18 سنة بعد صدور مدونة الأسرة.. مطلب المراجعة أصبح مستعجلا

“كسر التحيز”BreakTheBias#، هو الشعار الذي اختارته الأمم المتحدة لإحياء اليوم العالمي للمرأة 2022، في إشارة إلى أهمية العمل الدائم من أجل عالم خال من التمييز والصور النمطية بحق النساء، والسعي إلى إرساء مجتمعات منصفة لجميع أفرادها، تبني دعائم تنمية حقيقية بتقدير الإسهامات المتنوعة والتضحيات الكبيرة لجميع فئاتها، وحيث تكون المساواة مطمحا ومسؤولية يضطلع بها النساء والرجال معا لبناء مستقبل مستدام للأجيال القادمة.
فلا يسأم نساء ورجال هذا العالم الواعيات والواعون بأن تحقيق حلم عالم يتسع للجميع، من رفع شعار المساواة ومكافحة التمييز، ليس لمجرد الاحتفاء أو الصراخ أو تكريس نزعة نرجسية مبنية على النوع.. بل بكل بساطة لأن حلم هذا المجتمع لم يتحقق بعد، ولكي يصبح واقعا لا بد من المزيد من النضال، ولا بد من المزيد من التفكير والنقاش والحوار، بين مختلف فعاليات ومكونات المجتمع التي تقع على عاتقها مسؤولية إصلاحه وتغييره إلى الأفضل، ومهمة الارتقاء بفئاته التي ما تزال تعاني من الهشاشة والتهميش والإقصاء بأوجه متعددة.
“كسر التحيز” يرمي إلى مساواة في الحقوق والواجبات بين جميع الفئات، ومساواة بين الجنسين أمام القانون وفي كافة الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لأن إرساء النموذج التنموي لا يمكن أن يتم على ساق واحدة، أو على ساقين لا يتوفر في خطواتهما التوافق والانسجام المطلوب من أجل بلوغ خط الوصول. في عصر السرعة، من المهم الوصول بسرعة، لكن الأكثر من ذلك تهم الثقة ووحدة الهدف.
في بلادنا، حققت المرأة المغربية خلال العقود الأخيرة مكتسبات مهمة في جميع المجالات، مسيرة بدأت مع الإصلاحات القانونية والدستورية التي منحت للمغربيات أوكسيجين الأمل في غد أفضل. لكن صرخات الألم التي يعج بها واقع التمييز في مجتمعنا، من غرف المنزل الأسري إلى ردهات المحاكم، ما زالت تقض مضاجع النساء وتحرمهن من ذلك الإحساس الثمين بالثقة الذي يشكل في ذاته حافزا أساسيا للعطاء ومواصلة نسج الحلم لأنفسهن ولمن حولهن.
منذ أسابيع، حلت الذكرى الثامنة عشرة لصدور مدونة الأسرة التي شكلت في حينه ثورة هادئة وخطوة رائدة نحو المستقبل فيما يتعلق بتكريس الحقوق الإنسانية للنساء والاعتراف بدورهن الأساسي في الأسرة وفي المجتمع.
18 عشرة سنة من عمر المدونة، منحت خلالها لهذا النص- الذي ما زال يعد إنجازا حقيقيا في تاريخ المشرع المغربي- الفرص الكافية من أجل تطبيق واستجلاء تمثلاته في واقع الأسرة المغربية، وخضع بما يكفي إلى التقييم والتمحيص في مقتضياته، وفي إحصاء اختلالاته وعثراته.
وفي الوقت الذي شكلت فيه ذكرى الصدور، عند حلولها منذ أسابيع، مناسبة لإعادة التذكير بضرورة الوقوف وقفة حقيقية عند حاجة المدونة إلى إعادة النظر، فلا بأس من اتخاذ مناسبة اليوم العالمي للمرأة، من أجل استشراف مستقبل هذا النص، والذهاب أبعد بمطلب المراجعة إلى مزيد من النقاش الصريح والهادئ، باتجاه تسريع عجلة المبادرة نحو الإصلاح المنشود.
والحال أنه لا يبدو هناك من عائق فعلي أو (عصا مفتعلة) تقف في طريق تلك العجلة، فقد كانت المدونة موضوعا للتقييم والانتقاد منذ السنوات الأولى لتطبيقها، وخلصت الدراسة التي أجرتها وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية، على عهد الحكومة السابقة، بعد عشر سنوات من التطبيق، إلى أهمية مراجعة عدد من مقتضياتها بهدف ملاءمتها مع دستور 2011 والالتزامات الدولية للمغرب فيما يخص مكافحة جميع أشكال التمييز ضد النساء. وفضلا عن تقارير ومذكرات الجمعيات النسائية والهيئات الحقوقية، في المجتمع المدني، والعديد من اجتهادات ودراسات فقهاء القانون وعلم الاجتماع، التي عكفت على مقتضيات المدونة بالتحليل والمقارنة مع معطيات الواقع اليومي للأسرة المغربية، ورصدت مكامن الخلل وقدمت مقترحات التعديل، فإن عددا من المؤسسات الدستورية وعلى رأسها المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الاقتصادي والاجتماعي البيئي، أولت بدورها اهتمامها للموضوع، وعبرت بشكل أو بأخر عن رأيها المنفتح على أهمية المراجعة.
ونفس الانطباع تعطيه مختلف المكونات الفاعلة والمؤثرة في حركية مجتمعنا المغربي الذي عرف خلال هذه السنوات الثمانية عشرة تغييرات وتطورات مهمة، وشهد كذلك على أوجه معاناة كبيرة ومآس حقيقية عاشتها النساء ومازلن بسبب عدم إنصاف القوانين وظلم التطبيق. كما أنه (المجتمع) يفترض أن يكون قد ارتقى كذلك، خلال هذه المدة، في مدارج الوعي والنضج بما تشكله معاناة النساء من عائق حقيقي في وجه التنمية.
وبالتالي، فإن السؤال يطرح اليوم بإلحاح حول الأسباب التي ما زالت تؤجل التجاوب مع استعجالية مطلب مراجعة المدونة، بكل ما يترتب عن ذلك من تأخر من شأنه أن يكبل مشروع النموذج التنموي الجديد، ويرهن لمزيد من الوقت الضائع واقع ومستقبل الأسرة المغربية وقدرتها على المساهمة الإيجابية في تحقيق هذا النموذج.
الأمر، كما يقول من طرحنا عليهم هذا السؤال، لا يتعلق سوى بالإرادة السياسية التي تبدو حاضرة ولكنها ما تزال في حكم الغائبة عن أجندة الفاعل السياسي. فإلى متى تظل قضايا النساء تركن إلى الخلفية بمبررات مختلفة وأعذار غير واضحة؟ في وقت يعلم فيه الجميع أن ركب التنمية لا ينتظر أحدا، وأن استشراف المستقبل بنظرة أوضح لا يحتمل المزيد من التأجيل.

