الخدمات الاجتماعية العمالية..المعايير الدولية والعربية والتشريع الوطني والواقع

يقصد بالخدمات الاجتماعية مختلف أشكال الرعاية التي تقدمها العديد من الجهات منها المرافق العمومية الاجتماعية وجمعيات المجتمع المدني ودور المسنين حديثا والكنائس والمساجد والزوايا ومؤسسات الأعمال الخيرية قديما. وتتعايش المؤسسات الحديثة التي تدبر مؤسسات السياسات الاجتماعية والمؤسسات التقليدية في تقديم الخدمات الاجتماعية للفئات المعوزة. ويشمل مفهوم الخدمات الاجتماعية العديد من الخدمات منها الرعاية الصحية والنفسية والتغذية والترفيه. والنقل. وإذا كانت الخدمات الاجتماعية تستهدف بالخصوص الفئات المعوزة، فإن أصنافا منها تعتبر عامة ويمكن الاستفادة منها من . طرف الجميع .
لقد امتدت الخدمات الاجتماعية إلى عالم الشغل وتطورت نتيجة الدور الذي قامت به مؤسسات التأمينات الاجتماعية من جهة، وداخل المقاولات في إطار التعاون بين أصحاب العمل والعمال من جهة أخرى. وعلى إثر ذلك، برز مفهوم “الخدمات الاجتماعية العمالية”، والتي يطلق عليه أيضا “الأعمال الاجتماعية” و”الرعاية الاجتماعية”. ويختلف مدلول الخدمات الاجتماعية من مجتمع لآخر وذلك وفقا للعادات الاجتماعية المتنوعة ومستوى التصنيع وتوفر الإمكانيات. ويرى الكثير، أن مفهوم هذه الخدمات لا يشمل ما تنص عليه التشريعات في هذا المجال لأن الرعاية الاجتماعية لا تشمل الخدمات الإلزامية بل تضم مختلف الخدمات المقدمة من طرف المقاولات. وللتذكير فقد شرعت المقاولات في تقديم الخدمات للعمال بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية وكان لمنظمة العمل الدولية ولمنظمة العمل العربية تأثير على الخدمات الاجتماعية سواء للعمال أو لغيرهم كالأطفال والنساء والمسنين. واعتمدتا هاتين المنظمتين معايير حول موضوع الخدمات الاجتماعية.
تعرف اتفاقية الشغل العربية رقم 16 “الخدمات الاجتماعية بكونها تشمل “خدمات التغذية والإسكان والانتقال وتنظيم أوقات الفراغ والتثقيف ودور الحضانة والتعاونيات والخدمات الصحية، وغيرها من الخدمات التي ترفع من المستوى الصحي والثقافي للعمال، والتي تيسر التكيف بين العامل والبيئة التي يعمل فيها، بما يحقق الصالح المشترك لكل من العامل والمنشأة والمجتمع”. أما توصية الشغل الدولية رقم 102 لسنة 1956، بشأن “تسهيلات رعاية العمال” فلم تعط أي تعريف لمفهوم الخدمات الاجتماعية بل اكتفت بسرد مختلف الخدمات التي يمكن تقديمها.
ويرمي توفير الخدمات الاجتماعية لفائدة العمال إلى رفع مستوى القوى العاملة وتحسين العلاقات المهنية وظروف العمل بما يعود على المشغلين والأجراء بالتحفيز والرعاية ورفع الإنتاجية وكرامة الإنسان والتخفيف من الأعباء الاجتماعية والعائلية وضمان الاستقرار النفسي والاجتماعي. 
وبعد ما اكتست الخدمات الاجتماعية طابعا دينيا واجتماعيا، برزت في “نهاية القرن الثامن عشر (…) حركة للرعاية الاجتماعية في الأعمال التجارية، وكان رجال الأعمال يقدمون إلى العمال مجموعة من البرامج والخدمات ليساعدوهم على اجتياز مشكلاتهم التي تعوق تكيفهم مع الحياة، وفي نهاية هذا القرن بدأت تنمو حركة الرعاية العمالية. وبحلول سنة 1926 كان أكثر من 80% من الشركات في الولايات المتحدة تطبق نمطا واحدا على الأقل من برامج الرعاية الاجتماعية”.
لقد تطورت الخدمات الاجتماعية تماشيا مع ازدهار المقاولات الإنتاجية ونمو حجمها وتزايد عدد عمالها من جهة وتبعا لمطالب الحركة العمالية والنقابية بإقرار هذه الخدمات. وتدخل المشرع الدولي والوطني لتكريسها ولوضع إطار قانوني أو معياري لتنظيمها وتدبيرها.
وفي ظل ظروف العمل الصعبة وما ينتج عنها من مشاكل تخص النقل والتغذية والصحة والترفيه الخ، أصبحت الخدمات الاجتماعية موضوع المطالب العمالية والتفاوض والحوار الاجتماعي. وفي هذا الإطار تدخل المشرع لتنظيم العديد منها أهمها الرعاية الصحية والحضانة والمقتصديات والتعاضديات. وترك للمفاوضة الجماعية إمكانية دراسة مختلف الخدمات الممكن تنظيمها داخل المقاولات عبر اتفاقيات الشغل الجماعية وأشراك النقابات العمالية تدبيرها.
لقد سبق لمعايير العمل الدولية والعربية أن تضمنت آليات ترمي إلى النهوض بالخدمات الاجتماعية العمالية. وفي هذا الشأن، تم اعتماد توصية الشغل الدولية رقم (102) لسنة 1956 حول “تسهيلات رعاية العمال”.
والاتفاقية العربية رقم (16) لسنة 1983 بشأن”الخدمات الاجتماعية العمالية” والتوصية العربية رقم (6) المعتمدة نفس السنة المرتبطة بها. وللتذكير، فإن اتفاقية الشغل العربية رقم (1) بشأن مستويات العمل العربية لسنة 1966 جعلت عبر مادتها 6 من بين الموضوعات الأساسية التي يجب أن يتضمنها التشريع “الرعاية الاجتماعية” الشيء الذي تنص عليه أيضا الاتفاقية العربية رقم (6) المتعلقة بـ “مستويات العمل العربية” لسنة 1976 معدلة.
ورغم قدمها، فإن هذه المعايير لا زالت تشكل أيضا لإعداد وتدبير وتفيد برامج الخدمات الاجتماعية خاصة وأن التشريعات الرسمية والتعاقدية تساهم بدورها في هذا المضمار وأن الحوار الاجتماعي واتفاقيات الشغل تعمل بدورها على تطوير هذه الخدمات الاجتماعية.
وبالنسبة لمفهوم الخدمات الاجتماعية، فقد يضيق أو يتوسع حسب التشريعات والممارسة. فهناك تشريعات اقتصرت على ذكر مفهوم الخدمات الاجتماعية دون تنظيمها وهناك أخرى تنظم هذا الموضوع تشريعا أو عن طريق الاتفاقيات الجماعية. وهكذا تتباين مواقف التشريعات الوطنية والتعاقدية. إزاء الخدمات الاجتماعية العمالية.
ووفق ما هو متعارف عليه، فإنه لا يدخل في نطاق الخدمات الاجتماعية كل ما ينص عليه التشريع الاجتماعي من خدمات بل يشمل مفهوم هذه الخدمات تلك التي تقدمها الشركات لفائدة أجرائها مباشرة أو بتعاون وتمويل وتدبير مشترك مع الهيئات التمثيلية العمالية. وقد تندرج هذه الخدمات في مجال المسؤولية الاجتماعية للمقاولات أو تكون مصدر اتفاقيات شغل جماعية وبرتوكولات.

القسم الأول: معايير العمل الدولية والعربية والخدمات الاجتماعية

اهتمت معايير العمل الدولية والعربية بالخدمات الاجتماعية ووضعت لها إطارا عاما يتضمن المبادئ وأنواع الخدمات وكيفية تدبيرها وتنظيمها. وفي هذا المجال المعياري، فقد اكتفت منظمة العمل الدولية باعتماد توصيتين للشغل هما التوصية رقم (102) لسنة 1956 حول “تسهيلات رعاية العمال والتوصية رقم 115 لسنة 1961 حول إسكان العمال. ومن جهتها خصصت منظمة العمل العربية خصصت لها الاتفاقية العربية رقم (16) لسنة 1983 بشأن “الخدمات الاجتماعية العمالية” والتوصية العربية رقم (6) لسنة 1983 المرتبطة والمعتمدة أيضا في نفس السنة.
تعتبر التوصيتان الدولتان للشغل102  و115 الآليتين الأساسيتين المتعلقتين بالخدمات الاجتماعية، الأولى تهم الخدمات الخاصة بالتغذية وتسهيلات الراحة والنقل والترفيه في حين تخص الثانية مساكن الأجراء فقط.
المطلب الأول: توصية الشغل الدولية رقم 102 حول الخدمات الاجتماعية
تهدف التوصية الدولية للشغل رقم 102 إلى تشجيع إقرار تسهيلات رعاية العمال دون إعطاء تعريف كيفي لمفهوم هذه الرعاية. ويشمل مجال تطبيق هذه التوصية “العمال اليدويين وغير اليدويين المستخدمين في منشئات عامة أو خاصة، باستثناء عمال الزراعة والنقل البحري”.
وتوضح هذه التوصية أن رعاية العمال يمكن أن تتم بواسطة الوسائل التالية:
– التشريع الوطني،
– أي طريقة أخرى تقرها السلطة العمومية المختصة؛
– الاتفاقيات الجماعية أو أي وسيلة أخرى يعتمدها المشغلون والعمال.
في القسم الثالث، تطرقت الوصية غلى موضوع “تسهيلات التغذية” والتي تشمل المقاصف (les
Cantines) والبوفيهات والعربات (les buffets et services ambulants) وغرف الميس غيرها من الغرف المناسبة،(réfectoires et autres locaux appropriés) والمقاصف المتنقلة (les cantines mobiles) وتسهيلات أخرى، (autres services). أما القسم الرابع فقد خصص لـ”تسهيلات الراحة” من خلال توفير المقاعد وغرف الراحة، في حين أن القسم الثامن يخص “تسهيلات الترفيه” والثامن ينظم “تسهيلات النقل”.

