بلا صفيح

الندوة الدولية المقامة في الرباط تحت شعار «القضاء على مدن الصفيح: تحدي عالمي لسنة 2020»، ليست تظاهرة لتبادل الخطب والمجاملات، وإنما هي ورشة حقيقية للتفاعل المتبادل مع مختلف التجارب المتعلقة بسياسات السكن والتعمير والقضاء على مدن الصفيح، خاصة أن السكن الصفيحي بات إحدى الإشكالات العالمية التي ينشغل بها المجتمع الدولي، وقد سبق لبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية أن نبه إلى المخاطر الناجمة عن هذه الظاهرة، وخاصة في بلدان الجنوب، والتي من المحتمل أن ينتقل عدد سكان الأحياء الصفيحية بها من مليار نسمة حاليا إلى ملياري نسمة في أفق 2030. الأمر يتعلق إذن بحق أساسي يعتبر محوريا في تأمين الكرامة البشرية، إنه السكن اللائق والمتوفر على كل أساسيات الحياة، وهو أيضا من المؤشرات الرئيسية في ترتيب الدول ومستويات التنمية بها، ورغم ذلك فإن هذه المحورية لا تعني فقط توفير سقف للإيواء، ولكنها تحيل على السكن كسبيل للاندماج الاقتصادي.
وسبق لجلالة الملك في خطاب وجه إلى المشاركين في الملتقى الوطني حول الجماعات المحلية انعقد في أكادير يوم 12 دجنبر 2006، أن أكد أن «غايتنا المثلى، ليس فقط تحقيق مدن بلا صفيح، ولا استبدالها بمساكن أشبه بعلب الإسمنت عديمة الروح الاجتماعية، وإنما بالأحرى، جعل مدننا ترتقي إلى فضاء للتساكن والعيش الكريم، ومجالا للاستثمار والإنتاج، في حفاظ على طابعها الحضاري المتميز..»، وهذا يجعل التحدي أكبر من «مدن الصفيح»، بل إنه التوفر على… مدن!!!!!
إن الأمر يتعلق بسياسة وطنية متكاملة للتمدن، أي أن الإطار هو أكبر وأشمل من القضاء على مدن الصفيح، وهو ما تجسده اليوم منظومة سياسة المدينة، أي أن السكن يفتح الأفق للولوج لسوق العمل والانخراط في دينامية الإنتاج والنشاط الاقتصاديين، ويوفر للناس كل شروط وفرص العيش الكريم، وبالتالي تتحول المدن والتجمعات السكنية إلى فضاءات للتنمية الاقتصادية، وتتيح للساكنة فرص الحياة والتطور.
في بلادنا، تحققت فعلا كثير منجزات على هذا الصعيد خلال السنوات الأخيرة، وتتواصل الجهود اليوم ضمن رؤى وتصورات إرادية ومجددة، ولهذا حضيت التجربة المغربية بتقدير دولي وإقليمي، لكن مع ذلك لا زالت الإكراهات قائمة، وهي كما قال الوزير المسؤول عن القطاع «تتصل أساسا بالتعاقد واحترام الالتزامات، وبتتبع البرنامج وتقييمه، وذلك رغم إحداث مجموعة من الأجهزة المختصة في هذا المجال، بحيث يصعب ضبط تزايد الأسر القاطنة بالأحياء الصفيحية، إضافة إلى بعض الإشكاليات المرتبطة بتعميم مقاربة المواكبة الاجتماعية للأسر المعنية بالبرنامج» الخاص بالقضاء على مدن الصفيح.
اليوم بلادنا مدعوة لاستثمار كل الجهود، من لدن مختلف الفاعلين، لإنجاز ورش السكن والقضاء على مدن الصفيح، وذلك من خلال التغلب على الإكراهات المشار إليها، وأيضا لتعبئة كل الإمكانات المطلوبة لكسب تحدي القضاء نهائيا على مدن الصفيح في أفق 2020.
وهذا لن يتم إلا بانخراط كافة الفاعلين(سلطات مركزية، جماعات محلية، قطاع خاص، أبناك…)، وذلك ضمن مقاربة تشاركية مندمجة، وفي إطار اعتبار السكن اللائق مدخلا لتوفير كل فرص العيش الكريم للسكان، ولجعل مدننا فضاءات للتنمية الاقتصادية.
[email protected]

Top