تدبير الموارد المائية وتغير المناخ بين التكيف والتخفيف

تعتبر إدارة المياه العنصر الحاسم الذي يجب أن يتكيف مع التغيرات المناخية والاجتماعية والاقتصادية التي من المنتظر أن يعرفها كوكب الأرض في العقود القادمة، تغييرات ستمس الأمنين المائي والغذائي والاستهلاك الفردي للمياه الصالحة للشرب والمياه الموجهة لسقي الأراضي الزراعية، فضلا عن بعض القطاعات المنافسة كقطاع إنتاج الطاقة الكهربائية، بما في ذلك قطاع الطاقات النظيفة مما سيؤدي إلى تغيرات في إدارة المياه.
ولضمان وفرة المياه لإنتاج الغذاء ولتحقيق احتياجات الإنسان والبيئة، يجب أن تعرف الممارسات الفردية والجماعية مراجعة شاملة، خصوصا تلك الممارسات التي تزيد من إنتاجية الاستخدام من مياه الري، والتي تعرف بأنها إنتاج المحاصيل لكل وحدة استخدام المياه، في أفق توفير إمكانيات التكيف الكبيرة للجميع لإنتاج الأراضي في ظل تغير المناخ.
وتمكننا العديد من دراسات المحاكاة من النظر في مزايا التكيف النسبية للقطاع الزراعي مع تغير المناخ، ابتداء من درجة الاحترار الخفيف إلى الاحترار المعتدل، بينما تبرز هذه الدراسات أنه من المنتظر أن تزيد استراتيجيات الاستجابة المتعددة مع درجات التوتر المرتبطة بالمياه وبالموارد البيئية الأخرى كلما تزايدت درجة الاحترار، في حين تعرف إجراءات التكيف الذاتي في المجال الزراعي على أنها الردود التي سيتم طرحها وتم تنفيذها من قبل المزارعين أفرادا كانوا أو جماعات حسب تغير المناخ الحقيقي أو المتصور في العقود القادمة دون تدخل مباشر أو تنسيق حكومي إقليمي أو وطني أو بدون التزامات أو اتفاقيات دولية، هذه هي الوسيلة التي يكون بها التكيف الضعيف، على سبيل المثال، قرار زراعة الأراضي الصحراوية عبر تبني ممارسات الزراعات غير المستدامة البطيخ الأحمر نموذجا، حيث يمكن أن تزيد مثل هذه الزراعات غير المستدامة من تسارع تدهور الأراضي ونضوب الفرشة المائية وتهديد للتنوع البيولوجي خاصة وللمنظومات الإيكولوجية بصفة عامة، وربما ستعرض القدرة المستقبلية لكوكب الأرض لخطر الاستجابة لمخاطر المناخ المتزايدة في وقت لاحق على مدى القرن، وفي مقابل هذه التهديدات يبقى التكيف الذاتي والتكيف المخطط، بما في ذلك التغييرات في السياسات والمؤسسات والبنية التحتية ضروريان لتسهيل الاستجابات للتكيف لتغير المناخ.

ندرة المياه والتكيف الذاتي

يعتبر نهج التكيف الذاتي بشكل أساسي كأحد الحلول لتكثيف إدارة المخاطر المناخية في أفق تطوير والرفع من مستوى الإنتاج، وبالتالي فهو يبقى الحل المتاح بالفعل لنهجه من طرف المزارعين والجمعيات والتعاونيات الفلاحية التي تشتغل على تيمة الماء، ويشمل التكيف الذاتي تبني أصناف أو أنواع أكثر مقاومة لظاهرة الاحتباس الحراري والجفاف عبر تعديل تقنيات الري واعتماد تقنيات الاستخدام الرشيد للمياه مع الحفاظ على رطوبة التربة والحد من ترسب الطمي و تسرب المياه المالحة تحسين إدارة المياه لتجنب تشبع الأرض بالمياه، وحماية التربة من التعرية والرشح؛ وتعديل التقويمات المحصولية أي توقيت أو موقع الأنشطة الفلاحية مع تنفيذ التنبؤات المناخية الموسمية، وقد يتضمن التكيف الذاتي نهج استراتيجيات التأقلم الأخرى عبر تغيير استخدام الأراضي للاستفادة من ظروف مناخية زراعية معدلة.
وتظهر بعض دراسات المحاكاة الأهمية مياه الري كطريقة تكيف نموذجية تهدف إلى الحد من تأثير تغير المناخ، ومع ذلك بشكل عام تشير التوقعات إلى أن أكثر من غيرها، يجب أن تحدث المياه ميزة نسبية كبيرة للتكيف في سياق من الاحترار المنخفض إلى المعتدل، وذاك عبر ممارسات المواجهة التي تنطوي على زيادة في استهلاك مياه الري يمكن أن تثقل كاهل كوكب الارض بالفعل بقيود إضافية على الموارد المائية والبيئية مثل الزيادة في الاحتباس الحراري والطلب على التبخر.
وبالتوازي هناك استراتيجيات تكيف عديدة تم اكتشافها في القطاعات أساسية الإنتاج بخلاف الزراعة أيضا، على الرغم من أنها غير متمركزة مباشرة على القضايا المتعلقة بالمياه، هذه الاستراتيجيات يمكن أن تؤثر مع ذلك على الاستهلاك لتشمل المياه، أنظمة الثروة الحيوانية، تغيير في دوران المراعي، تعديل فترات الرعي أو تغيير الأنواع أو السلالات والأعلاف الحيوانية، تغيير في الاندماج في نظم المحاصيل المختلطة أو الثروة الحيوانية، على وجه الخصوص استخدام محاصيل العلف المكيفة، مع ضمان إمدادات المياه الكافية، وكذلك الاستخدام الأطعمة التكميلية والمركزات، هذه الاستراتيجيات ستعمل على تكيف الرعاة في المناطق الجافة وشبه الجافة في كينيا وجنوب إثيوبيا وفي العديد من دول القرن الافريقي التي تشهد لسنوات فترات جفاف حادة،أما فيما يتعلق بالنظم البيئية البحرية فباستثناء تربية الأحياء المائية وبعض مصايد المياه العذبة، واستغلال التجمعات الطبيعية للأسماك تمنع التكيف لذلك فإن حلول التكيف مركزة على تعديل المدى والجهد المصيد.
ويبقى نطاق تدابير التكيف الذاتي هو أبعد من ذلك وأكثر تقييدا، بسبب تطبيق القوانين التي تحكم استخدام النظم البيئية البحرية والثروة السمكية بينما اعتمدت على نطاق واسع، فلاستراتيجيات التكيف أنظمة الإنتاج ولديها إمكانات كبيرة لمواجهة الآثار السلبية للتغيير المناخي والاستفادة من الآثار الإيجابية، ومع ذلك، هناك عدد قليل من التقييمات التي همت فعالية ومدى اعتماد هذه التعديلات
بالنظر إلى طبيعتها حيث وصفت بالمعقدة في صنع القرار، وبتنوع الاستجابات من منطقة إلى أخرى، في حين حددت هذه التقييمات المواعيد النهائية للتنفيذ والحواجز الاقتصادية والمؤسساتية والثقافية المحتملة التغلب على سبيل المثال، القدرة على التكيف ممكن من مجتمعات المزارعين أو أصحاب المزارع إلى يعتبر سوء سبل العيش بشكل عام ضعيف جدا، وبالمثل مساحات شاسعة من الغابات تخضع للحد الأدنى من الإدارة البشرية المباشرة، وهذا يحد من فرص التكيف، حتى الغابات فهي تدار بشكل مكثف، حيث تكون أنشطة التكيف أكثر قابلية للتحقيق، وتأخيرات طويلة بين الزراعة والحصاد حيث يمكن أن يجعل من الصعب تبني استراتيجيات التكيف الذاتي الفعال.