1) الخدمات الاجتماعية المتضمنة في التوصية
تشمل الخدمات الاجتماعية لفائدة العمال حسب منظور التوصية الدولية أربعة أنواع وهي:
التغذية والراحة والترفيه والنقل.
أ) التغذية
– المقاصف
في المحور الثالث الفقرة 4 من التوصية رقم 102تم التنصيص على أن “تقام مقاصف تقدم وجبات مناسبة داخل المنشأة أو بجوارها حيثما يكون ذلك مرعوبا مع مراعاة عدد العمال المستخدمين في المنشأة، والطلب على مثل هذه التسهيلات واحتمالات استخدامها، وعدم توافر تسهيلات مناسبة أخرى للحصول على الوجبات، وأي ظروف أخرى ذات الصلة”.
ووفق تصور هذه التوصية، يمكن إقامة المقاصف بقوانين أو بمقتضى اتفاق جماعي أو بأي طريقة أخرى تحدد بين أصحاب العمل والعمال المعنيين. يمكن تدبير هذه المقاصف من طرف لجان تحدث لهذا الغرض.
– البوفيهات والعربات
تقترح التوصية، بالنسبة للمقاولات التي ليست في حاجة للمقاصف توفير كلما كان ذلك ضروريا وعمليا “بوفيهات وعربات تبيع العمال وجبات مغلفة أو سريعة والشاي والقهوة واللبن وغيرها من المشروبات” ويتعين توفر بعض هذه التسهيلات لا في منتصف اليوم أو في الفترات بين النوبات فقط، بل كذلك أثناء فترات الراحة والتوقف المعترف بها.
– غرف الميس وغيرها من الغرف المناسبة
تحث التوصية في الحالات التي لا يكون ضروريا بالنسبة للمقاولات إقامة مقاصف وعند الضرورة التي توجد فيها مثل هذه المقاصف، توفر غرف لكي يقوم العمال بإعداد وجباتهم بأنفسهم أو تسخينها وتناولها.
يجب أن تتوفر هذه الغرف على الشروط الصحية والمواصفات الآتية:
الملاءمة مع المناخ لإزالة آثار البرودة والسخونة،
التهوية والإضاءة الكافيتين والمناسبتين،
الموائد والكراسي الكافية،
وسائل تسخين الطعام،
التوفر على الماء الصالح للشرب،
– المقاصف المتنقلة
يستحسن توفير المقاصف المتنقلة في المقاولات التي يكون فيها العمال موزعين على عدة فروع أو أماكن عمل واسعة ومتباعدة ولا تتوفر على وسائل أخرى للتغذية. وتقوم هذه المقاصف المتنقلة ببيع الوجبات الغذائية المناسبة للعمال.
وتنص التوصية أيضا على تزويد العمال المشتغلين بالتناوب (les travailleurs par roulement) بتسهيلات للحصول على الوجبات الغدائية والمشروبات الكافية في أوقات مناسبة.
وختاما تحث التوصية على اتخاذ التدابير الضرورية لضمان تسهيلات خاصة بشراء المواد الغدائية والوجبات المناسبة في مواقع العمل التي لا توجد بها تسهيلات في مجال التغذية. ويمكن أن تشكل المقتصديات العمالية أخرى الأساليب لتحقيق هذا الهدف.
ب) الراحة
تشمل التسهيلات الخاصة بوسائل الراحة المقاعد وغرف الراحة والترفيه. وفي هذا الإطار تؤكد التوصية على أهمية توفر المقاعد وصيانتها لاستخدامها خاصة من طرف النساء والشباب وبالأساس في الأماكن التي يمكن أن تجري نسبة كبيرة من أي عمل فيها جلوسا.
ومن الأنسب أن تكون هذه المقاعد ملاءمة لمتطلبات الأركنوميا (ergonomie).
أما فيما يخص غرف الراحة فتنص التوصية على أن “توفر للعمال في المنشآت (….) غرفة راحة حيثما يكون ذلك مرغوبا مع مراعاة طبيعة العمل وأي ظروف أخرى ذات صلة. وتوفر بوجه خاص غرف راحة لتلبية احتياجات العاملات، والعمال المشتغلين بعمل شاق أو خاص يتطلب راحة مؤقتة أثناء ساعات العمل، أو العمال المستخدمين في نوبات متقطعة”. تستعمل هذه الغرف لإزالة متاعب البرودة أو الحرارة وكقاعة جلوس.
ج) الترفيه
تدعو التوصية إلى اتخاذ التدابير المناسبة لتشجيع تسهيلات الترفيه داخل المقاولات أو بجوارها كالقيام بأنشطة رياضية أو رحلات أو سهرات موسيقية والأسفار. ويساعد الترفيه على التخلص من التوتر والقلق وتحسين المزاج المهني ويساهم في التوفيق بين التوازن في الحياة المهنية والشخصية من جهة، وبين كثافة العمل وإكراهاته والولاء للوظيفة من جهة أخرى.
د) النقل
يجد العمال صعوبات كبيرة في التنقل إلى العمل ذهابا وإيابا سواء بسبب عدم كفاية خدمات النقل العام أو الخاص أو عدم تناسبه مع أوقات العمل بالمقاولات أو نتيجة ارتفاع تكاليفه واختناقات المرور. لذا يتعين على المقاولات توفير وسائل للنقل يمكن أن يساهم فيها العمال نقدا وذلك باتفاق بين أصحاب العمل والعمال.

2) إدارة وتدبير الخدمات الاجتماعية
تتميز مواقف التوصية الدولية للشغل بالمرونة اتجاه كيفية تدبير الرعاية الاجتماعية، إذ تنص على اختلاف الطرق وفق عادات البلد أو تماشيا مع الترتيبات التي يخول بموجبها لهيئات خاصة بالمسؤولية العامة عن الخدمات الاجتماعية. وانطلاقا من هذا التصور، تقترح التوصية.
إمكانية إقامة هذا التجبير عن طريق عمل تطوعي أو حكومي أو عن طريق أي أسلوب آخر مناسب. وتختلف أساليب وآليات إدارة وتدبير الخدمات الاجتماعية العمالية منها لجن المصانع المقامة بمقتضى قانون أو بواسطة اللجوء إلى خدمات متعهدي التوريد ولجن تعنى بالترفيه أو المقاصف أو الترفيه يتم التشاور بشأنها بين أصحاب العمل والعمال للإشراف على مختلف الخدمات الاجتماعية.

3) تمويل الخدمات الاجتماعية
ترى التوصية في الفقرة 25 على أنه “يمكن أن يمارس تمويل تسهيلات التغذية والترفيه المقدمة بطرق مختلفة بما يتفق مع عادات البلد أو الموقع المعني، أو مع الترتيبات التي يعهد بمقتضاها لهيئات خاصة بالمسؤولية العامة عن تسهيل الرعاية الاجتماعية”. وتقترح هذه التوصية عدة أشكال يمكن مراعاتها من طرف السلطة العامة وأصحاب العمل والعمال.
وبالنسبة لتمويل التغذية، يمول المشغل تكاليف بناء العقار أو استئجاره ومصاريف المعدات والأثاث ونفقات الصيانة. وفي المقابل يدفع العمال الذين يستخدمون خدمات التغذية أثمان الوجبات والمواد الأخرى المقدمة. وتضع التوصية على عاتق المشغل أو العمال دفع ثمن الوجبات وغيرها من المواد الغذائية ومصاريف أداء أجور العاملين بمصلحة التغذية والتأمين عنهم.
وفيما يخص تمويل الترفيه، ارتأت التوصية أن يمول المشغل مقرات الترفيه وتجهيزاتها في حين يمول العمال تكاليف الإدارة اليومية والمعدات القابلة للاستهلاك وذلك بواسطة الاشتراكات أو بوسائل أخرى.
وحول تمويل النقل العمالي، تشير التوصية في فقرتها 33 على أن “تدفع علاوات انتقال لعمالي المنشأة، بالاتفاق بين صاحب العمل والعمال المعنيين، حيثما تكون تسهيلات النقل العام غير كافية أو غير عملية، وكبديل لقيام المنشأة بنفسها بتوفير النقل”.
وهكذا يتضح، من خلال دراسة هذه التوصية أنها تغطي الخدمات الاجتماعية العمالية المتعلقة بالتغذية والراحة والنقل والترفيه وتؤطر مصادر التمويل وكيفيات وأساليب الإسراف والإدارة والتدبير لهذه الخدمات دون التطرق إلى موضوع السكن العمالي الذي شكل موضوع التوصية الدولية للشغل رقم 115.

المطلب الثاني: التوصية رقم 115 حول إسكان العمال
اعتمد مؤتمر العمل الدولي خلال دورته الخامسة والأربعين برسم سنة 1961 هذه التوصية وذلك تجسيدا لمبادئ منظمة العمل الدولية وللحقوق المتضمنة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. تعني هذه التوصية إسكان العمال بغض النظر سواء كانو عمالا يدويين أو غير يدويين وتحدد بالأساس، أهداف سياسة الإسكان الوطنية ودور السلطات العمومية والمساكن التي يوفرها أصحاب العمل والتمويل وتقدم اقتراحات مرتبطة بأساليب التطبيق.

1) أهداف سياسة الإسكان
تنص التوصية على أن “يكون من أهداف السياسة الوطنية تشجيع بناء المساكن وما يرتبط بها من تسهيلات محلية، في إطار سياسة الإسكان العامة، بغية ضمان توفير إسكان لائق ومناسب وبيئة معيشة ملائمة لكل العمال وأسرهم. ويولى قدر من الأولوية لمن يعانون حاجة ملحة”. وتضيف التوصية إيلاء الاهتمام كذلك لصيانة وتحسين وتحديث المساكن القائمة وما يرتبط بها من تسهيلات محلية. وحفاظا على الطابع المعيشي للأجر، يكون الهدف هو ألا يكلف المسكن المناسب اللائق، العامل أكثر من نسبة معقولة، سواء في شكل إيجار أو في شكل أقساط لشراء السكن. وينبغي أن يكون ممكنا لكل أسرة الحصول على مسكن مستقل مكتفي بذاته إن رغبت في ذلك.
2) دور السلطات العامة
تشمل مهام وأدوار السلطات العامة المعنية بقطاع الإسكان دراسة وتقييم حاجيات العمال في مجالات الإسكان وما يرتبط بها من تسهيلات محلية، ووضع برامج إسكان العمال والتنسيق بين مختلف الموارد العامة والخاصة لتوفيرها من أجل السكن العمال كما تقوم بالبحث عن اقتناء الأراضي وإقرار التخفيضات الضريبية وإقرار التخفيضات الضريبية وتسهيل شروط الحصول على القروض.