******

عائشة لخماس: لا يمكن الإبقاء على التمييز في القانون الذي من المفترض أن يكون هو رافعة المساواة

< أطلقتم مؤخرا حملة للمطالبة بإعادة النظر في مضامين مدونة الأسرة. أين وصلت هذه المبادرة حاليا؟

> في الحقيقة، اتحاد العمل النسائي أطلق منذ سنة فبراير 2018 الحملة الوطنية الثانية للمطالبة بمراجعة مدونة الأسرة، ويواصل هذه السنة هذه الحملة بتصميم أكثر وبعزيمة أقوى وببرنامج متواصل ومتصاعد، انطلق بندوة صحفية للإعلان عن هذه الحملة. وقد  تميزت هذه الندوة بتغطية واسعة وبتجاوب كبير من قبل حضور شمل النساء والرجال والشباب من الجنسين ومن مختلف الفئات والتوجهات التقدمية .
وسيقوم اﻻتحاد قريبا بتنظيم محكمة النساء الرمزية 19 في موضوع :”مدونة اﻷسرة وسؤال المساواة والملاءمة”، والتي ستشارك فيها ممثلات عن مختلف الجمعيات النسائية والحقوقية وهيئات الدفاع والتعليم العالي وخبراء في علم اﻻجتماع وعلم النفس، إضافة لشهادات نساء عانين من نصوص وتطبيقات هذه المدونة .
كما سيعد اﻻتحاد مذكرة تتضمن رأيه ومقترحاته الرامية إلى ضرورة إحداث تغيير شامل وعميق على المدونة، لتكون أداته للترافع والتحسيس والتعبئة .

< السؤال الثالث هل تتضمن الحملة جانبا ترافعيا إزاء الجهات المعنية بالجانب التشريعي والتنفيذي لهذا المطلب؟ وهل هناك رجع صدى من قبل هاته الأخيرة؟

> بالفعل تتضمن هذه الحملة خطوات متعددة ضمنها الجانب الترافعي اتجاه السلطة التشريعية والقطاعات الحكومية المعنية خاصة وزارة العدل ووزارة التضامن إضافة للأحزاب والنقابات وجمعيات المجتمع المدني المختلفة ومراكز البحث والخبراء والخبيرات .

< ما هي الجوانب التي تركزون عليها لدى حديثكم عن المقتضيات التي يجب الإسراع بتعديلها في المدونة؟

> بالنسبة لنا في اتحاد العمل النسائي، نعتبر أنه حان الوقت لتغيير شامل وعميق لمدونة اﻷسرة يشمل لغة المدونة وفلسفتها وكل مقتضياتها وأنه يجب الخروج من سياسة التنقيط واﻻنتقائية إلى مرحلة تستوعب كل التغيرات الحاصلة في أوضاع المرأة واﻷسرة المغربية، وأيضا التطور الحاصل على مستوى التشريع بالمغرب الذي أصبح يتوفر على دستور ينص على المساواة بين النساء والرجال في جميع الحقوق، وهو معيار وطني للحقوق والحريات وحماية اﻷفراد والمؤسسات وعلى رأسها مؤسسة اﻷسرة، إضافة لتصديق المغرب على العديد من اﻻتفاقيات الدولية التي تهم حقوق النساء. وبالتالي فلا يمكن الإبقاء على  التمييز في القانون الذي من المفترض أن يكون هو رافعة المساواة .

< كمحامية وحقوقية، تحدثت عائشة لخماس مرارا عن أهمية النهوض بالقانون عوض انتظار النهوض بالعقليات المناهضة لحقوق النساء. برأيك، كيف يمكن تفعيل هذا المطلب في مجتمع يطمح إلى تقوية دعائم دولة القانون وحقوق الإنسان؟

> يمكن للقانون المناهض للتمييز والضامن للمساواة  والمناصفة أن يكون  رافعة  للتغيير بصفة عامة ولتغيير العقليات أيضا، خاصة إذا كان مصحوبا بآليات لتطبيقه تطبيقا جيدا. لكن تغيير العقليات يتطلب مجهودا متعدد الواجهات  في التعليم واﻻعلام بمختلف روافده على سبيل المثال، ويستغرق زمنا طويلا، لذلك ﻻ يمكن انتظار تغيير العقليات حتى نتقدم نحو المساواة والمناصفة .

