الحوار الديمقراطي

أعلن مثقفون وباحثون وإعلاميون مغاربة، السبت الماضي بالرباط، عن تأسيس «ملتقى الحوار الديمقراطي»، وقد شهد الجمع العام التأسيسي حضور عشرات الفاعلين الجمعويين ونشطاء حقوق الإنسان، بالإضافة إلى سياسيين من حساسيات ديمقراطية مختلفة.
يهدف الملتقى المذكور، بحسب منظميه، إلى تنمية النقاش العمومي حول مختلف قضايا الشأن العام، فضلا على أنه يتطلع إلى أن يكون فضاء تواصليا وتفاعليا بين كل الحساسيات السياسية وتيارات الفكر في بلادنا، شرط أن تكون ملتزمة بأخلاقيات الحوار الديمقراطي.
بداية، إن المبادرة تستحق فعلا التنويه والتشجيع، لكن شريطة الابتعاد عن جرها إلى منغلقات الاصطفاف الحزبي، وبالتالي من الضروري الدفع، من خلالها، إلى تقوية الحوار والتواصل بين كل الهيئات الحزبية وغيرها، سعيا للوصول إلى أرضيات مشتركة في إطار الاختلاف والتعدد والاحترام المتبادل.
في مغرب ما بعد دستور فاتح يوليوز2011، سجل المواطنون وأغلب المراقبين لشؤون بلادنا أن التوتر هو السمة الغالبة لحياتنا الحزبية والسياسية والبرلمانية، وأن أحدا لم يكن يريد الإنصات لأحد، فضلا على انغماس أطراف حزبية وسياسية في «الحساب بوحدها»، دون أن تنتبه إلى بقية الحكاية، أي إلى ما يقع لمن يحسب لوحده، كما ورد في المأثور الدارج، وكل هذا جر ممارستنا الحزبية والمؤسساتية إلى كثير من الاصطدام والتوتر، وإلى انتفاء الأخلاق والاحترام.
اليوم، يمكن لكيان مدني مثل «ملتقى الحوار الديمقراطي»، أن يمثل فرصة لاستعادة حوار سياسي وفكري وثقافي ثري ومنتج، ومن شأنه تعزيز أرضية لقاء مشترك بين حساسيات وتيارات فكر مختلفة.
البلاد اليوم في حاجة ماسة إلى تجاوز حالة التوتر القائمة بين أطراف حقلنا الحزبي والسياسي، والخروج من حالة الانتظارية التي لا تخلو من تداعيات سلبية على الاقتصاد والمجتمع، ومن ثم ترسيخ حوار عقلاني ينتج الأفكار والرؤى، ويطرح الحلول والبدائل، ويفتح باب الأمل أمام شعبنا وشبابنا.
المثقفون والأدباء والمفكرون والشعراء والفنانون يفترض أن يقودوا عمليات التفكير وإنتاج الآراء للمستقبل، وليس لعب دور التابع والمفسر لكلام الآخرين، أو أن يكونوا مجرد رجع صدى لخطاب السياسيين، ولهذا، فعندما يبادر بعضهم اليوم إلى تشكيل «ملتقى الحوار الديمقراطي»، فيجب الإصرار على أفق مفتوح وحر، بدل الدوران في حلقة التعصب الحزبي ضيقة الاتساع والنظر والمدى.
في كل الأحوال، المبادرة إيجابية، والإصرار مطلوب لكي ينتظم التفكير في السياق المغربي المختلف كثيرا عما تعرضه لنا يوميا جغرافيات المشرق العربي، كما أن الفعل يكتسي في واقعنا الوطني اليوم طبيعة الاستعجال، ويتطلب مبادرات عملية لإحداث الأثر، ولكي يكون الحكم حينها على الأفعال وليس على الأقوال والنوايا.
بالتوفيق.

[email protected]

Top