اتفاق باريس بشأن تغير المناخ بالكامل.
يمكن أن تمثل إعادة التحريج والإدارة الأفضل للغابات وحدهما حوالي ربع التدابير التي نحتاج إلى اتخاذها قبل عام 2030 لمنع الاحترار العالمي من الوصول إلى درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الصناعة، وقالت جاياثما ويكراماناياكي مبعوثة للأمين العام للأمم المتحدة للشباب: “على الرغم من أن البشرية حققت أشياء لا تصدق فمن الواضح أننا نعتبر الكوكب مستقبلنا الجماعي، كما يوضح تقرير التنمية البشرية لعام 2020 فنحن بحاجة إلى تحويل علاقتنا مع الكوكب لجعل استهلاك الطاقة والمواد مستداما، ولضمان أن كل شاب متعلم ومتمكن من تقدير العجائب التي يمتلكها الإنسان عالم صحي يمكن أن يحقق”.
يقول المؤلف الرئيسي للتقرير بيدرو كونسيساو إن كيفية تعرض الناس لضغوط الكواكب مرتبطة بكيفية عمل المجتمعات، واليوم تدفع المجتمعات المنقسمة الناس والكوكب إلى التصادم، حيث أن التفاوتات داخل البلدان وفيما بينها والتي تضرب بجذورها بعمق في الاستعمار والعنصرية تعني أن أولئك الذين يمتلكون أكبر قدر من الثروة يجنون فوائد الطبيعة ويصدرون التكاليف، هذا الوضع يحد من إمكانيات الأشخاص الأقل ثراء ويقلل من قدرتهم على الرد على هذا الخلل، وخير مثال على ذلك تمتص الأراضي التي يديرها السكان الأصليون في منطقة الأمازون لكل شخص نفس الكمية من ثاني أكسيد الكربون المنبعثة من أغنى واحد بالمائة من سكان العالم، ومع ذلك لا تزال الشعوب الأصلية تواجه الصعوبات والاضطهاد والتمييز وعدم الاستماع إليها في صنع القرار،من ناحية أخرى غالبا ما يحدث أن التمييز على أساس العرق يؤثر على المجتمعات ويعرضها لمخاطر بيئية عالية مثل النفايات السامة أو التلوث المفرط، يزعم المؤلفون أن هذا الاتجاه يتكاثر في المناطق الحضرية عبر القارات.
ويمكن تخفيف الضغوط العالمية التي ستسمح للجميع بالازدهار في هذا العصر الجديد عبر الحد من الاختلالات الصارخة في موازين القوة والفرص التي تقف في طريق التحول، في حين يمكن للإجراءات العامة معالجة هذه التفاوتات، على سبيل المثال من خلال اللجوء إلى الضرائب التصاعدية المتزايدة أو الاستثمارات الوقائية وأنظمة التأمين للمجتمعات التي تعيش على طول السواحل وهو إجراء يمكن أن يحمي حياة 840 مليون شخص معرضين لخطر الفيضانات الساحلية حول العالم، لكن الأمر يتطلب جهودا متضافرة لضمان عدم تعارض كل هذه الإجراءات مع الناس والكوكب.
وقال بيدرو كونسيكاو : “الخطوة الحاسمة التالية في التنمية البشرية هي عدم الاختيار بين الناس أو الأشجار، حيث يتعلق الأمر اليوم بإدراك أن التقدم البشري المدفوع بالنمو غير المتكافئ والكثيف الكربون يقترب من نهايته”، وأضاف: “من خلال معالجة التفاوتات وتسخير الابتكارات والعمل مع الطبيعة، يمكن للتنمية البشرية أن تبدأ عملية تحولية مصممة لدعم المجتمعات والكوكب في نفس الوقت”.
المؤشر الأخضر للاقتصاد العالمي
وتعتبر الدول الاسكندنافية من بين أكثر الدول الصديقة للبيئة بفعل تواجدها ضمن المراكز العشرة الأولى إلى جانب الدنمارك وألمانيا وسويسرا فهي تتمتع الدول الاسكندنافية بالصور الشائعة بكونها دولا صديقة للبيئة مع أنماط الحياة والمدن في طليعة التنمية المستدامة، حيث تظهر السويد والنرويج في أول مكانين في “المؤشر الأخضر للاقتصاد العالمي” في حين تحتل فنلندا المرتبة الثامنة.
