آيت وازيك.. موقع أثري فريد يضم كنزا صخريا يعود إلى 5000 سنة قبل الميلاد

معالم وآثار من عمق المغرب

يزخر المغرب بتراث غني يعكس تعاقب الحضارات على أرضه، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. مآثره المتنوعة ومعالمه الفريدة تحكي قصص أمجاد وتاريخ حافل شكل ملامح مغرب اليوم.
في هذه الزاوية الرمضانية، تأخذكم بيان اليوم في رحلة عبر الزمن، نستكشف فيها معالم بارزة ومآثر متميزة، ليس فقط بجمالها وتفردها، بل أيضًا بما تحمله من دلالات تاريخية وثقافية. في كل حلقة، نسلط الضوء على جزء من الموروث المغربي الأصيل، بين عمران يعكس عبقرية البناء، وتقاليد تصوغ هوية الوطن، وصفحات من التاريخ صنعت أمجاد هذا البلد العريق.

يعد المغرب موطنًا لتراث طبيعي وثقافي غني، حيث تتوزع في مختلف مناطقه مواقع أثرية فريدة تحكي قصص الحضارات القديمة التي استوطنت أراضيه منذ آلاف السنين. ومن بين هذه المواقع، يبرز موقع آيت وازيك كأحد أبرز الكنوز الأثرية في الجنوب الشرقي، لما يحتويه من نقوش صخرية قديمة تعود إلى حقبة ما قبل التاريخ.
يقع هذا الموقع الاستثنائي في جهة درعة تافيلالت، شمال مدينة زاكورة، وعلى بعد حوالي 20 كيلومترًا من قرية تازارين، حيث تكشف صخوره المنحوتة عن لمحات من حياة المجتمعات التي عاشت هناك قبل آلاف السنين.
وتشتهر المنطقة المحيطة بآيت وازيك بالرسوم الصخرية الساحرة التي تعود إلى العصر الحجري الجديد. وتشير المصادر إلى أنه خلال هذه الفترة، كانت المنطقة تتميز بطبيعة سهلية شاسعة.
وتقدم الرسوم الصخرية، المنتشرة في المنطقة الصخرية، نظرة مثيرة على حياة السكان القدامى، خاصة أنشطتهم في الصيد والتعبير الفني. حيث تتراوح الصور بين مشاهد الصيد والأشكال الهندسية، مع وجود حيوانات مثل الفيلة، الزرافات، النعام، الثيران والظباء بارزة.
هذا التنوع يكشف عن تاريخ غني ومتجذر في الزمن، فالرسوم عل هذا الموقع الأثري الفريد تشهد على براعة هذه المجتمعات القديمة، التي استخدمت الأفخاخ لصيد الحيوانات، وتظهر رموزا غنية في شكل الألواح الدوارة، والأقواس المتراكمة، والدوائر.
وبالرغم من كونه لا يحظى بشهرة واسعة على الصعيد الوطني إلا أنه يعتبر واحدا من أهم مواقع الفن الصخري في المغرب، حيث يضم نقوشا صخرية يعود تاريخها إلى نحو 5000 سنة قبل الميلاد.
وتتمثل هذه النقوش، كما ذكرنا سابقاـ في مجموعة متنوعة من الرسومات المحفورة على الصخور، والتي تمثل مشاهد للحياة اليومية، وأشكالًا حيوانية مختلفة، بالإضافة إلى رموز قد تعكس معتقدات روحية أو طقوس دينية لمجتمعات ذلك الزمن.
المصادر والخبراء الذين درسوا المنطقة جيولوجيا أكدوا أنها كانت مختلفة بشكل كبير عما هي عليه اليوم، ففي تلك الفترة، لم تكن منطقة آيت وازيك كما نعرفها اليوم، بل كانت تغطيها سهول عشبية، وكان المناخ أكثر اعتدالًا، مما سمح بوجود أنواع عديدة من الحيوانات، مثل الفيلة، والزرافات، ووحيد القرن، والظباء، والسنوريات، والتي يمكن رؤية صورها منقوشة بدقة على الصخور.