< بالحديث عن العقليات دائما، ترتبط المدونة في أذهان البعض بأنها كانت سببا فقط في رفع نسب الطلاق والعزوف عن الزواج من قبل الشباب. ما مدى صحة هذه الأقوال التي تواجه بها كثيرا مطالب النهوض بحقوق النساء، ليس فقط في الشارع المغربي بل حتى على مواقع التواصل الاجتماعي؟

> مثل هذه اﻻعتقادات تثير الشفقة ﻷنه تخيلوا معي أن شخصين متزوجين غارقان في العسل مرتاحان في زواجهما لكن بقدرة قادر وبسبب وجود قانون يسمى مدونة اﻷسرة بدآ يتنازعان ثم تطلقا هكذا بدون سبب وﻻ مقدمات، إذ لم تكن هناك مشاكل بينهما وﻻ في الوضع المجتمعي مما يدفع نحو احتدام الصراع بينهما. أعتقد أن هذا كلام ﻻيستحق اﻻلتفات له.
مدونة اﻷسرة جاءت لتحل بعض مشاكل اﻷسرة المغربية لكن آن اﻷوان لمراجعتها مراجعة جذرية شاملة لتتلاءم مع التغيرات التي تعرفها اﻷسرة المغربية والدور الذي تقوم به المرأة داخلها وكذا التحوﻻت التي يعرفها المجتمع وتطور المنظومة التشريعية بالمغرب، خاصة بعد صدور دستور 2011.

< في نظرك أين وصلت قضية المساواة بين الجنسين في المغرب بعد مرور 11 سنة على إقرار دستور 2011 والفصل 19؟

> إذا أردنا الحديث عن واقع المساواة ببلادنا من خلال المؤشرات، نلاحظ أولا على المستوى السياسي أن تمثيلية النساء قد ارتفعت في مجلس النواب من 20.5% في الولاية السابقة 2016/2021 إلى 24.3% ومن 21.18 سنة 2015 إلى 26.24 في اقتراع شتنبر 2021. ورغم هذا التطور فلا زالت النساء بعيدات عن تحقيق الثلث على الأقل. ويجدر بنا أيضا تسجيل الحجم المرتفع للترشيحات النسائية الذي تجاوز لأول مرة الثلث، مما يبين تطور وعي النساء بأهمية التواجد في مواقع القرار وفي الهيئات المنتخبة على وجه الخصوص .
اما على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، ونظرا لما يعرفه المغرب  من  تحديات اجتماعية واقتصادية كبيرة تتمثل في ارتفاع نسبة البطالة والفقر والتفاوتات الاجتماعية، فإن النساء يعشن هذه اﻷوضاع بشكل مضاعف وهو ما يزيد من معاناتهن وتركز التمييز والعنف ضدهن. ورغم التطور الحاصل في بعض المؤشرات- حسب المندوبية السامية للتخطيط- فيما يتعلق بالتعليم مثلا (ارتفعت نسبة تمدرس الفتيات البالغات مابين  15 و 17 سنة بالوسط الحضري الى 90.5 % سنة 2020 مقابل 56.3% فقط في سنة 2000. وارتفعت في الوسط القروي إلى 39.2 % سنة 2020 مقابل 6.1 % فقط سنة 2000 وارتفعت نسبة  البالغات فوق 15 سنة اللواتي يجدن القراءة والكتابة بنسبة 59.9% سنة 2019 مقارنة بـ39.6% خلال سنة 2004)، لكن ولوج النساء لمجال الشغل عرف تباطؤا إن لم نقل تراجعا، بحيث عرف معدل النشاط عند حاملي الشواهد بين سن 25 و59 سنة مزيدا من التدهور ليبلغ معدل 33.7% سنة 2020 مقابل 38.7% سنة 2021 .
وسجلت المندوبية ارتفاع نسبة البطالة في صفوف النساء خلال سنة 2020 حيث بلغت 16.2%مقابل 9.2 % في سنة 2010 .

< تفيد الإحصائيات على مستوى العالم عموما بارتفاع حجم وحدة ممارسات العنف ضد النساء خلال السنوات الأخيرة المتزامنة مع جائحة كوفد 19. ماذا يعني ذلك بالنسبة لك؟ وكيف يجب التعافي من هذا الواقع؟

