حضت الولايات المتحدة الاثنين البرلمان اللبناني على انتخاب رئيس للجمهورية بعد مرور ستة أشهر على شغور المنصب الأول في هذا البلد الغارق في جمود سياسي وأزمة اقتصادية طاحنة.
وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر في بيان إن “الولايات المتحدة تدعو القيادات السياسية في لبنان للتحرك بشكل عاجل لانتخاب رئيس لتوحيد البلاد وإقرار الإصلاحات المطلوبة على وجه السرعة لإنقاذ الاقتصاد من أزمته”.
أضاف “على قادة لبنان عدم وضع مصالحهم وطموحاتهم الشخصية فوق مصالح بلدهم وشعبهم”.
وتتولى حكومة تصريف أعمال بصلاحيات محدودة إدارة البلد منذ أيار/مايو العام الماضي، في أعقاب انتخابات نيابية لم تفرز غالبية واضحة لأي طرف.
ومنذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون نهاية تشرين أكتوبر، فشل البرلمان اللبناني 11 مرة في انتخاب خلف له جراء انقسامات سياسية عميقة.
وأعلن حزب الله الذي يتمتع بهيمنة على الحياة السياسية في لبنان دعمه مع حلفائه لوصول النائب والوزير السابق سليمان فرنجية المقرب من سوريا الى سدة الرئاسة في لبنان.
وكان الأمين العام للحزب حسن نصرالله قد صر ح في نوفمبر أنه يريد من أي رئيس يتم اختياره أن يكون “غير خاضع للولايات المتحدة” و”مطمئن للمقاومة”، في حين كان نوابه يصوتون بأوراق بيضاء خلال جلسات انتخاب الرئيس.
كما دعا وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان الأسبوع الماضي خلال زيارته لبنان إلى “تسريع انتخاب رئيس وإتمام العملية السياسية في هذا البلد الهام في المنطقة”.
وعقد ممثلو خمس دول معنية بالشأن اللبناني بينها فرنسا والولايات المتحدة والسعودية اجتماعا في باريس في فبراير من أجل مناقشة الوضع في لبنان، من دون تحقيق أي تقد م.
وأعرب ميلر في البيان عن “اعتقاد الولايات المتحدة بأن لبنان يحتاج إلى رئيس متحرر من الفساد وقادر على توحيد البلاد (…) وتنفيذ إصلاحات اقتصادية أساسية على رأسها تلك المطلوبة لتأمين اتفاق على برنامج مع صندوق النقد الدولي”.
وأكد ميلر في البيان أن “الحلول لأزمات لبنان السياسية والاقتصادية يمكن أن تأتي فقط من داخل لبنان وليس المجتمع الدولي”.
ويعيش لبنان أسوأ أزماته الاقتصادية منذ الانهيار المالي عام 2019 في ظل مأزق سياسي عميق.
فقد ذكر البنك الدولي أن لبنان سجل أعلى نسبة تضخم اسمية في أسعار الغذاء ضمن الترتيب العالمي، وذلك بمعدل 261 في المائة في ارتفاع مؤشر غلاء منظومة الغذاء، كنسبة تغير سنوية للفترة بين نهاية فبراير الماضي، والشهر ذاته من العام 2022.
وأوضح البنك الدولي، في أحدث تقاريره عن الأمن الغذائي حول العالم، أنه فيما خص نسبة التضخ م الحقيقي ، فقد تم رصد ارتفاع التغي ر السنوي في أسعار الغذاء بلبنان بنسبة 71 في المائة خلال فترة المقارنة، تبعته زيمبابوي بنسبة 40 في المائة، ورواندا بنسبة 32 في المائة، ومصر بنسبة 30 في المائة، مشيرا الى أن نسب التضخ م ترتكز على أحدث الأرقام الفصلية والمحققة بنهاية الفصل الأول من العام الحالي، وضمن جدول يضم البلدان التي أنجزت أرقام نسب تضخ م أسعار الغذاء ونسب التضخم الإجمالية.
وفي تقرير منفصل عن الفقر، نبه البنك الدولي إلى أن الحالة الاقتصادية في لبنان تتدهور بشكل سريع، بحيث إن سعر صرف العملة الوطنية مقابل الدولار الأميركي يتم تداوله عند نحو 100 ألف ليرة للدولار الواحد، أي ما يعكس تراجعا في سعر الصرف بنسبة 98 في المائة عما كان عليه قبل اندلاع الأزمة في الفصل الأخير من عام 2019.
ولاحظ أن عدم التوصل إلى حل لمسألة خسائر القطاع المالي المقدرة بنحو 72 مليار دولار، أي أكثر من 3 أضعاف الناتج المحل ي الإجمالي، يعم ق من أثر الأزمة، مع العلم بأن الفقراء كانوا الأكثر تأثرا بالأزمة، بحيث أظهرت استطلاعات ميدانية حديثة استمرار ارتفاع نسبة الفقر، حيث إن 3 من بين كل 5 أسر يصن فون أنفسهم فقراء أو فقراء جدا، لا سيما بينهم الذين لا يتلقون تحويلات من الخارج. وفي حين تراجعت مستويات البطالة، فإن غالبي ة الأشخاص أصبحوا يعملون في وظائف ذات جودة منخفضة.
وتوقع البنك الدولي انكماش الاقتصاد في لبنان بنسبة 0.5 في المائة بنهاية العام الحالي، بعدما تقلصت نسبة الانكماش 2.6 في المائة بنهاية العام الماضي، وبخلاف التوقعات السابقة بتسجيل تراجع في النمو بنسبة 5.4 في المائة، وذلك بنتيجة تسجيل أداء أفضل من المتوق ع لبعض المؤش رات الاقتصادي ة كالقطاع السياحي.
وبحسب برنامج الغذاء العالمي، ومع استمرار الأزمة الاقتصادي ة ومواصلة ارتفاع أسعار الغذاء، فمن المتوق ع أن يؤث ر انعدام الأمن الغذائي على نحو 1.46 مليون لبناني، ونحو 800 ألف لاجئ مع نهاية الشهر الحالي. وهذا ما تترجمه مساهمة نسبة تضخ م أسعار الغذاء في لبنان وحدها بحصة 40 في المائة من الارتفاع في مؤش ر تضخ م الأسعار في الشهر الأول من العام الحالي.
ويشهد لبنان منذ العام 2009 أزمة مالية واقتصادية حادة صنفها البنك الدولي على أنها واحدة من أسوأ الأزمات بالعالم منذ منتصف القرن الماضي.