يعتبر القرار الأخير الذي أصدرته الحكومة المغربية، بداية يونيو الجاري، والقاضي بإعادة فتح المراكز الثقافية ودور السينما وغيرها من الفضاءات والقاعات، بنسبة حضور لا تقل عن 50 في المائة، هو قرار متأخر جدا، وينم عن عدم وعي الحكومة المغربية بأهمية الثقافة، وجهلها التام بالدور الذي تلعبه.. فقبل أكثر من شهرين، طالبت وزارة الثقافة الفرق المسرحية بتقديم عروضها المدعمة أمام الكراسي الفارغة، والاكتفاء بتصويرها، وبث دقائق منها على منصات التواصل الاجتماعي الخاصة بالمراكز الثقافية، بتواطئ من الفنانين، والفرق الفنية، وبعد ما طالب عشرات الفنانين قرابة سنة من الآن، بفتح المسارح، وأطلقوا هاشتاغ #إفتحو_المسارح، وغيرها من أشكال النضال الإلكتروني، لإعطاء الانطلاقة للحياة الثقافية، أعلنت الحكومة، مؤخرا، أنها ستشرع في افتتاح دور الثقافة، والقاعات وغيرها.. هذه القرارات المتأخرة، الممزوجة بالارتجالية، لا يتقبلها العقل ولا المنطق، هذا الارتجال الحاصل الذي تتخبط فيه الحكومة، مفاده أنها لا تضع الثقافة في الحسبان، ولا تعير اهتماما للشغيلة الفنية.
كما يدل هذا القرار الأخير للحكومة، على غياب سياسة ثقافية في توجهاتها العامة، في غياب تام للوزارة (غير) الوصية على القطاع، التي لا تظهر إلا في خرجات إلكترونية محتشمة، لإسكات بعض الأصوات، مكتفية بالبلاغات المشتركة، أو الفردية، والتي لا يطلع عليها حتى من قام برقنها.
هذا الأمر لن يمر على الوطن مرور الكرام، وإنما ستظهر مخرجاته مع الوقت، قرابة العامين، والمغرب بدون ثقافة، لا مجال لكي نكذب على أنفسنا ونقول إن العروض المسرحية عن بعد، أو المعارض التشكيلية الافتراضية، أو الحفلات والمهرجانات، والندوات والقراءات الشعرية عبر تقنية الزوم وغيرها، أو مشاهدة الأفلام في شاشة الحاسوب، ستلبي حاجيات الفرد الثقافية والفكرية، لا يا سادة، لقد ارتكبت الحكومة جرما في حق الجمهور، والمثقفين، والفنانين، والمبدعين، ومنظمي الحفلات والتظاهرات، لقد ساهمت الحكومة بإغلاقها المسارح ودور العرض والقاعات، خلال كل هذه المدة، في تفشي البطالة في صفوف الفنانين والعاملين في الحفلات والسهرات، وساهمت أيضا في تعميق الفجوة بين الفنان والجمهور.. وإذا كان الوضع الثقافي أصلا مهترئا، ويعاني من عدة تصدعات، فإن الحكومة، بفعل الإغلاق، زادت الطينة بلة، وزادت من تعميق الأزمة.. فعندما نرى شخصا يعترض «ترامواي»، وآخر ينام في السكة الحديدية، وأخرى تنشر روتينها اليومي، وآخرون يرقصون على «الواي الواي» في تيكتوك، فلا مجال لإلقاء اللوم على هذه الفئة، في غياب المراكز الثقافية ودور الشباب، التي قد تساهم في إنقاذ مئات وآلاف الشباب من هاته الانزلاقات الواقعية والافتراضية في مختلف ربوع الوطن.
بسبب قرار الحكومة، استبدل هذا الجيل، الثقافة بالتفاهة، وأصبح يمارس سلوكات شاذة، فعندما نرى غياب الوعي لدى الناشئة، يجب علينا أن ندرك أن السبب في ذلك هو غياب الحضور الثقافي، في الأحياء الهامشية على الخصوص، وتجريد دور الشباب من الدور الذي كانت تلعبه في الماضي، خصوصا مع فروع الجمعيات الوطنية، ناهيك عن الشأن الرياضي، الذي لا يقل أهمية عن الثقافي، لأن الأول يغذي البدن والثاني يغذي الفكر، فالوسائل موجودة، والبنايات متاحة، فقط يلزمها وضع سياسة وخطة ثقافية، وفق استراتيجية محكمة لتثمين الثقافة والفنون وتقريبها من المواطن.
بقلم: محمد العلمي
باحث في الثقافة والإعلام