تم، مساء أول أمس الأربعاء، تكريم المخرج المغربي فوزي بنسعيدي، بالدورة 20 للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، بحضور مخرجين وممثلين ونقاد مغاربة وأجانب.
وعبر فوزي بنسعيدي عن سعادته بهذا التكريم الذي خصته به إدارة المهرجان، والذي أهداه لوالدته، متوجها بالشكر لجلالة الملك محمد السادس، وصاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، رئيس مؤسسة المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، وكذا الممثلين والتقنيين وجميع جنود الخفاء الذين يدعمون تجربته السينمائية.
وقال بنسعيدي، في كلمة له أمام الجمهور الذي حضر التكريم في قصر المؤتمرات بالمدينة الحمراء، إنه قبل 25 سنة، كان يرى فكرة إخراج فيلم سينمائي أمرا مستحيلا، مشيرا إلى أن المستوى الذي وصل إليه اليوم، جاء نتيجة مسار طويل من العمل المتواصل في المجال.
وعاد المخرج المغربي بذاكرته إلى الماضي، عندما كانت لديه الرغبة في ولوج السينما، عبر بوابة التكوين في المعهد السينمائي، الذي أقصي منه، لكن إخفاقه في امتحان الولوج لم يمنعه من مواصلة البحث عن نافذة أخرى لدخول السينما.
وشاهد فوزي بنسعيدي الأفلام السينمائية الأولى بسينما «كاميرا» بمكناس التي ثمن فكرة إعادة ترميمها وفتحها في وجه ساكنة العاصمة الإسماعيلية، مشددا على أن الحياة تعني بالنسبة له»دور السينما، والمتاحف».
ولا يبحث بنسعيدي في صنعة السينما عن المال، بقدر ما يهمه بالدرجة الأولى، الإبداع والإنتاج، لاسيما وأنه تخلى عن حلمه بأن يصبح مليونيرا الذي لا يمكن للفن السابع أن يحققه له، خصوصا إذا كان الأمر يتعلق بإنتاج أفلام نخبوية.
واعتبر المكرم الثاني في مهرجان مراكش، بعد الممثل الدنماركي مادس ميكلسن الذي منحت له النجمة الذهبية، يوم الجمعة الماضي، أن كل عمل أخير قام بإنجازه، يعتبر الأول في مساره، مبرزا أن إخراج أول فيلم له في سن الثلاثين، كان بمثابة ولادة ثانية في الحياة، التي قدرها في 25 سنة، التاريخ الذي قضاه في الفن السابع.
وكشف فوزي بنسعيدي، أن السينما هي تصوير للشك، والضعف، والنواقص، رافضا، فكرة وصول السينما إلى اليقين، التي تعد وفقه، تطرفا، لأنها تضع حدا للأفكار، والإبداع، والخلق، والتجربة.
ولأن المخرج السينمائي لا يجب أن يكون بعيدا عن عالمه، فإن بنسعيدي، توقف في آخر كلمته، عند المآسي التي يشهدها العالم، خصوصا بالأراضي الفلسطينية، حيث ألقى مقاطع من قصيدة «أيد الصبار»، للشاعر الفلسطيني محمود درويش، التي يقول فيها:
إلى أين تأخذني يا أبي؟
إلى جهة الريح يا ولدي …
… وهما يخرجان من السهل، حيث أقام جنود بونابرت تلا لرصد الظلال على سور عكا القديم-
يقول أبٌ لابنه: لا تخف. لا تخف من أزيز الرصاص!
التصق بالتراب لتنجو!
سننجو ونعلو على جبل في الشمال،
ونرجع حين يعود الجنود إلى أهلهم في البعيد
ومن يسكن البيت من بعدنا يا أبي؟
سيبقى على حاله مثلما كان يا ولدي!
***
بنسعيدي الإنسان والفنان
وعرف اللقاء، إلقاء الممثل ربيع بنجهيل، كلمة في حق المحتفى به فوزي بنسعيدي، باسم الممثلين والممثلات الأكثر مشاركة في أعماله من قبيل عبد الهادي الطالب، نادية كوندا، فريد بنشمسي، نزهة رحيم، هجر كريكع..
وأثنى بنجهيل على إنسانية بنسعيدي، الذي وصفه بالمبدع الذي له موهبته الخاصة في السينما، مبينا سيرته الإبداعية الحافلة بالإنجازات الوطنية والدولية، والتي رسمها بجدارة وذكاء، كفنان في المسرح، والسينما، والإخراج.
واستطاع الابن البار للمغرب ومكناس، وفق شهادة ربيع بنجهيل، أن يرسخ اسمه مع الكبار، متوقفا عند الشهادتين التي قيلتا في حق أعماله من قبل جون لوك غودار، ومارتن سكورسيزي، ذلك أن الرجل رغم التجربة الطويلة التي خاضها في المجال، إلا أنه يتحلى بالتواضع ويستمر في الاجتهاد من عمل لآخر.