3) التمويل
في مجال التمويل، يتعين على السلطة الحكومية اتخاذ التدابير الضرورية لضمان إنجاز برامج الإسكان العمالي وأن تقدم التسهيلات للحصول على القروض بأسعار منخفضة. وتشمل هذه التسهيلات أيضا المساعدة المالية المباشرة الغير مباشرة والامتيازات الضريبية وتسهيل الحصول على القروض العامة أو الخاصة. ويمكن تشجيع اللجوء إلى جمعيات الإسكان التعاونية لتخفيض التكاليف وتنسيق الجهود. وبعد تقديم مضامين معايير العمل الدولية، سنتطرق لأحكام آليات العمل العربية ذات الصلة، أي الاتفاقية العربية رقم 16 والتوصية رقم 6 حول “الخدمات الاجتماعية العمالية”.

المطلب الثالث: الاتفاقية العربية رقم 16 والتوصية رقم 6
تسري أحكام معايير العمل العربية المتعلقة بالخدمات الاجتماعية على جميع العمال والقطاعات الخاضعة لتشريع الشغل والضمان الاجتماعي، أي يقصي أولئك المشتغلين في القطاع غير المهيكل. ويجوز تطبيقها تدريجيا وذلك وفق التطور الاقتصادي للقطر المعني.
تميز الاتفاقية الخدمات الاجتماعية عن تلك التي تنظمها قوانين قائمة بدأتها وقواعد مستقلة كتلك التي تقدمها التأمينات الاجتماعية/ الضمان الاجتماعي. وترمي الاتفاقية التي تعتبر مقتضياتها بمثابة حد أدنى، إلى السعي إلى رفع المستوى العمالي الصحي والاجتماعي والثقافي.
تحدد الاتفاقية مضامين الخدمات الاجتماعية وتتطرق بالأساس إلى الجهات الملزمة بتوفير الخدمات العمالية والإدارة والتمويل والخدمات التي تقدمها منظمات العمال وتنظيم الخدمات الاجتماعية العمالية والإشراف عليها. كما أن التوصية رقم 6 المرتبطة لها، توضح وتكمل وتفصل في كيفية أعمال كثير من مقتضيات الاتفاقية.

1) المقاولات الملزمة بتقديم الخدمات الاجتماعية
تلزم الاتفاقية في مادتها 8 المقاولات الكبرى التي تحدد بقرار وزيري لتقديم الخدمات الاجتماعية الآتية:
– إقامة مطعم لتوفير وجبات غذائية ملائمة وأثمان مخفضة ومناسبة وبدون ربح؛
– إنشاء دار للحضانة تلبي كافة الشروط الصحية والفنية والتربوية التي تحددها الجهة المختصة. وفي هذا الإطار، تسرد المادة 17 من التوصية العربية رقم 6 السالفة الذكر أهم الشروط التي يجب أن تتوفر عليها دور الحضانة منها القرب من مكان العمل وتوفر الشروط الصحية في البناء والتأثيث والتجهيز بشكل ملائم وتوفر وسائل النظافة وأسرة للنوم.
– إقامة نادي للعمال للتسلية والترفيه عن طريق برامج ثقافية ورياضية واجتماعية.
– ضمان وسائل النقل للعمال من أماكن التجمع وإلى أماكن العمل، ذهابا وإيابا وخاصة إذا كانت المقاولة توجد في موقع لا تصله وسائل النقل. وطبقا للمادة 11 من الاتفاقية تتحمل المقاولة مصاريف إقامة المقرات الخاصة بالخدمات الاجتماعية ونفقات تشغيلها. ويجوز أن يتحمل العمال قسطا من نفقات الخدمات مقابل الاستفادة منها.
وبالنسبة للخدمات الاجتماعية المقاولات المتواجدة في المناطق البعيدة عن العمران والنائية كالمناجم والمقالع ومراكز التنقيب عن البترول، تلزمها المادة 16 من الاتفاقية بالإضافة إلى الخدمات السالفة الذكر، بتوفير الخدمات الآتية:
– توفير المساكن الملائمة للعمال وتخصيص بعضها للمتزوجين منهم.
– إقامة تعاونية استهلاكية لتوريد حاجيات العمال من أطعمة وملابس وأدوات منزلية وغيرها من السلع الضرورية بأسعار مخفضة.
– إنشاء مدارس ابتدائية مجانية في المناطق البعيدة عن العمران التي لا تتوفر بها الخدمات التعليمية تخصص لأبناء عمال هذه الشركات.
تنص الاتفاقية في مادتها 18 على إمكانية استثناء المقاولات الصغرى من توفير الخدمات الاجتماعية المشار إليها في المادة 16 السالفة الذكر، ما عدا السكن والتغذية شريطة أداء بدل نقدي عنهما.
وتجدر الإشارة إلى أن التوصية رقم 6 حددت المواصفات التي يجب أن تتوفر في مساكن العمال كشروط الصحة والتهوية والإنارة (المادة 13) وشروط توفير وسائل النقل (المادة 15) منها وسائل الوقاية والعدد الكافي من المقاعد والفحص الدوري للسيارات وشروط تقديم خدمات التنمية (المادة 14).

2) دور المنظمات النقابية في تطوير الخدمات الاجتماعية
أناطت الاتفاقية عبر مادتها 19 التنظيمات العمالية في إطار هياكلها المحلية ووفق قوانينها الداخلية بدور مهم في مجال الخدمات الاجتماعية. ولهذا الغرض، يمكن للنقابات أن توفر لأعضائها أو لأفراد أسرهم الخدمات الآتية:
– إنشاء صندوق ادخار ومساعدة يساهم فيه أعضاء النقابة ليؤدي لهم أو لأفراد أسرهم مساعدات في حالة الزواج أو العجز أو الوفاة أو الحاجة لنفقات تعليم من يعيله العضو المنخرط.
– تأسيس جمعيات تعاونية وبالخصوص تعاونيات استهلاكية وتعاونيات سكنية وتعاونيات لتوفير وسائل النقل من وإلى أماكن العمال.
– إقامة مكتب توظيف يقوم باستقبال الأعضاء العاطلين عن العمل، والسعي لتأمين الوظائف والأعمال التي تناسب مؤهلاتهم وكفاءتهم المهنية وذلك بدون مقابل.
– إنشاء مكتب استشاري لتقديم المشورة القانونية والمساعدات القضائية التي يحتاج إليها أي عضو من أعضاء النقابة.
– إعداد برامج دراسية لمحاربة الأمية وتثقيف العمال وتدريبهم مهنيا.
– إقامة مستوصف لعلاج أفراد أسر العمال لتقديم خدمات صحية وطبية في حالة عدم توافرها.
ولتدبير وتمويل هذه الخدمات، تنص المادة 20 من الاتفاقية على مساهمة الدولة وأصحاب الأعمال لنشاط النقابة تحدد بقوانين. كما تنص المادة 21 على أن “تخصص النقابة نسبة كافية من إيراداتها لتمويل الخدمات الاجتماعية التي تقوم بها. وعلى مستوى التدبير، تفرض المادة 21 على النقابة “تكوين لجنة من بين أعضائها لإدارة كل نشاط من الأنشطة السابقة” مع إمكانية الاستعانة بأخصائيين من غير أعضائها. وهكذا، يتضح أنه يمكن للمنظمات النقابية العمالية انطلاقا من هذه المرجعية المعيارية أن تنهض بالخدمات الاجتماعية سواء بطريقة مباشرة أي أن تقوم بتنظيم خدمات اجتماعية متنوعة لفائدة منخرطيها أو في إطار مشاركتها في إعداد وتنفيذ وتدبير الأعمال الاجتماعية التي تنظم عبر اتفاق يبرم بين صاحب العمل والعمال.

3) إدارة وتنظيم الخدمات الاجتماعية
على مستوى التنظيم، تنص المادة 9 من الاتفاقية على إنشاء داخل كل مقاولة كبيرة قسما يعهد إليه بتتبع الخدمات الاجتماعية تحت إشراف مشرف اجتماعي يقوم بوضع برامج اجتماعية وبرامج لرعاية الأحداث والنساء والأشخاص المعاقين. وتتم في إعداد وتخطيط هذه البرامج مراعاة الحاجيات وظروف العمل وإعمار الأجراء واهتماماتهم ومستوياتهم.
وتوضح التوصية عبر المادة 3 مهام هدا القسم كما يلي:
– دراسة أحوال العمال بالمقاولة والتعرف على ظروف العمل بها وعلى الاحتياجات العمالية.
– التخطيط للخدمات الاجتماعية للعاملين بتعاون مع إدارة المقاولة.
– مساعدة الإدارة في توفير الخدمات الاجتماعية وتوعية العمال بكيفية الاستفادة منها.
– الاهتمام ببعض الفئات العمالية التي تستوجب ظروفها الصحية والنفسية عناية خاصة كالعمال الجدد والأحداث والنساء والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة والمسنين والأطفال وتنظيم الخدمات الاجتماعية الواجب توفرها لهم.
– جمع الإحصائيات ومختلف المعطيات المرتبطة بالخدمات الاجتماعية وتقييم مدى انعكاساتها على الاستقرار الاجتماعي والنفسية للأجراء ووقعها على الإنتاجية وفعالية ونجاعة المقاولة.
ولتدبير الخدمات بطرقة تشاركية وديمقراطية، تنص المادة 10 على تكوين “لجنة للخدمات الاجتماعية العمالية” تضم ممثلين عن العمال ومندوبين عن الإدارة لدراسة ومناقشة واعتماد البرامج التي يعدها قسم الخدمات الاجتماعية.
وفي هذا الإطار، توضح المادة 4 من التوصية تكوين هذه اللجنة اذ تشمل مندوبين عن العمال ورؤساء المشروعات الاجتماعية الموجودة والمسؤول عن قسم الخدمات الاجتماعية يكون مقررا للجنة. ويرأس هذه اللجنة مدير عام المقاولة.

