الدورة 13 لمهرجان بنمسيك للمسرح الاحترافي تحتفي بالمخرج المغربي عبد الواحد عوزري

انطلقت أول أمس الأربعاء فعاليات الدورة 13 لمهرجان بنمسيك للمسرح الاحترافي الذي تنظمه جمعية فضاء القرية للإبداع إلى غاية آخر الشهر الجاري، بدعم من وزارة الثقافة ومجلس مقاطعة بنمسيك ومسرح محمد الخامس ومجلس مدينة البيضاء.. وارتأت الجمعية المنظمة أن تطلق على هذه الدورة اسم المخرج المغربي عبد الواحد عوزري تكريما وتقديرا لعطاءاته المتميزة في المشهد المسرحي الوطني، إلى جانب التفاتة تكريمية لكل من الممثلة ساندية تاج الدين والإعلامي العربي رياض، مع ماستر كلاس لقيدوم المسرح المغربي سالم كويندي..
خلال حفل الافتتاح تم تكريم “عريس” الدورة الفنان الدكتور عبد الواحد عوزري، حيث ألقى كل من الكاتب المسرحي والإعلامي الحسين الشعبي والكاتب والناقد المسرحي محمد بهجاجي شهادتين وازنتين في حق المحتفى به، ننشر فيما يلي شهادة الحسين الشعبي.                                                                                                          

شهادة في حق الفنان الصديق عبد الواحد عوزري

الشغيل الصموت.. مسالك ومسارات في المسرح والحياة

شرفني صديقي الفنان الجميل والرائع إسماعيل أبو القاسم، رئيس جمعية فضاء القرية للإبداع بالدار البيضاء، بكتابة وتقديم شهادة في حق الفنان الكبير المخرج عبد الواحد عوزري، شخصية الدورة الثالثة عشرة لمهرجان بنمسيك للمسرح الاحترافي، وإني إذ أشكر الصديق إسماعيل على هذا التشريف، فإنني أشيد بقوة وأنوه باعتزاز بهذه الالتفاتة التكريمية المواطنة والنبيلة تجاه أحد مؤسسي معهدنا العالي المسرحي الأول والوحيد بالمغرب، وأحد طليعيي الحركة التحديثية والتجديدية في المسرح المغربي، إبداعا وتنظيما وتدبيرا… إنه تكريم مستحق وعبد الواحد جدير بكل تكريم وتقدير..شرفني صديقي الفنان الجميل والرائع إسماعيل أبو القاسم، رئيس جمعية فضاء القرية للإبداع بالدار البيضاء، بكتابة وتقديم شهادة في حق الفنان الكبير المخرج عبد الواحد عوزري، شخصية الدورة الثالثة عشرة لمهرجان بنمسيك للمسرح الاحترافي، وإني إذ أشكر الصديق إسماعيل على هذا التشريف، فإنني أشيد بقوة وأنوه باعتزاز بهذه الالتفاتة التكريمية المواطنة والنبيلة تجاه أحد مؤسسي معهدنا العالي المسرحي الأول والوحيد بالمغرب، وأحد طليعيي الحركة التحديثية والتجديدية في المسرح المغربي، إبداعا وتنظيما وتدبيرا… إنه تكريم مستحق وعبد الواحد جدير بكل تكريم وتقدير..يكاد الحديث عن الصديق الفنان عبد الواحد عوزري لا يستقيم بمعزل عن الفنانة الرائدة ثريا جبران.. كما لا يجوز الحديث عن صاحبنا عبد الواحد من دون ربطه بتجربة فرقة “مسرح اليوم” الاستثنائية.. وكذا بعلاقاته الإنسانية والاجتماعية والثقافية متعددة الأبعاد التي نسج من خلالها عددا هائلا من الصداقات في الداخل والخارج، ولا سيما تلك التي أثرت  فيه وتفاعل معها.. أسمح لنفسي في هذا المقام أن أذكر أسماء ونماذج منها على سبيل تنويع التجارب والأجيال فحسب لا على سبيل الحصر والتحديد.. قامات وازنة من عيار عبد الرحمان اليوسفي، محمد اليازغي، محمد الأشعري، ندير يعته، نبيل بنعبد الله، محمد لكحص، عبد الكريم بنعتيق، جاك لاند، الطيب الصديقي، مصطفى القباج، محمد قاوتي، محمد بهجاجي، عبد الحق الزروالي، منى فتو، محمد البسطاوي، لطيفة أحرار، عبد المجيد الهوس،.. وعدد كبير من الفنانين من مختلف الأجيال ومن مختلف الأجناس والمهن الفنية…لكن، بعيدا عن كل هذه الأواصر والصلات، أجدني من حقي أن أتجرد أنا الآن هنا، وأجردَه هو بدوره، الآن هنا معي، من كل ارتباط قد يجعلنا نحرمه حقه من الفرادة والتفرد، ونحرم أنفسنا من حقنا في البحث عما يميزه عن سائر نظرائه من سابقيه، وعن كافة أقرانه من مجايليه، وما يفصله عن كل الأسيقة والاعتبارات الموضوعية التي رافقته وعايشها في المسرح والحياة..إنه الواحد المتفرد في ذاته، لكن ليس لذاته.. فيه ما ليس في آخرين، لكنه يتقاسم معهم بعضا من العلامات والسمات والعناوين.. دعوني أقوم بسرعة بمقاربة شخصية الصديق عبد الواحد عوزري من ثلاث زوايا أساسية: 
• الفنان المثقف:  
وهو العارف بالتاريخ والإبيستمولوجيا والسياسة والفلسفة وعلم الجمال.. نلمس ذلك كله منسابا بسلاسة وذكاء في كل إبداعاته، كتابة وإخراجا، وإن كان عبد الواحد عوزري عرف في وضعه المهني كمخرج وليس كمؤلف (كتب مسرحيتين فقط: “نركبو الهبال”، و”السويرتي مولانا”، وكتب ونشر دراسات ومقالات نقدية).. لكنه أخرج العديد من المسرحيات وخصوصا في مرحلة النضج الاحترافي في الفترة ما بين 1987 و2003.. ونذكر من بين أشهر مسرحياته:

    رئيس مجلس مقاطعة بنمسيك يسلم درع التكريم لللمخرج عبد الواحد عوزري

• حكايات بلا حدود / محمد الماغوط• بوغابة / محمد قاوتي•نركبو الهبال / عبد الواحد عوزري• النمرود في هوليود / عبد الكريم برشيد• السويرتي مولانا / عبد الواحد عوزري• الشمس تحتضر / عبد اللطيف اللعبي• أيام العز / يوسف فاضل• اللجنة / بشير القمري عن رواية لصنع الله إبراهيم• إمتا نبداو / امحمد بنكطاف• البتول / محمد بهجاجي• العيطة عليك / محمد بهجاجي• امرأة غاضبة / محمد بهجاجي عن جان بيير سيمون• الجنرال / محمد بهجاجي• أربع ساعات في شاتيلا / جان جينيه، تعريب محمد برادة•ياك غير أنا / يوسف فاضل
وبصفته فنانا مثقفا وعارفا، استطاع أن يسم اختياراته الفنية بميسم الصرامة والرصانة والالتزام والاتزان.. فأصر في المبتدإ أن يشتغل على نصوص مسرحية منبثقة من التربة المغربية، حيث نستطيع الإقرار بأن نخبة من خيرة المؤلفين الدراميين المغاربة مروا من مجهر المخرج عبد الواحد عوزري وأثروا ريبرتوار مسرح اليوم.. وكان من البدهي والطبيعي، بالنظر لتكوينه السياسي وطبيعة القيم التي ينتصر لها كفنان مثقف، أن يسافر في إبداعاته بحثا عن المعنى والجدوى، فتعاطى مع مضامين إنسانية واجتماعية قوية من قبيل (الديمقراطية، الحرية، العدالة الاجتماعية، نقد الاستبداد، نقد الفساد، الدفاع عن قيم المساواة وحرية المرأة، القضية الفلسطينية، نقد الراهن السياسي الوطني والعربي، الدفاع عن حقوق الإنسان… إلى غير ذلك من التيمات الإنسانية التي تناولتها النصوص التي اشتغل عليها). وذلك ما جعل من عوزري مخرجا مثقفا ومفكرا ينتصر للمعنى في المسرح.إلى جانب ذلك عَرف الفنان عبد الواحد عوزري كيف يمزج بشكل خلاق بين تقاليد مسرح الهواة وقيمه ورأسماله الرمزي (بما يتميز به من تضحية وحب المسرح، البحث التجريبي، الجرأة السياسية والشجاعة الأدبية) وبين ضوابط وقواعد وصرامة المسرح الاحترافي (بما تستوجبه من مهارات التقنية والصنعة، وقيم الجدية والانضباط، والتعاقدات والمهنية..).
•المهندس الثقافي:
عبد الواحد عوزري ليس مجرد عاشق للمسرح أو مخرج محترف فقط أو كاتب ومؤلف، وإنما هو “مهندس ثقافي” بامتياز.. قدم خدمات كبيرة للبلاد في الحقل الثقافي والفني. ولعل من بين خدمات وإسهامات الدكتور عوزري للنهوض بالمسرح المغربي عمله على توطيد العلاقة بين المسرح والتليفزيون، وإبراز وتثمين الغنى والتنوع اللذين يطبعان المسرح المغربي، بحيث يقدم أشكال مختلفة للفرجة المسرحية بالتليفزيون، على عكس ما دأب عليه هذا الجهاز من إقصاء وتهميش للمسرح المستند على البحث والتجريب. وكذلك الشأن حين تقلد مهمة بديوان السيدة وزيرة الثقافة الراحلة ثريا جبران..