التكيف المخطط ”تحلية مياه البحر” نموذجا

توسيع نطاق جمع مياه الأمطار وتقنيات تخزين المياه وحفظها وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي وتحلية مياه البحر؛ والحكامة الجيدة في استخدام مياه الري، تلك أهم صور التكيف المخطط له، ويرتكز هذا النوع من التكيف على تطوير البنيات التحتية الجديدة.
إن إنتاج المياه العذبة من مياه البحر بطاقة أقل بأربع مرات مما هو عليه في التركيبات التقليدية أمر رائع بالفعل، ويكون هذا أكثر روعة عندما تكون الطاقات المستعملة في هذه العملية هي طاقات متجددة ونظيفة، فإذا كانت المياه العذبة ضرورية للأنشطة البشرية فهي أيضا سلعة نادرة في العديد من الأماكن من الكوكب الازرق، حيث في بعض الأحيان تكون هذه المياه وفيرة لكنها مالحة، بينما يمكن أن تنتج عن عملية تحلية المياه مياه عذبة، وتعتمد محطات تحلية المياه حاليا بشكل أساسي على مبدأ تقطير مياه البحر من خلال دورة التبخر والتكثيف، والترشيح بالتناضح العكسي، هاتان الطريقتان لهما عيب وحيد ربما يتمثل في ارتفاع تكلفة الطاقة، ويكمن جمال هذه الطرق في أن هذه العملية تعمل بشكل أفضل عندما يتم تركيبها في الأماكن التي تفتقر إلى المياه العذبة بقسوة: فكلما كانت البيئة أكثر جفافا كلما زاد تركيز الأملاح بواسطة الطاقة الشمسية، ومع ذلك يجب أن تكون في المناطق الساحلية طبقات للمياه الجوفية المالحة، ويتمثل القلق المشترك في عمليات تحلية المياه الأخرى في إنتاج محلول ملحي وأملاح والتي يؤثر إطلاقها في البيئة أو البحر أو باطن الأرض بشدة على النظم البيئية.
وبصيغة أخرى يجب على السياسات والمؤسسات التي تدعم وتسهل التكيف المخطط له نموذج تحلية مياه البحر، أن تعمل على تنسيق تدابير استخدام وإدارة الأراضي، وهذا من الممكن تحقيقه بشكل عام من خلال تخطيط إداري للمياه يرمي الى تكيف برامج التنمية مع تغير المناخ، هذا التكيف المخطط له يتجلى في تزايد الاستثمارات في البنية التحتية للري وتقنيات الاستخدام الرشيد للمياه، مع ضمان بنية تحتية مناسبة للنقل والتخزين، ومراجعة نظام حيازة الأراضي على وجه الخصوص خصائص واضحة المعالم وإنشاء الأسواق سهلة الوصول وفعالة للمنتجات والمدخلات بما في ذلك استراتيجيات تسعير المياه والخدمات المالية والتأمين على الأخطار والكوارث الطبيعية المتعلقة بتدبير الماء، وقد يسهل التكيف المخطط تنسيق السياسات بين مختلف المؤسسات حيث يصبح في بعض المرات ضروريا لتسهيل التكيف مع تغير المناخ، وعلى وجه الخصوص عندما يؤدي انخفاض المورد المائي إلى خلق قيود قد تدفع بالفلاحين إلى اعتماد زراعة الأراضي الهامشية أو تبني فئة الفلاحين لممارسة الزراعات غير المستدامة التي تزيد من تدهور الأراضي واستخدام الموارد المائية بما في ذلك المياه الجوفية من مثيل الزراعات غير المستدامة البطيخ الأحمر بالقرب من واحات طاطا وزاكورة.
توضح العديد من تقييمات التكيف على الصعيد العالمي والوطني وعلى صعيد الأحواض المائية بشكل عام أن الأحواض شبه القاحلة والقاحلة هي الأكثر عرضة لخطر العجز المائي، فكلما انخفضت التساقطات المطرية كلما زاد الطلب على مياه الري والضغط على السدود والاحواض المائية في ضمان انسيابية المياه الموجهة للسقي أخذا بعين الاعتبار كل المؤشرات الاخرى المتعلقة بالسدود و الخدمات التي تقدمها سواء استخراج الطاقة وتزويد الساكنة بمياه الشرب، حيث يصبح من الصعب أن ترضي إدارة المياه جميع الطلبات الأخرى، فالتغييرات المخطط لها للتدفق في مجموعة من الانهار الكبرى العالمية منها والوطنية كنهر أم الربيع، نهر سبو ونهر أبو رقراق ونهر تانسيفت إلى أن الطلب الحالي على المياه لا يمكن إرضاؤه بحلول عام 2030، حتى مع ممارسات الإدارة التكيفية، زيادة على أن استخدام مياه الاحواض المائية في الري فقط يضعف في بعض المرات الجريان السطحي وبالتالي ضمان الصبيب الايكولوجي لتزويد المصب حفاظا على حياة الكائنات الحية في المناطق الرطبة بالمصبات، فالأحواض المائية في حاجة الى سياسة رشيدة لمكافأة لضمان كفاءة الري عبر الحكامة الجيدة للمياه والتطوير التنظيمي وإدارة أفضل لهذه الاحواض، وبالتالي فهي تمثل أداة مهمة لتحسين القدرة على التكيف على المستوى الإقليمي، ويمكن أن تكون العواقب غير المقصودة من زيادة استهلاك مياه المنبع من طرف المستخدمين الى حرمان تزويد المصب من الماء
أصبح من اللازم اقتراح حلول تقنية جديدة بالإضافة إلى التقنيات المتوفرة لدى اـلمزارعين ومديري الأراضي، حلول تقنية يتم ابتكارها من خلال جهود البحث والتطوير المكرسة، ويجب التخطيط لها وتنفيذها من أجل زيادة القدرة الإجمالية على الاستجابة لتغير المناخ في العقود القادمة، حلول تقنية تهدف إلى توسيع البحث والتطوير وتشمل الاختيار التقليدي والتكنولوجيا الحيوية لتحسين مقاومة أنواع المحاصيل والأعلاف والماشية والغابات والأسماك للضغوط المناخية من جفاف وفيضانات.