> حسب الأرقام الرسمية عندنا في المغرب، يمكن القول إن العنف ضد النساء قد عرف بعض الانخفاض. فالعنف الزوجي على البالغات بين 18 و 64 سنة في الوسط الحضري سنة 2019 سجل 51.9 مقابل  52.2 سنة 2010. كما انخفضت نسبة العنف في قطاع العمل إلى 18.2 مقابل 22.7% سنة 2009 .
أما في الفضاء العمومي فقد انخفض بشكل ملحوظ إذ أن نسبته تقدر بـ6.15% مقارنة بـ40.6% المسجلة سنة 2009. فيما بقيت هذه النسب مرتفعة في الوسط القروي، وفي المغرب 7 من أصل 10 نساء هن من أرباب الأسر أرامل أو مطلقات، و 65.6% منهن أميات، والأغلبية أي 75% غير نشيطات. 
كما يلاحظ أن المغربيات لازلن يعانين من وفيات الأمومة، خاصة في الوسط القروي إذ تصل النسبة إلى الضعف بالقياس مع المدينة .
وعرف تزويج الطفلات بعض الانخفاض لكنه لا زال يشكل مشكلة حقيقية .
هذا عن الأرقام أما المعاناة الحقيقية المعيشة فهي مأساوية سواء في مواقع العمل أو في الشارع أو في البيت. زنحن على اطلاع يومي بهذه الأوضاع من خلال زائرات مراكز النجدة و أيضا من خلال البرامج التي تقوم بها بعض الفروع التي تشتغل مع العاملات في بعض القطاعات الصناعية كالنسيج أو عاملات الضيعات اللواتي يعشن جحيما حقيقيا (أشير هنا ضحايا الفيضانات في المعامل السرية وضحايا حوادث السير  التي تتعرض لها العاملات الزراعيات المنقوﻻت للضيعات).
اﻷمر الذي يبين أن نضال المغربيات من أجل حقوقهن مازال يتطلب المزيد من النضال.

(*) محامية وحقوقية. رئيسة اتحاد العمل النسائي سابقا.

******

نجاة الرازي : تعديل المدونة مطلب واقعي ودستوري ولا يحتاج إلا إلى إرادة سياسية من قبل الحكومة والبرلمان  

< أدت الاختلالات التي برزت في تطبيق مدونة الأسرة، منذ السنوات الأولى لتطبيقها، إلى رفع مطالب التعديل خاصة من قبل الحركة النسائية. لماذا في نظرك لم تتم لحد الآن ترجمة هذا المطلب إلى مبادرة قانونية فعلية من قبل السلطات المعنية؟

>بالنسبة لي ملف مدونة الأسرة هو ملف شائك وأكيد أن التعامل معه لم يكن بمثل الكيفية التي تم التعامل بها مع بعض الملفات الأخرى من التشريعات القانونية. هو ملف لا يطرح فقط تحدي تغيير القانون وإلغاء بعض المواد نظرا لعدم ملاءمتها مع تطور العصر أو نظرا لعدم انسجامها مع التزامات المغرب. هو تغيير يطرح تحديا يستحضر الواقع الاجتماعي والثقافة والتصورات والأفكار السائدة التي تعتبر أن هذا المجال، مجال العلاقات الأسرية، هو مجال لا يخضع للقانون الوضعي. في حين أن المدونة هي قانون وضعي. وعقليات تعتبر بأن المدونة تدخل في مجال الشأن الخاص في حين أنها من اختصاصات ومن مجال الشأن العام، لذلك فإن ملف مدونة الأسرة كان دائما يطرح لنا صعوبات في التعاطي معه وفي المطالبة بتغييره وفي الإتيان بحجج ودلائل الإقناع لضرورة هذا التغيير. وللتأكيد بأن فصوله لم تعد مسايرة للعصر و أن تطبيقها يؤكد أن هناك اختلالات وعدم انسجام مع القوانين الأخرى.
كجمعيات نسائية في إطار تحالف ربيع الكرامة، وفي جمعية الدفاع عن حقوق النساء التي أنتمي إليها بشكل خاص، كنا نعتبر دوما بأن المدونة التي دخلت حيز التنفيذ في 2003، بعد تعديلها في 2004، شكلت، كقانون يهم قضايا المرأة والأسرة، تقدما كبيرا مقارنة مع مدونة الأحوال الشخصية التي دامت واستمرت من 1957 إلى 2003. رغم ذلك لم نقل أبدا إن هذا القانون يستجيب لمطالب الحركة النسائية لأنه رغم ما أحدثه من تغيير في النظرة للأسرة، من خلال اعترافه بأن الأسرة هي تحت الرعاية المشتركة للزوجين معا، وإلغائه الفصول التي تتضمن التمييز في الحقوق والواجبات بين الزوجين، وإتاحته مجال التطليق للشقاق بالنسبة للنساء حيث سهل عليهن نسبيا مسطرة التطليق، ومع ذلك فقد ظل قانونا تكتنفه نواقص كثيرة وعوامل تمييز ضد النساء. أبرزها أنه ظل يكرس تعدد الزوجات عبر فصوله كشكل صارخ من أشكال التمييز وانتهاك الحقوق الإنسانية للمرأة. كما أنه ظل يسمح بتزويج القاصرات رغم أن في الإصلاحات الأخيرة التي تمت في سنة 2017 حاولت تحديد السن في 16 سنة كحد أدنى. ولكن مع ذلك فموقفنا كجمعيات نسائيات يدعو إلى إلغاء الفصل الذي يسمح بالاستثناء لأن الواقع يبين بأن ذلك الاستثناء أصبح هو القاعدة ولأن السماح بتزويج فتاة قبل 18 سنة هو سماح بتزويج طفلة وبحرمانها من الدراسة ومن النمو السليم والتفتح الإيجابي، ومن ممارسة مواطنتها الحقيقية بنفس تكافؤ الفرص مع قريناتها اللواتي تابعن دراستهن وحياتهن بشكل عاد.
أيضا مدونة الأسرة، رغم أننا اعتبرناها قانونا متقدما في وقت صدورها، فنحن سجلنا أيضا بأنه قانون ظل يكرس التمييز في ما يتعلق بالولاية على الأبناء لأنه ظل يعتبرها حقا حصريا للأب وبأنها لا يمكن أن تنتقل إلى الأم إلا في حال غياب الأب أو وفاته. وبالتالي فليس هناك مساواة في الولاية على الأبناء أيضا. وليست هناك مساواة في الحضانة التي تحق للأم في حال الطلاق لكن يمكن أن يجردها منها الأب إذا تزوجت للمرة الثانية. في حين أنه عندما تؤول الحضانة للأب فإن زواجه للمرة الثانية لا يخول للأم حرمانه منها. يعني أن هناك تمييزا كبيرا على هذا المستوى أيضا.
هناك كذلك تمييز على مستوى الحق في الإرث. فإضافة إلى التمييز الصارخ في الواقع المجتمعي الذي يحرم المرأة من العديد من حقوقها القانونية والاقتصادية، المدونة لم تساير التطورات الواقعية والاجتهادات الفقهية التي لم تعد تسمح بهذا التمييز في حق المرأة في التوارث.
إضافة إلى التمييز في المضمون الذي يكتنف عددا من المقتضيات، نجد أن هناك مشاكل كبيرة حتى في تطبيق بعض المقتضيات التي اعتبرناها في حينه جوانب مضيئة في تكريس بعض الحقوق، ذلك أن تغيير القوانين لم يواكبه تكوين وتربية على المساواة في صفوف منفذي القانون والمؤسسة القضائية. بل مازالت العقلية السائدة هي العقلية التي حكمت بمدونة الأحوال الشخصية وبالتالي، نجد مثلا أن قضايا النفقة تطول مسطرتها أكثر من اللازم ورسوم التقاضي تثقل كاهل النساء وتعوق حقهن في الولوج إلى التقاضي. تبليغ الأحكام يبقى على عاتق النساء المتقاضيات اللواتي يجدن صعوبات وعراقيل كبيرة في العملية. وبعد التبليغ يواجهن أيضا صعوبات كبيرة في التنفيذ. بالإضافة إلى أن الأحكام هزيلة ومثيرة للشفقة إن لم نقل للسخرية لأن إثبات وإعمال حق المرأة للنفقة مثلا مازال يعتمد على أداء الزوج لليمين، ومازال يتم اعتماد وسائل للإثبات تجاوزها العصر. وهناك بطء في تنفيذ الأجكام وغياب السرعة والفعالية اللتين يفترض أن يتم بهما التنفيذ. ومن هنا ضرورة المراجعة التي تجعل من النص نصا منسجما مع روح الدستور ومع التزامات المغرب الدولية فيما يخص مبدأ المساواة بين الجنسين، وفي صياغته بما يجعل مقتضياته قابلة للتطبيق ودقيقة واضحة وسهلة في الفهم، تراعي حقوق المرأة والطفل، والرجل أيضا، بشكل يعكس الإنصاف والعدل والمساواة.