4) آليات النهوض بالخدمات الاجتماعية خارج المقاولات
تتضمن الاتفاقية عدة آليات ترمي إلى النهوض بالخدمات الاجتماعية وهي: “مجلس أعلى للخدمات الاجتماعية العمالية” وصناديق التمويل وإدارة مركزية داخل وزارة العمل.
– المجاس الأعلى للخدمات الاجتماعية العمالية
تنص المادة 23 من الاتفاقية على أنه “ينشأ حيثما أمكن في كل دولة مجلس أعلى للخدمات الاجتماعية العمالية يترأسه الوزير المكلف بالشغل وعضوية الكتاب العامين المعنيين وممثلين عن منظمات أصحاب العمل وممثلين عن النقابات ومدير الإدارة المركزية للخدمات الاجتماعية. ويعهد بصفة عامة لهذا المجلس باقتراح السياسة العامة للخدمات الاجتماعية والقيام بالمهام الآتية:
* دراسة المشروعات العامة المتعلقة بالخدمات الاجتماعية العمالية.
* التنسيق بين المشروعات المقترحة بما يمنع تكرارها ويضمن عدالة توزيعها.
* اعتماد النظم والقواعد التي تكفل رعاية القوى العاملة، والعمل على نشر الوعي العام في مجال الخدمات الاجتماعية العمالية.
ويحدث المجلس فروعا جهوية للخدمات الاجتماعية بالمناطق الصناعية أو التجارية أو الخدماتية وذلك للقيام بالمهام الآتية:
* القيام بدراسات عن احتياجات المنطقة من الخدمات ذات الطابع المحلي.
* بحث قضايا الخدمات الاجتماعية للعمال في هذه المناطق وتنفيذ المقترحات المقدمة لمعالجتها.
* توفير منشئات الخدمات الاجتماعية التي تحتاجها المناطق.
– صناديق التمويل
تنص الاتفاقية بالنسبة للمقاولات الصغرى غير ملزمة بتوفير الخدمات الاجتماعية العمالية المنصوص عليها في المادة 8 على تحديد مناطق التجمع الصناعي أو التجاري أو الخدماتي وإنشاء صندوق أو أكثر للخدمات الاجتماعية تشارك فيه هذه الفئة من المقاولات.
وطبقا للمادة 13 يقدم هذا الصندوق لعمال هذه المقاولات الصغيرة وأفراد أسرهم الخدمات الآتية وهي:
* إنشاء مركز اجتماعي لإعداد العمال إعدادا سليما من النواحي الرياضية والاجتماعية والثقافية وغيرها من الخدمات.
* إنشاء دار الحضانة لأطفال العاملات الذين تتراوح أعمارهم بين ثلاثة أشهر وست سنوات، لرعاية هؤلاء الأطفال أثناء أوقات عمل أمهاتهم.
* الاستعانة بفريق من الأخصائيين الاجتماعيين لزيارة المقاولات الصناعية الموجودة بالمنطقة، ودراسة مشاكل العمال الفردية التي تحال إليهم، وتقديم المشورة للحالات التي تستدعي علاجا اجتماعيا، والعمل على مساعدتهم في حلها، وكذلك توجيه العمال وحثهم على الاستفادة من المنشأت، كل حسب ظروفه وحالته الخاصة.
يمول هذا الصندوق من الموارد الآتية من مساهمة أصحاب الأعمال والعمال بنسبة مئوية من أجور العمال والإعانة التي تقدمها السلطة العامة والرسوم الرمزية التي يؤديها المستفيدون من الخدمات المقدمة والتبرعات التي يوافق عليها المجلس. يدار هذا الصندوق من طرف مجلس مكون من ممثلين عن وزارات الخدمات ومنظمات كل من أصحاب الأعمال والعمال في المنطقة ويتولى رئاسة المجلس ممثل الوزارة المكلفة بمسائل العمل.
– الإدارة المركزية للخدمات الاجتماعية داخل إدارة العمل
سعيا للنهوض بالخدمات الاجتماعية ودراستها وتطويرها وتتبعها، تنص الاتفاقية في المادة 24 على إحداث داخل المنظومة المؤسساتية لوزارة العمل”إدارة مركزية للخدمات الاجتماعية العمالية”، كما تنشأ لها فروع في مختلف المناطق اللازمة.
وتحدد هذه المادة مهام هذه الإدارة فيما يلي:
* إعداد البحوث والدراسات في مجال الخدمات الاجتماعية للعمال بهدف الارتقاء بمستوى هذه الخدمات،
* التعاون مع الأجهزة المعنية بهدف تنسيق الخدمات العمالية التي تقدمها مختلف الجهات،
* الإشراف على تطبيق التشريعات الخاصة بالخدمات الاجتماعية العمالية ومعاونة المقاولات على الأخذ بوسائل الرعاية الاجتماعية وجمع ونشر الإحصاءات المتعلقة بها.
* نشر الوعي العام بأهمية الخدمات الاجتماعية العمالية.
* دعم نشاط المنظمات العمالية والجمعيات الخاصة في مجال الخدمات الاجتماعية العمالية.
* القيام بوضع خطة سنوية للخدمات الاجتماعية ومتابعة تنفيذ هذه الخطة.
ولكي يتسنى لهذه الإدارة القيام بمهامها على الوجه الأمثل تنص التوصية في مادتها الثانية على تضمين هيكلها التنظيمي لأقسام تخص البحوث والتفتيش وقسم الإعلام والعلاقات العامة.

5) أساليب ووسائل النهوض بالخدمات الاجتماعية العمالية
جاءت الاتفاقية بتدابير تهدف إلى النهوض بالخدمات الاجتماعية وتوسيع الاستفادة منها. وفي هذا المجال، تنص المادة 25 على أنه “ينبغي مساهمة مؤسسة التأمينات الاجتماعية أو الضمان الاجتماعي في تطوير وتحسين الخدمات الاجتماعية العمالية لمختلف فئات العمال وزيادة عدد المنتفعين بها، وذلك في مناطق التجمعات الصناعية والتجارية والخدمية، كالمساكن والمراكز الاجتماعية ودور الحضانة وأماكن قضاء الإجازات ودور النقاهة والاستجمام، وغيرها من الخدمات العمالية الملائمة”.
وعلى صعيد آخر، تنص الاتفاقية عبر مادتها 26 على منح بعض الإعفاءات من الضرائب المطبقة على المقاولات التجارية والصناعية

للمقاولات التي تقوم بصفة اختيارية أو بمقتضى اتفاقيات جماعية بتقديم الخدمات الاجتماعية. وتضيف الاتفاقية إلى ذلك تشجيع ودعم الجمعيات الخاصة التي تؤدي خدمات اجتماعية للعمال وتمارس نشاطها على الوجه المطلوب وذلك بمنحها صفة النفع العام.

6) المبادئ العامة التي ترتكز عليها الخدمات الاجتماعية العمالية
تقر الاتفاقية 16 والتوصية رقم 6 بعض المبادئ التي يجب أن ترتكز عليها الخدمات الاجتماعية من بينها:
– التدرج في تطبيق الخدمات الاجتماعية العمالية تماشيا مع التطور الاقتصادي وتوافر الإمكانيات.
– المستويات المتعلقة بالخدمات الاجتماعية العمالية المتضمنة في الاتفاقية بمثابة حد أدنى، بحيث لا تؤثر فيما تقوم به إحدى الدول المتعاقدة من تطبيق مستويات أعلى أو تحول دون إصدار قوانين تشمل مستويات أفضل.
– العمل على زيادة إسهام ومشاركة العمال في مجالس وهيئات الخدمات الاجتماعية العمالية.
– التعريف بالخدمات وتوعية العاملين بكيفية الاستفادة منها.
– مبدأ المساواة بين العمال الوطنيين والعمال العرب في الخدمات الاجتماعية.
بدورها تتضمن التوصية رقم 6 مبادئ تكميلية أهمها:
– ضمان احترام شخصية العامل والاحتفاظ بكرامته،
– حرية العامل في الانتفاع بالخدمات الاجتماع وعدم إجبارية الاشتراك.
– عدم اعتبار الخدمات كبديل عن الأجر.
– تحقيق المصلحة المشتركة للعامل وللمشغل.
– إشراك العمال في تخطيط وتسيير وتدبير وتنسيق برامج الخدمات الاجتماعية.
– تغطية جميع فئات العمال.
– تمديد الخدمات الاجتماعية للأسر العمالية.
وتقر توصية الشغل الدولية رقم 102 بدورها مبدأ عدم إجبار العامل بأي حال على الاستفادة من الخدمات الاجتماعية.
لم يتم تحيين المعياريين الدوليين الخاصين بالخدمات الاجتماعية العمالية أي التوصيتين رقم 102 حول الخدمات الاجتماعية المعتمدة سنة 1956 والتوصية رقم 115 حول الإسكان العمالي سنة 1961 وذلك رغم المرور عليهما أكثر من نصف قرن. أما بالنسبة للاتفاقية العربية رقم 16 المعتمدة سنة 1983، فرغم أهميتها وثراء مقتضياتها ومبادئها وكثرة تفاصيلها، فيصعب التصديق عليها، الشيء الذي يجعلها لا تحظى لحد الآن إلا بثلاثة تصديقات فقط. لكن، تبقى مرجعا أساسيا للحكومات للاسترشاد بأحكامها في التشريعات الخاصة بالخدمات الاجتماعية وفي تنظيمها وتدبيرها كما يعمل بأحكامها في اتفاقيات الشغل الجماعية كإطار لإقرار وتنظيم هذه الخدمات بطريقة تعاقدية.
ومن جهتها، عملت التشريعات الاجتماعية على فرض على بعض المقاولات القيام بتقديم بعض الخدمات كالرعاية الصحية والنفسية وتسهيلات خاصة بالرضاعة كما تركت لأصحاب العمل والعمال حرية التفاوض بشأن النهوض بالخدمات الاجتماعية داخل المقاولات. فكيف عالج التشريع المغرب موضوع هده الخدمات.

القسم الثاني: التشريع المغربي والخدمات الاجتماعية

تقدم أنواع من الخدمات الاجتماعية في المغرب من طرف الوزارة المكلفة بالأسرة والطفولة ومؤسسات وطنية كمؤسسة محمد الخامس للتضامن ومؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج ومؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء ومؤسسة التعاون الوطني. بدورها تقوم جمعيات المجتمع المدني بتقديم خدمات اجتماعية للفئات المعوزة في المجتمع. وهناك خدمات تقدمها المقاولات تطبيقا للقانون الشغل أو بإرادتها المنفردة وبتعاون واتفاق مع المنظمات النقابية بناء على اتفاقيات شغل جماعية.
تطرق تشريع الشغل القديم أي التشريع الذي كان مطبقا إلى غاية صدور مدونة الشغل سنة 2003 إلى خدمات التي تقدمها المساعدات الاجتماعية التي توظف في المؤسسات الكبرى التي تشغلها وخدمات الرعاية الطبية التي ألزم الظهير الصادر في 8/7/1957 حول طب الشغل المقاولات بتنظيمها وتهيئي عرفة الرضاعة بالنسبة للمقاولات التي تشغل عاملات يفوق عددها الخمسين عاملة. وموازه لهذه الخدمات الإجبارية التي أقرها التشريع، برزت الخدمات الاجتماعية للعمال في إطار اتفاقيات شغل جماعية ولجن الأعمال الاجتماعية في القطاع الخاص. كما عرفت الأعمال الاجتماعية تطورا في القطاع العام ساهمت فيه الحركة النقابية وأسست لهذا الغرض جمعيات للأعمال الاجتماعية.
وهنا نتساءل عن كيفية معالجة مدونة الشغل لموضوع الخدمات الاجتماعية وعن وضعيتها في القطاع العام.

