مشروع إعادة الإعمار في المناطق التي ضربها زلزال الحوز مفتوح الآن. والاجتماع الذي ترأسه صاحب الجلالة يوم 14 شتنبر حدد خطوطه العريضة، خصوصا فيما يتعلق بإعادة إسكان المواطنين المتضررين. فعلى سبيل التذكير تم تقديم مساعدة مالية مباشرة بقيمة 140.000 درهم للمساكن التي انهارت بشكل تام و80.000 درهم لتغطية أشغال إعادة تأهيل المساكن التي انهارت جزئيا. وفي المجمل، ووفقا للتقديرات الأولية، فالأمر يتعلق بـ 50 ألف منزل. ولكن قبل ذلك، سيكون من الضروري إجراء عمليات قبلية للخبرة وتثبيت الأراضي، كما أشار إلى ذلك البلاغ الصادر عن الديوان الملكي.
ومع ذلك، فإن إعادة الإيواء ليست سوى جزء من إعادة الإعمار الذي يشمل جوانب أخرى ضرورية للغاية لخلق بيئة مستدامة وإطار ملائم لحياة المواطنين بغية استئناف النشاط. وهذا يعني أنه مشروع عملاق، لن يجرؤ أحد على تقدير تكلفته في الوقت الحالي، حتى لو كانت تقريبية. إذ لاتزال البيانات المتاحة في الوقت الحاضر جزئية وغير دقيقة. وسوف يستغرق الأمر بعض الوقت لتقييم جميع الخسائر التي تم تكبدها، ولكن قبل كل شيء لتقييم احتياجات السكان المعنيين. ولا بد من التأكيد على مسألة أساسية: إعادة الإعمار لا تختزل في إعادة إنتاج مماثلة للوضعية السائدة قبل الزلزال. إنه عمل يندرج في إطار دينامية اجتماعية وتاريخية تهدف إلى تصحيح نقائص الماضي، واستدراك الوقت الضائع في مجال التنمية من أجل الارتقاء بهذه المناطق. وهذا أحد الدروس المستفادة من كل تجارب إعادة الإعمار أينما حدثت.
إلا أن هذه الاعتبارات المنهجية تم وضعها جانبًا تمامًا من قبل بعض وسائل الإعلام المعتمدة على اجترار المعلومات، وبعض المعلقين الذين نصبوا أنفسهم “كخبراء” في هذا الموضوع. وهكذا، سارعوا إلى تقدير تكلفة إعادة الإعمار كما وردت لدى معهد المسح الجيولوجي الأمريكي، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء التحقق من المصدر لمعرفة بماذا يتعلق الأمر بالضبط! ماذا يقول معهد المسح الجيولوجي الأمريكي؟ لقد قدر تقريبياً الخسائر المادية الناجمة عن الزلزال بما يتراوح بين مليار دولار و10 مليارات دولار، أي ما يعادل 8% من الناتج الداخلي الإجمالي! وكما أعلن، فإن هذا التقدير ليس واقعيا ولا قيمة له. علاوة على ذلك، لا نرى كيف كان بإمكان هذا المعهد أن يقوم بتقدير حجم الأضرار في أعقاب الزلزال؟ (حيث تم نشر البيانات على الموقع في 9 شتنبر). ولو كان معلّقونا قد بذلوا عناء التحقق من المعلومات، لكانوا أدركوا ذلك مرة أخرى من خلال قراءة الإشارة التالية في أعلى الصفحة “البيانات أدناه لم تتم مراجعتها من قبل عالم”. مما يعني أنه لم يتم التحقق من صحتها. على أية حال، لا نقوم أبدًا بإجراء تقدير بـ “هامش” يتراوح بين 1 و10!
ويجري الآن العمل على تقدير الخسائر وتكاليف إعادة الإعمار. وسنحصل على النتائج في الأيام المقبلة. وإذا كان من السهل تحديد الخسائر، فإن تكاليف إعادة الإعمار تتطلب، من ناحية أخرى، دراسات مسبقة وتحكيمات أساسية تتعلق بنوع السكن الذي سيتم بناؤه، والبنية التحتية التي سيتم تشييدها، والنشاط الذي سيتم تطويره. ويجب أن تستند مثل هذه القرارات إلى معايير موضوعية وأن تكون موضوع مشاورات ديمقراطية مع الأشخاص المعنيين. وكما أشرنا إلى ذلك سابقاً، فإن تكاليف إعادة الإعمار ستكون بحكم طبيعتها أكبر من الأضرار والخسائر المتكبدة، باستثناء الخسائر البشرية التي لا تقدر بثمن. إن إعادة إعمار هذه المنطقة، التي تعد من بين أفقر المناطق في البلاد من حيث نصيب الفرد من الناتج الداخلي الإجمالي ومؤشر التنمية البشرية، هي فرصة لتعويض الأضرار الملحقة بالساكنة على مدى عقود. وهذه فرصة أيضا لدمجها في الدينامية التي تعيشها بلادنا اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا. هذه هي اللحظة المناسبة لجعل هذه المحنة التي أصابتنا جميعا كمغاربة، فرصة للنظر بجدية في وضعية السكان الفقراء والمهمشين، وإشراكهم في تنمية البلاد والسماح لهم بالاستفادة من ثرواته. إن موجة التضامن التي تشهدها بلادنا لمساعدة مواطنينا في مناطق الكوارث يجب ألا تتوقف. ويجب مأسستها من خلال وضع سياسات عمومية ملائمة.
والآن، دعونا نسجل بارتياح التقدم الذي أحرزته عملية التضامن، لا سيما من خلال التبرعات إلى “الصندوق الخاص بتدبير الآثار المترتبة على الزلزال”. وبنفس الارتياح، تلقينا الخبر السار المتمثل في استئناف الدراسة في هذه المناطق المتضررة من الزلزال من خلال نصب الخيام كقاعات دراسية، ونقل عدد معين من تلاميذ المدارس إلى مراكش. إنها أفضل طريقة لمواصلة الحياة، حتى في ظل المعاناة! في انتظار أيام أجمل.
بقلم عبد السلام الصديقي
ترجمه للعربية عبد العزيز بودرة