< مع تولي الحكومة الجديدة وفتح النقاش مجددا في الذكرى 18 لصدور المدونة تفاعل وزير العدل مع الموضوع من خلال التعبير عن انفتاحه على النقاش والتأكيد على أن مسألة الحسم فيه متروكة إلى جلالة الملك. ما هي في نظرك حظوظ ورهانات هذا التوجه؟

> مع تعيين الحكومة الجديدة، تم بطبيعة الحال فتح النقاش مجددا حول الإصلاحات القانونية وخاصة منها ما كان متعثرا في ظل الحكومة السابقة. إعادة فتح النقاش هاته هي مسألة طبيعية لأن أي حكومة جديدة يفترض أن المجتمع المدني يسائلها ويطالبها أن توفي بالتزاماتها أساسا فيما يتعلق بملاءمة التشريعات الوطنية مع التزامات المغرب الدولية. الآن، ومنذ 2011، أصبحت مطروحة أيضا مسألة الملاءمة مع الدستور. فمجموعة من التعديلات الجزئية التي شملت مثلا بعض المواد في مدونة الأسرة في 2016، بعد إقرار دستور 2011، كانت استندت إلى مقتضيات الدستور وإلى ضرورة ملاءمة القوانين معها، قانون منح الجنسية على سبيل المثال.
مسألة الانفتاح على إعادة فتح النقاش في مقتضيات المدونة هي في الحقيقة غير مرتبطة بالحكومة الجديدة، لأنه منذ التقييم الأول للمدونة، بعد عشر سنوات من التطبيق في سنة 2014، وفي ظل الحكومة السابقة، طرح بالفعل بأن المدونة يلزمها تعديل ومراجعة. الاختلاف ظل فقط مرتبطا بكيفية هذا التعديل.
تصريح وزير العدل لا يحمل التزاما وآجالا واضحة. ولا يحمل للأسف رسالة تبين أن هذه مسؤولية المؤسسة التشريعية وليست مسؤولية المؤسسة الملكية. لماذا كلما تعلق الأمر بمدونة الأسرة نختفي وراء مبرر التحكيم الملكي؟ والمسألة لا تتطلب ذلك، لأن هناك مؤسسات تشريعية ودستورية، هناك دراسات وتراكمات، وهناك خبرات ومقترحات، ويمكن – إذا كانت هناك بالفعل إرادة سياسية عند الحكومة- أن تتم صياغة مشروع لمراجعة مدونة الأسرة وعرضه على البرلمان لمناقشته.