الأمن المائي والغذائي أية علاقة؟

يحدد الخبراء الأبعاد الأربعة للأمن الغذائي في توافر الغذاء والحصول على الغذاء، واستقرار العرض واستخدام الغذاء، حيث من المنتظر أن تتأثر كل هذه الابعاد بتغير المناخ، بل الأهم من ذلك فالأمن الغذائي لن يعتمد فقط على التأثيرات المناخية والتأثير الاجتماعي والاقتصادي على إنتاج الغذاء، ولكن سيكون له أيضا ارتباط وثيق بتغير التدفقات التجارية والمخزونات وسياسة المساعدات الغذائية،وسينتج عن تغير المناخ عدة متغيرات في إنتاج الغذاء، وبالتالي التأثير على الوصول الى الغذاء خصوصا في البلدان النامية الاستوائية، حيث من المنتظر أن تعاني من النقص في الغذاء كما تعاني حاليا من العديد من نقص في موارد الأراضي والمياه مما سيؤدي بشعوب هذه الدول إلى انعدام الأمن الغذائي الشديد، لاحتمال تعرضها بشكل خاص لتغير المناخ.
سيؤثر تواتر سنوات الجفاف وشدتها والفيضانات وحدتها على استقرار إمدادات الأطعمة والوصول إليها، هذا العجز المرتقب يمكن أن يرفع من وتيرته شح المطر مما سيمس بشكل كبير حجم غلة المحاصيل وعدد رؤوس الماشية في المناطق الاستوائية شبه قاحلة، مما سيزيد من انعدام الأمن الغذائي وفقدان الموارد الطبيعية بسبب فقدان الأراضي المزروعة والمشاتل الساحلية بعد الفيضانات والتعرية من الساحل في المناطق السفلى، ويمكن أن يؤثر تغير المناخ أيضا على استخدام الغذاء من خلال التأثيرات على الموارد البيئية، مع العواقب الصحية المحتملة، ومن ناحية أخرى، ستزداد مخاطر الفيضانات على المستوطنات البشرية في المناطق الساحلية بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر وزيادة التساقطات المطرية الغزيرة مما سيزيد من تلوث الغذاء وكثرة الامراض مما سيحد من العادات الاستهلاكية.

نذرة المياه وتحدي الجودة

تسوء في البلدان النامية الجودة الميكروبيولوجية للمياه بسبب نقص الصرف الصحي مع عدم وجود عمليات معالجة كافية وتسوء معها الظروف الصحية السيئة حيث من المرتقب أن يفرض تغير المناخ قيودا إضافية على جودة المياه، وخاصة في البلدان النامية وحتى الآن لا توجد دراسة علمية حول دورات حياة الكائنات الحية الدقيقة في البلدان النامية في سياق التغير المناخي، ولا سيما على آثار الاستهلاك مياه الصرف الصحي المعالجة بشكل سيئ للري وعلاقاتها بالأوبئة، ويستهلك حوالي 10٪ من سكان العالم المحاصيل المروية بمواد غير معالجة أو سيئة المعالجة وخاصة في البلدان النامية في أفريقيا، واسيا وأمريكا اللاتينية، ومن المتوقع أن يزداد هذا الرقم مع النمو السكاني والطلب على الغذاء، زيادة على استخدام المياه العادمة لذلك فإن المعالجة المناسبة لمياه الصرف الصحي من أجل استعمالها في الري هي استراتيجية أممية لمكافحة ندرة المياه وبعض المشاكل الصحية ذات الصلة.