ويرى الخبراء على أن الفن الصخري بهذا الموقع الفريد والمتميز بالجنوب الشرقي للمغرب يمثل شهادة على الحضارات القديمة التي كانت بالمغرب، وعلى غنى هذا البلد وتميزه عبر التاريخ.
وتذكر المصادر أن النقوش الصخرية في آيت وازيك أكثر من مجرد رسومات عابرة، فهي توثق لحظات مهمة من تاريخ البشرية، حيث تعكس أنماط الحياة، وأساليب الصيد، والتفاعل بين الإنسان والطبيعة.
وهذه النقوش التي تم تنفيذها بتقنيات الحفر والتنعيم الدقيق للصخور، تدل على تطور القدرات الإبداعية والفنية لإنسان تلك العصور، كما أنها توفر معلومات قيمة للباحثين وعلماء الآثار حول البيئة التي كانت سائدة في المنطقة.
وتشير الدراسات إلى أن هذه النقوش قد تكون جزءًا من نظام رمزي متكامل، ربما كان وسيلة للتواصل البصري أو تدوين أحداث ومعتقدات لم تترك أي سجلات كتابية. وهذا ما يجعل موقع آيت وازيك بمثابة متحف مفتوح يتيح فرصة نادرة لاستكشاف صفحات من تاريخ الإنسان الأول في المغرب.
هذا الموقع الغني والمهم في التاريخ، أضحى اليوم يواجه الكثير من التحديات، فعلى الرغم من القيمة التاريخية والأثرية لموقع آيت وازيك، فإنه يواجه العديد من الإكراهات والتحديات التي تهدد استمراريته.
من بين هذه التحديات، تآكل الصخور بسبب العوامل البيئية، بالإضافة إلى التدخلات البشرية غير المسؤولة، مثل عمليات التخريب والتوسع الزراعي. وغير ذلك، إذ تم في عام 2022، تسجيل حادثة على هذا المستوى، وذلك عقب تعرض أحد المواقع الأثرية القريبة من آيت وازيك لعملية تدمير على يد مزارع قام بتجريف الصخور الأثرية لإنشاء مزرعة للبطيخ، وهو ما يبرز الحاجة الماسة لحماية هذه الكنوز التاريخية.
وكان مجموعة من الخبراء والمهتمين قد دعوا لمجموعة من التوصيات لحماية موقع آيت وازيك والمحافظة عليه للأجيال القادمة، مشيرين إلى أنه يجب تكثيف الجهود من قبل الجهات المختصة، سواء على المستوى المحلي أو الوطني.
ويشدد الخبراء على أنه يمكن تحقيق ذلك من خلال إدراج الموقع ضمن قائمة التراث الوطني، وتوفير الحماية القانونية له، إضافة إلى تعزيز التوعية المجتمعية بأهميته الثقافية والتاريخية. بالإضافة إلى ضرورة تطوير برامج سياحية مستدامة يمكن من خلالها المساهمة في جذب الزوار والباحثين، مما يساعد في تمويل مشروعات الترميم والحفظ.
هذا ويظل موقع آيت وازيك شاهدا حيا على الحضارات التي ازدهرت في المغرب منذ آلاف السنين، وحلقة وصل بين الماضي والحاضر، والتفكير للمستقبل، واليوم من الضروري الحفاظ على هذا التراث الثمين الذي هو مسؤولية جماعية تتطلب جهودًا متضافرة من الباحثين، والمؤرخين، والسلطات المحلية، والمجتمع المدني. ومع الاهتمام الكافي، يمكن لهذا الموقع الفريد أن يواصل سرد قصص أجدادنا المنقوشة على الصخور، وأن يظل مصدر إلهام للأجيال القادمة.

  إعداد: محمد توفيق أمزيان

Top