وسجل ربيع بنجهيل أن فوزي بنسعيدي تمرد على قوالب السينما، وهو ما يعتبر طبيعيا، لأنه صادر عن شخص موهوب، فنان ومبدع، وهب حياته للفن السابع، ما جعله من الرواد الكبار في المغرب، المتمكنين من أدوات الاشتغال، حيث يمثل المغرب أحسن تمثيل في المهرجانات السينمائية الدولية.
وقال بنجيهل، إن فوزي بنسعيدي، نابغة في التعامل مع الكاميرا، التي يعرف كيف يحركها لأخذ المشاهد المناسبة لقصة الفيلم، وهذا ليس بغريب على «فنان راق له دراية عميقة ومتجددة بالسينما».
وشهد قصر المؤتمرات بالمدينة الحمراء، عرض الفيلم الأخير «الثلث الخالي»، للمخرج المغربي فوزي بنسعيدي، وذلك بمناسبة تكريمه في المهرجان، علما أن الفيلم لم يعرض بعد تجاريا في القاعات السينمائية.
الثلث الخالي
تدور أحداث «الثلث الخالي» (124 دقيقة)، حول قرار استرجاع أحد الأبناك للقروض التي منحها لزبنائه الذين تخلفوا عن أدائها، حيث سيكتشف الجمهور، مع رحلة المهدي وحميد المكلفان بتحصيل أموال القروض، مساحات شاسعة من الفقر والتهميش، بالمناطق النائية بالمغرب.
وبين انتقال المهدي وحميد (الممثلان؛ فهد بنشمسي وعبد الهادي الطالب) من الدار البيضاء، نحو قرى الجنوب الشرقي للمغرب، يصور فوزي بنسعيدي، الفوارق الاجتماعية والاقتصادية الصارخة بين المناطق، التي تعاني أسرها من العوز، لأنها لا تتوفر على موارد مادية قارة تؤمن قوت يومها، وسداد الديون التي عليها، والتي تخلف الكثيرون عن دفعها، بفعل العوز، وقلة ذات اليد.
بين الاستمتاع والتراجيديا والسوداوية، انتقلت كاميرا فوزي بنسعيدي إلى صحراء الجنوب الشرقي للمغرب، التي بقدر ما ترصد جمال مناظرها التي تشبه الصحاري الأمريكية في أفلام هوليود، بقدر ما تخبئ خلفها، مآسي إنسانية، قدمها المخرج عبر لقطات مصورة أقرب منها إلى التجريد تذكرنا باللوحات التشكيلية، ولغة الشعر.
جدير بالذكر، أن هذا العمل السينمائي، عرف مشاركة؛ ربيع بنجهيل، عبد الغني الصناك، محمد الشوبي، محمد حميمصة، نزهة رحيل، زهور السليماني، إبراهيم خاي، وعبد الله شيشا.
***
سيمون بيكر: من الصعب أن تجد مخرجا يثق في الممثل ويمنحه مساحة واسعة من الحرية
قال الممثل والمخرج الأسترالي سيمون بيكر، إن وجود الفيلم، رهين بوجود المخرج، الذي يقوم بكل شيء، بداية بالتفكير في الموضوع، وصولا إلى المونتاج، مؤكدا على أن العصامية هي سر نجاحه في المهمة.
ويرفض سيمون بيكر، الذي كان يتحدث عن مساره الفني، أول أمس الأربعاء، في فقرة “حوار مع..”، بالدورة 20 للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، اتهام المخرج بالهيمنة على العمل، مشيرا إلى أن الحضور البارز للمخرجين، ناتج عن إشرافهم على مختلف مراحل الإنتاج، من قبيل كتابة السيناريو باعتباره خارطة الطريق، واختيار الممثلين، والموسيقى، والتصوير…
وأشار بيكر، في “الماستر كلاس” الذي سيره جون بيير لافوانيا، إلى أنه كمخرج يفكر كثيرا في الشخصية الرئيسية للعمل الذي يشتغل عليه، وذلك ليس داخل المكتب، كما يعتقد البعض، وإنما وهو يقضي أنشطته اليومية في المطبخ، والبستنة…
وبشأن تجربته في التمثيل، أوضح الممثل والمخرج الأسترالي، أنه ممثل فوضوي في التحضير للأدوار، بيد أن هذا لا يعني أنه يتعامل مع الأشياء باستهتار، وإنما يحاول أن يكون أكثر حرية وطلاقة في التشخيص.
