الدكتور يوسف الكمري: يجب إدماج مقاربة النوع الاجتماعي وقضايا المرأة في إدارة الواحات

قال الدكتور يوسف الكمري، أستاذ باحث في علوم البيئة والتنمية المستدامة، عضو المكتب التنفيذي لمركز التنمية لجهة تانسيفت (CDRT) وهو منظمة غير حكومية ذات صفة المنفعة العامة، إن سيناريوهات التغيرات المناخية تشير إلى أن مناخ المغرب سيصبح قاحلا أكثر بسبب قلة التساقطات المطرية وارتفاع درجات الحرارة والظواهر الطبيعية الحادة المتكررة، مؤكدا أنه من شأن هذا التوجه أن يؤثر سلبيا على الموارد المائية والتنوع البيولوجي وكذا على الانتاج الفلاحي والأمن الغذائي.
وشدد الدكتور الكمري، العضو المراقب في الاتفاقية الإطارية للتغير المناخي (COP) منذ سنة 2010، في حوار خاص مع بيان اليوم، على هامش مشاركته في فعاليات “كوب 28″، على أن الأنشطة البشرية هي المحرك الرئيسي لتغير المناخ، ويرجع ذلك أساسا إلى حرق الوقود الأحفوري مثل الفحم والنفط والغاز.
وأشار الدكتور الكمري، إلى أن المغرب وضع مخططه الوطني للمناخ 2020-2030 (PCN) الذي يهدف إلى إرساء أسس تنمية منخفضة الكربون ومقاومة لتغير المناخ، كما تم اعداد المخطط الوطني للتكيف (PNA).
وأبرز المتحدث نفسه، أن الواحات تشكل رأسمال ثمين داخل المشهد الترابي الوطني وتصنف ضمن دائرة الثروات الطبيعية والثقافية للمغرب، مبرزا أنها تواجه اليوم، تحديات كبرى مرتبطة بندرة الموارد المائية تحت تأثير التغيرات المناخية.
وأكد الدكتور الكمري، على أن الوضعية الراهنة للواحات تقتضي مضاعفة الجهود من أجل خلق دينامية خلاقة تعمل على إعادة تأهيل هذه المناطق، وتمكينها من تأدية وظيفتها السوسيو-اقتصادية.
وهذا نص الحوار:

*هل يمكن أن تلخص لنا الحالة المناخية والوضع البيئي في المغرب؟
*بشكل عام، ومن خلال التقارير سواء منها الرسمية أو التي تنشرها منظمات المجتمع المدني البيئي بالمغرب، أو بعض المنظمات غير الحكومية الدولية، تتضح لنا المظاهر الأولى لتغير المناخ في المغرب، بحكم موقعه الجغرافي في شمال إفريقيا ومنطقة المتوسط، حيث هناك اضطراب في معدل التساقطات وارتفاع معدل درجة الحرارة، الشيء الذي يؤثر بشكل سلبي على الموارد الطبيعية، والنظم البيئية المختلفة وعلى الإنتاج الزراعي (النباتات والحيوانات).
في هذا الصدد، تشير سيناريوهات التغيرات المناخية إلى أن مناخ المغرب سيصبح قاحلا أكثر بسبب قلة التساقطات المطرية وارتفاع درجات الحرارة والظواهر الطبيعية الحادة المتكررة، ومن شأن هذا التوجه أن يؤثر سلبيا على الموارد المائية والتنوع البيولوجي وكذا على الانتاج الفلاحي والأمن الغذائي.

