سعيد بنكراد يحذر من تهديد وسائل التواصل الاجتماعي للوجود البشري

قال الباحث والمفكر والمترجم، سعيد بنكراد: “إن المواطنين في أوروبا شرعوا في التحذير من الاستعمال المفرط لشبكات التواصل الاجتماعي، لأنها تهدد الكائن البشري في وجوده، أي باعتباره كائنا حيا، يتمتع بحميمية، وباستقلالية في التفكير، وبوجود في الواقع، وليس في افتراض عادة ما يوهم الناس بحقائق ليست من الحقيقة في شيء”.

وسجل سعيد بنكراد، خلال حفل تقديم وتوقيع كتاب: “شبكات التواصل الاجتماعي”، يوم الجمعة الماضي، بمكتبة الألفية بالرباط، (سجل) ملاحظة تتعلق، بالطريقة الجديدة في ولادة وتطور الإنسان الجديد داخل الفضاءات الافتراضية، ومنها شبكات التواصل الاجتماعي، موضحا أن: “الطفل كان قديما إلى حدود السنة الخامسة والسادسة من عمره، يتعرف على العالم كما يأتيه من خارجه، كانت الزهور زهورا والورود ورودا، وكانت الأشجار والماء.. كان يتعلم كيف ينتمي إلى هذا المحيط الطبيعي، ويصبح قادرا على استيعاب ما يأتيه منه، بيد أنه حاليا اختلف الأمر نهائيا، فالطفل في عمر الثالثة أو أقل ربما، يعرف العالم في الصورة قبل أن يراه في الحقيقة، فالورود لا تنمو ولا تكبر في البساتين والحدائق، ولكنها تعيش في الافتراضي، وهو ما يشكل خطرا كبيرا جدا على نمو وذكاء الأطفال”.

ونبه مترجم كتاب: “شبكات التواصل الاجتماعي”، لكاتبه روبير ريديكير، إلى أن: “العالم يعيش اليوم تغيرا كبيرا، بفعل ما يحدث في الافتراضي، استنادا إلى السلطة التي يبنيها، والتي تتحكم في كل شيء، ويكفي أن أذكر بالحادثة الشهيرة لتويتر مع دونالد ترامب، هذا الأخير في لحظة من اللحظات تم إغلاق حسابه نهائيا، لأنه في نظرها يشكل خطرا على الديمقراطية، فهذه الشبكات ضد الدولة الحديثة كما تصورها روسو وهوبز، هي تتحدث عن الكائن الجديد، المواطن يجب أن يختفي ليحل محله المستهلك، والمناضل يجب أن يختفي ليحل محله المحتج، كائنات تقيس الزمنية بكمية المنتجات التي يستهلكها ليس لتحقيق الحاجة، بل للانتماء إلى عالم المستهلك الحسي”.

ويرى السيميائي سعيد بنكراد، أن الحديث عن الاستهلاك: “يقودنا إلى الوقوف عند السيل العارم من الوصلات الإشهارية اليومية داخل العالم الافتراضي وخارجه، حيث أصبح الكائن البشري يقوم بمجموعة من الأدوار المبرمجة بشكل سابق في الفرجة، ذلك، أن الفرجة ليست صورا كما نتصور، وإنما هي علاقات اجتماعية تحضر من خلال الصور، نحن نستمد جزءا كبيرا جدا من مواقفنا، وسلوكنا وردود أفعالنا، انطلاقا مما تقدمه حياة أخرى على هامش الحياة الحقيقية”.

واعتبر مترجم كتاب: “أنا أوسلفي، إذن أنا موجود”، وكتاب: “الإنسان العاري، الدكتاتورية الخفية للرقمية”، أن: “الحياة التي نحياها اليوم هي لحظة عابرة في الواقع، أما الحياة الحقيقية نعيشها في الافتراضي، والأخطر من ذلك هو ما يقع لنا الآن مع قضية الكلام، ذلك أننا أمام مشكل كبير، بتنا نتلقى رسائل مرقونة في تطبيقات المحادثات الفورية (الواتساب)، بدل الحديث بالأصوات عن طريق الاتصال الهاتفي، أي أن الصوت الذي كان مجرد صوت عابر للأمكنة بات مخيفا، لأن الأنا الحقيقية التي بها يعيش هي الأنا التي تعيش في الافتراضي، وليس الأنا الموجودة في حقيقة الواقع على الإطلاق”.

