احتفاء بالذكريين 68 لانطلاق عمليات جيش التحرير بالجنوب المغربي، و67 لانتفاضة قبائل ايت باعمران، تنظم المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير مهرجانات خطابية بكل من إقليمي طاطا وأسا-الزاك، يومه الخميس، وبإقليمي كلميم وطانطان يوم غد الجمعة. كما ستنظم المندوبية مهرجانا خطابيا بعد غد السبت بسيدي افني ولقاء تواصليا بتزنيت، وآخر بمدينة أكادير يوم الأحد المقبل. كما ستحتضن النيابات الجهوية والإقليمية والمكاتب المحلية وفضاءات الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير 104 المبثوثة عبر التراب الوطني برامج احتفالية تؤثثها ندوات فكرية ومحاضرات وعروض وقراءات في الحدثين التاريخيين ومقاصدهما وأبعادهما. كما سيتم بهذه المناسبة تكريم قدماء مقاومين وأعضاء جيش التحرير، و كذا توزيع إعانات مالية وإسعافات اجتماعية على عدد من أفراد هذه الأسرة .
يخلد الشعب المغربي ومعه أسرة المقاومة وجيش التحرير في هذه السنة الذكرى 68 لانطلاق عمليات جيش التحرير بالجنوب المغربي، والذكرى 67 لانتفاضة قبائل آيت باعمران، هذه الملاحم التي تجسد محطات بارزة ووازنة في مسيرة الكفاح الوطني من أجل استكمال الاستقلال الوطني وتحقيق الوحدة الوطنية و الترابية.
لقد خاض المغرب عبر التاريخ نضالات مريرة وملاحم بطولية في مواجهة المحتل الأجنبي الذي لم يدخر جهدا لبسط نفوذه وهيمنته على التراب الوطني قرابة نصف قرن، فقسم البلاد إلى مناطق نفوذ موزعة بين الحماية الفرنسية بوسط المغرب،والحماية الإسبانية بشماله وجنوبه،فيما خضعت منطقة طنجة لنظام دولي. وهذا ما جعل مهمة تحرير التراب الوطني صعبة وعسيرة، قدم العرش والشعب في سبيلها كل غال ونفيس في سياق كفاح وطني عالي المقاصد متلاحق المراحل طويل النفس ومميز الصيغ لتحقيق الحرية والاستقلال والوحدة الترابية والسيادة الوطنية.
ومن الصفحات المشرقة في سجل التاريخ النضالي والأمجاد الوطنية، يجدر الوقوف عند روائع ومنارات وضاءة على درب التحرير. فمن الانتفاضات الشعبية كحركة الشيخ أحمد الهيبة بالجنوب سنة 1912 إلى معركة لهري بالأطلس المتوسط سنة 1914، فمعارك أنوال بالريف سنة 1921 ومعارك بوغافر بتنغير، ومعارك جبل بادو بالرشيدية سنة 1933، وغيرها من المحطات التاريخية الطافحة بالمواجهات والمقاومات ضد المحتل الأجنبي. كما اتخذت أشكال وأساليب النضال السياسي كمناهضة الظهير التمييزي بين أبناء الوطن الواحد والتفريق، بين العرب والأمازيغ سنة 1930، وتقديم مطالب الشعب المغربي الإصلاحية والمستعجلة في 1934 و1936،فتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير 1944، وهي محطات نضالية جاهد بطل التحرير جلالة المغفور له محمد الخامس لبلورة توجهاتها وأهدافها ورسم معالمها وإذكاء إشعاعها منذ توليه عرش أسلافه المنعمين في 18 نونبر 1927، حيث جسد الملك المجاهد قناعة شعبه في التحرير وإرادته في الاستقلال، ومثل بنضاله المستميت وتضحياته الجسام رمزا للمقاومة والفداء، ووقف معلنا ومجددا مطالب المغرب في الحرية والاستقلال ومؤكدا انتماءه العربي الإسلامي في خطاب طنجة التاريخي في ابريل 1947،مؤكدا العزم على إنهاء الوجود الاستعماري وتمسك المغرب بمقوماته الأصيلة وثوابته العريقة.