*تكلمتم عن الموقع الجغرافي للمغرب، باعتباره يجعل التهديد أكبر بسبب آثار التغيرات المناخية، لكن هل التغيرات المناخية الناتجة عن الطبيعة فقط مسؤولة عن بعض النتائج الوخيمة من قبيل الجفاف والتصحر؟
*يشير مفهوم تغير المناخ إلى التحولات طويلة الأجل في درجات الحرارة وأنماط الطقس. يمكن أن تكون هذه التحولات طبيعية، بسبب التغيرات في نشاط الشمس أو الانفجارات البركانية الكبيرة. ولكن منذ القرن التاسع عشر، كانت الأنشطة البشرية هي المحرك الرئيسي لتغير المناخ، ويرجع ذلك أساسا إلى حرق الوقود الأحفوري مثل الفحم والنفط والغاز.
تشير المصادر إلى أن الوقود الأحفوري – الفحم والنفط والغاز – هي إلى حد بعيد أكبر مساهم في تغير المناخ العالمي، إذ يمثل أكثر من 75 في المائة من انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية وحوالي 90 في المائة من جميع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
وعليه، يؤدي تغير المناخ إلى تغيير في كمية الموارد المائية، مما يجعلها أكثر ندرة في المزيد من المناطق، ويؤدي الاحترار العالمي إلى تفاقم نقص المياه في المناطق التي تعاني من ندرة المياه، كما يؤدي إلى زيادة مخاطر الجفاف فيما يخص الزراعة، ويؤثر بالتالي على المحاصيل، ويزيد الجفاف البيئي من ضعف النظم البيئية.
يمكن أن يثير الجفاف أيضا عواصف رملية مدمرة يمكن أن تنقل مليارات الأطنان من الرمال عبر القارات، كذلك فإن الواحات والصحاري آخذة في التوسع، مما يقلل من مساحة الأرض المتوفرة لزراعة الغذاء، ويواجه الكثير من المجتمعات المحلية في الواحات الآن خطر عدم الحصول على ما يكفي من المياه بشكل منتظم.

*أنتم كفعاليات مدنية تنشط في مجال البيئة والمناخ، كيف تقيمون السياسات البيئية والسياسات القطاعية فيما يخص الحد من آثار التغيرات المناخية؟
*سؤال جد وجيه، لقد شرع المغرب في مسار التنمية المستدامة وحماية البيئة، وشمل ذلك المصادقة على اتفاقيات ريو الثلاث في سنة 1995، ومعظم الاتفاقات المتعددة الأطراف التي تلت ذلك، بما فيها قمة جوهانسبرغ العالمية في سنة 2002، وفي نونبر 2016، نظم المغرب قمة المناخ COP22 بهدف تنفيذ اتفاق باريس COP21.
كما تقوم مجموعة من الهيئات الحكومية والمنظمات غير الحكومية في المغرب بتنفيذ برامج تتعلق بتغير المناخ وحماية البيئة والتنوع البيولوجي وتثمينها ومنع التلوث الصناعي والحماية من التصحر وإزالة الغابات. إضافة لذلك فإن للمغرب عدة قوانين وسياسات وخطط حول تغير المناخ وأهمية حماية البيئة من أجل تحسين الظروف البيئية للأجيال الحالية والمقبلة كدستور المملكة المغربية (2011).
على المستوى الوطني، وضع المغرب مخططه الوطني للمناخ 2020-2030 (PCN) الذي يهدف إلى إرساء أسس تنمية منخفضة الكربون ومقاومة لتغير المناخ، كما تم اعداد المخطط الوطني للتكيف (PNA).
وكجزء من تنفيذ سياسة المناخ على المستوى الإقليمي، تعمل الوزارة الوصية على القطاع (وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة) على وضع مخططات مناخية جهوية (PCR) لجميع جهات المملكة، مع الاستفادة من مزايا الجهوية المتقدمة.