التنمية المستدامة والصراع التاريخي حول الماء

سيمثل تغير المناخ والطلب على المياه في العقود القادمة تحديا إضافيا للاتفاقية الإطار حول تغير المناخ والتنوع البيولوجي ومحاربة التصحر وكل الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية المناطق الرطبة والمحيطات، تحديات سوف يصحبها نشوب صراعات وحروب اقليمية وجهوية، على سبيل المثال في دول القرن الافريقي ودول حوض النيل ودول وسط افريقيا حيث أن التدابير أحادية الجانب التي تهدف إلى التكيف المخطط له مثل بناء مصر لسد النهضة على نهر النيل سيؤدي إلى زيادة المنافسة على الموارد في ماء، بالإضافة إلى التحولات في إنتاجية الأرض يمكن أن تؤدي الحاجة الى الماء إلى خلق أنظمة زراعية جديدة أو معدلة للحفاظ على الإنتاج، وعلى وجه الخصوص على التكثيف من الانتاج، ويمكن لهذه الانظمة الزراعية المكيفة ذاتيا أو المخطط لهاأن تصبح قيودا بيئية إضافية وتسبب في فقدان الموائل، وفي الحد منها التنوع البيولوجي وفي تعرية وتدهور التربة.
كل الأزمات التي يمكن أن تصيب التجارة العالمية والتنمية الاقتصادية والبيئية واستخدام ما يمكن أن تنتجه الأرض أيضا، يمكن أن تؤثر على التدابير المستقبلية بخصوص استبدال الوقود الأحفوري بالوقود الحيوي، على سبيل المثال عبر خطة العمل الأوروبية لمحاربة تغير المناخ ”الاتفاقية المواطنة للمناخ”، فإنتاج الوقود الحيوي على نطاق واسع مقياس يطرح مشاكل مختلفة، لا سيما فيما يتعلق بمتطلبات الأسمدة والمبيدات، ودورة المحاصيل والمغذيات وتوازن الطاقة وتأثيرها على التنوع البيولوجي والهيدرولوجي والتعرية، حيث تتعارض مع إنتاج الغذاء ومقدار الإعانات الموارد المالية الأساسية، وسيتطلب على وجه الخصوص تحقيق التوازن في العقود القادمة بين المنافسة حول الأرض والمواد الخام اللازمة للغذاء ولقطاعي الغابات والطاقة من خلال إيجاد الحلول التي تضمن الغذاء والحق في التنمية على نطاق واسع محلي مع تحسين احتياجات الطاقة والتخفيف من حدة تغير المناخ.
ومن المنتظر في العقود القادمة أن تزداد حالات الجفاف في المناطق الداخلية من قارة امريكا الشمالية، حيث يمكن لمناطق الإنتاج التحول شمالا خاصة تلك التي تتعلق بإنتاج الذرة وفول الصويا في المكسيك، خسائر يمكن أن تكون الدافع الكبير وراء ضعف الإنتاج بسبب الجفاف، مع انخفاض المناطق الايكولوجية المناسبة لزراعة الذرة للأغراض الاجتماعية والسياسية الجغرافية والبيئية، ويشكل الجفاف مشكلة كبيرة في قارة أستراليا، فتغير المناخ لسنوات متتالية خلق ظروفا أكثر جفافا بسبب انخفاض في التساقطات المطرية وزيادة في تبخر المياه في الاحواض المائية والسدود التلية، ويمكن أن يؤدي هذا إلى إعلان حالة شذوذ مائي وبشكل متكرر ولفترات طويلة في ظل السياسة الأسترالية الحالية لمحاربة الجفاف.

ندرة المياه صراع تاريخي أزلي

تبقى الموارد المائية الموجهة للاستهلاك المنزلي وللزراعة والصناعة من بين نقاط الضعف الرئيسية في القارة الافريقية، ففي أحواض الأنهار المشتركة هناك حاجة إلى بروتوكولات للتعاون الإقليمي لتقليل الآثار السلبية ولنبذ مخاطر النزاع، على سبيل المثال تختلف مساحة بحيرة تشاد من 20000 كم2 خلال موسم الجفاف إلى 50000 كم2 خلال موسم الأمطار، بينما لم يتم تدقيق الحدود بين دول تشاد ونيجيريا والكاميرون والنيجر هذه الحدود التي تقع في الأنهار والتي تتدفق إلى بحيرة تشاد لم يتم تعريفها أبدا حيث أن مضاعفات إضافية تنشأ أثناء فترة الفيضانات وفترة الجفاف، بينما مشاكل مماثلة تعيشها دول بوتسوانا وناميبيا حول نهر كوفانغو ولها أثار مواجهات عسكرية.
يؤدي تزايد ندرة المياه وزيادة عدد السكان الى تدهور النظم الإيكولوجية للمياه العذبة المشتركة وارتفاع الاقبال على الموارد الطبيعية المتناقصة يوما بعد يوم، مشاهد منتشرة في مناطق شاسعة في العالم لدرجة تثير القلق لدى العديد من البلدان، حيث من المحتمل أن تولد ندرة المياه الصراعات الثنائية والمتعددة الأطراف، ففي دول إفريقيا شبه القاحلة مثلا تعتبر الماشية هي النشاط الاقتصادي الرئيسي للمجتمعات الإفريقية بما في ذلك الرعاة المهاجرون عبر البلدان الذين يبحثون عن مراعي موسمية جديدة لقطيعهم من المواشي تحت ضغط ظروف الجفاف، حيث يمكن أن يتعارض هؤلاء الرعاة مع نظم الزراعة المستقرة.

تربية الاحياء المائية وتحدي ندرة المياه

يجري حاليا استزراع نحو 580 نوعا من أنواع الأحياء المائية في أرجاء العالم المختلفة، وهي تمثل ثروة من التنوع الوراثي ضمن الأنواع نفسها وفيما بينها على حد سواء، ويمارس تربية الأحياء المائية بعض من المزارعين الأشد فقرا في البلدان النامية، كما تمارسها شركات متعددة الجنسيات في الوقت ذاته، ويشكل تناول الأسماك جزءا من التقاليد الثقافية لكثير من الناس. ومن ناحية الفوائد الصحية، تتمتع الأسماك بقيمة تغذوية ممتازة، إذ أنها مصدر جيد للبروتين والأحماض الدهنية والفيتامينات والأملاح المعدنية والمغذيات الصغرى الأساسية.
وتعد النباتات المائية مثل أعشاب البحر كذلك موردا هاما من موارد قطاع تربية الأحياء المائية لأنها تقدم الأغذية وتوفر سبل المعيشة، وذلك بالإضافة الى استخداماتها الصناعية المختلفة، ويأتي نحو ثمانين في المائة من إنتاج قطاع تربية الأحياء المائية من حيوانات تحتل مراتب متدنية في السلسلة الغذائية كالأسماك آكلة العشب والأسماك القارتة والرخويات، واستنادا الى الأداء الديناميكي لقطاع تربية الأحياء المائية على مدى الثلاثين عاماً الماضية، وبالنظر الى الاستقرار النسبي لإنتاج قطاع الصيد الطبيعي، فإنه من المحتمل أن يأتي الجزء الرئيسي من نمو قطاع صيد الأسماك في المستقبل من تربية الأحياء المائية.

وتحتاج الاستراتيجية المستدامة لقطاع تربية الأحياء المائية الى الاعتراف بحقيقة أن المزارعين يحصلون بالفعل على عوائد مجزية من الاستزراع مع ضمان اقتسام المنافع والتكاليف بصورة عادلة ومنصفة وتشجيع حيازة الثروة وخلق فرص العمل وضمان وصول الجميع الى الغذاء الكافي وإدارة البيئة على نحو يفيد أجيال المستقبل وكفالة تنمية تربية الأحياء المائية بصورة نظامية، وذلك من خلال حسن التنظيم لدى السلطات وداخل الصناعة ذاتها.