وستتواصل وستتعزز هذه المواقف الرائدة والوازنة بمبادرات وتوجهات جلالته عليه في التصدي لكل أشكال الهيمنة الاستعمارية ومحاولات طمس الهوية الوطنية وإدماج المغرب فيما سمي بالاتحاد الفرنسي، وبلغ التحدي بسلطات الإقامة العامة للحماية الفرنسية حد الإقدام على مؤامرتها الشنيعة وفعلتها النكراء بنفي بطل التحرير والاستقلال جلالة المغفور له محمد الخامس ورفيقه في الكفاح والمنفى جلالة المغفور له الحسن الثاني والأسرة الملكية الشريفة في 20 غشت 1953، اعتقادا منها بأنها بهذا الاعتداء الجائر، ستفك الميثاق التاريخي بين الحركة الوطنية ورائدها، وستفصل بين العرش والشعب وتحد من جذوة الكفاح المتقد والمتوهج.
إلا أن تداعيات هذه المؤامرة لم تزد السلطان الشرعي إلا صمودا وتمسكا بالدفاع عن مقدسات وطنه، ولم تزد المغاربة إلا قوة في النضال وتفجير طاقاتهم الثورية من أجل عودة الشرعية.
وهو ما تحقق في 16 نونبر 1955 برجوع بطل التحرير والاستقلال جلالة المغفور له محمد الخامس والأسرة الملكية الشريفة من المنفى إلى أرض الوطن، حاملا لواء الحرية والاستقلال، وهي المحطة التاريخية التي يخلد الشعب المغربي من أقصاه إلى أقصاه هذه الأيام ذكراها التاسعة والستين، في أجواء غامرة بالاعتزاز والإكبار والوفاء لقائدها الخالد بطل التحرير، ولأمجاد عيد الاستقلال.
لم يكن انتهاء عهد الحجر والحماية وبزوغ فجر الحرية والاستقلال إلا بداية لملحمة الجهاد الأكبر لبناء صروح المغرب الجديد الذي كان من أولى قضاياه ومهماته الأساسية تحرير ما تبقى من التراب الوطني من نير الاحتلال والنفوذ الأجنبي. وفي هذا المضمار، تواصلت مسيرة الكفاح الوطني وكان انطلاق طلائع وقوات جيش التحرير بالجنوب المغربي سنة 1956، تعبيرا قويا يجسد إرادة العرش والشعب في استكمال الاستقلال وتحقيق الوحدة الترابية.
وهكذا، خاض أبناء القبائل الصحراوية وإخوانهم المجاهدون الوافدون من كافة الجهات والمناطق المحررة غمار عدة معارك بطولية على امتداد ربوع الساقية الحمراء ووادي الذهب.
واكتسح أبطال جيش التحرير الربوع المجاهدة في الأجزاء المغتصبة من التراب الوطني بالأقاليم الصحراوية ليحققوا ملاحم بطولية وانتصارات باهرة لم تجد القوات الاسبانية أمامها إلا أن تتحالف مع القوات الفرنسية فيما سمي بعملية ايكوفيون.
ومن هذه المعارك البطولية، نذكر معارك الدشيرة والبلايا والمسيد وأم العشار والرغيوة واشت والسويحات ومركالة وغيرها من الوقائع التي ما من شبر بربوع الصحراء الا ويخلد ذكرها وأبطالها.
ومن معارك التحرير أيضا كان يوم 23 نونبر 1957 يوما خالدا في تاريخ المغرب، حينما انتفضت قبائل آيت باعمران ضد الوجود الأجنبي والتسلط الاستعماري، مواصلة مواقفها الوطنية لتدخل في معارك طاحنة لقنت خلالها المحتل دروسا في الوطنية والنضال والتضحية حيث شهد هذا اليوم هجومات مركزة على ستة عشر مركزا اسبانيا في آن واحد، تراجع على إثرها الإسبان إلى الوراء ليتحصنوا بمدينة سيدي إفني.
وقد دامت هذه المعارك البطولية حتى الثاني عشر من شهر دجنبر من نفس السنة، تكبدت خلالها قوات الاحتلال خسائر فادحة في الأرواح والعتاد بالرغم من قلة عدد المجاهدين الباعمرانيين ومحدودية إمكانياتهم.
ومن هذه البطولات الخالدة، نذكر معارك : تبلكوكت، بيزري، بورصاص، تيغزة، امللو، بيجارفن، سيدي محمد بن داوود، الالن تموشا، ومعركة سيدي افني، وتمكن مجاهدو قبائل آيت باعمران من إجبار القوات الاسبانية على التمركز بسيدي إفني، كما أقاموا عدة مواقع أمامية بجوار المواقع الاسبانية لكي لا يتركوا لقوات الاحتلال مجالا للتحرك.