وشرعت السويد المتوجة الأسبوع الماضي بمؤشر أحسن أداء مناخي، وقبل فترة طويلة من بروتوكول كيوتو (1997) وبروتوكول باريس (2015) في الاشتغال على برنامج التنمية المستدامة ومنذ الستينيات، مستفيدة بشكل كبير من مزاياها الطبيعية من خلال استخدام الطاقة الهيدروليكية، ومنذ عام 1999 اعتمدت الحكومة السويدية برنامجا طموحا يتضمن خمسة عشر هدفا في أفق 2020 من بينها احتمال إنتاج 50٪ من إمدادات الطاقة في البلاد من الطاقة المتجددة، والذي هو الحال بالفعل في 45٪، وكما لو كنت ترغب في تحقيق طموحاتك، عليك أن تعطي لنفسك الوسائل، فلا يوجد نقص فيها: تم تخصيص ميزانية قدرها 558 مليار يورو للبيئة في 2010 – 2012 وحدها، وفي الوقت نفسه، 3500 شركة تشارك الشركات في التقنيات البيئية، مع 40،000 موظف.
النرويج هي الأخرى ليست متخلفة عن التنمية المستدامة، رغم أنها ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي، استفادت النرويج أيضا من أفضل إمكاناتها لإنتاج الطاقة الكهرومائية منذ عام 2010، حيث تطلبت من جميع مبانيها الجديدة التي تزيد مساحتها عن 500 متر مربع إنتاج 60٪ من احتياجاتها من الطاقة باستخدام الطاقة المتجددة، حددت البلاد لنفسها أيضا الهدف الطموح للغاية المتمثل في عدم انبعاث الكربون بحلول عام 2030، أي إنتاج الطاقة المتجددة فقط.
ورسخت النرويج خلال عام 2017 مكانتها كأكثر دولة تقدما في العالم عندما يتعلق الأمر بالسيارات الكهربائية، إذ انخفضت مبيعات سيارات البنزين والديزل في هذا البلد إلى أقل من 50%.
ألمانيا وبولونيا قضيتان متعارضتان
تحتل ألمانيا المرتبة الرابعة في ترتيب الدراسة الأمريكية، حيث تكافئ سياسة نشطة لصالح التنمية المستدامة، تاريخيا، بموارد طبيعية محدودة، اختارت ألمانيا في أواخر التسعينيات الانسحاب التدريجي من الطاقة النووية، أكثر من بديل، والطاقة الخضراء، وتشكل التزاما شبه لأمة عظيمة، والتي بدأت في عام 2010 في برنامج بيئي قوي، وتوفير دفعة قوية لجميع البلدان الأوروبية.
وهكذا بحلول عام 2050، تريد ألمانيا ضمان 60٪ من استهلاكها بفضل الطاقات المتجددة، مع تقليل انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 80٪. تتضمن هذه الأهداف في الممارسة العملية تخفيضًا بنسبة 10٪ في استهلاك الكهرباء من عام 2020، والالتزام ببناء مباني سلبية في نفس الموعد النهائي. وفي الوقت نفسه، فإن إنتاج الطاقة الخضراء له اعتمادات سخية في الميزانية، مع نتائج سريعة: ألمانيا هي إلى حد بعيد الدولة الأولى لإنتاج الطاقة الشمسية.
بعيدا عن هذه النتائج الرائعة، تشير جارتها الشرقية لألمانيا، بولندا، إلى المركز 54 الغامض في التصنيف الأمريكي، رغم أن معظم الدول الأوروبية تحتل المرتبة الثلاثين، ركز خطأ إنتاج الطاقة أساسا على أكثر من ثلاثة أرباع الفحم، والذي أصدر في عام 2014 129 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون ولكن أيضا 255 مليونا لألمانيا، ومن المفارقات أنه لا يزال بلد يستخدم هذا النوع من الطاقة، كراكوف في جنوب بولندا، وهو ثالث أكثر المدن تلوثا في أوروبا.
