أية كلفة للديمقراطية؟ ميزانية البرلمان أنموذجا

كثيرا ما يتحدث الرأي العام عن التعويضات التي يتلاقاها البرلمانيون لقاء قيامهم بمهامهم التمثيلية في المؤسسة التشريعية، ويقارنون حصيلة ومستوى أدائهم مع هذه المبالغ المالية التي يتقاضونها، وهي التعويضات التي يحدد نظامها المرسوم الملكي رقم 1.46.65 الصادر بتاريخ 8 أبريل 1965. الا أن المهتمين بالشأن البرلماني من إعلاميين وباحثين وخبراء، قليلا ما يولون كبير اهتمام إلى المسار والتحولات التي شهدتها هذه التعويضات التي لم تكن بين سنتي 1963 و1965 تتعدى مبلغ 3000 درهم  خلال أول تجربة برلمانية يعرفها المغرب المستقل، بعدما عرف تجربة المجلس الوطني الاستشاري برئاسة المهدي بن بركة. ومع الولاية التشريعية الثانية التي استمرت سنتين ( 1970- 1972 ) أصبح كل برلماني يتوصل بمبلغ 4000 درهم، الى أن عرفت هذه التعويضات ارتفاعا صاروخيا سنة   1977 تاريخ انطلاق الولاية التشريعية الثالثة، حيث بلغت  10000 درهم،  أي بزيادة وصلت 120 في المائة، لترتفع إلى 16000 درهم قبل نهاية هذه الولاية سنة 1983. وسجلت السنة التشريعية 1990– 1991 هذه التعويضات البرلمانية أكبر ارتفاع لها، إذ وصلت إلى 30000 درهم، وظلت محافظة على نفس المقدار خلال الولاية التشريعية الخامسة والسادسة وبداية الولاية السابعة.  الا أنه والى حدود السنة التشريعية 2004 – 2005 أضيفت للمبلغ السابق 6000 درهم، لتصبح ” مستحقات” البرلماني الواحد ما مجموعه 36000 درهم.غير أنه تجدر الإشارة الى هذه التعويضات المرصودة الي البرلمانيين، لا توازى البتة الكلفة المالية للبرلمان بغرفتيه على امتداد التجربة التشريعية منذ أول برلمان مغربي سنة 1963 وذلك استنادا التقرير المتعلق بكلفة البرلمان لمختلف الولايات التشريعية، إذ تتضمن هذه الكلفة الإجمالية، في هذا السياق، تعويضات وامتيازات البرلمانيين وأجور الموظفين وميزانية التسيير التي المندرجة في الميزانية العامة.فمنذ ولايته التشريعية الأولى وإلى غاية الولاية العاشرة، فقد أنفق علي البرلمان ما مجموعه 14.722.969.330 درهم، تتوزع حسب كلفة كل ولاية تشريعية على حدة في ما يلى: 1. الولاية التشريعية الأولى 1963/1965، رصد مبلغ 35.723.186درهم  لغرفتي البرلمان (264 عضوا: مجلسي النواب 144 عضوا المستشارين  120 عضوا). وإذا ما قسمنا المبلغ المرصود لهذه الولاية، نجد أن كل برلماني كلف “135.315 د خلال مدة انتدابه”، أي “67.657 درهم في السنة” أي “5.638 درهم” شهريا. 2. رصدت لمجلس النواب خلال الولاية التشريعية الثانية 1970/1972، الذي كان يتكون من 240 نائب، مبلغ: 31.733.380 درهم. فكل نائب كلف الخزينة “132.222 درهم” أي “66.111 د” في السنة، بمعدل  “5.509 د” شهريا. 3. كما رصدت لمجلس النواب في ست سنوات خلال الولاية التشريعية الثالثة 1977/1983، والذي كان يتكون من 264 نائب مبلغ: 246.320.498 درهم. فكل نائب كلف “933.032 درهم” خلال مدة انتدابه، أي “155.505 درهم” في السنة، بمعدل  “12.958 د” في الشهر.4. ورصد لمجلس النواب في ثمان سنوات خلال الولاية التشريعية الرابعة 1984/1992، والذي كان يتكون من 306 نائب، مبلغ: 947.453.395 د.  إذا قسم هذا المبلغ على 306 نائب، نجد أن كل نائب كلف الخزينة العامة “3.096.252 د” خلال مدة انتدابه، أي “387.031 د” في السنة، بواقع  “32.252 درهم” في الشهر.5. 936.334.00 د هو المبلغ الذى رصد لمجلس النواب في أربع سنوات مدة الولاية التشريعية الخامسة 1993/1997، والذي كان يتكون من 333 نائب. فكل نائب كلف خزينة الدولة “2.811.813 د” خلال مدة انتدابه، أي “702.953 د” في السنة، بمتوسط “58.579 د” في الشهر.6. وخلال الولاية التشريعية السادسة 1997/2002 رصد للبرلمان بغرفتيه في خمس سنوات ، الذي كان يتكون من مجلس النواب  (325 عضوا)، ومجلس المستشارين ( 270 عضوا )، مبلغا ب 2.134.244.000 د. وهكذا كلف البرلمان “3.586.964 د” خلال مدة انتدابه، أي “717.392 د” في السنة، بمعدل ” 59.782″ د في الشهر.7. كما