< المعروف أن مدونة الأسرة كانت بالفعل ثمرة نقاش مجتمعي مستفيض وصراع سياسي محتدم كانت لجلالة الملك كلمة الفصل فيه. برأيك هل نحتاج إلى صراع سياسي جديد من أجل اتخاذ قرار المراجعة أم أن مستوى النضج الاجتماعي يسمح اليوم بنقاش أكثر هدوءا وعقلانية بناء على أسس علمية وواقعية؟

> الجمعيات النسائية، عبر مراكز الاستماع التابعة لها، عندها اليوم ملفات بالآلاف تبين سوء تطبيق القانون والظلم الذي تحمله مقتضيات في مدونة الأسرة بحق المرأة، في وضعيات اجتماعية معينة. مما يمنع إنصاف النساء والأطفال الذين يلجأون إلى القضاء بالاحتكام إلى المدونة. المبالغ المالية الهزيلة التي يتم الحكم بها في أحكام النفقة وفي حال امتناع الطليق عن أداء النفقة، الحلول البديلة لا تعكس مسؤولية الدولة بالفعل، هي حلول تجعل المرأة تقف وحيدة في مواجهة مصيرها المجهول وتجعل الأبناء أحيانا عرضة للتشرد لأن الأب يمكن أن يمتنع أو يتحايل من خلال إخفاء وضعه المادي الحقيقي ويقع على عاتق المرأة أن تثبت بنفسها حقيقة دخل الزوج المدعى عليه، في حين أن الدولة عندها إمكانيات إجراء البحث الاجتماعي من أجل إثبات الدخل وإنصاف المرأة والأبناء، والحفاظ على كرامتهم ومستوى العيش الذي كانوا عليه داخل الأسرة.
القضايا التي مازالت ترد علينا فيما يتعلق بتزويج القاصرات، التعدد، الحرمان من الولاية على الأبناء، ومن حق حضانتهم بسبب زواج الأم بعد طلاقها من الزوج الأول، هذه الأشياء فيها ظلم وحيف كبير وتتطلب تغييرا مستعجلا. وعندنا حالات وملفات مؤلمة من الواقع. هذا التراكم الميداني هو الذي أصبح يؤكد ضرورة التغيير والمراجعة، إذا أضفناه إلى الأبحاث والدراسات التي أنجزت على مستوى الجامعة وإلى الآراء المتنورة لفقهاء الدين والقانون المتنورين من النساء والرجال، الذين انتقدوا القانون واعتبروا أنه حان الوقت لتغييره وقدموا مقترحات ومذكرات في هذا الإطار. الظرف موات الآن ولا حاجة بنا إلى مزيد من التأخير في هذا الورش المتمثل في إصلاح ومراجعة مدونة الأسرة. مراجعة جذرية تصفيها من كل شوائب ومظاهر التمييز وتجعلها قادرة على الإجابة على الإشكالات الواقعية وتخفيف عبء التقاضي وطلب الانتصاف عن الأم والأطفال.
الجمعيات النسائية فتحت هذا الورش من جديد وهناك حملة ترافعية واسعة، وبالتالي أعتبر أن طرح هذا الموضوع في 8 مارس هو طرح موفق جدا لأنه يجسد الإنصات لنبض المجتمع ولصرخات الحركة النسائية.
وأنا أعتقد بكل يقين أن الأمر لا يتطلب إلا الإرادة السياسية لأن المؤسسة التشريعية الآن بالأغلبية التي توجد بها يمكن أن تنكب على الاشتغال على مقترحات تراعي وتستند إلى معطيات واقعية وعناصر علمية، وتشكل أرضية لإعادة النظر في هذا القانون ولمراجعة جذرية وشاملة لمدونة الأسرة.
ولا أرى بأن التطور الذي نعيشه في الواقع المغربي وإمكانيات الحوار والحجاج حول المطالب، والحجج التي تستند إليها، لأن هذه المطالب تنبني فعلا على سند سوسيولوجي وسند دستوري، لا أعتقد أنه يمكن أن يترك أي مجال لصراعات بالشكل الذي عشناه في فترة معينة وكانت وراءه عوامل أخرى غير العوامل المرتبطة بتغيير مدونة الأسرة.

(*)باحثة في علم الاجتماع وناشطة حقوقية.

 إعداد:  سميرة الشناوي

********************

عبد الوهاب رفيقي (*): تعديل المدونة قضية اجتماعية خاضعة لاجتهاد العلماء بما يتوافق مع تغيرات المجتمع

< قانون الأسرة المعبر الرئيسي عن المفاهيم الدينية والأخلاقية والاجتماعية والثقافية السائدة في المجتمع المغربي فهل يحتاج لتعديل أو تغيير؟