*لماذا اخترتم قمة المناخ بالضبط لعقد الجلسة الإقليمية لدول شمال إفريقيا والشرق الأوسط حول موضوع تنمية الواحات؟
*ليس اختيارا رهينا بهذه الدورة 28، ولكن كما رأيت في الإعلان فهي الدورة الثالثة الاقليمية لشمال أفريقيا والشرق الأوسط التي تنظمها جمعية المرأة الصحراوية للتنمية المندمجة بالمملكة المغربية، على أساس أنها نظمت سنة 2019 كأول ندوة إقليمية حضورية بالرباط، بشراكة مع جامعة محمد الخامس ومعهد البحث العلمي بالرباط ووزارة البيئة والتنمية المستدامة، وكذا تنظيم الندوة الثانية افتراضيا شارك فيها خبراء وإعلاميون من المنطقة العربية، تلتها بعد ذلك ندوة أخرى حضورية في قمة المناخ 25 بمدريد بإسبانيا، فهناك تراكم واستمرارية، فمجمل الندوات السابقة المنظمة من طرف جمعية المرأة الصحراوية للتنمية المندمجة تسعى إلى تفعيل توصيات الندوات السابقة، وما تنظيم هذه الندوة في دورتها الثالثة إلا تتويجا لتوصيات الندوات السابقة وتفعيلها، على أساس أن هناك متغيرات ومستجدات تتعلق بالمناخ، هناك جديد فيما يتعلق بتفعيل اتفاق باريس في حد ذاته، الجمعية تواكب هذه التطورات وتسعى إلى طرح محاورها مع متدخلين من مستوى عالي وخبراء أكاديميين جامعيين، إعلام مجتمع مدني، من أجل إشراكهم في نقاشات وحوارات حول هاته المستجدات التي تأتي بها الإتفاقية الإطارية للتغير المناخي في كل دورة.
تحدثت على أن هناك توصيات، ولاحظنا بأن هناك لقاءات من مستويات مختلفة، متحدثون من مختلف الدول، في الأخير هناك دائما توصيات.
*دائما توالي للقاءات، لكن هذه القرارات والتوصيات هل يكون لها أثر على أرض الواقع خصوصا على مستوى الدول النامية وافريقيا بالذات؟
*سؤال جد وجيه، نعم نلاحظ أو نراقب عن المجتمع المدني في مؤتمرات المناخ ونواكب مستجدات تفعيل اتفاق باريس، لأنه الخيط الناظم لقمم المناخ الموالية أي من قمة 21 إلى قمة 28، هناك فعلا تقدم على مستوى تبني مجموعة من المواقف والقرارات ولكن الإشكال يتجسد على مستوى سرعة التنزيل، حيث تشوبه بعض التعثرات وهذا مرتبط بسياسات وطنية مختلفة، وسياق دولي معروف مرتبط بالحرب الروسية الأوكرانية والأزمات بين الدول، وهذا يؤثر سلبا على تنزيل هذه القرارات، لكنها من منظوري الشخصي قرارات صائبة، والقرار الذي حمل وقعا ايجابيا في دورة 28 هو إحداث صندوق المخاطر والكوارث، وهذا إيجابي لكن ما نتخوف منه هو التنفيذ والتنزيل على أرض الواقع.

*ما هي أبرز توصياتكم ومخرجاتكم من لقاء اليوم أو في هذه القمة بشكل عام؟
*إذا كانت الواحات تشكل رأسمال ثمين داخل المشهد الترابي الوطني وتصنف ضمن دائرة الثروات الطبيعية والثقافية للمغرب، فإنها تواجه اليوم، تحديات كبرى مرتبطة بندرة الموارد المائية تحت تأثير التغيرات المناخية.
ويوصي الخبراء في المجال بتثمين المؤهلات الواحية من خلال رؤية تنموية مستدامة، مع المبادرات التي من شأنها الحفاظ على هذا التراث في شقيه البيولوجي والإنساني.
وابرز المتدخلون في الندوة الإقليمية أن الوضعية الراهنة للواحات تقتضي مضاعفة الجهود من أجل خلق دينامية خلاقة تعمل على إعادة تأهيل هذه المناطق، وتمكينها من تأدية وظيفتها السوسيو-اقتصادية.
بالإضافة إلى أنه يجب تنمية هذه المناطق والساكنة من خلال إدماج مقاربة النوع الاجتماعي وقضايا المرأة في إدارة الواحات، ولقد قدمت فاطمتو رئيسة جمعية المرأة الصحراوية للتنمية المندمجة مبادرة، وهي إطلاق وتأسيس شبكة تنمية الواحات بشمال افريقيا والشرق الأوسط، والأكيد أن الشبكة ستعزز باقي المبادرات والمشاريع والأعمال التي تعنى بتنمية المناطق الواحاتية بشكل خاص.

حاوره مبعوث جريدة بيان اليوم إلى قمة المناخ بدبي
عبد الصمد ادنيدن

Top