الدورة الرابعة والعشرون لمهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة تختتم اليوم

تحت شعار “معارف الأسلاف”، ينفرط مساء اليوم، عقد الدورة الرابعة والعشرين لمهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة، التي كانت وفية لما وعدت به من برمجة غنية ومتنوعة ولقاءات فكرية وإنسانية، أكدت علو كعب هذا المهرجان وتطوره المستمر ودأبه على تقديم كل ما هو راق ومفيد من التراث المغربي وخلق لحظات لتبادل بين هذا التراث وشتى ثقافات الشعوب، في فضاءات تاريخية بالعاصمة الروحية للمملكة.

في قلب إفريقيا الصوفية

هذا، وقد تميز مساء يوم الخميس، بتقديم عرض من الموسيقى  الوجدانية الممتعة تحت عنوان “في قلب إفريقيا الصوفية”.

وصدحت الموسيقى الصوفية ذات الجذور الإفريقية بإيقاعاتها المهيبة، تحت سماء فاس الروحية.

 واستطاعت الفرق التي تعاقبت على أداء فقرات هذا العرض الصوفي الروحي إمتاع جمهور المهرجان الذي حج بأعداد غفيرة لمتابعة فقرات الحفل، وذلك من خلال أداء باقة من الأذكار والقطع الصوفية التي تنهل من غنى الموروث الصوفي الإفريقي، مصحوبة بمجموعة من التعبيرات الجسدية النابعة من تماهي الروح مع نشوة الأذكار. 

 وهكذا، كان لجمهور الحاضرة الإدريسية موعد مع كل من مجموعة “متندني مولد” من زنجبار، والشيخ أحمد حسين أحمد والشيخ غنان ومجموعتهم من صعيد مصر، إلى جانب الشيخ باب صوي دجمبرا، ونورو سلام، وغناء الخضر الصوفي من السنغال، ثم مجموعة السماع الصوفي لفاس. 

 وجسدت هذه الفرق مختلف الأنماط والتعابير التي تمزج فيها بين الموسيقى الروحية والمديح الصوفي والأداء الجسدي بكيفية متناغمة، متمكنة بذلك من إذكاء حماس الجمهور وجعله يعيش على إيقاعات الموسيقى الروحية الإفريقية الأصيلة. 

 واستطاعت أصوات المنشدين الدينيين، سواء أكانوا من زنجبار أو صعيد مصر أو من السنغال، ترنيم كلمات الحب الصوفي والخوف من الغياب والهجر الجسدي، وذلك في قالب روحي ذو طابع إفريقي مميز.

 ورافقت هذا العرض الروحي لوحات إبداعية منمقة طبعت على جدران الواجهة الرئيسية لباب الماكينة، مما زاد من بهاء العرض ومنحه بعدا فنيا متفردا.

الحضرة الشفشاونية

 كما كان للجمهور، في سياق حراك موسيقي تقليدي، لقاء مع مجموعة الحضرة الشفشاونية، التي قدمت عرضا مميزا، نال الإعجاب جمهور وحج اليه جمهور غفير.

 لا يمكن التأريخ الدقيق لانطلاق وظهور فن “الحضرة”، غير أنه من المؤكد أنه خرج من داخل الزوايا الصوفية، وتوجد آثاره في عدد من المدن المغربية العتيقة، كما يصل إلى دول الجوار في نسخ مختلفة كما هو الحال في “الحضرة التونسية” على سبيل المثال لا الحصر.

 ما يميز “الحضرة” المغربية، أنها اشتهرت بأداء النساء لها من دون الرجال، في مجموعات نسائية كبيرة العدد نسبيا، بطقوس ولباس خاص، ومقطوعات تجمع بين الفصيح والعامي المغربي، وبين الأذكار والمديح والابتهالات ذات الطبيعة الصوفية التي تشتهر بها الطرق المغربية، ومن أبرز وجوهها في السنوات الأخيرة فرقة “الحضرة الشفشاونية” بقيادة رحوم البقالي.

وعن بدايات الحضرة الشفشاونية التي انبثقت من تأثر مدينة شفشاون بالعدد المهم للزوايا في المنطقة، التي كان يتوجه لها الرجال للإنشاد والذكر قبل أن تدخل المرأة المجال.

 يشار إلى أن البرمجة الموسيقية للمهرجان جمعت هذه السنة بين أزيد من عشرين بلدا: من التضامن الدولي مع غوران بيرغوفيتش ورسائله إلى سراييفو، إلى النسيج الموسيقي المنظم من طرف الفنان العبقري جوردي سافال في عرضه “ابن بطوطة، رحالة الإسلام”، إلى غوسبيل دو سوفيتو من جنوب إفريقيا في”إلى قلب إفريقيا الصوفية”، مع مجموعة متندوني مولد زنجبار، ومجموعة مصر العليا وغناء الخضر الصوفي من السنغال، والبرمجة الموسيقية لشتات طائفة السيفراد إلى المعبد اليهودي “صلاة الفاسيين”.

 وبالنظر إلى قيمة الفقرات الإبداعية التي دأب المهرجان على تقديمها منذ انطلاقه، يتجلى هذا الأخير كمدافع عن فن وثقافة خالصين، وكمنتدى تتوحد عنده ثقافات الشعوب، وباختصار شديد يمكن القول إن مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة، الذي عقد دورته الأولى سنة 1994، وفي العام 2001 نال اعتراف الأمم المتحدة، كواحد من أهم المهرجانات المساهمة في حوار الثقافات. إننا بصدد، تظاهرة ثقافية وفنية تنأى عن الإبهار الأجوف، وتنحو باتجاه مخاطبة الوجدان الإنساني، عبر الاحتفاء بالذوق المرهف،  ووضع الأسئلة المحفزة على التأمل.

> مبعوث بيان اليوم إلى فاس: سعيد الحبشي

Related posts

Top