> هناك حاجة ماسة وشديدة إلى تعديل مدونة الأسرة لاعتبارين مهمين. الاعتبار الأول هو ما حصل سنة 2004 من تعديلات مهمة جدا، لم يكن هو النهاية ولم يكن ما وقع من تعديل خلال تلك الفترة هو غاية ما نطمح إليه من تطوير لحقوق الإنسان عموما وحقوق المرأة خصوصا، وإعادة بناء لمفهوم الأسرة داخل المجتمع المغربي. كانت تلك البداية وكانت نقطة انطلاق في مسار تطوير يجب أن تعرفه قوانيننا خصوصا فيما يتعلق بالأسرة. وبالتالي فمدونة الأسرة تحتاج لتعديلات أخرى في إطار هذا التطور الذي دشنته مدونة 2004.
الاعتبار الثاني يتجلى وفي أن الوضع في سنة 2022 يختلف كثيرا عما كان عليه في 2004، وهي مدة زمنية عرفت نوعا من التطورات المتسارعة بشكل كبير جدا. مما يجعل التعديل أمرا ضروريا حتى تستوعب المدونة كل التغيرات التي عرفها العالم اليوم. سنة 2022 مختلفة بعد ظهور وسائل التواصل الاجتماعي وبعد ما عرفته منطقتنا من حراك فكري ومجتمعي سنة 2011، وأيضا التدفق التكنولوجي والمعلوماتي الخطير الذي عرفه العالم خلال السنوات الأخيرة والذي أنتج عددا من التحولات في التصورات والتمثلات حول الأسرة والمرأة وحقوقها. هذه التغيرات التي عرفها المغرب اليوم خلال هذه الفترة من تغيير العقليات والذهنيات وتطورها، وما يعرفه المغرب من مستجدات في مجال حقوق الإنسان خصوصا بعد دستور 2011، كل هذه الأمور تجعل تعديل المدونة أمرا ضروريا ومهما لاستيعاب كل هذه التحولات والتغيرات.

< دعوات تعديل المدونة هل يمكن أن تهدد الهوية العامة للدولة؟ خاصة أنها تناقش مواضيع حساسة كالإرث، زواج القاصرات، الولاية القانونية للأبناء؟

> من المغالطات التي يروجها كل رافض لتعديلات فيها مصلحة المجتمع هو إمكانية تعارض هذه التعديلات والتغييرات مع الهوية العامة للدولة وهو في نظري مغالطة لأن الواقع يثبت عكس ذلك. لأنه حينما خرجت المظاهرات نهاية التسعينات تعارض خطة إدماج المرأة في التنمية وتعارض التعديلات التي طرحتها تلك الخطة، كان الرافضون يقولون إن هذه التعديلات هدفها هدم الهوية العامة للدولة وبالضبط هدم الإسلام وأسسه ومبادئه. لكن سنة 2004 حصل جزء كبير من التعديلات التي كانت مقترحة في تلك الخطة، فهل مست تلك التعديلات بأي حال الهوية العامة للدولة منذ ذلك الحين؟
ما ينبغي فهمه في هذا الباب أن التعديلات التي تدعو إليها الهيئات الحقوقية والمدنية هي من مصلحة الفرد والمجتمع ومصلحة الدولة ككل، بل الأكثر من ذلك تتوافق مع المقاصد العامة للدين والشريعة، فهذه الأخيرة جاءت لحفظ مصالح الناس. كما قال الفقهاء المتقدمون “حيثما وجدت المصلحة وجد شرع الله”. وبالتالي حين نناقش هذه التعديلات، كالإرث مثلا بما يتوافق مع المتغيرات التي عرفها وضع المرأة وبما يحقق العدل لها، فهو من دين الإسلام ومقاصده العامة التي هي الهوية العامة للدولة.
بالنسبة إلى مسألة تعديل مواد زواج القاصرات، فبرأيي يجب أن يتم الحسم نهائيا في تحديد سن الزواج في 18 سنة وعدم إعطاء أي فرصة للقضاء ليستثني بعض القاصرات، لأن الاستثاء تحول إلى أصل بل وأصبح طاغيا على الأصل حيث أن 90% من طلبات الزواج القاصرات تم قبولها من طرف القضاء. وحين نطالب بإزالة هذا الاستثناء فهو لمصلحة القاصر نظرا للآثار الاجتماعية والنفسية السيئة المترتبة عن هذا الزواج.
أما بالنسبة للولاية القانونية للأبناء،فمن الضروري جعلها سواء بين الأب والأم، لأن ذلك يتوافق مع مبدأ المساواة الذي جاء به دستور 2011 والذي لا يتعارض في شيء مع مقاصد الإسلام المرتكز على المساواة بين البشر.
والخلاصة أنه يجب الوعي اليوم بأننا بصدد قضايا اجتماعية وليس قضايا متعلقة بالعبادة أو العقائد حتى نتحدث عن الهوية العامة للدولة لأن القضايا الاجتماعية هي محل اجتهاد للعلماء عبر العصور، وهي محل تعديل وتغيير بما يتوافق مع تغير الأحوال والأزمان والأماكن والعصور دون أن يمس ذلك في شيء أساس الدين وهوية الدولة.

(*) مفكر وباحث في الدراسات الإسلامية متخصص في قضايا التطرف والإرهاب والإصلاح الديني، ناشط حقوقي.

******

أنس سعدون(*):  تطبيق مدونة الأسرة على أرض الواقع طيلة 18 سنة كشف عدة اختلالات

< هل هناك حاجة اليوم للتعديل في مدونة الاسرة؟
> تعتبر مدونة الأسرة من أبرز الإصلاحات التشريعية التي عرفتها بلادنا مند بداية الألفية، حيث شكلت ثورة هادئة عند صدورها، لكن تطبيقها على أرض الواقع طيلة حوالي 18 سنة كشف عدة اختلالات، حيث برزت الحاجة إلى إدخال تعديلات على عدد من مواد المدونة لملاءمتها مع التحولات التي يعرفها المغرب مند إقرار دستور 2011، وكذا مع الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها بلادنا.