وتساءل سعيد بنكراد، عن الطريقة التي يعتمدها أصحاب الحسابات في شبكات التواصل الاجتماعي، للتواصل مع أصدقائهم الافتراضيين الذين تقدر أعدادهم بالآلاف، مشيرا إلى أن ذلك يعد: “مشكلة حقيقية، تهدد الإنسان بالاختفاء، نظرا للتحولات التي طرأت، استنادا إلى تصور العديد من الخبراء في المجال”.

وأتى الأستاذ سعيد بنكراد على ذكر تجربته مع الطلبة: “أشعر أحيانا بأنهم جالسين أمامي في القاعة، ولكن ينتظرون متى يخرجون لكي يتصلوا، كائن متصل هو كائن منفصل، نعيش افتراضيا حالات تواصل نشكو داخلها من الحميمية والوحدانية، وكتبت في هذا: لقد حرمونا من أن نكون أنا وحدنا حين أوهمونا أننا لن نكون وحدنا أبدا، قدموا لنا شبكات التواصل الاجتماعي باعتبارها البديل عن علاقات إنسانية حقيقية، وأنا أذكركم وأذكر نفسي، بأن لقاء بسيطا في حدود نصف ساعة مع شخص في مكان ما، تجلس أنت وهو رأسا لرأس، يساوي الدنيا بأكملها على حالات اللقاء الافتراضي، لذلك، يبدوا لي بأن الإنسان في طور الاختفاء”.

وقدم بنكراد توضيحا لفكرة الاتصال من أجل الانفصال، بالإشارة إلى أن: “الانفصال عن العالم الخارجي معناه تخلي الفرد عن المشاكل المعقدة والمركبة، وولوج العالم الافتراضي، لأنه طيع ونجد كل ما نرغب فيه، فنحن نرغب في أن نتصل لكي نخلق علاقات مع أشخاص آخرين، ولكن الواقع هو أننا نعمق من عزلنا ووحدتنا”، وأشار إلى أن: “الكائن البشري أصبح باطنه وظاهره شيئا واحدا، ذلك أنه افتقد حميميته، وباتت الشفافية هي المهيمن على نشاطه الافتراضي، بعدما كنا إلى وقت قريب لا نستطيع البوح عن حميميتنا إلى القريبين منا جدا، والدليل يحضر في واقعة “فتيحة” التي أصبحت حدثا صاخبا في الفايسبوك”.

خطر إدمان الافتراضي

يتصور المفكر السيميائي الذي خصص ترجماته الأخيرة إلى العوالم الافتراضية التي تهدد الوجود الإنساني وكينونته، أنه: “ستكون هناك حالة من حالات الوعي بهذا الخطر، علما أنني لا أدعوا الناس إلى التخلي عن الفايسبوك، بل إلى ترشيده، لا أقل ولا أكثر، نظرا للمساعدة التي يقدمها كثيرا في التواصل، ومتأكد من أن الحاضرين لهذا اللقاء اطلعوا عليه في الفايسبوك، وهذا أمر لا يمكن أن ننكره، لكن أن نصبح مدمنين وأن يتحول العالم الحقيقي إلى ما يقع داخل الافتراضي فهذا أمر جد خطير”.

 

ومن مخاطر وسائل التواصل الاجتماعي، تأثيرها على الكلام، حيث قدم سعيد بنكراد فكرة لفريديك دارد يقول فيها: “يمكن أن يصنع الآخرون بكلماتك ما يشاؤون، ولكن صمتك يزعجهم دائما”، مبرزا أن هذه العبارة تعني أن: “السلطة ترغمنا على الكلام لأنها تخاف من صمتنا، في مرحلة من المراحل كان الكلام موقفا، بيد أنه الآن العكس تماما هو الذي حصل، الكلام هو الكشف عن سريرتك”.

وطرح سعيد بنكراد سؤال: أين الفضاء العمومي الآن؟ أين الرأي العام؟. مستطردا حديثه في إطار تقديم كتاب: “شبكات التواصل الاجتماعي”، أن: “الرأي العام هو وليد ظهور البورجوازية، المجتمع الذي يقرأ، والذي يقرأ هو الذي يمكن أن يكون جزءا من الرأي العام، فما هي القراءة في آخر المطاف، أن تعيش، معناه أن تتصور فعلا ينصهر فيه الفاعل مع فعله، ولكن أن تحيا أن تقرأ، بمعنى أن تضع مسافة بينك وبين الواقع الذي تعيشه، أن تطرح تساؤلات حولك، كان كانط يقول وهو يتحدث عن الأنوار، مجتمع أو جمهور ينور نفس بنفسه، وهذا هو الفرق بين Sondage (استطلاع الرأي)، وLes élections (الانتخابات)، الاستطلاع هو أن تأخذ آراء وأحكام مسبقة لأفراد معزولين لتخلص إلى نتائج، ولكن الانتخابات تعني خوض نقاش عمومي (Débat)  وهو ما لم يعد موجدا أبدا”.

