رحيل عبد الله الستوكي…

غيب الموت أول أمس الصحفي والناشر والمثقف عبد الله الستوكي، بعد معاناة طويلة مع المرض، واعتبرت وفاته خسارة كبيرة لجسمنا المهني ولذاكرتنا الإعلامية.
لم يمنع اختلاف العديدين مع الراحل أو تباين المواقف والاختيارات معه، في مراحل مختلفة من حياته، من تشكل إجماع واضح حول جدارته وريادته المهنيتين، وأيضا حول نبل سلوكه تجاه الآخرين.
سيرة عبد الله الستوكي تبرز لنا أن الفقيد امتلك تكوينا يكاد يكون عصاميا، كما أن النضال السياسي التقدمي في مرحلة شبابه بمراكش هو الذي قاده إلى الارتماء في حضن الكتابة الصحفية، ومن ثم تعلم المهنة في الميدان وليس في المعاهد والكليات، وارتبط بها من بوابات الثقافة والفن والأدب والشغف والنضال…
ومن هذه المرحلة، حافظ الستوكي دائما على أدوات التحليل للوقائع، وعلى العين والحدس السياسيين، وأيضا على شغف القراءة والتعلم المستمرين، وأكد، عبر سلوكه، أن الكتابة مرتبطة، جدليا، بكثرة القراءة ودوام التعلم، وهذا درس جوهري لصحفيينا اليوم، وأيضا لكافة الشباب والأجيال الحالية.
أمثال عبد الله الستوكي تنبهنا سيرتهم أن امتلاك أدوات وتقنيات مهنة الصحافة مهم وأساسي، ولكن أيضا من الواجب، إلى جانب ذلك، امتلاك التكوين السياسي وأدوات قراءة الوقائع وتحليلها، والحرص المستمر على القراءة والتعلم وإغناء الثقافة العامة، وهذا ليس فقط درسا لنا كلنا، ولكنه مهمة يجب الإنكباب عليها من طرف المنظمات المهنية ومختلف الجهات ذات الصلة بالتكوين المستمر للصحفيين، وذلك بغاية تمتين صحافة الجودة عندنا، وتقوية مصداقية إعلامنا الوطني وتعزيز أثره.
عبد الله الستوكي عاش وتوفي وسط مكتبة شخصية عامرة بالمصنفات والكتب واللوحات، وهي في حد ذاتها ثروة حقيقية يجب أن تبادر السلطات العمومية وأقرباء الراحل إلى صيانتها والاستفادة منها وعدم التفريط فيها.
من جهة أخرى، يشهد عشرات الصحفيات والصحفيين  بأفضال الستوكي عليهم وعلى مساراتهم المهنية والشخصية، ذلك أنه كان وراء إبراز العديد من الأسماء المهنية وتأطيرها، كما أنه عرف باهتمامه كذلك بأوضاعهم المادية والاجتماعية، ولهذا بقي دائما مرتبطا بالمهنة والزملاء، ومدافعا عن التضامن بين المهنيين، وعن الارتقاء بواقع الصحافة المغربية، واحترام كرامة الصحفيين…
من هذه السيرة تبرز هنا كذلك أهمية تأهيل المهنة وأوضاع العاملين فيها، وتقوية الهيكلة المؤسساتية للقطاع، والمسؤولية المجتمعية للصحافة…
وحتى في شهور مرضه وفتراته الأخيرة، لم تضعف ذاكرة عبد الله الستوكي، وبقيت حاضرة لديه الأسماء والأحداث والوقائع، ولما كانت الحالة الصحية تتيح له ذلك، كان يحرص من على سريره أن يقرأ باستمرار، وأن يناقش مع زواره ما يقرأه، وبذلك كان يكرس لكامل حياته معنى أساسيًا هو: الشغف بالقراءة والكتابة والصحافة والثقافة والفنون، أي بالحياة…
عبد الله الستوكي أيضا، وبرغم علاقاته الواسعة، كان يحسن التنقل بين مجالس الأثرياء وجلسات سمر الزملاء والأصدقاء، ولم يتنكر للخلان، كما لم يتردد في تشجيع الصحفيين الشباب ومتابعة منجزهم المهني، بل حتى وهو متكئ على عكازته، كان يحضر الندوات الصحفية، ويناقش مع الصحفيين والكتاب والفنانين دون تعال أو عجرفة…
رحل أحد كبار مهنة الصحافة في بلادنا، وتقدم لنا اليوم سيرته المهنية والإنسانية العديد من الدروس، لا بد أن نتمعن فيها كلنا.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top