فبعد معايشته لمختلف تجارب مسرح الهواة، وبعد ارتوائه من تجارب أخرى عربية وعالمية، وبعد تأسيس فرقة مسرح اليوم.. ظهرت مهارة أخرى لدى عبد الواحد عوزري، في مجال الهندسة الثقافية، حيث بصم وشما راسخا في تاريخ التنظيم الهيكلي لبنية الفرقة المسرحية ومسلكيتها ومعنائيتها، بتوازن ذكي بين البنية الجمعوية والمؤسسة المقاولاتية، من دون التفريط في التقاليد الإيجابية للعمل الجماعي في مسرح الهواة، وباستحضار نوعية وشروط القيادة التدبيرية التي تتطلبها الممارسة الاحترافية، من دون التفريط في الاختيارات الجمالية والفكرية التي تؤطر ممارسته، ومن دون إقصاء الجمهور الواسع المتعطش للفرجة والجودة.. وبذلك دحض عوزري بعض المفاهيم السائدة المبتذلة والتي كانت تدعي “حقيقة” وهمية مفادها أن ثمة فرجات خاصة ومحددة وأكثرها فرجات سطحية وساذجة، هي الكمينة وحدها باستقطاب الجماهير… استطاع أن يفند هذه المقولة الأسطورية بشجاعة وجرأة، لكن بتنافسية عالية، وبمهنية عالمة، وبروح عاشقة.. تذكروا معي هنا مسرحيتي “بوغابة و”العيطة عليك” وغيرهما.. والجولات والصولات التي حققتها عروضه في ربوع المغرب الكبير..عوزري، العارف بالهندسة الثقافية، لم يحصر مجالات اهتماماته بالفعل المسرحي وما يحيط به فقط، وإنما اتسعت فضاءات مهاراته لتشمل ميادين أخرى “قريبة من الخشبات.. بعيدا عنها” كتدبير التظاهرات الكبرى، والعلاقات العامة، والسياسات العمومية في الثقافة والفنون، والاستشارة وتقديم الخبرة، والحقل الإعلامي… فضلا عن العمل السياسي…فمن التشبع برصيد مسرح الهواة، إلى استكمال الدراسات العليا بالحصول على الدكتوراه، إلى تأسيس فرقة مسرح اليوم، إلى تراكم ريبرتوار مسرحي مشرف (15 عرضا مسرحيا)، إلى مستشار في ديوان وزيرة الثقافة الراحلة السيدة ثريا جبران، وقبل ذلك مدير الدراسات في المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، ومدير فني لمهرجان الرباط الدولي، ثم مستشار لدى الاتحاد الأوروبي، إلى مسؤول في القناة الأولى التابعة للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، إلى إحداث وإعداد برامج تلفزية لتثمين الممارسة والثقافة المسرحية، إلى اليوم..