1) الخدمات الاجتماعية في مدونة الشغل
على غرار كثير من التشريعات، يفرض قانون الشغل المغربي على بعض المقاولات تقديم بعض الخدمات الاجتماعية والصحية لفائدة الأجراء كما أن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يقدم خدمات صحية وطبية عبر المصحات التي أنشأها ابتداء من سنة 1975.
وتلزم مدونة الشغل المقاولات – أحيانا حسب حجمها – بتقديم خدمات اجتماعية لفائدة كل الأجراء وفي بعض الحالات لفئات معينة كالنساء والأشخاص المعاقين والأطفال. كما أنها تمكن المنظمات النقابية من أدوار مهمة تهدف الى النهوض بمختلف الخدمات الاجتماعية لفائدة منخرطيها من الأجراء.
وتلزم أيضا المقاولات بتقديم خدمات صحية عبر طب الشغل، ترمي إلى الوقاية من الأمراض المهنية والحفاظ على صحة الأجراء. وفي مجال رعاية الأمومة، تنص المدونة وفق شروط إلى إحداث غرف للرضاعة في المقاولات. وبهدف حماية الأجور، منعت المدونة المشغل من إلحاق مقتصدية بمؤسسته إلا في بعض الحالات.
أما بالنسبة لنقل العمال كخدمة اجتماعية فلم تتطرق إليه المدونة إلا بارتباطه بالعمل الليلي الخاص بالنساء.
وكذلك بالنسبة لوسائل الراحة. ويتضح أن المدونة لم تتطرق لمواضيع التغذية والنقل والترفيه والمقاصف، وتركتها لمبادرات المشغلين والعمال لإقرارها وتنظيمها وتدبيرها في اتفاقيات الشغل الجماعية أو اتفاقات المقاولات. وأناطت لجنة المقاولة –من بين مهامه- بتنظيم الخدمات الاجتماعية لفائدة الأجراء وبدراسة الحصيلة الاجتماعية في حالة وجودها.
أ) الرعاية الاجتماعية الخاصة بالنساء والأطفال والأشخاص المعاقين
تشمل الخدمات التي رفض المشرع على المشغلين القيام بها لفائدة النساء العاملات والأطفال والأشخاص المعاقين.
فيما يخص النساء العاملات تنص المادة 182 من مدونة الشغل على وجوب توفر “في كل قاعة من القاعات داخل المؤسسات التي تتولى النساء فيها نقل البضائع والأشياء، أو عرضها على الجمهور، عدد من المقاعد للاستراحة يساوي عدد النساء الأجيرات بها”. ويجب أن تكون هده المقاعد متميزة عن تلك التي توضع رهن إشارة الزبناء.
وبالنسبة للأشخاص المعاقين، فتقدم لهم خدمات طبية أثناء التشغيل وبصفة دورية بعد كل سنة من الشغل (المادة 168 من مدونة الشغل) وتجهز لهم أماكن الشغل بالولوجيات وشروط الصحة والسلامة.
ب) الرعاية الطبية الوقائية
تلزم المدونة المقاولات حسب حجمها بإحداث إما مصالح طبية مستقلة أو مصالح طبية مشتركة لتقديم بعض الخدمات الطبية للأجراء داخل المقاولات. وطبقا لروح المادة 304، تعتبر ملزمة بإحداث الفئة الأولى من هذه المصالح من جهة المقاولات الصناعية والتجارية ومقاولات الصناعة التقليدية والاستغلالات الفلاحية والغابوية وتوابعها إذا كانت تشغل ما لا يقل عن خمسين أجيرا، ومن جهة أخرى المقاولات التي تباشر أشغالا تعرض الإجراء لمخاطر الأمراض المهنية المحددة وفق القانون الجاري به العمل. أما الفئة الثانية من المصالح أي المصالح الطبية المشتركة للشغل، فتحدث وفق المادة 305 من المدونة في المقاولات التي تشغل أقل من خمسين أجيرا كما يمكنها أن تنشئ مصلحة مستقلة إذا أرادت ذلك.
وفيما يخص الرعاية الصحية التي تقدمها هذه المصالح، فتتمثل في الوقاية من الأخطار المهنية والقيام “بإجراء الفحوص الطبية الواجبة على الأجراء، خاصة الفحص الطبي الرامي إلى التأكد من ملاءمة مناصب الشغل للحالة الصحية للأجراء عند بداية تشغيلهم، وإلى تجنيبهم كل ما قد يضر بصحتهم بسبب الشغل، ولا سيما بمراقبة شروط النظافة في مكان الشغل، ومخاطر العدوى، والحالة الصحية للأجراء” (المادة 318).
وتقدم هذه المصالح أيضا وبصفة استثنائية “علاجات للأجراء في الأحوال الاستعجالية عند وقوع حوادث أو ظهور أمراض داخل المقاولة، وإسعاف كل أجير تعرض لحادثة شغل، إذا كانت الحادثة لا تؤدي إلى توقف العمل” (المادة 319). وبصفة عامة يضطلع طبيب الشغل طبقا للمادة 321 من المدونة بتقديم استشاراته للمقاولة حول التدابير المرتبطة بمراقبة شروط النظافة العامة والوقاية من الحوادث وجميع الأضرار التي تهدد صحتهم ومراقبة مدى ملاءمة مناصب العمل للوضعية الصحية للعمال، ويساهم في تحسين بيئة العمل.
ويقوم طبيب الشغل الذي يشرف على تدبير المصالح الطبية داخل المقاولات الفحوصات الضرورية خلال عملية التشغيل بإخضاع الأجراء المبينين أدناه لفحص طبي يجريه عليهم طبيب لشغل على الشكل التالي 7:
1 – كل أجير، قبل بداية تشغيله، أو في أقصى الآجال قبل انقضاء فترة الاختبار؛
2 – كل أجير، مرة على الأقل كل اثني عشر شهرا، بالنسبة للأجراء الذين بلغوا الثامنة عشرة أو تجاوزوها، وكل ستة أشهر، بالنسبة لمن تقل سنهم عن ثماني عشرة سنة؛
3 – كل أجير قد يتعرض لخطر ما، والحامل، ومن لها طفل دون سن الثانية، والمعطوب، والمعاق، بعد كل فترة يقرر طبيب الشغل تحديد دوريتها؛
4 – كل أجير، في الأحوال التالية:
– بعد غياب أكثر من ثلاثة أسابيع، لسبب حادثة غير حادثة شغل أو مرض غير مرض مهني؛
– بعد غياب لسبب حادثة شغل أو مرض مهني؛
– بعد تكرار الغياب لسبب صحي؛
ويحدد قرار السلطة الحكومية المكلفة بالشغل رقم 12-2625 الصادر في 16 يوليوز 2012 كيفيات تطبيق المقتضيات الخاصة بكيفية إجراء هذه الفحوصات. ويمكن لطبيب الشغل أن يطلب، عند الضرورة، بفحوصات طبية تكميلية.
وفي مجال الخدمات الطبية التي يقدمها طبيب الشغل للأجراء فقد حدد قرار وزير التشغيل والتكوين المهني رقم 10-3126 بتاريخ 22 /11/2010 عدد الساعات التي يجب على طبيب الشغل أن يخصصها لهم كما يلي:
– في المقاولات التي لا يخشى فيها على صحة الأجراء:
* ساعة واحدة في الشهر لفائدة 20 أجيرا أو 10 أجراء إذا كانت أعمارهم تقل عن 18 سنة؛
* في المقاولات التي يجب إخضاع أجرائها لرعاية طبية خاصة: ساعة واحدة في الشهر لكل 10 أجراء.
ج) مصلحة الحراسة الطبية
تلزم مدونة الشغل بالمادة 316 المشغلين بإحداث مصلحة حراسة طبية (service de garde médical). وتحيل على نص تنظيمي لتحديد الشروط والقواعد المنظمة لها.
ويحدد المرسوم رقم 751-05-2 الصادر في 13 يوليوز 2005 هده الشروط، إذ تنص المادة الثانية منه على أنه “يسهر ممرض أو ممرضة على مصلحة الحراسة الطبية في المقاولات والمؤسسات على الشكل المذكور في المادة الأولى من المرسوم”.
د) خدمات المساعدين الاجتماعيين
برزت إلزامية توفر بعض المقاولات التي تشغل عددا معينا من العمال أول مرة في المغرب في إطار ظهير 02/07/1947 حول تقنين الشغل. ومن جهتها تلزم مدونة الشغل بالمادة 315 المصالح الطبية المستقلة أو المشتركة بالاستعانة بمساعدين اجتماعيين أو ممرضين حاصلين على إجازة الدولة لممارسة أشغال المساعدة الطبية.
لقد حدد المرسوم رقم 751-05-2 الصادر في 13/07/2005 عدد الممرضين والمساعدين الاجتماعيين حسب عدد العمال المستخدمين كالتالي:
بالنسبة للمقاولات التجارية ومؤسسات الصناعة التقليدية
– ممرض/ ممرضة إذا كان عدد الأجراء الموجودين في المؤسسة أو المقاولة يتراوح ما بين 500 و1000 أجير؛
– ممرضين/ ممرضتين إذا كان عدد الأجراء يتراوح ما بين 1001 و1500 أجير؛
وفيما يخص المقاولات التي تباشر أشغالا تعرض الأجراء لمخاطر خاصة:
– ممرض/ ممرضة إذا كان عدد الأجراء يتراوح ما بين 200 و800 أجير؛
– مساعد / مساعدة اجتماعية وممرضين اثنين أو ممرضتين اثنتين إذا كان عدد الأجراء يتراوح ما بين 801 و2000 أجير.
– إذا تعدى عدد الأجراء الموجودين في المقاولة 2000 أجير؛ يضاف مساعد أو مساعدة اجتماعية وممرض/ ممرضة عن كل 1500 أجير.
ه) غرفة الرضاعة
تلزم مدونة الشغل بالمادة 162 كل مشغل يستخدم ما لا يقل عن 50 أجيرة بتجهيز غرفة للرضاعة داخل كل مقاولة، أو على مقربة منها. ويمكن استعمال هذه الغرفة روضا لأطفال الأجيرات العاملات.
يحدد قرار وزير التشغيل والتكوين المهني رقم 06-339 الصادر في 9/02/2005 شروط قبول الرضع وغرف إرضاع المواليد وشروط حراسة الأمكنة وتوفر مستلزماتها الصحية. وحفاظا على شروط السلامة، تمنع المادة الثالثة “أن توضع بهذه الغرفة أية معدات أو أدوات لا علاقة لها بمستلزمات غرفة الرضاعة، كما يمنع دخول الغرفة من قبل أي شخص أجنبي أو إدخال أي حيوان إليها أو تخصيص مكان له بجانبها”.
وفي هذا الإطار، تنص المادة الثانية على وجوب توفر شروط التهوية والتدفئة ووسائل النظافة والإنارة وأن تكون مجهزة بالعدد الكافي من الكراسي والطاولات. ويجب أن تشتمل على مغسل مزوج بالماء ومرحاض وعلى شروط الحراسة والسلامة.
وتبيح المادة 163 من مدونة الشغل إمكانية إنشاء دار للحضانة بمساهمة عدة مقاولات متجاورة بمنطقة معينة مع تجهيزها وفق الظروف الملائمة.
و) المقتصديات
يمنع المشرع فتح مقتصديات داخل المقاولات أو بجوارها وذلك تفاديا لدفع الإجراء لصرف أجورهم بطريقة تؤدي بهم إلى العسر. ولهذا الغرض تنص المادة 392 من مدونة الشغل على أنه “يمنع على كل مشغل:
– أن يلحق بمؤسسته، مقتصديه يبيع فيها أجرائه أو ذويهم، بضائع، أو سلعا أيا كان نوعها، سواء كان البيع مباشرا أو غير مباشر؛
– أن يفرض على أجرائه، إنفاق كل أو بعض أجورهم في المتاجر التي يشير عليهم بالابتياع منها؛
– أن يتولى بنفسه الأداء عن أجرائه، لدى الأشخاص الذين يتزود منهم هؤلاء الأجراء، ما لم يتفق الطرفان كتابة على خلاف ذلك. غير أنه يمكن الترخيص، وفق الشروط التي تحددها النصوص التنظيمية، بإنشاء مقتصديات في الأوراش، والاستغلالات الفلاحية، أو المقاولات الصناعية، أو في المناجم، أو المقالع البعيدة عن مركز تموين، إذا كان إنشاء تلك المقتصديات ضروريا للمعيشة اليومية للأجراء”.
كما يمنع بالمادة 393 “على كل مسؤول له نفوذ على الأجراء، أن يبيع، بصفة مباشرة أو غير مباشرة، أجراء المقاولة التي يشتغل فيها، ما اشتراه من مواد أو سلع بنية تحقيق الربح. وإذا وقع نزاع حول ذلك، فالبينة على البائع في إثبات عدم حصوله على أي ربح من مبيعاته.
يجب في النشاطات الفلاحية، عندما يبيع المشغل أجرائه محاصيل من منتوجه، أن يسعرها بتراضي الطرفين على ألا يزيد السعر عن قيمة المحصول عند إنتاجه، كما تحدده النصوص القانونية والتنظيمية المتعلقة بالأسعار”.
وأقر المشرع في هدا الصدد عقوبات تتجسد في غرامات تتراوح ما بين 2000 إلى 5.000 درهم لمعاقبة مخالفة هده المقتضيات (المادة 394).
لكن مراعاة لظروف بعض المؤسسات البعيدة عن مراكز التموين، رخص المشرع بإنشاء مقتصديات في الأوراش، والاستغلالات الفلاحية أو المقاولات الصناعية، أو في المناجم، أو المقالع البعيدة إذا كان ذلك ضروريا للمعيشة.
ويحدد المرسوم رقم 470-04-2 الصادر في 29/12/2004 شروط الترخيص. وطبقا للمادة الأولى منه “يوجه المشغل أو من ينوب عنه طلب الترخيص بإنشاء مقتصديات في الأوراش والاستغلالات الفلاحية أو المقاولات الصناعية أو في المناجم أو المقالع البعيدة عن مركز تموين إلى السلطة الإدارية المحلية التي تقع المؤسسة أو المقاولة المعنية داخل دائرة نفوذها الترابي”.
ويتعين على المشغل صاحب الطلب أن يبين في طلبه المحل الذي سينجز فيه الشغل أو الذي سيقع فيه الاستغلال والأماكن وطرق المواصلات البرية والحديدية الأكثر قربا.
يتم الترخيص من طرف السلطة المحلية بعد استشارة المدير الإقليمي المكلف بالشغل. وتستوجب المادة 4 من المرسوم المحافظة على الشروط الصحية الضرورية الجاري بها العمل من جهة، والمادة الخامسة إشهار أثمان المواد والسلع الموجهة للبيع بالمقتصدية. ولتسهيل المراقبة، يتعين على المشغل طبقا للمادة 6 تزويد مفتش الشغل ” بكل الوثائق الضرورية المتعلقة بسير المقتصدية”.
ن) النقل
يعتبر توفير النقل خدمة مهمة للأجراء لأنه يخفف عنهم الأعباء ويتفادى التأخر في الوصول والتغيبات والتكاليف الناجمة عن النقل. لدا تعمل كثير من المقاولات على تقديم التسهيلات الخاصة بالنقل لعمالها.
يدخل توفير النقل في قانون الشغل المغربي في حالة واحدة تعتبر من بين الشروط الواجب تطبيقها لتشغيل النساء ليلا. وفي هدا المجال، ينص المرسوم رقم 568-04-2 بتاريخ 29/12/2004 على توفير وسائل النقل للنساء المشغلات ليلا من محل إقامتهن الى مقرات الشغل ذهابا وإيابا، في حالة عدم توفر النقل العمومي (المادة الأولى).
ك) وسائل الراحة
لم يقر التشريع وسائل للراحة بالمقاولات إلا في المرسوم رقم 568-04-2 بتاريخ 29/12/2004 بشأن تحديد شروط تشغيل النساء ليلا. إذ تنص المادة الأولى منه على وجوب “تمتيعهن براحة لا تقل مدتها عن نصف ساعة بعد كل أربع ساعات من العمل المتواصل” تعتبر ضمن مدة الشغل الفعلية. وتنص نفس المادة على “توفير وسائل الراحة” دون توضيح ما هي هذه الوسائل وما هي طبيعتها.