بالإضافة إلى عائق موقعها الجغرافي في وعاء، فإن المدينة الرائعة تعاني في فصل الشتاء من تسخينها بالفحم الذي ينشر حجابا غامضا على سكانها، بينما يهددهم بأمراض تنفسية خطيرة : الربو، اعتلال القصبات الهوائية وكذلك أمراض القلب والأوعية الدموية والسرطانات تؤثر بشكل غير طبيعي على سكان هذه المنطقة من بولندا، أجبرت بولندا على الانضمام إلى التوجيهات البيئية للاتحاد الأوروبي، وبدأت مؤخرًا سياسة لتطوير الطاقات المتجددة، مع التركيز بشكل خاص على طاقة الرياح، اتضح أن المهمة صعبة، فالبلد هو المنتج الأوروبي الثاني للفحم وراء ألمانيا.
مؤشر التعافي الاقتصادي 2020
احتلت فنلندا المركز الأول عالميا في مؤشر التعافي الاقتصادي، تليها النرويج في المركز الثاني ومن ثم ألمانيا في المركز الثالث، في حين على الصعيد العربي، احتلت الإمارات المركز الأول عربيا، حيث جاءت في المركز الـ37 عالميا، تليها السعودية في المركز الثاني عربيا ومن ثم الكويت في المركز الثالث عربيا.
وعرت جائحة كورونا عن الفشل الكبير الذي عرفه المسؤولون عبر العالم في تدبير القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والبيئية، دول العالم اتخذت تدابير واسعة لاحتواء الفيروس ولتجنب انهيار المنظومات الصحية، الشيء الذي وجه ضربة قاضية للصناعات والوظائف عالميا، وتسبب في أسوأ ركود اقتصادي منذ أزمة 1929، وبعد استجابة الدول لحماية أرواح وصحة الناس، تعمل الحكومات الآن على حماية سبل عيشهم من خلال العمل نحو انتعاش اقتصادي مستدام، كل ذلك وسط عدم يقين مستمر حول ما قد نشهده في المستقبل، و لقياس مدى الاستجابة والتعافي الاقتصادي من أزمة القرن قامت شركة “هورايزون” المختصة بالأبحاث، بوضع مؤشر لقياس التعافي الاقتصادي في 122 دولة، مؤشر يركز على تقييم وضع الدول في رحلتها للتعافي، مؤشر يرتكز على المرونة الصحية للبلد و على نقاط القوة والضعف في الاقتصاد المهيكل، ويقيم مؤشر التعافي الاقتصادي من كورونا إمكانيات البلدان لتجاوز الأزمة والتعافي منها.
ويعد مؤشر التعافي الاقتصادي من آثار وباء “كوفيد-19″، الذي نشرته مجموعة هورايزون البحثية، وهي هيئة خبراء منبثقة عن الأمم المتحدة والمنتدى الاقتصادي العالمي وتتخذ من سويسرا مقرا لها، من أحدث التقارير التي تتناول هذه الأزمة بهدف تقديم طرح واف يناقش مخاطر الركود لفترة طويلة وكيفية صياغة استراتيجيات تلبي متطلبات المرحلة الراهنة وتمكن الدول في ذات الوقت من اتخاذ تدابير وإجراءات فعالة لتعزيز المرونة في مواجهة الصدمات المستقبلية.
ويضم المؤشر 122 دولة تم اختيارها بناء على توافر البيانات، ويقوم المؤشر باستخدام مجموعة بيانات مصممة خصيصا لقياس ثلاثة محاور رئيسية هي مرونة النظام الصحي، وقدرة الدول على استيعاب الصدمة الاقتصادية، والمرونة الاقتصادية.. ويتم قياس المحاور الرئيسية من خلال 15 محورا فرعيا تحلل أداء كل دولة بالتفصيل باستخدام أكثر من 100 مؤشر.
وتعد مجموعة هورايزون مؤسسة بحثية تهدف إلى دعم جهود الانتقال نحو اقتصاد مستقبلي مستدام وشامل وقائم على التكنولوجيا عبر مجموعة محاور يأتي في مقدمتها الابتكار وتحقيق الشمول والمرونة الاقتصادية وتعزيز قدرات الشباب ورفع جاهزية القطاعات للاستعداد للمستقبل.
