“… ومن هنا، فإن إشكالية تدبير الموارد المائية تطرح نفسها بإلحاح، خاصة أن المغرب يمر بمرحلة جفاف صعبة، هي الأكثر حدة، منذ أكثر من ثلاثة عقود.. وإننا نسأل الله تعالى، أن ينعم على بلادنا بالغيث النافع. ولمواجهة هذا الوضع، بادرنا منذ شهر فبراير الماضي، باتخاذ مجموعة من التدابير الاستباقية، في إطار مخطط مكافحة آثار الجفاف، بهدف توفير ماء الشرب، وتقديم المساعدة للفلاحين، والحفاظ على الماشية”…
بهذه العبارات أَشّرَ جلالة الملك محمد السادس في خطاب افتتاح البرلمان برسم سنة 2022 على ضرورة إحداث نهضة في مجال السياسة العمومية المتعلقة بقطاع الماء خصوصاً وظاهرة الجفاف التي يعاني منها المغرب.
وتماشياً مع هذا المعطى، بادرت الحكومة إلى استدراك التأخير المسجل بقطاع الماء، حيث أن النقص في الماء هو مشكل هيكلي ومستدام ومعروف عند خبراء البيئة منذ مدة، خصوصا مع الدور الجوهري الذي يكتسيه الماء في كل القطاعات والأنشطة الحيوية والتي ترتبط بالأساس بالأمن المائي للمغرب من جهة وبتعزيز السيادة المائية من جهة ثانية.
ووفقا لهذا التوجه، سارعت الحكومة إلى تنزيل مضامين الإستراتيجية الوطنية للماء 2030 سواء من خلال إنشاء محطات تحلية مياه البحر والتي لا يتعدى عددها 9 محطات من أصل 20 محطة في أفق 2030، علاوة على نهج سياسة بناء السدود والتي لم يتجاوز عددها منذ سنة 2009 أربعة عشر سدا كبيرا من أصل 57 سد كهدف مبرمج في أفق سنة 2030.
وفي هذا السياق شرع المكتب الوطني للماء الصالح للشرب في عملية ربط الأحواض المائية التي تعرف فائضا في نسبة الملء بالأحواض المائية التي تعرف عجزا واسعا خصوصا على مستوى محور (الرباط – الدار البيضاء)، إذ أعطى المكتب الوطني للماء الصالح للشرب يوم الإثنين 28 غشت 2023 الانطلاقة الأولى بنقل فائض حوض سبو إلى حوض أبي رقراق، من خلال تشييد 66.7 كلم من الأنابيب الفولاذية بقطر 3200 ملمتر، مع إنشاء محطتي ضخ كبيرتين، قادرتين على ضخ 15 متر مكعب في الثانية بغلاف مالي يقدر بستة ملايير درهم، وتكمن غاية هذا المشروع في محاربة الإجهاد المائي الذي يعاني منه كل من سد المسيرة وسد سيدي محمد بن عبد الله، وسيهدف هذا المشروع كذلك لضمان الأمن المائي لما يناهز 12مليون نسمة.
إن الإجهاد المائي الذي يعاني منه المغرب يستدعي من الجميع، مواطنين ومؤسسات، التحلي بروح المسؤولية وعدم التفكير في المصلحة الشخصية لأن موضوع الماء رهين بالأمن الإستراتيجي للمغرب.
كما يشكل موضوع الماء إحدى الدعامات المتينة التي ينبني عليها النسيج الاقتصادي في المغرب وبالتالي فأي ضرر يمس السيادة المائية في المغرب سينعكس لا محالة على الاقتصاد الوطني.. وهنا من الأساسي أن تكون هناك التقائية بين كل القطاعات الحكومية خلال مرحلة إعداد السياسات الحكومية الخاصة بكل قطاع واستحضار موضوع الماء في كل الإستراتيجيات القطاعية الأخرى وخصوصاً ما يرتبط بقطاع الفلاحة والصناعة والاستثمار.
وبالإضافة إلى ما أشرنا إليه سلفا، ينبغي على السلطة الحكومية المكلفة بقطاع الماء، الانفتاح على التكنولوجيات الحديثة المتعلقة باقتصاد الماء ناهيك على تشجيع كل المبادرات التي من شأنها أن تساعد في الحد من آثار الإجهاد المائي، وترشيد استغلال المياه الجوفية ومحاربة ظاهرة الضخ غير القانوني والآبار العشوائية.
إن موضوع الماء يعد من الركائز الأساسية للدولة لارتباطه بدورة حياة كل فئات المجتمع، ويبقى موضوع التحسيس بأهمية المحافظة والاقتصاد في استغلال هذه المادة الحيوية من الوسائل التي تحد من عملية الإجهاد المائي كاستغلال الوسائط الرقمية التي يستخدمها جل المغاربة في الترويج لضرورة المحافظة على الماء، بالإضافة إلى استغلال التجمعات التي تعرف حضور عدد كبير من المواطنين كمباريات كرة القدم وفضاءات العبادة للتحسيس بأهمية الماء في حياتنا اليومية، وتشجيع الدولة للجماعات الترابية بضرورة سقي المساحات الخضراء بالمياه العادمة كما الحال بمدينة الرباط وسلا.
بقلم: طه العربي
(طالب باحث في العلوم السياسية والتواصل السياسي)