رصد للبرلمان بغرفتيه خلال الولاية التشريعية السابعة 2002/2007، والذي كان يتكون فيه مجلس النواب من 325 عضوا، ومجلس المستشارين 270 عضوا مبلغا ب: 2.242.208.000 د. فبرلماني واحد، كلف الدولة “3.768.416 درهم” خلال مدة انتدابه، أي “753.683 د” في السنة، أي بواقع  “62.806 د” في الشهر.8. ورصدت للبرلمان بغرفتيه في أربع سنوات خلال الولاية التشريعية الثامنة 2007/2011، والذي كان يتكون فيه مجلس النواب من 325 عضوا و270 عضوا بمجلس المستشارين، مبلغ: 2.019.114.000 د. فكل برلماني كلف ميزانية “3.393.468 د” خلال مدة انتدابه، أي “848.367 د” في السنة، بمعدل “70.697 د” في الشهر.9. رصدت للبرلمان في خمس سنوات للبرلمان بغرفتيه خلال الولاية التشريعية التاسعة 2011/2016، والذي جاء بعد دستور 2011، وتكون مجلس النواب من 395 مقعدا، و120 عضوا بمجلس المستشارين، ليكون المجموع: 515 برلماني، رصد لبرلماني هذه الولاية مبلغ: 3.431.068.000 د حيث كلف برلماني واحد “6.662.267 “د، أي “1.332.453 د” في السنة، بمتوسط “111.037 د” في الشهر.10. فخلال الولاية التشريعية العاشرة  الحالية 2016/2021، تم رصد للبرلمان بغرفتيه، (مجلس النواب  395 مقعدا، و120 عضوا بمجلس المستشارين، مبلغا قدره 3.964.828.000 د. إذا قسمنا هذا المبلغ على 515 مجموع أعضاء البرلمان، نجد أن كل واحد منهم سيكلف “7.698.695 د” عند انتهاء مدة انتدابه، أي “1.539.739 د” في السنة، بمعدل”128.311 د” في الشهر.وفي قراءة أولية لهذه المعطيات، يلاحظ أن هذه المبالغ  المرصودة، تتميز بالخصوص بارتفاعها بمتواليات هندسية على مر الولايات التشريعية العشر، إذ أن كلفة البرلماني الواحد ارتفعت من 5.638 درهم في الشهر بالنسبة للولاية التشريعية الأولى، إلى 128.311 درهم خلال الولاية التشريعية الحالية. وكمثال على ذلك، نشير الى  أن الميزانية المرصودة للبرلمان الحالي برسم السنة الجارية تتوزع على عدة أبواب، وتتضمن بالخصوص: 
01) تعويضات ممثلة للمصاريف النواب:192.000.000 02) تعويض عن استعمال السيارة الشخصية لحاجات المصلحة: 2.620.00004) معاونة مؤقتة:5.000.000 08) أموال الديوان:2.000.000 09) مصاريف التأمين:10.000.000 11) صيانة وإصلاح المباني الإدارية: 1.300.000 12) مصاريف الأمن والحراسة والتنظيف: 3.800.000 14) رسوم ومستحقات المواصلات اللاسلكية: 5.900.00015) مستحقات الماء والكهرباء:3.300.00018) شراء لوازم المكتب والأوراق والمطبوعات:1.000.000 20) صيانة وإصلاح العتاد التقني والكهربائي والإلكتروني:1.500.000 22) لوازم العتاد التقني والمعلوماتي: 2.300.000 24) شراء الوقود والزيوت:8.000.000 27) نقل النواب داخل المغرب:3.800.000 31) المساهمة في الأعمال الاجتماعية لمجلس النواب:3.500.000 32) اشتراك وتوثيق:1.200.000 34) مساعدة لفائدة الفرق والمجموعات النيابية: 11.360.000 35) نقل النواب إلى الخارج: 3.360.000 37) تعويضات المهمة بالخارج لفائدة النواب:3.620.000 39) اكتراء السيارات لفائدة النواب: 950.000 40) الفندقة، الإيواء، الإطعام ومصاريف الاستقبال:  4.240.000 42) شراء الهدايا المقدمة للوفود البرلمانية الأجنبية: 410.000 43) طبع ومصاريف النشر والترجمة والإعلان:1.800.000 
لذا يكون من حق الرأي العام الوطني، في ظل دستور 2011، أن يتساءل عن مدى ملائمة هذه المبالغ المرصودة الى البرلمان، مع الأدوار التي قام بها وتقوم بها ساكنة المؤسسة التشريعية منذ أول تجربة له الى الآن؟ أم لازال بنفس نظرة المغفور له الحسن الثاني الذى كان قد خاطب البرلمانيين في 29 مارس 1965عقب الأحداث الدامية التي عرفتها الدار البيضاء: “أقول لكم أيها النواب، وأقول لكم أيها المنتخبون، إنكم متشبثون بالحصانة فقط، ومتشبثون بما تتقاضونه كل شهر من الدولة، أطلب منكم أن يكون لكم ضمير مهني كاف لكي تعطوا لتلك الدولة، وذلك الشعب المقابل للشيء الذي تتقاضونه”.
 

 بقلم: عبد الحي بنيس 

 رئيس المركز المغربي لحفظ ذاكرة البرلمان

Related posts

Top