وحذر المتحدث ذاته، من التأثير الرهيب لشبكات التواصل الاجتماعي على التلاميذ والطلاب:

“وأذكر على سبيل المثال قضية المساواة، التي لا أعتبرها فكرة تقدمية، كما كنا نتصورها في تياراتنا السياسية التي انتمينا إليها، وحلمنا وقتها بمجتمع تسود فيه المساواة، أكيد، يجب أن يكون هذا المجتمع، ولكن، المساواة في ماذا؟ المساواة يجب أن تكون في القانون، والحظوظ، والفرص، ولكن لا يمكن أن يكون لديك 20 طالبا، 3 طلبة يشتغلون صباح مساء، و17 لا يجتهدون، ويجب أن تكون في الأخير مساواة فيما بينهم، هذا لا يعقل ولا يمكن أن يكون، لهذا، فالمساواة تكون مدمرة أحيانا، لأنها تعوق البعض في أن يبدع أكثر”، على حد تعبير المفكر المغربي سعيد بنكراد.

 

ووقف أحد أبرز السيميائيين العرب، عند فكرة المدرسة عن بعد، مشددا، بأنها: “قتل لكل شيء، لا يمكن أن نحقق هذا التعليم عن بعد، إلا بعد الوصول إلى مستوى معين من المعارف، كما يحصل بين العلماء الذين يتبادلون التجارب فيما بينهم من مختبراتهم، أما التلميذ في التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي، فهو في حاجة إلى الأستاذ لأنه نموذج نتعلم منه كيف نتجنب الأخطاء، ونتربى وتشبع بقيمه”.

وذكر سعيد بنكراد، أن التلميذ: “لا يمكن أن يبدع على الإطلاق لوحده في المنزل، بعيدا عن المجموعة، فعالم الأم والمنزل عالم منسجم، عالم فيه الحماية، أما عالم المدرسة ففيه المنافسة، والصراع، والعدوانية، وأشياء أخرى كثيرة، لهذا، يجب أن نتعلم كيف يمكن أن نكون مواطنين في الشارع، وفي المدرسة، وفي الكليات، وليس في منازلنا”.

وحذر بنكراد من سوء الفهم الذي قد يقع فيه البعض بشأن استعمال شبكات التواصل الاجتماعي، بالقول: “سأكون مجنونا إذا دعوتكم إلى التوقف عن استعمال الانترنيت، أنا فقط أقول، ألا يمكن أن نربي الطفل الصغير على الطريقة الصحيحة في توظيف وسائط التواصل الاجتماعي، أن نربيه منذ البداية الأولى، بأن هذه أداة هكذا يجب أن تستعمل في ما هو نفعي، للحد من خطورتها، والكوارث التي تأتي منها”.

وزاد موضحا، في تقديمه للكتاب الذي ترجمه عن روبير ريديكير بأن: “المنزل عالم محمي بالأم والأب، سواء أخطأت أو لم تخطأ، ولكن عندما تخرج إلى الشارع، يجب أن تواجه قدرك، لذلك، التفكير في أننا يجب أن نتخلى ذات يوم عن المدرسة، يعتبر تفكيرا مهددا للكائن البشري، وهذا يعني أن نسقط النقابات، وجمعيات المجتمع المدني، أي أن نسقط كل شيء، لأن كل واحد في منزله، العمال الذين كانوا يجتمعون في المعمل ويطالبون بالزيادة في الأجور، لن يقوموا بهذا الأمر مرة أخرى، لأنهم يشتغلون في منازلهم، وهكذا دواليك”.