تغير المناخ العالمي والوضع المقلق
أصدرت وكالة الارصاد الجوية اليابانية تقريرها النهائي بخصوص درجات الحرارة لشهر نونبر 2020، التقرير الذي أكد ارتفاع درجة حرارة سطح الارض بــــــ 0.79 درجة مئوية مما يجعل من شهر نونبر الأكثر حرارة منذ عام 1891، ويبقى اليوم العالمي للمناخ مناسبة لإعادة طرح سؤال تغير المناخ إلى الواجهة، في حين أن الحرب ضد جائحة كورونا والأزمة الاقتصادية قد استبعدته شيئا ما من اهتمام المختصين، ومع ذلك تستمر الأرقام الملموسة للغاية في إظهار تأثير الاحتباس الحراري على حياة البشرية.
ويبقى في نظر الخبراء أن التقارير الأخيرة بشأن تغير المناخ العالمي مثيرة للقلق، بعد أن تأكدت مسألة ارتفاع درجة حرارة المحيطات بوتيرة سريعة تفوق نسبة أربعين في المائة مقارنة بالتقارير السابقة، حيث ظلت المحيطات مستقرة منذ ما يقرب من 3000 عام وفقا لدراسات علماء الآثار والجيولوجيين الآخرين، لكن على مدار القرن العشرين ارتفع مستوى مياه البحر بمقدار 1.8 ملم سنويا ويرجع ذلك أساسا إلى ذوبان الجليد، لذلك فإن هذه الزيادة إلى ثلاث ملليمترات سنويا أمر مثير للقلق لأن ارتفاع مستويات المياه يمكن أن يتسارع وبالتالي فإن العواقب ستكون وخيمة مع زيادة عدد اللاجئين بسبب المناخ.
كانت درجة الحرارة الملاحظة خلال الفترة من دجنبر 2019 إلى نونبر 2020 أعلى بـ1.28 درجة من درجات الحرارة في عصر ما قبل الصناعة، كل هذا في حين أن عام 2020 يجب أن يكون أحد أكثر الأعوام حرارة على الإطلاق، كما كان الحال بالفعل في 2019 أو 2018 أو حتى 2017، ارتفاع واضح في درجة الحرارة، بعيدا عن كونه حادثا منعزلا، والتي من المتوقع أن تتسارع أكثر في المستقبل القريب وفقا للتقديرات لتصل الى 1.5 في افق 2024.
وتم إحصاء عام 2020 حوالي 30 عاصفة خلال موسم الأعاصير في المحيط الأطلسي، وتجدر الإشارة أيضا إلى أن العواصف لم تزداد من حيث العدد فحسب، بل زادت حدتها أيضا في السنوات الأخيرة، فهي ظاهرة أصبحت مرتبطة بارتفاع حرارة المحيطات مما يزيد من الرطوبة وقوة الأعاصير التي تتشكل، ولكن هذه السنة استثنائية بكل المقاييس، حيث مع ارتفاع درجة الحرارة وارتفاع منسوب المياه فإن النتيجة الأولى على حياة الإنسان ستكون تزايد اعداد لاجئي المناخ، ففي عام 2019 نزح ما يقرب من 25 مليون شخص داخليا بسبب تغير المناخ وفقا للتقرير السنوي لمنتدى اللاجئين وهو رقم يمكن أن يصل إلى 250 مليون بحلول عام 2050.
في عام 2019 انبعثت 36.8 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون أي بزيادة 0.6٪ عن عام 2018، وفقا لبيانات مشروع الكربون العالمي، حيث سيكون تلوث الهواء هذا سبب وفاة 800 ألف شخص في أوروبا لوحدها كل عام وتسعة ملايين شخص على كوكب الأرض، وكان قد حذر الفريق الحكومي المعني بتغير المناخ في تقريره الصادر في نهاية العام الماضي من أن ارتفاع درجات الحرارة قد يؤدي إلى حدوث فيضانات وموجات جفاف ونقص الغذاء وحرائق الغابات بحلول عام 2024، ما لم تتخذ إجراءات جدرية.