2) لجنة المقاولة والخدمات الاجتماعية
أحدثت مدونة الشغل بالمادة 464 لجنة المقاولة في المقاولات الصناعية والتجارية والفلاحية. ومن بين المهام الاستشارية التي تحددها المادة 466، نذكر ثلاث مهام تتقاطع مع الخدمات الاجتماعية وهي:
وضع مشاريع اجتماعية لفائدة الأجراء والسهر على تنفيذها من جهة ودراسة الحصيلة الاجتماعية للمقاولة عند إقرارها. يضاف إلى ذلك برامج محو الأمية والتكوين المستمر للأجراء.
إن هذه المواضيع تهم مواضيع الخدمات الاجتماعية العمالية. كما أن لجنة المقاولة تشكل إطارا لإعداد وتنسيق وتنفيذ وتتبع برامج الأعمال الاجتماعية العمالية. ويمكن للنقابات أن تلعب دورا مهما في هذا المجال نظرا مراعاة لعضويتها في هده اللجنة وللمهام التي أناطها المشرع بها.

3) المنظمات النقابية والخدمات الاجتماعية
أدركت الحركة النقابية أهمية الخدمات الاجتماعية التي يمكن أن تقدمها للعمال والتي لا تقل نوعية عن تلك التي تقدمها المقاولات لكونها تسعى إلى رعاية مصالحهم والدفاع عن حقوقهم والعمل على تحسين أوضاعهم النفسية والاجتماعية والمهنية والمعنوية والثقافية. وفي هذا الأفق، أناط المشرع المنظمات النقابية بدورهم مهم في مجال النهوض بالرعاية الاجتماعية لفائدة العمال. وقد سار المشرع المغربي في هذا الاتجاه سواء في إطار الظهير الصادر في 16/7/1957 حول النقابات المهنية أو في مدونة الشغل
ومكن المشرع أيضا، هذه المنظمات من الوسائل القانونية للنهوض بالأعمال الاجتماعية. وهكذا تنص المادة 408 من المدونة على أنه يمكن للنقابات:
“1- تخصيص قسط من مواردها، لإقامة مساكن بأثمان مناسبة، ولاقتناء قطع أرضية قصد إنشاء أماكن للثقافة والترفيه، وميادين للتربية البدنية، والصحية للمنخرطين فيها؛
2 – إنشاء، أو إدارة مشاريع اجتماعية أو مهنية، كالتعاونيات وصناديق التضامن، أو مخيمات صيفية، أو غيرها؛
3 – تقديم إعانات مالية لمشاريع من النوع المشار إليه في الفقرة (2) من هذه المادة؛
4 – تقديم إعانات مالية للتعاونيات التي يتم تأسيسها طبقا للتشريع الجاري به العمل؛
5 – إنشاء وتدبير مراكز للأبحاث والدراسات والتكوين؛
6 – إصدار نشرات تعنى بشؤون المهنة.
وبناء على المادة 410، “يمكن للنقابات المهنية، أن تدعو أعضاءها، إلى تأسيس جمعيات تعاضدية فيما بينهم، طبقا للتشريع الجاري به العمل” وتوضح نفس المادة أنه “لا يمكن حجز أموال التعاضديات التي يتم تأسيسها طبقا للفقرة الأولى أعلاه”. ويحق لكل شخص، انسحب من نقابة مهنية، أن يحتفظ بحقه في عضوية الجمعيات التعاضدية، التي ساهم فيها بما أدى من اشتراكات أو أداءات مالية.
ويلاحظ أن النقابات لا تقوم بأي دور في القيام بالخدمات الاجتماعية كإحداث تعاضديات التعاونيات سكنية أو استهلاكية لكنها تساهم في تدبير وتسيير جمعيات ولجن الأعمال الاجتماعية في القطاعين العام والخاص.