ووجه سعيد بنكراد، نداء للآباء والأمهات لحماية أبنائهم: “شخصيا، على وعي بأن الأم والأب، يريدان أن يحميا أطفالهما من كل شيء، لهذا يجب حمايتهما أيضا من الأفكار الهدامة التي يمكن أن تؤثر سلبا على حياتهم، في ظل عدم وجود مصفاة تحمي هذه الفئة من تدفق المحتويات التافهة، خصوصا وأن مؤسسات المجتمع التي كانت تقوم بهذا الدور اختفت، وأقدم مثال دور النشر التي لم يكن دورها قديما، مقتصرا على نشر الكتب فقط، بل كانت أيضا، سلطة علمية، تقرر في مسألة نشر هذا الكتاب من عدمه، لكننا اليوم أصبحنا أمام ظاهرة طبع أي شيء وتوزيعه بأي شكل من الأشكال، وكل هذا مقابل التوفر على 5 آلاف درهم لا غير”.

المواظبة على القراءة

دعا الأستاذ بنكراد طلبته وجميع الحاضرين في اللقاء الذي نظم، مساء الجمعة الماضي، بالرباط، إلى المواظبة على القراءة: “إن الذي لا يقرأ يعيش حياة واحدة هي حياته، أما الذي يقرأ فيعيش 5 آلاف سنة، أي منذ بداية تاريخ الكتابة، نحن لا نملك ما يكفي من الوقت لنجرب كل شيء، لهذا نحن في حاجة إلى تجارب الآخرين، وما تقدمه لنا الروايات والشعر… ولتكون ذاكرتنا أوسع وعالمنا أوسع، يجب أن تكون ذاكرتنا ولغتنا أوسع، عندما نقرأ لا نتعلم معارف فقط، وإنما نتعلم كيف نمتلك لغة، هي سبيلنا لكي نوسع من هذا العالم الذي نعيش داخله”.

وبما أن سعيد بنكراد مهتم أيما اهتمام باللغة، أشار إلى أن: “هذه اللغة ليست أدوات نستعملها وبعد ذلك نلقي بها بعد الاستعمال، لغتنا هي كينونتنا هي طريقة في أن نرى، كلما كانت لغتنا واسعة وعريضة جدا، كان استيعابنا للواقع أعمق، لذلك المناطق التي تنسحب منها اللغة يستوطنها العنف”.

 

واستحضر السيميائي المغربي، ما يقوم به الإشهار داخل المجتمع الاستهلاكي، موضحا: “أننا نعيش الآن اللحظة القصوى فيما يتعلق بالإشهار، نحن نحضر في ذاكرة الرأسمالية، وذاكرة المنتجين، وذاكرة التسويقيين من خلال نماذج معينة، وهذه النماذج مودعة عنا، وبالتالي فأي مادة تريد تأتيك إلى المنزل، بمعنى أنت لم تصبح الفرد المعزول، بل تنتمي إلى نماذج محددة في ارتداء الملابس، وأسلوب الطعام.. وعموما هذه الشركات هي في اتجاه أن تخلق مزيدا من النماذج المسكوكة”.

ودفع حديث سعيد بنكراد عن ظاهرة الأنشطة عن بعد (التعليم عن بعد، التسوق عن بعد..)، الحاضرين إلى توجيه مجموعة من الأسئلة من قبيل “العمل عن بعد”، و”الحب عن بعد”.. أما بشأن العمل عن بعد، أفاد الأستاذ بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن: “هناك بعض أشكال هذا العمل عن بعد، تكون مفهومة، بالنسبة لنشاط مؤسسة بسيطة، ولديها عدد قليل من العمال، ولكن أن نتحدث عن مصنع لصناعة الأحذية، ونقول إنه يعتمد أسلوب العمل عن بعد، سأقول لك لا، لا يوجد عمل من هذا القبيل، اسمه عن بعد. ويحضرني نموذج شركة “Uber”، هذه الشركة لا تتوفر على عمال ومكتب خاص، بالمقابل تستفيد من عائدات مادية كبيرة، انطلاقا من الخدمات التي تقدمها في مختلف مناطق العالم، وهناك من يتحدث عن “L’Uberisation”، بمعنى العالم كله سيتحول إلى هذه الطريقة في العمل”.

ولم يسلم العمل السياسي من الآثار السلبية لشبكات التواصل الاجتماعي، واستحضر سعيد بنكراد، في هذا الصدد: “فكرة مواجهة السلطة التي لم تعد موجودة الآن، ذلك أن الدولة ستتحول بعد 20 سنة إلى مؤسسات تقدم خدمات ليس إلا، أما التحكم في الكائنات البشرية فستقوم به الـ “غافام” (GAVAM)، فبمجرد أن تدخل إلى هذا العالم، تأخذ جرعة أولية، مثل الفأر، وتصبح مدمنا على هذه الخدمة، حيث تتولى اللوغاريتمات مهمة أن تبحث لك عمن يتقاسم معك نفس الأفكار والتوجهات والرغبات والحاجيات، أو على الأقل أن لا يخلق لديك مشكلة، علما، أنه توجد خاصيات في الفايسبوك تمكنك من حظر من يزعجك”.