تغير مؤشر الدول الجيدة بين الأمس واليوم
وبينما لا يزال الطريق أمام المجتمع الدولي طويلا لمواجهة تبعات تغير المناخ، فإن بعض الدول حظيت بإشادة عالمية بسبب إسهاماتها الإيجابية في الحفاظ على كوكب الأرض، وفقا لمؤشر الدول الجيدة، الذي وضعه سايمون أنهولت، المستشار السياسي المستقل، لتقييم تأثير سياسات وممارسات كل دولة على البشرية وعلى كوكب الأرض، مثل تأثير كل دولة على البيئة قياسا بحجم النمو الاقتصادي ومدى اعتمادها على مصادر الطاقة المتجددة، وتصدرت النرويج عام 2019 قائمة الدول عالميا بينما احتلت عام 2020 المرتبة العاشرة، وتصدرت الامارات العربية المتحدة قائمة الدول عربيا، هذه الدول التي أسهمت في الحفاظ على كوكب الأرض والمناخ وفقا لمؤشر “الدول الجيدة” برسم سنتي 2019 و 2020.
عام 2019 تصدرت النرويج قائمة الدول التي تتبنى أفضل الممارسات للحفاظ على كوكب الأرض والمناخ، قبل أن تحتل المرتبة العاشرة عام 2020، وذلك تتويجا لجهودها ودورها الريادي في مجال الحفاظ على البيئة، إذ سجلت في النرويج أعلى نسبة تملك للسيارات الكهربائية في العالم وتعهدت الحكومة بالقضاء تماما على انبعاثات الغازات الملوثة للبيئة بحلول عام 2030، لكن العلاقة الوثيقة التي تربط سكانها بالطبيعة تتجاوز حدود السياسات، إذ يدرك النرويجيون أهمية “الحياة في الهواء الطلق” وفوائد ذلك على الصحة والسعادة.
وقد نالت العاصمة النرويجية أوسلو لقب عاصمة أوروبا الخضراء لعام 2019، تقديرا لجهودها في الحفاظ على مجاريها المائية وتطويرها، والاستثمار في برامج وطرق الدراجات والنقل العام ومشروعاتها المبتكرة لمكافحة التغير المناخي، بتحويل انبعاثات الكربون إلى شيء مادي يمكن قياسه. كما عملت البلدية على إخلاء قلب المدينة من السيارات.
وبالرغم من أن النرويج تولد 99 في المائة من احتياجاتها من الطاقة الكهربائية من الموارد المائية، إلا أنها لا تزال من كبريات الدول المصدرة والمنتجة للنفط، وقد أثار هذا الأمر جدلا واسعا في الأوساط السياسية.
وحلت البرتغال في المرتبة الثالثة على قائمة الدول التي تتبنى أفضل الممارسات للمحافظة على كوكب الأرض، إذ كانت البرتغال من أوائل البلدان التي تستثمر في تطوير شبكة متكاملة من محطات شحن السيارات الكهربائية، التي كانت حتى وقت قريب بالمجان، وقدمت الحكومة حزمة حوافز وتسهيلات للمواطنين المستثمرين في مجال توليد الكهرباء من الطاقة المتجددة، وكانت البرتغال من أوائل البلدان التي تستثمر في تأسيس شبكة من محطات شحن السيارات الكهربائية.
وتنتشر في كل منطقة في البرتغال سلال مخصصة لإعادة التدوير وإنتاج السماد العضوي من مخلفات الأطعمة. كما لعبت التربية البيئية عبر التعليم دورا رئيسيا في تشجيع البرتغاليين على الحفاظ على البيئة، وظلت البرتغال تعتمد على الزراعة لسنوات طويلة مستفيدة من وفرة مواردها الطبيعية، من مياه ورياح، وبالرغم من أن الدراجات أقل انتشارا في العاصمة لشبونة منها في سائر العواصم الأوروبية، بسبب أراضيها شديدة الانحدار، إلا أن الدراجات الكهربائية لاقت رواجا كبيرا بين سكان لشبونة الذين يستأجرونها بوصفها وسيلة للتنقل صديقة البيئة.
وتتبنى أوروغواي سياسات اجتماعية وبيئية أهلتها لتأتي في صدارة دول أمريكا الجنوبية في مؤشر الدول التي تسهم في الحفاظ على كوكب الأرض والمناخ. وقد أصبحت أوروغواي من البلدان الرائدة في مجال توليد الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة، لا لانعدام مصادر الطاقة البديلة فحسب ولكن أيضا للحفاظ على البيئة، واليوم تولد أوروغواي نحو 95 في المئة من احتياجاتها من الطاقة الكهربائية من مصادر الطاقة المتجددة، ويأتي أكثرها من محطات الطاقة الكهرومائية.