تربية الأحياء المائية وندرة المياه

يساهم قطاع تربية الأحياء المائية بشكل كبير ومتزايد في الأمن الغذائي، وفي هذا الإطار تساهم منظمة التغذية والزراعة التابعة لهيئة الأمم المتحدة في تحقيق شروط الأمن الغذائي من خلال تقديم المساعدة عبر تنفيذ مدوّنة السلوك بشأن الصيد الرشيد التي تشجع التنمية المستدامة لقطاع تربية الأحياء المائية، خصوصا في البلدان النامية، من خلال تحسين أداء القطاع في المجال البيئي، وذلك من خلال تحسين إدارة النواحي الصحية ومراعاة الأمن الحيوي، وتقديم التحليلات النظامية وإعداد التقارير بشأن حالة تطور تربية الأحياء المائية واتجاهاتها على الصعيد العالمي والإقليمي، إضافة إلى المشاركة في المعارف والمعلومات، وتطوير وتنفيذ سياسات وأطر قانونية تتسم بالكفاءة لتشجيع التنمية المستدامة والعادلة لقطاع تربية الأحياء المائية وتحسين المنافع الاجتماعية والاقتصادية.
وتهيمن الدول الآسيوية على قطاع تربية الأحياء المائية في العالم، حيث تنتج الصين لوحدها ما يقارب من 50٪ من الأسماك والجمبري والمحار في حين تنتج كل من التايلاند والبنغلاديش والفلبين وأندونيسيا والفيتنام 22٪، أما البرازيل والهند فتنتج ٪18، والهند 9٪ في حين تنتج كل من مصر وكندا حوالي 1٪، نسب كانت تتحكم فيها الصين من قبل بنسبة إنتاج تفوق 70٪ في السنوات السابقة.
وتعتبر تربية الأسماك مصدرا مهما للبروتين الغذائي الضروري للسلامة الغذائية في العديد من البلدان الآسيوية، وخاصة بالنسبة للمجتمعات الفقيرة في المناطق الساحلية، فهذا النوع من التربية يتطلب الأسماك والأرض والمياه، وهما موردان نادران بالفعل في العديد من البلدان الآسيوية حيث تبين أن استخراج الماء من الفرشة المائية الجوفية إلى أحواض تربية الجمبري أدى بشكل واضح إلى خفض مستويات المياه الجوفية في المناطق الساحلية في دولة التايلاند.
وتعتبر القارة الآسيوية موطنا لما لا يقل عن أربعة عشر من مستجمعات المياه الرئيسية للأنهار الدولية، في حين أن إدارة مستجمعات المياه تعد إشكالية في حد ذاتها في البلدان ذات الكثافة السكانية العالية مثل الهند والتايلاند والبنغلاديش والصين، هؤلاء السكان الذين غالبا ما يكونون المسؤولين المباشرين عن الاستخدام المكثف لمستجمعات المياه التي تصبح أكثر هشاشة وغير مناسبة جراء الأنشطة البشرية المكثفة الأخرى، وبالتالي ففي العديد من البلدان الاسيوية ولا سيما بنغلاديش ونيبال والفلبين وإندونيسيا وفيتنام، يعاني عدد كبير من الأحواض المائية من مشكل إزالة الغابات، وتحويل الأراضي الزراعية بطرق متهورة نحو الاستخدام السكني والسياحي، بالاضافة الى تآكل التربة المفرط وانخفاض إنتاجية أرض، حيث أنه في غياب استراتيجيات وطنية للتكيف سوف تصبح هذه مستجمعات المياه معرضة بشدة لتغير مناخ.

التخفيف والتكيف

يمكن أن تتدخل إجراءات التكيف والتخفيف في وقت واحد في قطاع المياه والغابات وفي القطاع الفلاحي أيضا؛ حيث من المنتظر أن ترتبط فعاليتهما بالمواجهة الفعلية للتغير المناخي في العقود القادمة، هذه التفاعلات بين العوامل الثلاث: ”تغير المناخ والتكيف والتخفيف” تؤثر بصفة مباشرة على الموارد المائية، ومن جهة أخرى يمكن أن تخلق استراتيجيات التكيف والتخفيف علاقات من التآزر فيما بينهما، حيث أن كل نشاط للتكيف يمكن أن يقوي نشاطا للتخفيف، أو إلغاء بعضه البعض، بخصوص الماء، من بين الأمثلة التي تبرر ذلك نذكر استراتيجيات مواجهة تغير المناخ التي تحد من الفعالية وتشمل حلول التخفيف بخصوص مياه الري، من حيث تكاليف الطاقة للإمداد المياه وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري الإضافية الدفيئة التي يمكن ربطها بالممارسات الاجتماعية المعدلة، واستخدام الطاقة المتجددة لاستخراج المياه الجوفية ومع ذلك، فإن توزيع المياه يمكن أن يحل هذا الصراع، وبالمثل، قد يكون لبعض استراتيجيات التخفيف عواقب سلبية على برامج التكيف، على سبيل المثال زيادة الاعتماد على المحاصيل الزراعية المرتبطة بالطاقة يمكن أن تنافس من أجلها موارد المياه ، والقضاء من التنوع البيولوجي وبالتالي زيادة التعرض للظروف المناخية المتطرفة، ومن ناحية أخرى، هناك العديد من الممارسات التي تحد من انبعاثات الغازات الدفيئة وفي مقدمتها ثاني أوكسيد الكربون عبر تقليل عمليات الحرث، أي الزيادة من المساحات المزروعة واستخدام التناوب المكيف الذي يعتبر في حد ذاته ممارسة جيدة في زراعة الغابات التي تصنع أنظمة الإنتاج الأكثر مقاومة لتغير المناخ، وبالتالي تسمح للتكيف الجيد في سياق زيادة القيود المفروضة على المياه وموارد والتربة.