ويرى المتحدث ذاته، على أن الممثل يحتاج إلى الثقة من المخرج للتحرك بحرية وتشكيل إضافة لفائدة العمل، علما أن هذه الإمكانية غير متاحة دائما، نظرا لضغط الوقت وكلفة الميزانية التي لا تسمح دائما بخوض هذه التجربة.
وأوضح في اللقاء الذي حضره طلاب السينما، أنه من الصعب جدا، أن تجد مخرجا يثق فيك ويعطيك مساحة واسعة من الحرية، لكنه مع التقدم في السن يتعلم الممثل المحترف كيف يحوز لنفسه فضاء في الفيلم.
وحول انتقاله إلى عالم هوليوود بالولايات المتحدة الأمريكية، أبرز سيمون بيكر، أن هذه التجربة أتت نتيجة الاشتغال الطويل في أستراليا، التي كان يشارك فيها في الأعمال الإشهارية والسينمائية، غير أنه لم يخف اندهاشه منها في البداية، “إنه ليس من السهل الانتقال من هامش أستراليا إلى عالم هوليود”، يقول المتحدث.
وانتاب بيكر الخوف وهو يلج الفضاء المغلق لهوليود، التي لا تؤمن إلا بالأسماء الكبيرة، والمتمكنة من صنعة السينما، وهو ما سيسمح له بالاشتغال مع ممثلين أصبحوا زملاء له، بعدما كان جمهورا لهم.
وردا على من يصفه بالاسم المحظوظ الذي يجد مكانه بسرعة في أي عمل فني، بفعل جماله ورشاقة جسمه، سجل الفنان الأسترالي، أن هذا الكلام يتردد كثيرا، وسمعه أكثر من مرة، وهو صحيح في جزء منه فقط، لأنه لا يمكن أن تسند لك الأدوار دائما لهذا الاعتبار، مشيرا إلى أنه يبحث عن الشخصيات المركبة والمعقدة التي يبذل فيها مجهودا كبيرا، حتى تقدم شيئا إضافيا لمساره الفني، لاسيما وأن الإنسان يفقد مع مرور الزمن وسامته، ما يعني أن معيار الجمال للنجاح في السينما غير صائب.
وذكر سيمون بيكر، أنه لم يفكر يوما وهو يقضي طفولته، في ولوج عالم الفن السابع، لاسيما وأنه عاش في بيئة اجتماعية، تغيب فيها البنية التحتية السينمائية؛ المسرح، قاعات السينما، غير أنه تعرف على سحر الشاشة عبر متابعة الأفلام مع والدته في التلفاز.
ولم يلج بيكر صالات السينما، إلا في سن العشرين عقب انتقاله إلى سيدني، التي كان ينظم بها مهرجانا سينمائيا، ليتفرغ فيما بعد لمشاهدة أفلام متفرقة في عالم السينما، خصوصا التجربة الفرنسية.
وحول طريقته في إدارة الممثلين أثناء الإخراج، أوضح أنه لا يطلب منهم إلا الإعداد الجيد لأدوارهم، رغم أن لكل ممثل صفاته الخاصة التي ما على المخرج إلا حسن التعامل معها.
ونجاح العمل السينمائي، بحسب سيمون بيكر، رهين بمساهمة الجميع فيه، واصفا الفيلم بالقطع المتناثرة التي يحملها كل ممثل، الذي يجب أن تكون لديه وجهة نظر، في العمل الذي يشتغل عليه.
واعتبر بيكر، أن الشك والخوف، أمران مهمان في حياة المبدع، الذي يجب أن يركب أمواج الخطر، ويتحدى كل الصعاب بهدف إنتاج أعمال تروق الجمهور المتابع، وتضيف شيئا جديدا لعالم السينما.
وتعليقا على اختيار إدارة المهرجان عرض فيلم “ليمبو” (Limbo)، للمخرج إيفان سين، مساء الثلاثاء الماضي، في فقرة العروض الاحتفالية، الذي أدى فيه سيمون بيكر دور البطولة، قال إنه ظل يفكر كثيرا في الشخصية قبل أدائها، خصوصا في تركيبتها النفسية.
وثمن الأسترالي بيكر قرار إنتاج هذا الفيلم الذي يحكي عن معاناة الساكنة الأصلية بأستراليا مع اللاعدالة التي بيد “البيض”، إذ أن السود يشتكون من فساد القضاء في البلاد، لأنه لا يتحرك في مجموعة من الملفات.
وأشار إلى أن الفيلم جاء لينتقد النظام القضائي بأستراليا، خصوصا وأن الوضع مازال مستمرا إلى حدود اليوم، وهو ما دفع بمخرج الفيلم إلى إثارة الموضوع، وشكل مهرجان مراكش فرصة لعرض هذا العمل، فالسينما لم تخلق للترفيه فحسب، وإنما لتثقيف الجمهور وتوعيته وإثارة إشكاليات مجتمعية تخص وجوده.