وأصبحت الأوروغواي من الوجهات المفضلة للباحثين عن السياحة الأخلاقية، وبخلاف المزايا الاقتصادية للاعتماد على الطاقة المتجددة، تربط السكان بالأرض روابط قوية توطدت على مدى قرون، وتعمل أغلب وسائل النقل العام في معظم المدن الكبرى بالكهرباء، وتعتزم أوروغواي تشغيل مطار كاراسكو الدولي بالعاصمة مونتيفيدو بالكامل بالطاقة الشمسية، ليكون أول مطار في أمريكا اللاتينية يضم محطة لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية.
ووضعت الحكومة الكينية خطة لمكافحة تغير المناخ، في إطار جهودها الرامية لحماية نشاطها الزراعي الذي يمثل أهم روافد الاقتصاد، بعد تزايد ظواهر الطقس والمناخ المتطرفة وتواتر موجات الجفاف وغيرها من تداعيات تغير المناخ التي عانت منها البلاد في السنوات الأخيرة. وتتضمن أهداف الخطة الحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بنسبة 30 في المئة بحلول عام 2030.
كما فرضت السلطات الكينية حظرا على استخدام الأكياس البلاستيكية لحماية مجاريها المائية والبيئة، ووصف هذا الحظر بأنه الأكثر صرامة في العالم، إذ يعرض من يحمل كيسا بلاستيكيا للسجن أو الغرامة المالية الباهظة، وبفضل هذه الخطة وهذا الحظر، احتلت كينيا المركز 26 بين الدول التي تتبنى أفضل الممارسات في الحفاظ على كوكب الأرض والمناخ، وتطبق المجتمعات الكينية أنظمة تقليدية متوارثة لحماية البيئة، لكن حماية البيئة لا تتطلب دائما تدخلا حكوميا.
واحتلت نيوزيلندا المركز 39 عالميا والأول على مستوى دول منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ في مؤشر التأثير الإيجابي على كوكب الأرض والمناخ، وذلك لأن نيوزيلندا، التي يعتمد اقتصادها على الزراعة والسياحة، لا تتهاون في حماية مواردها الطبيعية، وحلت نيوزيلندا في المركز 39 عالميا والأول على مستوى دول منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ في مؤشر التأثير الإيجابي على كوكب الأرض والمناخ، مقابل ذلك صنفت من بين أعلى الدول في العالم من حيث نصيب الفرد من انبعاثات الكربون، ويرجع ذلك إلى ارتفاع نسبة انبعاثات الميثان من قطاع رعي الأغنام والماشية الضخم، وكذلك انبعاثات قطاع الطاقة الآخذ في النمو، وهذا ما دفع الدولة إلى تشكيل ائتلاف من أعضاء البرلمان المنتمين لأحزاب سياسية مختلفة، للقضاء تماما على الانبعاثات الضارة بحلول عام 2050.
وفي السنوات الأخيرة، تزايد اهتمام النيوزيلنديين بقضايا البيئة، مثل التلوث وتضاعف حجم النفايات، التي لم تكن من القضايا الأساسية التي تشغل اهتمام الشعب النيوزيلندي، إذ تعد نيوزلندا من الدول ذات الكثافة السكانية المنخفضة نسبيا، واحتلت الإمارات المرتبة الأولى عربيا والمركز 52 عالميا، من أصل 153 دولة، في “مؤشر الدول الجيدة” لسنة 2019، الذي يرصد مساهمة البلدان في تحقيق المصلحة الفضلى للمجتمع الإنساني، وحلّت تونس الأولى مغاربيا والثانية عربيا، فيما احتلت المركز الـ 62 عالميا، يليها المغرب في المركز 77 عالميا.
ويعتمد على مجموعة من البيانات التي توفرها الأمم المتحدة ومنظمة الصليب الأحمر الدولي، وغيرهما من المنظمات، ويقيس المؤشر أداء 153 بلدا في التأثير عالميا بالنسبة للحجم، ويتضمن 35 معيارا تنقسم إلى 7 فئات هي: “العلوم والتكنولوجيا، الثقافة، السلم والأمن الدوليان، النظام العالمي، التغير المناخي والتلوث، الرخاء والمساواة، والصحة والرفاهية”، وتصدرت فنلندا التصنيف، تلتها هولندا ثم إيرلندا والسويد وألمانيا والدنمارك. فيما جاءت روسيا في المرتبة 41، وحلت الولايات المتحدة في الترتيب 40 عالميا.