صحة الإنسان بين التكيف والتخفيف

أصبحت صحة الإنسان التي تجمع بين الرفاه الجسدي والاجتماعي والنفسي تعتمد على الإمداد الكافي من مياه الشرب وعلى العيش في البيئة السليمة والآمنة، وبينما صارت الكائنات البشرية خلال العقود الراهنة أكثر عرضة وبشكل مباشر لتغير المناخ من خلال أنماط الطقس المتقلبة بين الحرارة المفرطة والبرد الشديد وبين الظواهر المتطرفة من عواصف وأعاصير وفيضانات والجفاف، وبشكل غير مباشر عبر التغيرات التي تطرأ على التزود بالماء و على تنفس الهواء النقي وعلى كمية ونوعية الغذاء وعلى النظم البيئية والزراعة وعلى طرق العيش وعلى البنيات التحتية، باعتبار العدد الكبير جدا من الأشخاص المعرضين عبر العالم لخطر الإصابة بسوء التغذية وبنقص المياه التي يمكن اعتبارها من أهم عواقب ظاهرة تغير المناخ على صحة الإنسان.

التكيف والتخفيف وتحقيق أهداف التنمية المستدامة

تدعو أهداف التنمية المستدامة جميع البلدان الفقيرة والغنية والمتوسطة الدخل للعمل على تعزيز الازدهار مع الأخذ بعين الاعتبار حماية كوكب الأرض، وتدرك هذه الأهداف بأن القضاء على الفقر يجب أن يسير جنبا إلى جنب مع الاستراتيجيات التي تبني النمو الاقتصادي كما وتتناول مجموعة من الاحتياجات الاجتماعية بما في ذلك التعليم والصحة والحماية الاجتماعية وفرص العمل مع معالجة تغير المناخ وحماية البيئة.
ويؤكد الخبراء على أن صحة سكان كوكب الأرض قد تحسنت بشكل ملحوظ على مدى السنوات الخمسين الماضية، لكن هناك تفاوتات كبيرة يمكن تسجيلها من بلد إلى آخر أوداخل نفس البلد أيضا، حيث من غير المرجح أن تكون الأهداف السبعة عشر للتنمية المستدامة التي تهدف إلى خفض معدل معدل الوفيات بين الأطفال دون سن الخامسة بحلول عام 2030 لم تتحقق بعد في بعض البلدان النامية، مما يزيد سوء الصحة من الضعف ويقلل من القدرات الأفراد والجماعات للتكيف مع التغيير مناخ، السكان مع ارتفاع معدلات حدوث الأمراض والإعاقات أقل مقاومة للتوتر جميع الأنواع، بما في ذلك تلك المتعلقة بتغير المناخ
تقدر منظمة الصحة العالمية وصندوق الأمم المتحدة للأطفال أنه حوالي 1.1 مليار نسمة (17٪ من سكان العالم) هم محرومين من الوصول إلى الموارد المائية، يتم تعريف الوصول الى الماء على أنه توفر على الأقل 20 لترا من الماء للفرد يوميا من مصدر مياهآمن وصالح للشرب، في حدود كيلومتر واحد مثل اتصال منزلي أو بئر قريب، ويؤكد الخبراء أنه يعيش ثلثا الناس المحرومين من الماء في آسيا، أما في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، فحوالي 42 ٪ من السكان لا يمكنهم الوصول إلى المياه المحسنة والآمنة، وتقدر منظمة الصحة العالمية أن جل الأمراض الناجمة عن عدم كفاية إمدادات المياه فضلا عن غياب البنيات التحتية للصرف الصحي والنظافة تقتل 1.7 مليون شخص سنويا في العالم، لذا فإن النتائج الصحية المتعلقة بإمدادات المياه والصرف الصحي هي نقطة أساسية للقلق بشأن تغير المناخ في العديد من البلدان، حيث يمكن أن يؤدي انعدام الأمن الغذائي والمائي إلى حدوث ظواهر مناخية قاسية ومتطرفة كالفيضانات والجفاف تسبب آثارا خطيرة على صحة الإنسان، حيث من المتوقع أن تصبح الفيضانات أكثر أهمية مع تغير المناخ الذي سيؤثر على صحة الإنسان، بينما يمكن التقليل والحد من التعرض للفيضانات عندما تكون هناك بنيات تحتية متكيفة من تغير المناخ بنيات تساعد على التخلص من النفايات الصلبة وتسهم في إدارة مياه الصرف الصحي وتزيد من توفير المياه صالح للشرب.
بينما يعتبر الخبراء أن النقص في التزود بالمياه من أجل النظافة هو المسؤول المباشر في انتشار العديد من الامراض في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الأمراض المرتبطة بالمياه الملوثة بالبراز والمواد الخطرة الأخرى على سبيل المثال الطفيليات، بينما يرجع ارتفاع عدد الوفيات لدى الرضع واعتلالهم بسبب الإسهال في البلدان منخفضة الدخل على وجه الخصوص في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى الى المياه الملوثة على الرغم من التحسينات لرعاية وعلاج معالجة اثار الجفاف، ومن المتوقع أن يؤدي تغير المناخ إلى تفاقم ندرة المياه، ولكن من الصعب تقييم تأثيره على مستوى مكان عيش الانسان من حيث توافر المياه وبالتالي تأثيره على الصحة.
لحد الان لا توجد معلومات تربط النمذجة واسعة النطاق لتغير المناخ على نطاق صغير أو على مستوى السكان أو على مستوى المجتمع، بالإضافة إلى ذلك، أي تقييم للتأثيرات المستقبلية على الصحة من خلال التغييرات في توافر المياه يجب أن تأخذ في الاعتبار التحسينات المستقبلية في الوصول إلى المياه “الآمنة” والآثار المترتبة على جودة مياه الشرب والعلاقة بين هطول الأمطار والجريان السطحي لمياه الانهار، حيث أن تلوث إمدادات المياه معقد للغاية، فإذا كان النهر يتدفق وينخفض منسوبه بسبب انخفاض هطول الأمطار، وقدرة الانسان على تقليل النفايات السائلة المخففة، مما يؤدي إلى زيادة في حمل مسببات الأمراض أو في المواد الكيميائية.
ويمكن أن تزيد حدة المخاطر في حالة إمدادات المياه الجارية، المتوجهة حمولتها نحو محطات معالجة المياه، فخلال فصل الصيف الجاف لعام 2003، تسببت التدفقات المنخفضة في هولندا في تغيير واضح في جودة المياه الموسمية، كما ارتبط انتشار وباء الكوليرا في منطقة الأمازون بـضعف تدفق النهر خلال موسم الجفاف، فربما بسبب تركيز عال من مسببات الأمراض في البرك وإدارة الصرف ومياه الأمطار أمر مهم في المجتمعات الحضرية ذات الدخل المنخفض، حيث تؤدي الأنابيب المسدودة إلى حدوث فيضانات وبالتالي الزيادة في انتقال الأمراض المنقولة بالمدن فقد تصيب العواصف والإعصارات الحواضر بتلوث أكبر يمس أنظمة الصرف الصحي أثناء فترات الفيضانات.