< ماهي أهم المواد التي تحتاج للتعديل؟

> يمكن الحديث على مواضيع اعتبرها ذات أولوية في المراجعة لأنها تمس بوضعية بعض الفئات وعلى رأسها الأطفال، وتبرز في هذا الصدد إشكالية تزويج القاصرات، فإذا كانت مدونة الأسرة اعتبرته استثناء من قاعدة مفادها توحيد سن الزواج بين الجنسين في 18 سنة، مع إمكانية النزول عن هذا السن بموجب مقرر قضائي يبين المصلحة، فان الواقع يؤكد تحول الاستثناءات إلى قاعدة، إذ يتم الاستجابة لغالبية الطلبات، وحتى في حالة رفض هذه الطلبات يتم الاكتفاء بإبرام زواج الفاتحة، في ظل غياب أي نص قانوني يجرم تزويج الطفلات بشكل غير قانوني، بل أن الواقع أفرز ممارسات ضارة بحقوق الفتيات تمثل في وجود ظاهرة زواج الكونترا في بعض المناطق، ويعمل القضاء على التصدي لهذه الظاهرة بشكل حازم.
من جهة ثانية تبرز إشكالية الولادات خارج إطار مؤسسة الزواج، فإذا كان القانون يسمح باعتماد الخبرة الجينية لإثبات النسب أو لنفيه، فان وجود مقتضيات قانونية في مدونة الأسرة تجعل البنوة غير الشرعية ملغاة بالنسبة للأب لا ترتب أي أثر من آثار البنوة الشرعية، وهو ما يؤدي إلى إهدار حق الطفل في النسب، في حالة رفض الأب البيولوجي الإقرار بالنسب، ويخلق نوعا من التمييز في الواقع بين الأطفال بحسب الوضعية العائلية للأبوين، وتمييزا بين الرجل والمرأة في تحمل مسؤولية أطفالهما، حيث يعفى الأب البيولوجي من أي التزام مالي أو معنوي اتجاه ابنه، وتبقى الأم وحدها مسؤولة. ولا شك أن هذا الوضع ساهم في تفشي أمراض اجتماعية أخرى تتمثل في ازدياد حالات التخلي على المواليد الجدد، وارتفاع حالات الأطفال في وضعية شارع، والحل في نظري هو الارتقاء بالخبرة الجينية من مجرد وسيلة لإثبات النسب، إلى سبب للحوق النسب، لتصبح بنفس قوة الإقرار والفراش والشبهة.
بخصوص الولاية على الأبناء فان المدونة ما تزال تعتبر الأم نائبا شرعيا على سبيل الاحتياط، يلجأ لها في حالة غياب الأب أو عدم تواجده، أو في حالة وجود مصالح مستعجلة للأبناء، وهو ما يخلق مشاكل كثيرة للأم أمام بعض الإدارات، كما في حالة رغبتها في الحصول على شهادة الانتقال من المدرسة لطفلها مثلا، وقد تابعنا في الآونة الأخيرة صدور عدة اجتهادات عن المحاكم أو النيابات العمومية لتخويل الأم صلاحية القيام ببعض الأمور الاستعجالية والضرورية لصالح الأطفال، والحل في نظري هو إقرار مبدأ المساواة بين الأبوين في تحمل النيابة الشرعية على الأبناء مع استحضار مبدأ المصلحة الفضلى للطفل.
بخصوص المادة 49 من مدونة الأسرة، يلاحظ صعوبة في وصول النساء إلى الحق في الأموال المكتسبة بعد الزواج، بسبب ضعف اللجوء إلى إبرام عقود تدبير الأموال المشتركة، وعدم إلمام غالبية الأزواج بالأنظمة المالية الموجودة التي تبقى عصية على الفهم لشريحة كبيرة من الأزواج، بل وحتى لدى المتخصصين في المادة القانونية. دون أن ننسى عبء الإثبات. واقترح في هذا المجال أن ينصب تعديل مقتضيات المادة 49 على تحديد الأنظمة المالية، والتزامات كل طرف في كل نظام مالي، مع تخويل إمكانية تغيير النظام المالي بشكل لاحق، واستثناء بيت الزوجية من نطاق الميراث باعتباره حقا للزوج المتبقي على قيد الحياة، أسوة بعدد من التشريعات المقارنة، ولضمان حماية أكبر لبيت الزوجية لما له من رمزية في حياة الزوجين. مع اعتبار تحديد نصيب كل زوج من الأموال المكتسبة بعد الزواج، جزءا من المستحقات تبت فيها المحكمة بشكل تلقائي دون أن يطلبها الأطراف. كما أقترح اعتبار العمل المنزلي مساهمة من طرف الزوجة في تنمية أموال الأسرة باعتباره عملا يمكن تقويمه ماديا.
وبخصوص الصلح، فرغم أن المسطرة المدنية جعلت الصلح إلزاميا في قضايا الأسرة فإن الواقع يفرز إشكالات في تطبيق الصلح في فضاءات المحاكم، بسبب ضعف الموارد البشرية والمالية وضغط العمل والملفات، وصعوبات إجرائية منها أن قاضي الصلح لا ينبغي أن يكون هو نفسه القاضي الذي يبت في النزاعات، لاختلاف الوظيفتين، ويمكن في هذا السياق اقتراح مأسسة الوساطة الأسرية كبديل عن الصلح القضائي أسوة بعدد من التجارب الدولية الرائدة في المجال.

(*) دكتور في الحقوق عضو نادي قضاة المغرب

< إعداد : زهير اسماعيني (صحافي متدرب)

Related posts

Top