الاتحاد الأوروبي والمغرب شراكة دائمة ومتواصلة
لتحقيق رؤية باريس، يجب أن يسير التعافي بعد كوفيد-19 ومكافحة تغير المناخ جنبا إلى جنب فبعد قمة الذكرى الخامسة لاتفاق باريس أصبح من الضروري الدعوة إلى عمل عالمي أقوى لمكافحة تغير المناخ، أنه مطلب له من الأهمية أكثر من أي وقت مضى، فعندما نشاهد الجفاف المدمر وأسراب الجراد في دول الشرق الاوسط و القرن الأفريقي والحرائق الهائلة في أمريكا والبرازيل وأستراليا وسوريا ولبنان، والفيضانات في تونس و السودان والأعاصير في دول شرق آسيا ودول امريكا الوسطى وجزر الكاريبي: نيكاراجوا، بنما،كوستاريكا هايتي والمكسيك، فهل سنبقى مكتوفي الأيدي أمام هذه الكوارث العظمى التي يتسبب فيها الانسان بطريقة مباشرة وهل ستتحقق رؤية حركة الشباب من اجل المناخ لقيادة العالم نحو صفر انبعاثات كربونية، ولتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050 وافق رؤساء دول الاتحاد الأوروبي بالإجماع خلال قمة 10-11 دجنبر 2020 بالعاصمة البلجيكية بروكسيل على هدف 2030 لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 55٪ على الأقل من مستويات عام 1990، سيؤدي هذا الالتزام الجديد لا محالة إلى زيادة تسريع الانخفاض السريع في تكاليف تقنيات الكربون.
وفي إطار الشراكة شمال جنوب مع الاتحاد الأوروبي، فقد تم إشراك المغرب في مسلسل مكافحة تغير المناخ، بفضل سياسته الطموحة للغاية في مجال المناخ والطاقة، لا سيما منذ رئاسته لقمة المناخ في نسختها الثانية و العشرون بمراكش عام 2016، نظرا لإمكانياته الكبيرة في مجال الطاقات المتجددة ومكانته الدولية، حيث سيعمل الاتحاد الأوروبي والمغرب معا لبناء المعرفة وتعزيز العمل المناخي وتعبئة الشباب من اجل المناخ في أفق انعقاد قمة المناخ في نسختها السادسة والعشرين بغلاسكو الاسكتلندية، ويعد التعاون في مجال تغير المناخ أحد أولويات الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، حيث قرر الاتحاد الأوروبي والمغرب مؤخرا تطوير شراكة استراتيجية: “الميثاق الأخضر للاتحاد الأوروبي-المغرب حول الطاقة والتغير المناخي والبيئة والاقتصاد الأخضر” من أجل دعم طاقة المغرب ومكافحة تغير المناخ.
المغرب يحتل مراكز متقدمةفي مؤشري البيئة والأداء المناخي
بوأت دراسة أجرتها مؤسسة “جرمان واتش” الألمانية، عام 2020، المغرب مركزا متقدما بخصوص الحفاظ على البيئة، وقد حل المغرب في الرتبة السابعة عالميا، علما أن التقرير يترك المراتب الثلاثة الأولى فارغة نظرا لعدم احترام الدول اتفاق باريس بالشكل المطلوب، ليصبح المغرب بذلك الدولة الأولى في الشرق الاوسط وافريقيا حفاظا على البيئة.
