إذا ما اعتبرنا أن السينما بدأت قصيرة على حد تعبير عدد من الباحثين، فإن الفيلم القصير له من الأهمية والمكانة ما تؤهله لطرح إشكالات وتساؤلات مجتمعية هامة، وتاريخيا تؤكد لنا الفيلموغرافية المغربية أن
ولادة الفيلم القصير بالمغرب كانت سنة 1947وجل المخرجين آنذاك، أجانب صوروا أفلاما عن المغرب وحوله في قضايا مختلفة، والانطلاقة الحقيقية للفيلم القصير المغربي سنة 1956 بإخراج الشريط القصير بالأبيض والاسود، ناطق بالعربية من إخراج المرحوم العربي بنشقرون، بعنوان “صديقتنا المدرسة” من تم توالت الانتاجات الفيلمية وبشكل كبير إلى حدود اليوم، ساهمت في تأسيس السينما المغربية وتقديم الفيلم القصير بصيغة فنية جديدة وإدراجه في طابع تخييلي روائي تمثل في البحت عن مجالات ومواضيع متنوعة.
وفيلم “الفائزات” للمخرج مصطفى بنخلافة إنتاج أنديفيلم سنة 2019 هو واحد من التجارب الفيلمية المغربية الذي يضعنا أمام وضع انساني جد مهم بطرحه لحالات التعامل مع الانسان المعاق، كإنسان قويم له منصبه داخل المجتمع، حيث يحكي قصة فايزة التي تسترجع ذكريات تمدرسها عند مساعدتها لأستاذ كان لا يقبلها في قسمه، لما أراد أن يضع ملفا إداريا لدى الوكالة التي تشتغل فيها، لفيلم منتج بمقاييس الولوجيات ومترجم للغة الإشارات المعنونة المرموزة للأشخاص الصم وقليل السمع وللوصف السمعي لذوي ضعاف البصر والمكفوفين هنا، يمكن اعتبار الفيلم دعوة لكل الفاعلين في المجال السينمائي لكي يأخذوا بعين الاعتبار بعد الإعاقة في منتجاتهم، كما فعل مثلا مهرجان الفيلم الدولي بمراكش الذي كان سباقا في مبادرته المتميزة بالاهتمام بولوج المكفوفين وضعاف البصر بالوصف السمعي البصري.
يتبنى الفيلم في سيرورة أحداثه شيئا من الخصوصية، من خلال كتابة سيناريستية محدودة وموجزة، إذ ترتبط أساسا بتبليغ فكرة وجعلها بمثابه رسالة نفاذة لكل الذين يتعاملون بقسوة مع الانسان المعاق، حيث نلحظ خلال مجريات الأحداث أن فايزة المعاقة التي لا يطيقها الأستاذ في قسمه هي التي وقفت الى جانبه فيما بعد، وقد صيغت كتابة فيلمية محكية باحترافية متقنة من طرف المخرج السيناريست مصطفى بنخلافة، حيث يجعلنا الفيلم أمام وضع تصحيحي لمعنى الإعاقة وكيفية التعامل مع أناس حاملي حالات الإعاقة على أن لهم المكانة والاحقية في المجتمع بكل احترام، إذ يعد الفيلم درسا أخلاقيا لمن يسيء التعامل مع هاته الفئة من المجتمع، وبفضل رؤية إخراجية لها من الجماليات ما يكفي لجعل فيلم “الفائزات” ينتصر لقيمة إنسانية كبرى، مباشرة منذ اللقطة الأولى، مع بداية الفيلم تجعلنا الكاميرا امام فضاء خارجي جد أرحب لمدينة الرباط، بحضور صديقة فايزة في تمارين رياضية، التي ظلت وفية لصديقتها منذ الدراسة. بعد ذالك تلوح بنا عين المخرج الى الفضاء الداخلي حيث الإدارة التي تشتغل فيها فايزة او عبر الفلاش باك الذي كان مكثفا باستحضار سنوات الدراسة داخل القسم ويبقى المشهد الأخير الأكثر مغزى الذي جاء على شكل مواجهة مباشرة بين الاستاذ وفايزة، حيث صاغه المخرج بشكل فني عميق ليوصل الهدف المنشود، بتركيز الكاميرا على ملامح الاستاذ، وهو في حالة ندم قصوى تقمص شخصيته الفنان المقتدر محمد الشوبي، إضافة إلى بقية الكاستينغ: الممثل احمد حمود وعلية الادريسي وندى فكري.
فيلم الفائزات إضافة نوعية في مسار السينيفلي المخرج مصطفى بنخلافة، الذي يحاول الوقوف عند القضايا الإنسانية بتعبير فيلمي إبداعي متمكن من أدوات اشتغاله، محاولا عبر السينما إيصال قيم الحب والجمال، وهو يستعد هاته الأيام لإخراج فيلم قصير آخر في نفس الطرح بعنوان صدمة.
> مصطفى ضريف