تلفزيوننا وقضية دانيال

فضحت قضية المجرم الإسباني دانيال ضعف إعلامنا التلفزيوني في التفاعل مع القضايا «الكبرى»، وفي المبادرة إلى الحضور في المشهد، وأيضا في سرعة التحرك وحسن التقاط «الإشارة» من أجل تقديم خدمة إخبارية وتحليلية ذات جودة مهنية وجاذبية. الموضوع حضر بقوة على مستوى المواقع الإلكترونية، وطبعا بتفاوت في الجودة المهنية، كما تابعت الصحف الوطنية تطورات الملف وتداعياته، وخصصت كثير من المؤسسات الإعلامية الدولية حيزا لافتا للقضية من زوايا مختلفة بحسب خطوطها التحريرية ومصالح القائمين عليها، لكن وحده تلفزيوننا بقي ملتصقا بعادة إذاعة البلاغات الرسمية دون أدنى تحرك للمبادرة والتفاعل وتلبية انتظارات المشاهدين.
وفجأة، حضرت «العبقرية» المعروفة عن تلفزيوننا العتيق جدا، وجرى إعداد «برامج خاصة» في القناتين معا حول الموضوع ذاته، وفي نفس التوقيت، وبنفس الأشكال والمنطلقات، وكأننا بعد في عهد… اللاتلفزيون.
ماذا كان يمنع عبقريي تلفزيوننا في زنقة لبريهي وعين السبع أن يلتقطوا الإشارة من شجاعة الملك، ومن جرأة ما أقدم عليه، ويقدموا للمغاربة عملا تلفزيونيا في نشرات الأخبار وفي البرامج الإخبارية يسلط الأضواء على التفاصيل والسياقات، ويشرح القرارات والمواقف؟ وماذا كان يمنعهم مثلا أن يشرحوا للناس مسطرة العفو، ويفتحوا نقاشا قانونيا حول الأمر الملكي بإصلاح المسطرة نفسها؟
المشكلة توجد في العقليات، وفي الالتصاق بالزمن العتيق في التفكير والتحرك، ولهذا كل مرة يضيع تلفزيوننا الفرصة ليكون في الموعد، كي يقدم الخدمة المهنية والسياسية لبلادنا وشعبنا في القضايا والملفات الوطنية الكبرى.
والمشكلة الثانية، برزت عند بث ما سمي «برامج خاصة» حول قضية السفاح الإسباني مساء أول أمس، حيث مرة أخرى الوجوه نفسها والترتيب ذاته، والميكانيزم هو هو بلا أي تغيير أو ذرة إبداع.
بعض المتحدثين خلال هذه البرامج استغلوا مرورهم التلفزيوني ليقدموا «طلب ثقة» لحزب سياسي معين، وأصروا على القول بأنه الحزب الوحيد الذي أصدر بلاغا حول قضية دانيال، ولم يخجلوا من تكرار القول حتى ولو كان خاطئا، ورغم أنهم قبل أن يصلوا إلى عين السبع، حيث مقر القناة الثانية، بساعات طويلة أو بيوم كامل، كان حزب آخر، هو التقدم والاشتراكية، قد أصدر بلاغا حول الموضوع، وعممته المواقع والوكالة الرسمية يوم الأحد، ونشرته هذه الصحيفة يوم الاثنين.
هل الأمر مجرد جهل، وهذا مشكل مهني وأخلاقي عندما يتعلق بمحللين وصحفيين يزعمون متابعتهم لتطورات المشهد السياسي الوطني؟ هل الأمر تجاهل، وهذه صبيانية واضحة بلا معنى؟ هل الأمر خطة مقصودة، وهذا ببساطة عمى في البصر وفي البصيرة؟
في تداعيات قضية السفاح الإسباني برزت جرأة الملك، وكان لافتا التعبير الشعبي عن الغضب، وكانت الأخبار تنزل متتالية، لكن وحده تلفزيوننا أصر على الإمساك بالعتاقة، وقدم لنا وجوها جاءت هي أيضا لتبعث الإشارة إلى جهة سياسية معروفة، ونجحت فعلا في رسم معالم الضحالة، وفسرت لنا كيف يمكن أن نكون أمام قضية كبرى ونضيع فرصة تفعيل تواصل مهني حولها يخدم حق شعبنا في الأخبار، ويخدم صورة بلادنا ومصالحها.
مؤسف فعلا هذا الحال.
[email protected]

Top