“اختيار المنتخب المغربي، لا يكون من خلال العقل، بل من خلال القلب، وفي حالتي مال قلبي، دون أي تردد نحو المغرب، كنت دائماً أشعر بنفسي مغربياً، رغم أنني ولدت هنا في هولندا، أعتقد أن الكثير من الناس لن يفهموا هذا الشعور…”.
هذا التصريح الشهير، هو لحكيم زيـاش، والذي سبق أن أجاب من خلاله ومنذ عدة سنوات، على الحملة والضغوطات التي سبق أن تعرض لها من طرف مسؤولي كرة القدم الهولندية، ومعهم الإعلام بالأراضي المنخفضة، مباشرة بعد اختياره الدفاع عن قميص بلده الأصلي…
ما قاله زياش، عبر عنه بكثير من التلقائية، نجوم آخرون لم يترددوا هم كذلك، في اختيار بلد الأم والأب والأجداد، حتى في سن مبكرة، كما هو الحال للنجم أشرف حكيمي، وعلى نفس المنوال صار جيل جديد من المواهب، يرتدون بكل افتخار القميص الوطني، كما هو الحال لباقي الفئات، ولعل أبرزهم ما قدمه الأولمبيون من عروض مبهرة بدورة باريس الأولمبية…
كل هذا وغيره كثير، إذ لا يتسع المجال لسرد العديد من الأمثلة والأسماء لكل اللاعبين واللاعبات من جل الفئات، كبارا وصغارا، ذكورا وإناثا، والذين لم يترددوا في اختيار القميص الوطني، كل هذا هو أحسن رد على تافه آخر نطق، متهما المغرب باعتماد الإغراءات المالية الضخمة من أجل استقطاب اللاعبين…
هذا التافه العاجز، ليس سوى قيس اليعقوبي، مدرب المنتخب التونسي لكرة القدم، والذي ادعى أن استقطاب المواهب لتمثيل البلدين الجارين، ويعني بهما المغرب والجزائر، ينبني على تقديم مبالغ مالية ضخمة.
والغريب أن هذا التصريح الخارج عن السياق، جاء في رد على تبرير هزيمة مدوية تلقاها المنتخب الذي يشرف على تدريبه أمام منتخب غامبيا بهدف لصفر، في الدور الأخير من تصفيات كأس إفريقيا للأمم “المغرب 2025″…
هو يسعى، ونعني به هذا القيس اليعقوبي، إلى توجيه رسالة لمسؤولي بلاده من اجل حثهم على بذل مجهود مضاعف، والبحث عن اللاعبين الحاملين للجنسية التونسية، من أجل اختيار قميص “نسور قرطاج”، وسعيه هذا يهمه، وهو شأن داخلي، لكن لماذا توجيه اتهام لمثل ناجح؟ كالمغرب الذي تحول إلى اسم مرادف للإبهار والتفوق، سواء على أرضية الملعب، كما حدث بمونديال قطر وأولمبيك باريس، أو احتضان التظاهرات الكبرى ككأس إفريقيا القادمة، وكأس العالم 2030، وباقي المواعيد الخاصة ببطولات الإناث، دون أن ننسى التنظيم الناجح لمونديال الأندية سنة 2022 في زمن قياسي، بعد عجز الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) عن إيجاد بلد جاهز لقبول هذا التحدي…
فكيف يمكن قبول تصريح خارج السياق؟ تصريح يتضمن اتهاما مجانيا، مع العلم أن الذي يغيب عن ذهن هذا المدرب من معطيات تدحض ما فاه به، أن العائدات المالية لهؤلاء النجوم الذين اختاروا حبا وطواعية الانضمام لـ “أسود الأطلس”، تقدر سنويا بالآلاف من الدولارات، بفضل العقود التي تربطهم بأشهر الأندية بالدوريات الخمس الكبرى، وأيضا بالخليج العربي…
نجوم كبار كان آخرهم النجم إبراهيم دياز، ليسوا في حاجة إلى انتظار مقابل من بلد يرتبط به وجدانيا، كل من الأم والوالد والأجداد، ولعل خير مثال على ما نقوله هو أن الأغلبية الساحقة من اللاعبين، يرفضون التوصل بمبالغ مهمة عبارة عن منح المباريات ومصروف الجيب، يتلقونها من إدارة الجامعة، ويحولونها مباشرة للمستخدمين بمراكز الإقامة والتدريب، وجزء منها يذهب لمراكز الرعاية الاجتماعية، والجمعيات الخيرية التي تعنى بالأطفال المتخلى عنهم والأيتام والأرام، والفئات المعوزة.
“جا يطبها عماها” هو مثل شعبي تونسي، متداول أيضا بنفس الصيغة تقريبا في مغربنا الحبيب، يلخص هذا الخروج الشارد لقيس، مدرب كان من المفروض أن يترفع عن إعطاء أمثلة غير صحيحة، فهو يحاول تنبيه مسؤولي بلاده إلى ضرورة بذل مجهود لتطوير كرة القدم التونسية، وهذا شأن داخلي لا يعنينا…
قيس وصف الظروف التي يجدها أي لاعب قادم من أوروبا لتونس بالقول: “اللاعب الذي يترك الرفاهية في فريقه ينتظر الرفاهية والظروف الجيّدة في المنتخب وهذا غير موجود في تونس”.
وأضاف “الأصداء التي تصل اللاعبين المحترفين ومزدوجي الجنسية عن المنتخب التونسي، غير إيجابية ولا تشجعهم على تمثيل المنتخب”.
وأكمل ”اللاعبون منزعجون جدا من الأجواء العامة في المنتخب، وكثير منهم يطرح مشاكله أمام الإطار الفني كما أن المسؤولين على وعي بهذا”.
يمكن أن يكون محقا فيما قاله، والذي يلخص أسبابا تبقى داخلية، تجعل اللاعب من أصل تونسي، لا يتشجع على تلبية الدعوة، وهنا نحليه على الظروف المثالية التي يعيشها اللاعب المغربي بجل الفئات، كلما وجهت له الدعوة من طرف إدارة الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، ظروف تضاهي ما يعيشها أو أكثر، بأكبر الأندية بعالم الاحتراف المتطور، ليس فقط على مستوى التجهيزات المتطورة والإمكانيات المتاحة، لكن أيضا فيما يخص التعامل المبني على أساليب الاحتراف والخبرة والدقة في البرامج اليومية، سواء من حيث الإقامة والتداريب والسفر، وكل هذه الشروط هي التي تجعل اللاعب يشعر بالراحة والاطمئنان…
قيس أخطأ، كما أخطأ من قبله قيس أعلى سلطة منه، لكن المؤكد أن المغرب يبقى بلدا يبني علاقاته على الاحترام والتقدير المفروض أن يكون متبادلا، لا يتدخل في الشؤون الداخلية للآخرين ويرفض أن تمس سيادته، وأن يتدخل أي كان في شؤونه، وفي قضاياه الأساسية، ولو بكلمة أو إشارة أو موقف…
ولعل التصريح الذي أجاب من خلاله وزير الخارجية ناصر بوريطة على صحفية تونسية، عندما سألته عن إمكانية تجديد العلاقة مع بلادها قال بالحرف: “انتهت علاقتنا بكم، ولا وجود لعودة العلاقات معكم…”.
>محمد الروحلي