دعت أمينة بوعياش رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، البرلمان المغربي إلى التجاوب مع نبض المجتمع وتطلعاته، وذلك من خلال الإسراع بإخراج قانون المسطرة الجنائية وقانون المسطرة المدنية ومدونة الأسرة، باعتبارها نصوص تشكل الأساس القانوني لتأطير مختلف العلاقات داخل المجتمع.
وأعربت أمينة بوعياش خلال تقديمها للتقرير السنوي للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، أول أمس الأربعاء بمقر المجلس بالرباط، (أعربت) عن أملها في أن يكون لأصوات المجتمع المتعددة الداعية لإصلاح تشريعي فعلي، صدى داخل البرلمان، مشيرة إلى أن تلك القوانين لها دور أساسي وحاسم في توطيد دولة الحق والقانون وترسيخها، خاصة فيما يتعلق بإصلاح السياسة الجنائية باعتبارها سياسة لحماية الحريات والحقوق وإقرار المساواة بين النساء والرجال.
كما دعت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، السلطات العمومية إلى إعادة ترتيب أولويات السياسات العمومية، في مجالات التعليم، والصحة والحماية الاجتماعية، بالنظر إلى التحديات التي وصفتها بـ”المركبة” و”الشائكة” والتي تتداخل فيها بحسبها إكراهات الظرفية الدولية بتلك الخاصة بالسياق الوطني.
وفي نظر بوعياش، فإن القضايا المرتبطة بإشكاليات المساواة وحقوق المرأة، وتعزيز ضمانات حرية التعبير، اكتست زخما جديدا، على ضوء التحديات الجديدة التي أصبحت تفرضها التكنولوجيات الرقمية، وما يترتب عن ذلك من امتداد من الفضاء العمومي الواقعي إلى الفضاء العمومي الافتراضي كحاضن أساسي متجدد لممارسة حرية التعبير.
كما شددت أمينة بوعياش على أهمية تدبير ما وصفتها بـ”التحديات الناشئة”، والتي قالت “إنها فرضت نفسها خلال هذه السنة” على غرار حماية الحق في الماء وتدبير آثار التغيرات المناخية، والبحث عن الحلول الملائمة لمعالجة آثار التضخم على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى الطابع الملح لتسريع الإصلاح الجبائي لتعزيز دور الضريبة في تمويل هذه الحقوق وتصحيح التفاوتات الاجتماعية.
وكشفت بوعياش عن حجم تزايد الشكايات والطلبات التي توصل بها المجلس الوطني لحقوق الإنسان ولجانه الجهوية خلال سنة 2022، حيث بلغت ما مجموعه 3245 شكاية، منها 1233 شكاية تلقتها المصالح المركزية للمجلس، و1895 توصلت بها اللجان الجهوية، في حين، تضيف المتحدثة، توصلت الآلية الوطنية للتظلم الخاصة بالأطفال ضحايا انتهاكات حقوق الطفل بما مجموعه 70 شكاية وطلب، بينما تلقت الآلية الوطنية الخاصة بحماية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة 47 شكاية وطلب، مشيرة إلى أن هذا العدد عرف زيادة بنسبة 7.52% مقارنة مع العدد الإجمالي للشكايات التي توصل بها المجلس سنة 2021.
وسجل التقرير السنوي لوضعية حقوق الإنسان بالمغرب، “ارتفاع وتيرة لجوء الأفراد والمجموعات للتشكي لدى اللجان الجهوية كآليات انتصاف على المستوى المحلي، لأهمية دورها الحمائي” تقول بوعياش التي أكدت كذلك على أنه تم تسجيل تزايد نسبة الشكايات المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، كمؤشر على حجم التحديات التي يواجهها الأفراد في الولوج إلى الخدمات الأساسية المرتبطة بهذه الحقوق وتزايد الشكايات المتعلقة بالحق في بيئة نظيفة ومستدامة والحق في الماء، وهو ما يمكن تفسيره بحسب المتحدثة، بالأوضاع الصعبة المرتبطة بحالة الإجهاد المائي غير المسبوق الذي عرفته البلاد سنة 2022.
