قراءة: تداخل جنسين أدبيين متباينين في ديوان «سلسول التخمام»

أصدر الشاعر والزجال المغربي محمد مومر مؤخرا ديوانا زجليا في شكل سيرة ذاتية عن المطبعة والوراقة الوطنية، حمل عنوان «سلسول التخمام» في 176 صفحة من الحجم المتوسط؛ ليدخل بذلك محمد مومر غمار تجربة إبداعية جديدة ستثري الحقل الثقافي بالمغرب.
وقدم الدكتور سعيد يقطين انطباعه الخاص حول الديوان الزجلي لمومر، حيث انتبه إلى التناص القائم بين سيرة ذاتية/زجل وتداخل جنسين أدبيين متباينين، مشيرا إلى إمكانية تداخل النصوص في حالة استحضار التجارب الأدبية كما مورست، والنظر في العلاقات الممكنة بينها لإقامة جسور تواصل بين أجناس أدبية مختلفة كما حصل في تجربة مومر.  
وعرض سعيد يقطين أيضا لمفهوم الزجل، مظهرا الفروق التي تميزه عن الشعر الفصيح، والتي لا تقتصر فقط على اللغة بل تتجاوز ذلك إلى اختلاف الموضوعات والقضايا والأساليب والأوزان والإيقاعات، إضافة إلى اتصافه -أي الزجل- بالقرب من زخم الحياة اليومية ومشاكلها، حيث يظل الزجل فنا متصلا اتصالا وثيقا بالثقافة الشعبية، ولم يفت يقطين في تقديم الديوان أن يشير إلى مفهوم شقي الزجل الشفوي والكتابي، وأن الغناء هو الطابع الأصلي لهذا الفن الأصيل وما مرحلة القراءة إلا مرحلة متأخرة منه. كما اعتبر يقطين أن الشعر/الزجل يتموقع داخل منطقة وسطى؛ فلا هو شعبي بالمعنى المتعارف عليه، ولا هو شعر بالصفة المعروفة عند لدى المشتغلين بالشعر الفصيح وفق تقاليد الشعر العربي قديمه ومحدثه، أمر يخلق إشكالا حول نجاح الشاعر/الزجال في تحقيق هذه المعادلة الصعبة وموقعة إبداعه الزجلي في المكان المناسب.
وتمكن مومر في «سلسول التخمام» من المزواجة بين نوعين أدبيين، بين الزجل الذي هو شعر شعبي وبين السيرة الذاتية التي هي نص سردي بامتياز؛ خليط مزج فيه محمد مومر الشعر والنثر في تجربة متميزة صيغت بلغة شعبية قوية، شكل الشعر فيها وسيلته لسبر أغوار الذات المبدعة، في ظل حديث وجداني مع الروح ومغازلة رقيقة للكلمة الفاتنة، ومستمدا من الزجل كل مقوماته اللغوية وعوالمه الخاصة.
كما أشاد يقطين بالترابط الذي اتسمت به قصيدة مومر، والتي تضافرت حلقاتها لتشكل عالما متكاملا يسجل مواقفه وتمثلاته من الواقع اليومي على الذات؛ مبديا إعجابه بدقة وحسن التعبير الدارج الذي اختاره محمد مومر عنوانا لديوانه، ومبتكرا صورة مجازية رائعة، حينما جعل لـ «التخمام» عمودا فقريا «سلسول» مقسما بنيات/فقرات القصيدة الزجلية إلى ثلاث وثلاثين بنية/فقرة، ورغم ترابط هذه الفقرات فإنها جاءت عبارة عن فلتات تعبيرية تأتي للبوح وقت الضرورة، وغير خاضعة لنطاق الزمن، فيبدأ بالحاضر ثم يعود للماضي، ليقدم مومر سلسلة فقراته المنتظمة مبنية على الاستطراد وعدم الترتيب (التخمام) في حالة نفسية شاردة تعبر عن خوالج الشاعر/الزجال. يذكر أن محمد مومر الذي سبق له الفوز بالجائزة الثانية بالمهرجان الدولي للشعر والزجل بالبيضاء سنة 2007 والجائزة الأولى بالمهرجان الدولي للشعر والزجل سنة 2008، يملك في حوزته مجموعة من الإصدارات منها: «جْنان الشوكْ» و»هجْهوجْ الحالْ» و»سْوالفْ الجدْبة»، وهي عبارة عن دواوين زجلية، إلى جانب «شْحالْ كدكْ تْشوفْ» وهي سلسلة مواقف اجتماعية بالدارجة المغربية، وله أيضا إسهامات في التأليف المسرحي والدرامي.

Top