وكشف سعيد بنكراد أن الدولة لها، كذلك، مسؤولية في هذا الواقع: “في السابق كانت تعرف السلطة الشيء الكثير عن المناضل، ورغم ذلك ظلت عاجزة عن الوصول إلى مناطق الظل، غير أن العكس تماما هو الذي يحدث اليوم، لأننا ندخل إلى شبكات التواصل الاجتماعي ونتعرى كليا، نقدم لهم كل ما يريدون عنا، طواعية وبدون أي ضغوط، ونصبح منتجات لفائدة هذه الشبكات التي نلجها بشكل مجاني، لأننا لسنا زبناء لديها، تبيع معلوماتنا لفائدة المخابرات والمؤسسات الاقتصادية، الكبرى، والمتوسطة، والصغيرة، ما يعني أن الدولة حاضرة وبقوة في ما يتصل بمسألة الرقابة”.

اختفاء مصفاة المؤسسات العلمية

تحسر بنكراد، مرة أخرى، عن سقوط: “مصفاة المؤسسات العلمية، فعندما كنا نتحدث مثلا، عن الأنثروبولوجيا، أو السوسيولوجيا، أو السيميولوجيا، أو غيرها، كانت هناك مستويات نقيس بها الحدود المعرفية الإنسانية في هذه المجالات، لكن للأسف هذه المعايير لم تعد تحترم. دخلت قبل أيام إلى الانترنيت، واطلعت على فيديوهات في اليوتيوب، ووجدت أشياء مضللة، لا علاقة لها بالعلم بتاتا، فليس العيب أن تقدم معرفة بسيطة غاية البساطة، لكن أن تكون مضللة، فهذا خطر على التلاميذ والطلبة. ولا أخفيكم بأنني حدثت طلبتي في سلك الماستر عن هذه الواقعة، وحذرتهم من اتخاذ هذه الوسائط مصدرا للمعرفة العلمية. وقلت لهم: “أقف أمامكم في هذا القسم، وفي هذه الكلية (يقصد كلية الآداب والعلوم الإنسانية أكدال الرباط- جامعة محمد الخامس)، وفي القاعة رقم 5 ومن الساعة  16 عصرا إلى الساعة 18 مساء، أنا الأستاذ وأنتم الطلبة، أي أننا في مؤسسة، بمعنى أنني مسؤول عن كلامي، قالها لنا الأستاذ في هذا التاريخ، وفي هذا المكان”، وهذا النموذج المؤسساتي، هو على عكس الأنترنيت تماما، حيث ستكون هذه المعلومة موجودة في الوقت الحالي، وغدا لن توجد، وهنا تكمن الخطورة التي نناقشها في هذه الحلقة”.

واتفق المفكر المغربي، مع متدخلة حول تأثير وسائط التواصل الاجتماعي على المؤسسات الإعلامية الوطنية، خصوصا في الشق المتعلق بنشر أي محتوى كيفما كان مضمونه، على عكس وسائل الإعلام: “التي توجد بها رقابة سواء ذاتية أو إدارية، بغض النظر عن خطها التحريري، ذلك أن المحتوى في هذه الشبكات مفتوح على عواهنه، ومئات بل وعشرات الآلاف من الأطفال يتعرضون له بدون رقابة مسبقة. وأصحح لمن يعتقد بأن معرفة الطفل بالأجهزة التكنولوجية أصبحت من بين المسائل الجينية، إن الأمر لا يعدو أن يكون معرفة تقنية، أي أن خطورة هذا الأمر تتجلى في عدم التأثير على كينونتهم، والدليل على ذلك، استعمال هذه الشبكات من أجل الإرهاب، انطلاقا من تعلم كيف تصنع القنابل. بصيغة أخرى فهذه الوسائل التقنية، لا أثر لها على فكري، وقناعتي، وأخلاقي، ومن ثم نكون أمام تعميم لثقافة الاستهلاك، ونصبح كائنات تتشابه في الاستهلاك، إنهم يقتلوننا ويعطوننا ما نبحث عنه، ويشجعوننا على التفرقة على أساس الأعراق والطوائف.. “.

يوسف الخيدر

Top