4) الخدمات الاجتماعية في قطاع الوظيفة العمومية
نظمت الخدمات الاجتماعية في الوظيفة العمومية والمعروفة بـ “الأعمال الاجتماعية ” في العديد من الوزارات وخاصة في الوزارات الكبرى التي تشغل من أعدادا الموظفين والتي تعرف نشاطا نقابيا أو جمعويا. وكانت مواردها تتكون بالخصوص من الدعم العمومي ومساهمات المنخرطين. وبعد ذلك تم الشروع في إحداث مؤسسات كبرى للأعمال الاجتماعيةFondations) ) تخص موظفي وزارات الداخلية والتجهيز والمالية والشبيبة والرياضة والشؤون الإسلامية والصحة والإسكان والخارجية والعدل والفلاحة. ولتدبير هده المؤسسات، تم إنشاء مديريات عامة ومديريات تتكون من أقسام ومصالح. وأحدثت بعض الشركات الكبرى أيضا هدا النوع من الآليات.
في بعض الوزارات كقطاعات الشغل والشؤون الاجتماعية والوظيفة العمومية لازالت تمارس الخدمات الاجتماعية في إطار جمعيات وبوسائل دعم متفاوتة، الشيء الذي لا يساعد على ولوج الموظفين للخدمات الاجتماعية على قدم المساواة. وتقدم هذه الجمعيات لفائدة الموظفين وأفراد أسرهم خدمات متنوعة منها التخييم والقروض والأندية والمشاريع السكنية ومنح الحج والتقاعد. وتخضع هده الجمعيات لمراقبة المجلس الأعلى للحسابات لكونها تصرف الدعم المالي العمومي الذي يقدم لها.
لقد احتل موضوع الخدمات الاجتماعية مكانة مهمة في الحوار الاجتماعي الثلاثي الأطراف وفي المفاوضات الجماعية والاتفاقيات المنبثقة عنها.
القسم الثالث: الخدمات الاجتماعية في الحوار الاجتماعي والمفاوضة الجماعية وأفاق النهوض بها

يحتل موضوع الخدمات الاجتماعية مكانة مهمة في الحوار الاجتماعي منذ 1996 واحتل مساحة في الاتفاقات الثلاثية الأطراف المبرمة سنوات 1996 و2002 و2003 و2011. كما أخذ مكانة في اتفاقيات الشغل الجماعية خاصة وأن المشرع يترك المجال مفتوحا لأصحاب العمل وللمنظمات النقابية العمالية للتفاوض وإقرار الخدمات الاجتماعية على مستوى المقاولات.

1) الخدمات الاجتماعية في الحوار الاجتماعي
منذ 1996 أي مع الشروع في الحوار الاجتماعي الوطني الثلاثي الأطراف، وفي إطار مقاربة شبه متكاملة الجوانب، احتل موضوع الخدمات الاجتماعية مكانة متميزة وشكل موضوع التزامات وتدابير للرقي بها.
لقد اهتم الاتفاق الأول المعرف باتفاق فاتح غشت 1996 بموضوع مهم يخص الخدمات الاجتماعية هو السكن الاجتماعي خاصة وأن تلك الفترة تميزت بأزمة السكن وغلاء اقتناء المنازل وارتفاع أثمنة الكراء. وفي ظل هدا الحوار الاجتماعي، برز مفهوم “السكن الاجتماعي”. لقد توج الحوار الخاص بالسكن الاجتماعي بتخصيص المحور الرابع الذي تضمن الالتزامات والتدابير المتفق عليها للنهوض بها النوع من السكن.
ولهدا الغرض، تم الاتفاق على تكوين لجنة مشتركة متخصصة في السكن الاجتماعي تعمل على وضع استراتيجية تحدد طرق ووسائل الإنجاز على ضوء المشاريع والمقترحات المقدمة من سائر الأطراف.
ولتنزيل الأهداف وتجسيدها على أرض الواقع، فقد التزمت الحكومة بتخصيص 100.000 سكن اجتماعي في إطار برنامج أولي خاص بالمأجورين بمساهمة الدولة والجماعات المحلية وأرباب العمل والمستفيدين أنفسهم في أجل ملائم تحدده اللجنة المشتركة. ومن جهتها التزمت المنظمة المهنية للمشغلين الاتحاد العام لمقاولات المغرب بتخصيص سنويا 1% من الأرباح لتمويل انجاز السكن الاجتماعي لفائدة المأجورين في إطار نظام تعاضدي يرمي الى تمكينهم من امتلاك سكناهم. وفي المقابل، التزمت الحكومة “بتخصيص 2% من ميزانية الدولة المخصصة للتجهيز لتمكين الموظفين من امتلاك سكناهم.
وبدورها التزمت النقابات بحث مجموع أجراء القطاعين العام والخاص على المساهمة في بنسبة 1% من أجورهم في صندوق التضامن الوطني للسكن الاجتماعي الذي تقرر إحداثه كنظام اجتماعي متميز للسكن على شاكلة الصناديق العقارية للسكن.
وختاما تم الاتفاق أيضا على العمل من أجل اتخاذ كافة الإجراءات الضرورية ذات الطابع المؤسساتي والتحفيزي بهدف تصنيف السكن الاجتماعي وتعريفه وتحديد جميع المؤسسات والإعفاءات والتسهيلات التي يجب أن يتمتع بها من طرف الجولة.
خلال إبرام اتفاق الجوار الاجتماعي سنة 2000 والمعروف باتفاق 19 أبريل، التزمت الحكومة “بدعم تنمية مؤسسات وجمعيات الأعمال الاجتماعية بمختلف قطاعات الوظيفة العمومية والشبه العمومية وذلك باتخاذ التدابير والإجراءات التالية:
• وضع آليات ونصوص تشريعية جديدة لمراقبة طرق تسييرها لتحديتها وللرفع من مردوديتها،
• الحرص على دمقرطة تسييرها وإدارتها،
• منحها الإمكانيات البشرية اللازمة لإدارة شؤونها للاضطلاع بمهامها على أحسن وجه،
• المساهمة في تنمية مواردها المادية للرقي بخدماتها لتمكينها من انجاز مشاريعها،
• إصلاح ودمقرطة المؤسسات الاجتماعية”.
وبهدف النهوض بالسكن وتوفيره، تم إنشاء “لجنة ثلاثية للسكن الاجتماعي” . لكن يبدو أن هده التدابير لم تر النور آنذاك.
وفي اتفاق 30 أبريل 2003، أنشئت لجنة خاصة “بالشؤون الاجتماعية والتغطية الصحية ” وتم التوافق على إحداث صناديق للضمان يساهم فيه المشغلون لتمكين الأجراء من السكن إلا أنه هدا الالتزام لم ينفد.
وفي جولات الجوار الاجتماعي برسم سنة 2011 والدي انبثق عنه اتفاق 26 أبريل نوقش هذا الموضوع وتم الالتزام بـ “إعداد قانون في شأن تنظيم الأعمال الاجتماعية” و”وضع برنامج سكن” لفائدة الأجراء “إلا أنه لحد الآن لم يتم اعتماد هدا القانون. لكن في مجال السكن استفاد عدد كبير من الأجراء خاصة من السكن الاجتماعي الذي دعمته الدولة.
أما الاتفاق الثلاثي المنبثق عن الحوار الاجتماعي المنظم برسم سنة 2019 فلم يتطرق لموضوع الأعمال الاجتماعية لكن نص على إبقاء الحوار مفتوحا لمواصلة تنفيذ ما تبقى من الالتزامات الواردة في اتفاق 26 أبريل 2011 ومنها تلك المرتبطة بها الموضوع والتي تمت الإشارة إليها سابقا.
وعلى مستوى المفاوضة الجماعية، تحدد المادة 102 من مدونة على سبيل المثال وليس الحصر من بين مواضيعها ” الشؤون الاجتماعية “. ويتضمن عدد مهم من اتفاقيات الشغل المبرمة محاور التزامات تعاقدية تخص الخدمات الاجتماعية أو الشؤون الاجتماعية سنتطرق لها لاحقا.
2) الخدمات الاجتماعية في المفاوضات الجماعية
يؤثر عدد من العوامل في العمليات الإنتاجية منها بالخصوص صحة العامل الجسدية والنفسية وبيئة وظروف العمل وأدوات العمل وتنظيم العمل والمؤهلات الفنية والمهنية والتحفيز والتشويق في العمل ( (la motivation au travail وطبيعة العلاقات الاجتماعية والإنسانية داخل المقاولات.
وانطلاقا من هده العوامل، يتعين اعتماد سياسة مقاولتية خاصة بالخدمات والرعاية الاجتماعية العمالية. تندرج في سياسة المقاولة وفي مسؤوليتها الاجتماعية اتجاه أجرائها.
وفي هدا الإطار، ترمي “الرعاية الاجتماعية في المنشئات الى الاحتفاظ بالحالة المعنوية والجسمانية للعامل عنصرا حيا لا مجرد وسيلة من وسائل الإنتاج. كما تعمل على توفير الأحوال الاجتماعية والصحية الملائمة لها”.
لقد عرف التقاعد التكميلي كخدمة اجتماعية لأجراء القطاع الخاص الذي يتجسد من خلال انخراط المقاولات في الصندوق المهني المغربي للتقاعد (CIMR) ارتفاعا في عدد المنخرطين وذوي الحقوق. إذ ارتفع بـ 4,89في المئة سنة 2020 مقارنة مع السنة الفارطة. ويبلغ عدد الأجراء الإجمالي 733.843 المستفيدين من خدمات الصندوق المغربي المهني للتقاعد. ويمثل هدا العدد 22% من العدد الإجمالي للعمال المصرح بهم للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي بلغ سنة 2020 ما مجموعه 3.300.000 أجيرا منخرطا. ويتم التفاوض حول كيفية الانخراط في هدا الصندوق الاختياري وأقساط المساهمات العمالية في اتفاقيات الشغل الجماعية أو في اتفاق بين المقاولة والمكاتب النقابية.
إن تقييم مكانة الخدمات الاجتماعية في المقاولات تتطلب القيام بدراسات وتحريات ميدانية للتعرف على طبيعة المقاولات التي تنظم الخدمات الاجتماعية وعدد عمالها وأمكنة تواجدها وأنواع الخدمات الاجتماعية المقدمة ومصادر وكيفية التمويل والإطار التعاقدي المنظم لها.
وأمام انعدام هده المصادر، سأقتصر على الاستناد إلى بعض الاتفاقيات الجماعية المتوفرة لمحاولة إبراز مواضيع الخدمات الاجتماعية فيها.
تبين دراسة الاتفاقيات الجماعية أن الخدمات الاجتماعية إما تقدمها المقاولات مباشرة دون إشراك ممثلي الأجراء في تدبيرها كنقل المستخدمين أو تكفل تكاليف الحج. وهناك اتفاقيتان تنظمان علاقات العمل بكل من شركة اتيس ETIS  وsomaltex تنصان على “التنمية العمالية” والشراكة مع الجهات المعنية لاستفادة العمال من مختلف الأنشطة والبرامج. أما الاتفاقية المبرمة في شركة تيوريف société teorif فتنص في المادة 68 على جمعية الأعمال الاجتماعية يكونها مستخدمو الشركة وتكون خاضعة للظهير المنظم لتأسيس الجمعيات. تنظم اجتماعات بين المكتب المسير لهذه الجمعية وإدارة الشركة لتدارس البرامج السنوية والدورية.
وفي شركة la voix express، تخصص اتفاقيتها القسم الرابع للأجور والأنشطة الاجتماعية. وفي هذا الإطار تنص المادة 27 المكرسة للعمل الاجتماعي على إحداث “صندوق للتضامن الاجتماعي”، وذلك من أجل دعم العمل الاجتماعي بالمقاولة لصالح الأجراء. وقد “اتفق الطرفان على العمل بتشاور وتنسيق فيما بينهما لتحديد أهدافه ومجالات تدخله وطريقة تكوينه وسبل تمويله وكيفية تدبيره”.
وعلى مستوى شركة سامير تخصص الاتفاقية المحور 8 لـ”التغطية الاجتماعية والشؤون الاجتماعية” وتنص المادة 68 منها على “لجنة تتكلف بتسيير الشؤون الاجتماعية لفائدة الأجراء تتكون من 11 عضوا: المدير العام أو من ينوب عنه رئيسا، 5 ممثلين عن الشركة، 3 مناديب الأجراء ينتخبهم مندوبو الأجراء، ممثلين اثنتين عن النقابة الأكثر تمثيلا. وتوضح الاتفاقية أن اللجنة تعمل وفق قانون داخلي خاص. ومن بين الخدمات الاجتماعية، توجد المطعمة (المادة 61) والنقل (62) والاصطياف (المادة 64)، ومخيم الأطفال (المادة 65) ومصاريف الجنازة (المادة 66).
وفي مجال تمويل الأعمال الاجتماعية مثلا، تنص اتفاقية شركة ميطراغاز، على تحديد مساهمة الشركة في 3000 درهما شهريا والأجراء في 20 درهما للواحد.
ومن بين الاتفاقيات المبرمة، ربط البعض منها الأعمال الاجتماعية بعمل لجنة المقاولة. وفي هذا المجال تنص الاتفاقية المبرمة في شركة اتصالات المغرب في المادة 79 على أن “تعد المشاريع الاجتماعية لفائدة الأجراء بعد أخذ رأي لجنة المقاولة وجمعية الأعمال الاجتماعية. وقد تم اعتماد نفس المقاربة من طرف شركة Centrale laitière إذ تنص المادة 47 من الاتفاقية على أن “تضع مديرية الموارد البشرية كل سنة بتشاور مع أعضاء لجنة المقاولة برنامجا للناشطة الاجتماعية والثقافية لفائدة الأجراء وعائلاتهم وذلك في إطار الميزانية الاجتماعية السنوية الممنوحة من طرف المقاولة. ويتضمن الجدول رقم 12 مختلف الخدمات الاجتماعية منها عروض وحفلات عاشوراء والختان ومخيمات الأطفال والاصطياف والرحلات الترفيهية ودوري رمضان للأجراء ورياضة كرة القدم ودروس الدعم والاحتفال بالمتقاعدين وجائزة الاستحقاق.
وللنهوض بالأعمال الاجتماعية، تنص اتفاقية شركة صوماكا على إحداث “لجنة الأعمال الاجتماعية” من جهة وعلى “صندوق الدعم”. ولهذا الغرض تنص المادة 39 على أنه “تهدف لجنة الأعمال الاجتماعية لأجراء الشركة الى تدبير انتفاع الأجراء من أرباح الشركة التي تعوج إلى الأعمال الاجتماعية من أجل تشجيعها وتطوريها لما فيه مصلحة أجراء المقاولة” وتقر المادة 40 على أنه “يتم إنشاء صندوق المساعدة داخل شركة صوماكا بهدف مساعدة أجراء المقاولة ومساعدة زوجاتهم وأبنائهم” وبالنسبة لموضوع تسيير صندوق الدعم، فيتم وفق نظامه وطبقا للقواعد الداخلية وذلك بشراكة بين إدارة الموارد البشرية ومكتب لجنة الأعمال الاجتماعية.