الجفاف والأمراض المعدية

بعض الأمراض المعدية لها ارتباط وثيق بمياه الامطار وليس بمياه الشرب ذات الجودة المعترف بها، كما أن التوزيع المكاني والشدة والموسمية يلبعان دورا اساسيا في انتشار وباء التهاب السحايا في منطقة الساحل في أفريقيا مرتبطة بالعوامل المناخية والبيئية، وخاصة الجفاف، على الرغم من أن الآلية السببية ليست مفهومة جيدا، فالانتشار والتوزيع الجغرافي لوباء التهاب السحايا في دول غرب أفريقيا في السنوات الأخيرة التي يمكن أن يعزى إلى تغيير بيئي بسبب تغيير استخدام الأراضي والتغيير المناخ الإقليمي، حيث تهب الرياح حاملة معها الغبار من عدة مناطق بصحراء إفريقيا، وشبه الجزيرة العربية، هذا الغبار يمكن أن يحمل تركيزا عاليا من الجسيمات التنفسية الدقيقة المكونة من جراثيم فطرية وبكتيريا قد تؤثر صحة الإنسان.

الأمراض المنقولة بالنواقل

ويؤثر المناخ على التوزيع في الفضاء وعلى شدة انتقال وموسمية الأمراض المنقولة عن طريق النواقل وخاصة الملاريا والأمراض التي يكون مضيفها الوسيط رخويا مائيا (خاصة داء البلهارسيا)، خلال فترة الجفاف ويتم تقليل نشاط البعوض، ولكن إذا كان انتقاله ينخفض بشكل ملحوظ عند الأفراد فقد تزداد بعد ذلك الاوساط غير المحصنة، حيث على المدى الطويل يمكن أن تنخفض الإصابة بالأمراض التي ينقلها البعوض مثل الملاريا نتيجة انخفاض كثافة البعوض حتى ولو كانت الأوبئة حيث لا يزال من الممكن أن تحدث عند ظروف مناخية معينة، ويؤكد الخبراء على ان انتشار داء البلهارسيا وهو مرض طفيلي مرتبط بالمياه التي يكون عائلها الوسيط رخويا المائية، يتأثر في بعض الأماكن بالعوامل المناخية، على سبيل المثال، التغيير الملحوظ في توزيع هذا المرض في الصين خلال العقد الماضي قج يعكس جزئيا هذه الفرضية.
ومن المتوقع أن يكون لتغير المناخ نطاق واسع من الآثار السلبية على السكان في المناطق التي لا يمكن لإمدادات المياه والبنيات التحتية للصرف الصحي أن تستطيع تلبية الاحتياجات المحلية، وكذا التمكن من الوصول إلى المياه الصالحة للشرب الذي لا يزال مهما للغاية على الصعيد العالمي، فحوالي أكثر من ملياري نسمة يعيشون في مناطق جافة من العالم،حيث يعاني هؤلاء الناس من سوء التغذية أكثر من غيرهم، بينما ترتفع أعداد وفيات الرضع والأمراض المتعلقة بالمياه الملوثة في حين تبقى ندرة المياه تمثل قيود خطيرة لتنزيل أهداف التنمية المستدامة.
العديد من الحلول التي يمكن استخدامها لتقليل القابلية للتأثر في المستقبل مفيدة للتكيف مع المناخ الحالي ويمكن الاستفادة منها للوصول إلى تحقيق الأهداف البيئية والاجتماعية، بينما من السهل ايجاد الآثار الصحية السلبية المحتملة، لذا يجب تقييم استراتيجيات التكيف فبناء السد الصغير وتنفيذ برامج التكيف يمكن أن يدفع بأنظمة الري من الزيادة في عدد الوفيات المحلية من وباء ملاريا، فالتدابير المخطط لها ضد ندرة المياه، مثل إعادة استخدام مياه النفايات السائلة غير المعالجة أو المعالجة جزئيا لأغراض الري، يمكن أن يكون لها أيضا عواقب صحية بشرية، فمياه الري تعتبر أمرا حاسما في انتشار الأمراض المعدية مثل الملاريا والبلهارسيا، لذا يصبح من الواجب تنظيم حملة إرشادات صارمة للحرص جودة الري بمياه الصرف الصحي المخطط لها للحد من المخاطر الصحية من الكائنات الحية مسببات الأمراض ولضمان جودة المحاصيل وخلوها من أمراض معينة مثل داء الديدان الطفيلية عن طريق الاستهلاك المحاصيل المروية بمياه ملوثة أو عادمة في المناطق القروية وشبه الحضرية في معظم البلدان ذات الدخل المنخفض، واستخدام مياه الصرف الصحي للري هو مصدر لانتقال الأمراض البرازية، حاليا ما لا يقل عن عشر سكان العالم يستهلك المحاصيل المروية بالمياه المجمعة في صهاريج محطات تصفية المياه العادمة، ومع ذلك، فإن زيادة ندرة المياه مرفوقة بالطلب على الغذاء، إلى جانب الصرف الصحي الفقراء، سوف يشجع على استخدام المياه ناقصة الجودة، ومن أجل الحد من مثل هذه المشاكل أصبح من الضروري تطوير برامج معالجة مياه الصرف الصحي وإعادة استخدامها وفق المخطط لها.