من دون شك أن تجربة عوزري في فرقة “مسرح اليوم” ضخت نفسا جديدا في جسد المسرح المغربي، عبر وضع استراتيجية احترافية واضحة المعالم وحمل مشروع مسرحي ثقافي بمضامين قوية وأشكال مجددة، مما شكل في فترة الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، منعطفا جديدا وحاسما في تاريخ المشهد المسرحي الوطني المعاصر، إبداعا وتنظيما وتسويقا.. وصارت التجربة الجديدة لفرقة مسرح اليوم نموذجا يحتدى به واستفادت منه أجيال كثيرة من المسرحيين والعديد من الفرق. بحيث أن عوزري تمكن، بعقلية المهندس، وذهنية المدبر، من جعل فرقة “مسرح اليوم” شبه “مقاولة فنية” استطاعت أن ترسم معالم عملها وسط ميدان كان في الحقيقة يتسم بالعشوائية في التسيير، إذ لم تكن هناك أي تقاليد ولا أعراف احترافية في التعامل بين الفرق والمشتغلين بها، لا عقود عمل تربط الفنانين بالمنتجين ولا التزامات تؤطر عمل المسرحيين، إلى أن جاءت تجربة مسرح اليوم بقيادة عبد الواحد عوزري والفقيدة ثريا جبران لتصحيح عدد من الأمور.• عوزري الباحث
أغنى عبد الواحد عوزري الخزانة المسرحية بخمس إصدارات هامة نالت حظها من الاستقبال النقدي والإعلامي، فبعد نشره لكتابه الشهير باللغتين العربية والفرنسية: “المسرح في المغرب.. بنيات واتجاهات” 1988 و Le Théâtre au Maroc.. Structures et tendances، 1987، وهما معا عصارة لأطروحته لنيل الدكتوراة بجامعة نانتير بفرنسا، نشر ثلاثة كتب أخرى: “تجربة المسرح” 2014، و”قريبا من الخشبات.. بعيدا عنها” 2017، “محمد بهجاجي.. مسارات النقد والإبداع ” 2023؛ وهي كتب في غاية الأهمية في مجال رصد وقراءة بعض التجارب وبعض المحطات التي شهدها المسرح المغربي الحديث والمعاصر.. ولعل المطلع الموضوعي على هذه الكتب / الأبحاث، سيجد لا محالة خيطا رفيعا بمثابة عنوان كبير للهدفية العليا للكتابة والتأليف والبحث عند عبد الواحد عوزري، هذا الخيط الرفيع يعكس اختيارا سياسيا وثقافيا واعيا لدى المسرحي عوزري، ويتعلق الأمر باختيار الكتابة في التاريخ لتوثيق الوقائع والأحداث ومسارات الشخصيات والتجارب…هذه الاختيارات تؤطرها خلفية ثقافية وسياسية مستندة على الموقف المبدئي، والمشاهدة والشهادة، والبوح والعرفان.. وهي تجربة جديرة بالانتباه والدرس، وجديرة أيضا بالتحية والاحتفاء..إن عوزري، الفنان والمثقف والمهندس، يحمل مشروعا ثقافيا ضخما وواعيا، وبصفته حاملا لمشروع، رسم لنفسه ومساره خارطة طريق وفق استراتيجية واضحة المعالم، ومتواصلة بتواتر وثبات في إبداعاته وأبحاثه ومبادراته في المسرح والثقافة والحياة، ولعل القادم من الأيام سيكرس هذا المسعى…أنحني اليوم احتراما وتقديرا لهذا الرجل العظيم، لهذا الفنان الشغيل الصموت، لهذا الإنسان الطيب الخلوق.. لك مني يا صديقي عبد الواحد قبلات ملؤها بلاغة إنسيتك، وعمقها روح الفنان فيك.. تحية ومودة لا حد لها ولا حصر…

 بقلم: الحسين الشعبي

كاتب وناقد مسرحي وإعلامي

Top