وأوردت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أن التقرير السنوي سجل استمرار إصدار أحكام بعقوبة الإعدام، رغم التنصيص الدستوري على الحق في الحياة وعدم المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، مشيرة إلى أنه تم رصد ثلاثة أحكام جديدة سنة 2022.
وفي الوقت الذي ذكرت فيه بوعياش بأن 213 محكوما بالإعدام استفادوا من العفو الملكي منذ سنة 2000 إلى غاية نهاية 2022، أوضحت أن عدد المحكومين بالإعدام، حتى نهاية 2022 بلغ ما مجموعه 83 شخصا، حسب المعطيات الواردة على المجلس؛ وصدرت أحكام نهائية في حق 54 منهم، وأحكام ابتدائية في حق 14 شخصا، في حين أن 15 شخصا هم محكومون استئنافيا.
وسجل التقرير وفق ما أوردته رئيسة المجلس، استمرار التحديات التي تقف في وجه التفعيل الكامل لحقوق الفئات الهشة، إما بسبب غياب إطار تشريعي يضمن الحماية القانونية لحقوقهم مثل حالة الأشخاص المسنين، وإما بسبب غياب سياسات عمومية مرتكزة على حقوق الإنسان، كما هو الشأن بالنسبة للمصابين بأمراض عقلية أو ضحايا الاتجار بالبشر، وإما بسبب واقع لم نستطع تجاوزه، مثل النسب العالية للاكتظاظ المسجلة في المؤسسات السجنية والتي تؤثر على التمتع بباقي حقوق الساكنة السجنية.
وبخصوص ممارسة الحق في التجمعات والتظاهرات الاحتجاجية، سجل التقرير ما مجموعه 11874، تظاهرة احتجاجية، قالت بوعياش “إن معظمها اتسمت بطابع السلمية، كما أن تعبئة المشاركين في أغلبها انطلقت من شبكات التواصل الاجتماعي”، مشيرة في سياق متصل إلى أنه تم تسجيل متابعة أشخاص أو إدانة بعضهم بعقوبات سالبة للحرية بسبب نشر مضامين في الفضاء الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي.
وأوضحت بهذا الخصوص أن المجلس أكد في توصياته على ضرورة اعتماد “قانون حرية تداول المعلومات” وهي التوصية التي قدمها المجلس في رأيه الذي أحاله على الحكومة، باعتباره مدخلا أساسيا لمعالجة العديد من الإشكاليات التي أصبحت تطرحها الأشكال الجديدة لممارسة حرية التعبير في العالم الافتراضي.
يقدم التقرير السنوي للمجلس الوطني لحقوق الإنسان المعنون بـ “إعادة ترتيب الأولويات لتعزيز حقوق الإنسان” معطيات دقيقة وموضوعية تمكن القارئ والمهتم، تقول أمينة بوعياش “من تقييم تطور حقوق الإنسان بالمملكة والنقاش الجدي والتعددي من قبل كافة المتدخلين بشأن المكتسبات التي تتوسع لتعزيز حماية حقوق الإنسان وكذا التحديات التي تعترض التمتع الفعلي بالحقوق والحريات”.
كما تضمن التقرير السنوي عن حالة حقوق الإنسان 2022 ما مجموعه 249 توصية، موضوعاتية أو عامة، من بينها 87 توصية صادرة عن الآليات الوطنية الثلاث، و41 توصية مهيكلة، وهي توصيات موجهة إلى السلطات العمومية وتتعلق بالممارسة الاتفاقية لبلادنا وتفاعلها مع المنظومة الدولية لحقوق الإنسان، وبالإطار القانوني والمؤسساتي، وبالسياسات العمومية والبرامج والممارسات.
محمد حجيوي