تزويد المياه والصرف الصحي

الآثار المرصودة لتغير المناخ على كمية وجودة الموارد المائية ملموسة جدا، ويمكن وصف آثارها بالخطيرة على خدمات إمدادات المياه والصرف الصحي للوصول الحالي إلى المياه الصالحة للشرب، فالوصول إلى المياه الصالحة للشرب حاليا أصبح هدفا حقيقيا من أهداف التنمية المستدامة ومع ذلك، فإن العالم يواجه زيادة في المشاكل المتعلقة بتوفير الخدمات الهيدرولوجية، وخاصة في البلدان النامية فالأسباب مختلفة ولكن ليست كلها مرتبطة بالضرورة بتغير المناخ، فنقص توافر المياه، وزيادة الطلب على المياه الناتج عن النمو السكاني في مناطق مركزة، زيادة إلى التحضر، والاستخدام المكثف للمياه لتحسين الرفاه العام، والتحدي المتمثل في تحسين إدارة المياه هي بالفعل عقبات رئيسية أمام الإمداد المستمر لتحقيق خدمة هيدرولوجية مرضية، في هذا السياق، تغير المناخ هو بكل بساطة رسوم إضافية لخدمات الشراء في الماء أو لإمداد الجسم بالماء الصالح للشرب فمن الصعب جدا تحديد آثار محلية لتغير المناخ، ولكن الآثار المرصودة مجتمعة توفر إسقاطات أساسية ومفيدة للتحضير المستقبل.

ندرة المياه وتكيف الخدمات الهيدرولوجية

عندما يتطلب انحباس تساقط الأمطار بناء خزانات إضافية لتجميع مياه صالحة للشرب، أو عندما يؤدي تسرب المياه المالحة إلى المجرى السفلي للنهر بناء شبكات جديدة لمعالجة المياه المالحة كتشغيل اليات لتحلية المياه، ويتم تقديم الخدمات الهيدرولوجية بشكل عام من خلال شبكات متطورة، تم تصميم هذه الشبكات مع عوامل الأمان ولها متوسط العمر المتوقع من 20 إلى 50 عاما مراجعات المرونة إمدادات المياه وأداء تم بناء البنية التحتية للمياه بشكل عام وفقا لـلظروف المرصودة فقط، استخدام يجب أيضا مراعاة الإسقاطات المناخية، خاصة في الحالات التي تنطوي على شبكات تواجه الفيضانات والجفاف، مع انخفاض في توافر المياه، بصرف النظر عن القليل في البلدان الصناعية، يتزايد استهلاك المياه في العالم كله بسبب النمو السكاني والتغييرات الاقتصادية ونمط الحياة وتمديد شبكات إمدادات المياه المهم أن تنفذ برامج فعالة لاستخدام المياه في المناطق التي من المحتمل أن ينخفض فيها توافر المياه، لأنه قد يكون من الضروري القيام به استثمارات كبيرة لضمان كميات المياه بصفة كافية، إما عن طريق بناء خزانات جديدة من التخزين، أو باستخدام مصادر مياه بديلة، يمكن أن يؤدي خفض استهلاك المياه إلى تأخير أو حتى يلغي الحاجة إلى بنية تحتية إضافية.

تدهور جودة المياه بسبب الاختلافات في التدفق

حماية الموارد المائية هي استراتيجية مربحة ومهمة لمواجهة مشاكل المستقبل المتعلقة بجودة المياه، في حين أن هذه الممارسات شائعة في بعض البلدان، كما أن هناك حاجة إلى إدارة جودة المياه في جميع أنحاء العالم ويبقى أحد أهم هذه الأساليب هو تنفيذ خطط سلامة المياه التي تسمح بإجراء تقييمات مفصلة وكذلك إدارة المخاطر من الأحواض الهيدروغرافية للمستهلك، على النحو المقترح بواسطة منظمة الصحة العالمية، وبالمثل يجب أن مراجعة اليات اشتغال محطات معالجة المياه والصرف الصحي بانتظام خاصة في المناطق الحساسة.

تحلية مياه البحر وتحقيق اهداف التنمية المستدامة

تعتبر عمليات معالجة المياه عبارة عن معالجة زيادة تركيز الملح في الأماكن المعرضة للخطر، مثل المناطق الساحلية شديدة التحضر التي تعتمد على طبقات المياه الجوفية الحساسة لتسرب المياه مالح، حاليا، تعتمد التقنيات المتاحة بشكل رئيسي على الأغشية وهي أغلى منها عمليات معالجة المشتريات التقليدية في المياه العذبة، تقدر تكلفة تحلية المياه بـحوالي دولار واحد أمريكي لكل متر مكعب واحد من مياه البحر و0.60 دولار أمريكي/متر مكعب للمياه قليلة الملوحة بينما تكاليف المعالجة بالكلور للمياه العذبة 0.02 دولار أمريكي/متر مكعب، ولحسن الحظ، تنخفض تكلف تحلية المياه، حتى لو كان الطلب على الطاقة عالي جدا، حيث من الضروري مقارنة تكاليف تحلية المياه مع تكاليف تمديد الأنابيب ونقلها لمرافق معالجة المياه الممكنة لضمان الوصول إلى المياه العذبة كمؤشر، فإن تكلفة بناء مرافق الجمع والمعالجة و خطوط ضخ لتوريد تمثل المياه من مؤسسة حضرية حوالي النصف تكلفة الشبكة بالكامل ومع ذلك، ففي المناطق الساحلية ذات الكثافة السكانية العالية مثلا في مصر والصين وبنغلاديش والهند وجنوب شرق آسيا لا تزال تكاليف تحلية المياه باهظة، وإذا زاد استخدام تحلية المياه في المستقبل، سيكون من الضروري مراعاة الآثار الثانوية بالنسبة للبيئة مثل التأثير على الكائنات البحرية وتدريبها من قبل المصانع تحلية مياه البحر ، والتخلص الآمن من المحاليل الملحية عالية التركيز والتي قد تحتوي أيضا على مواد كيميائية أخرى.
باختصار، يمكن أن يكون لتغير المناخ آثاره الإيجابية والسلبية على الخدمات الهيدرولوجية لذلك، من المهم أن تكون على دراية بما لديك من التأثيرات على المستوى المحلي ووضع الخطط لذلك، حاليا تقتصر خدمات المياه المعينة على عدد قليل من البلدان، بما في ذلك هولندا والمملكة المتحدة، بينما بدأت كندا والولايات المتحدة في النظر آثار تغير المناخ في سياق التحكم في الفيضانات وإدارة الإمداد بالماء بكل حكامة جيدة.

< بقلم: محمد بنعبو*

(*) خبير في المناخ والتنمية المستدامة
رئيس المكتب الوطني لجمعية مغرب أصدقاء البيئة

Related posts

Top