3) الحصيلة الاجتماعية للمقاولة والخدمات الاجتماعية
تعرف الحصيلة الاجتماعية للمقاولة (le bilan social de l’entreprise) بكونها الوثيقة التي يمكن الاستناد عليها للتعرف على الظروف الاجتماعية للأجراء خلال فترة معينة والتي تعكس وضعية المقاولة في المجال الاجتماعي. وتعتبر الحصيلة الاجتماعية للمقاولة مؤشرا مهما لتقييم مدى عناية واهتمام المقاولات بهده الخدمات. لكن رغم مرور حوالي عقدين من الزمن على مدونة الشغل التي أشارت إلى هذه الحصيلة في المادة 466 لم يتم لحد الآن إقرار الحصيلة الاجتماعية للمقاولة بنص قانوني.

4) سبل وآفاق النهوض بالخدمات الاجتماعية
أصبحت الخدمات الاجتماعية بمختلف مكوناتها ضرورية في الظروف الراهنة نظرا للضغوطات والإكراهات (stress/ burn-out) وتعقيدات الحياة بصفة عامة والحياة المهنية بصفة خاصة التي يعيشها العمال والموظفون. ويعتبر الترويح عن النفس بمختلف الوسائل والخدمات ومن خلال التسهيلات المرتبطة بالنقل والتغذية والأسفار والموسيقى عاملا رئيسيا للتخفيف من الإكراهات المهنية.
وللنهوض بهذه الخدمات التي تنجم عنها انعكاسات اقتصادية واجتماعية، فإن اتخاذ التدابير الآتية من شأنها المساعدة على تحقيق الخدمات الاجتماعية وأهدافها:
* دراسة موضوع الخدمات الاجتماعية بين أصحاب العمل والعمال في إطار لجن المقاولة أو في مفاوضات جماعية تؤدي إلى إبرام اتفاقيات شغل جماعية تنظمها وتؤطرها،
* خلق شراكات بين مؤسسات أو لجن الأعمال الاجتماعية في القطاع العام لتوسيع الاستفادة من الخدمات،
* دمقرطة تسيير وتدبير الولوج إلى الخدمات الاجتماعية من طرف الجميع،
* توحيد الإطار المؤسساتي لتدبير الأعمال الاجتماعية على مستوى القطاع العام،
* تكوين الأخصائيين الاجتماعيين في المعهد الوطني للعمل الاجتماعي أو في المعهد الوطني للشغل والاحتياط الاجتماعي التابع للوزارة المكلفة بالشغل،
* اعتماد إطار قانوني -على ضوء بعض أحكام اتفاقية الشغل العربية رقم 16 يحدد كيفية تنظيم وتدبير الخدمات الاجتماعية.
* إقرار قانون حول الحصيلة الاجتماعية للمقاولات لتشجيعها على الاهتمام بالخدمات الاجتماعية وتخصيص نسبة مئوية من رقم معاملاتها لهده الخدمات.
* إدراج الخدمات الاجتماعية للعمال ضمن سياسة تدبير الموارد البشرية من طرف المقاولات وفي منظومة الترقية الاجتماعية للعمال وإحدى الوسائل لرفع إنتاجية المقاولات وضمان نجاعتها.
* إقرار الإعفاء الضريبي عن كل الخدمات الاجتماعية العمالية والأعمال الاجتماعية للموظفين.

خاتمة
أصبحت الخدمات الاجتماعية ضرورية للمساهمة في ضمان الاستقرار النفسي والاجتماعي والمعنوي للأجراء من جهة وإحدى العوامل الأساسية لتحقيق الفعالية الاقتصادية للمقاولات.
لقد خصصت لها منظمة العمل الدولية توصيتين فقط ومنظمة العربية اتفاقية وتوصية لكنه لم يتم التصديق على هده الاتفاقية إلا من طرف ثلاث دول فقط (العراق ومصر وفلسطين). يمكن أن تشكل هاته الآليات إطارا للاسترشاد بها في عملية التشريع الخدماتي العمالي أو التعاقدي الذي يمكن أن يعتمد من طرف أصحاب العمل والعمال للنهوض بهده الخدمات لفائدة العمال وأسرهم خاصة وأنها تطرقت إلى مختلف الجوانب كإعداد البرامج وتنفيذها وتمويلها وكيفية التأسيس والتدبير.
وإذا كانت بعض التشريعات قد فرضت على بعض المقاولات تقديم بعض الخدمات الاجتماعية كالرعاية الصحية مثلا، فقد تركت لأصحاب العمل والعمال إمكانية تنظميها حسب الحاجيات والوسائل والإمكانيات.
وبالنسبة للتشريع المغربي، فيلزم المشرع الاجتماعي بعض المقاولات بتقديم بعض الخدمات كالرعاية الطبية والنقل في بعض الظروف وتوفير الراحة بواسطة وضع الكراسي رهن الإشارة وغرفة الرضاعة والمقتصديات، لكن فتح المجال للمفاوضات الجماعية لتنظيم الخدمات الاجتماعية العمالية.
تتباين أوضاع الخدمات الاجتماعية العمالية التعاقدية أو الإرادية وأهميتها حسب مستويات تنمية المقاولات ومواردها وأماكن تواجدها وطبيعة العلاقات المهنية. ويتطلب النهوض بالخدمات الاجتماعية العمالية إقرار الحصيلة الاجتماعية للمقاولة ووضع إطار قانوني ملائم لتدبير الأعمال الاجتماعية داخل المقاولات وأعمال المفاوضة الجماعية كوسيلة لترقيتها. وعلى مستوى المعايير الدولية، يتعين مراجعة الإطار الدولي والعربي المنظمين للخدمات الاجتماعية العمالية للأخذ بعين الاعتبار الظرفية الراهنة والمسؤولية الاجتماعية للمقاولات والمخاطر المهنية المحدقة بالطبقة العاملة.

المراجع

> زكي بذوي. أصول الخدمة الاجتماعية، مكتبة النهضة المصرية، 1947.
> زكي بدوي. إدارة وتنظيم شؤون العمال من الناحيتين الفنية والتشريعية. مطابع البصير بالإسكندرية.
> سوسن عثمان عبد اللطيف. الخدمة الاجتماعية العمالية في العصر الحديث بين الواقع والمأمول. منظمة العمل العربية.
> Bernard Madeleine, le service social dans l’entreprise, édition du Centurion, Socioguides, Paris, 1966.
> BIT, la protection de la santé, les services sociaux et les logements des travailleurs. Extrait du rapport de la quatrième session (1970) de la Commission d’experts du BIT pour l’application des conventions et recommandations, Genève 1970.
> BIT, le logement des travailleurs, 5e question de l’ordre du jour, 1961.
> Dubois Jean, le social et l’entreprise. Simulacres et réalités, Revue Etudes, 2001/4 tome 394.

< أحمد بوهرو

Related posts

Top