دراسة المؤسسة الألمانية ترجع سبب حلول المغرب في مركز جد متقدم بين الدول التي تحافظ على البيئة، إلى مشاريع الطاقة النظيفة التي شرعت فيها المملكة منذ سنوات، ناهيك عن سن قانون يمنع الأكياس البلاستيكية، وللإشارة لم يمنع القانون المصادق عليه أيام قبل انعقاد قمة المناخ بمراكش، لم يمنع تداول الأكياس البلاستيكية بما فيها تلك الملونة في مختلف المدن المغربية؛ مما يدفع عددا من الخبراء للتساؤل: هل سن المغرب ذلك القانون فقط في إطار تنظيمه للتظاهرة العالمية المناخية بمراكش
عام 2018 أصدرت جامعتا بيل وكولومبيا الأمريكيتين مؤشر الاداء البيئي، بتعاون مع المنتدى الاقتصادي العالمي، حيث تبوأ المغرب الرتبة 54 في مؤشر الأداء البيئي، من بين 180 دولة شملتها الدراسة، كما أن المغرب تصدر دول منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، باستثناء قطر، وفق تقرير المؤشر، فإن الرتبة التي تبوأها المغرب جاءت نتيجة لجهوده الكبيرة في وضع وتنفيذ سياسة إرادية تهدف إلى الحفاظ على البيئة وإرساء أسس التنمية المستدامة، ويبقى من أبرز مظاهر اهتمام المغرب بالبيئة، سنه لقانون إطار يتعلق بالميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة شكل “ثورة كبيرة”، في مجال التنمية المستدامة في المغرب.
وحسب تقرير البنك الدولي تنصب جهود المغرب الرامية إلى الحفاظ على البيئة وحمايتها من تأثير التغيرات المناخية، على خمسة مشاريع أساسية: مخطط المغرب الأخضر ثم مخطط الطاقات المتجددة مع رفع الدعم عن أسواق الوقود ما يشجع المستهلك، نظريا، على الوعي بأهمية تدبير الطاقة إضافة إلى التزام المغرب بحماية المحيطات وكذا الحفاظ على المياه الجوفية.
وكان المغرب قد استحدث في وقت سابق جهاز الشرطة البيئية وشرطة الماء، تنزيلا لمضامين دستور 2011 القاضية بضمان الحق في بيئة سليمة وفي تنمية مستدامة، وبالرغم من جهود المغرب لتبوأ مراتب متقدمة الى جانب الدول الاسكندنافية، يرى الخبراء أن المغرب تنقصه استرتاتيجية القرب التي تستهدف عمق الفكر المجتمعي وتقتصر بالمقابل على أنشطة غرضها دعاية إعلامية الهدف منها تنشئة بيئة جديدة، لكنها للأسف تفتقد الى الفعل حيث لا تتعدى المناسبات الدينية “عيد الاضحى” أو اليوم العالمي للبيئة للقيام بحملة نظافة بإحدى الاوساط الطبيعية غابة بوسكورة مثلا أو شاطئ عين الدياب، حملات مناسباتية أو قافلات بيئية تجوب المخيمات وتفتقر لأدنى شروط التنشيط التربوي الذي له آلياته وله مقوماته وله أطره وقادته، أنشطة موسمية لا تتعدى حدود مطويات ورقية تدعو قراءها إلى احترام البيئة دون أن ترى النور.
في الأخير يتبين أن “مجهودات” قطاع البيئة بالمغرب لا تنبع عن وعي بيئي حقيقي، لاعتمادها على مجتمع مدني بيئي أكل عليه الدهر وشرب، مجتمع بيئي لا يترافع عن القضايا الحقيقية بل أصبح حبيس المشاريع والفنادق الخمس نجوم، أفرز لنا نخبة من الخبراء من ورق لا تسمن خبرتهم ولا تغني من جوع، أم أن القطاع المعني لا يتجاوز اقتراح سن القوانين والاستراتيحيات، وإنجاز الدراسات والمبادرات التي لا تصلح لشيء سوى المساهمة في تحسين ترتيب المغرب على مختلف المؤشرات العالمية وتلميع صورته البيئية التي يتحدث عنها نهر أم الربيع ونهر تانسيفت، وتتكلم عنها ضاية ام عزة وضاية عوا، وتعبت من الحديث عنها روائح مطارح النفايات مديونة نموذجا وليكسيفيا مطرح أم عزة، ورمال شاطئ المحمدية ومياه الصرف الصحي للمنصورية وسيدي رحال والمدينة الايكولوجية خير مؤشر عن أدائنا البيئي المتميز وعن طموحنا المناخي يا خبراء.
< بقلم: محمد بنعبو*
(*) خبير في المناخ والتنمية المستدامة
رئيس المكتب الوطني لجمعية مغرب أصدقاء البيئة