وتواصلت مسيرة التحرير على كافة الواجهات الوطنية وفي المحافل الدبلوماسية الدولية، وظل الملك المجاهد جلالة المغفور له محمد الخامس يجاهر بحق المغرب في تحرير صحرائه، ومن ذلك خطابه التاريخي بمحاميد الغزلان في 25 فبراير 1958 حيث استقبل جلالته مجددا وفود وممثلي واعيان قبائل الصحراء الذين هبوا رغم الحصار المضروب على مناطقهم للقاء الملك المجاهد وتجديد البيعة له وتأكيد تجندهم دفاعا عن مقوماتهم وهويتهم الوطنية.
وقد عرفت سنة 1958 كسب رهان من رهانات مسيرة استكمال الوحدة الترابية تمثل في استرجاع منطقة طرفاية.
وواصل المغرب بقيادة جلالة المغفور له الحسن الثاني مسيرة التحرير بكل عزم وإيمان. وتمكنت بلادنا بفضل الالتحام الوثيق بين العرش والشعب من استعادة مدينة سيدي إفني في 30 يونيو 1969 وتكللت المساعي والتحركات النضالية بالمسيرة التاريخية الكبرى، مسيرة فتح المظفرة في 6 نونبر 1975 التي جسدت قوة التعبئة الوطنية وعمق الإيمان دفاعا عن المقدسات الدينية والثوابت الوطنية وعبقرية ملك استطاع بحكمته وحنكته وبعد نظره أن يحقق استرجاع الأجزاء المغتصبة من الوطن.
وهكذا، سارت مواكب المتطوعين والمتطوعات لتحطيم الحدود الوهمية وصلة الرحم بأبناء الوطن، وكان النصر حليف الإرادة الوطنية للمغاربة من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، لترتفع راية الوطن خفاقة في سماء العيون في 28 فبراير 1976، إيذانا بإجلاء آخر جندي أجنبي عن الصحراء المغربية. وكذلك كان يوم 14 غشت 1979 الذي تم فيه استرجاع وادي الذهب إلى الوطن محطة بارزة وحاسمة في مسلسل ملحمة الوحدة الوطنية وإنهاء فترة من التقسيم والتجزئة التي عانى منها طويلا أبناء الوطن الواحد.
وإن أسرة المقاومة وجيش التحرير وهي تستحضر بفخر واعتزاز هاتين الملحمتين التاريخيتين الغنيتين بالدروس والعبر والطافحتين بالمعاني والقيم، لتؤكد وتجدد التعبئة المستمرة والتجند الموصول لسائر فئات وشرائح المجتمع والقوى الحية والشعب المغربي قاطبة وراء صاحب الجلالة الملك محمد السادس من أجل الترافع عن قضيتنا الوطنية الأولى، قضية الوحدة الترابية، والتي دعا جلالته إلى الانتقال بها “من مرحلة التدبير إلى مرحلة التغيير”، مشدداً على أنها “القضية الأولى لجميع المغاربة”.
كما أكد جلالته في خطابه السامي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية الحادية عشرة، يوم الجمعة 11 أكتوبر 2024، في نفس المضمار: “لقد قلت، منذ اعتلائي العرش، أننا سنمر في قضية وحدتنا الترابية، من مرحلة التدبير، إلى مرحلة التغيير، داخليا وخارجيا، وفي كل أبعاد هذا الملف.
ودعوت كذلك للانتقال من مقاربة رد الفعل، إلى أخذ المبادرة، والتحلي بالحزم والاستباقية”.
وفي هذا السياق، تثمن أسرة المقاومة وجيش التحرير عاليا الانتصارات الدبلوماسية المتتالية التي حققتها بلادنا في الآونة الأخيرة تحت القيادة الحكيمة والمتبصرة لجلالته الذي يقود باقتدار وبعد نظر مسلسل تسوية النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، حيث توج هذا المسار باعتراف الولايات المتحدة الأمريكية واسبانيا ومؤخرا باعتراف كل من فرنسا وفنلندا الاسكندنافية ودولة الدومينيكان وغيرها من الدول بسيادة المغرب على كل ربوع الأقاليم الجنوبية المسترجعة. وقد أثمرت هذه الانتصارات الدبلوماسية فتح العديد من الدول قنصليات وتمثيليات لها بمدينتي العيون والداخلة بالصحراء المغربية، والتي وصل عددها إلى 30 قنصلية وتمثيلية منها 17 بمدينة الداخلة كان أخرها فتح قنصلية عامة لدولة تشاد تزامنا مع تخليد الذكرى 45 لاسترجاع إقليم وادي الذهب يوم 14 غشت 2024.