كانت الأسماء الإبداعية في مختلف المجالات: القصة، الشعر، المسرح، التشكيل.. إلى غير ذلك، حتى وقت قريب، معدودة جدا، إلى حد أنه يمكن تذكر أسمائها دون عناء، بالنظر إلى أن الساحة الثقافية كانت لا تزال بكرا، إذا صح التعبير، غير أنه في العقدين الأخيرين على الأقل، تضاعف حضور المبدعين على اختلاف اتجاهاتهم.
في هذه السلسلة، تفتح جريدة بيان اليوم، على امتداد الشهر الأبرك، نافذة للإطلالة على عوالم الأسماء البارزة الممثلة للجيل الجديد، وللإصغاء إلى انشغالاتها وطموحاتها.
الشاعرة مليكة الجباري: يسكنني توق المعاندة والمجاوزة
للشاعرة مليكة الجباري مجموعة من الإصدارات، في الشعر: “في قلب العاصفة” و”على صهوة الجموح”، و”رؤى آجلة”. في القصة: مجموعة تحت عنوان “متاهات سيزيفية” طبعت بمصر، في الرواية: عمل واحد بعنوان “في الطريق”. بالإضافة إلى ذلك، شاركت في ديوان جماعي بالإسبانية إلى جانب شعراء عالميين بعنوان “صليل الصمت”.
الكتابة النسائية الجريئة كان لها تأثير على تجربتها الإبداعية، حسب تأكيدها في هذا الحوار.
* كيف انخرطت في مجال الإبداع؟
– الانخراط في مجال الإبداع له امتداد يعود إلى مرحلة الطفولة، وأنا أقلد الكبار على منصة المسرح بقاعات السينما بمدينة القصر الكبير، مقتبسة النصوص من مؤلفات أدباء بصموا الساحة الأدبية بعطاءاتهم كتوفيق الحكيم، عباس محمود العقاد، إدريس الشرايبي، شارل بودلير.. وأسماء أدبية عربية ومغربية أجنبية يطول ذكرها، متأثرة بالحركة الثقافية والسياسية وقتها، وبالكتابة النسائية الجريئة، أبرز أعلامها: فاطمة المرنيسي، نوال السعداوي.
وهذا لا يعني غياب الكتابات ذات التوجهات الفلسفية والسلفية، بحكم تربيتي المحافظة وانتمائي إلى مدينة صغيرة (القصر الكبير والعرائش) وجهة شرق المغرب من جهة الأم.
شغفي بالقصيدة كان يمر عبر النشر بجريدة “الميثاق الوطني” وقتها، وجريدة “العلم” وأنا في الصف الإعدادي أحبو إلى الشعر، أحاكي الكبار، وأشاغب الواقع.
مظلتي لغة بريئة، تنضج في حضن شغفي بالقراءة لديوان العرب ومدرسة المهجر وروايات ومراجع فلسفية كان الفرابي، وابن رشد والمنهج الأرسطي يستفز مخيلتي لأطلع إلى سطح بيتنا البسيط وأتأمل السماء من جديد.
يسكنني توق المعاندة والمجاوزة، وكما قيل في حقي (لا تهادني، ولا تستكيني..).
أنتمي إلى النص كانتمائي لهذا الكون، محاولة قدر الإمكان توقيع ميثاق معنوي، أدبي، وتشاركي في صمت مع القارئ، من سواد الأوراق وبياضها، أنقله إلى غرفة الحياة وصمتها.
* ما هي أهم أعمالك الإبداعية؟
– أهم أعمالي الأدبية:
لدي مجموعة من المقالات الأدبية منشورة في مجموعة من الجرائد المحلية والعربية، بالإضافة إلي دواوين “في قلب العاصفة” و”على صهوة الجموح”، و”رؤى آجلة”
وكذا ديوان مشترك بالإسبانية مع شعراء دوليين
بعنوان “صليل الصمت” وترجمته بالفرنسية بقلم المترجم عبد الواحد بناني، ومجموعة قصصية تحت عنوان “متاهات سيزيفية” طبعت بمصر،
ومجموعة من الدواوين المشتركة وكذا رواية “في الطريق”.
* ما هي الرسالة التي تحملها هذه الأعمال؟
– رسالتي الأدبية: المقاربة الاجتماعية والمساهمة بشكل أو بآخر في النهضة الثقافية بتقرير السلم الاجتماعي في شمولية الرؤيا بعيدة أو قريبة، خلق تواصل فعال، وتصالح مع الذات والآخر بكسر مجموع الحواجز النفسية التي سببت شروخا بل ندوبا عميقة ونحن نحبو إلى عالم تصغر فيه الأحلام وتكبر فيه الأحزان.
كامرأة مبدعة، نصبت نفسي بقصد أو بغير قصد، مدافعة عن الشعر في وسط ذكوري محافظ، باعتبار القصيدة رسالة تحمي أفكاري، قناعاتي واعتبارها أيضا وثيقة تاريخية، لا كما روج له، ضرب جنون يتبعه الغاوون.
أيضا، إثبات أن المرأة المغربية قادرة على أن تكون الشاعرة الأم المربية، الحقوقية والفاعلة الجمعوية من غير إفراط ولا تفريط في كرامتها وإنسانياتها وانتمائها لمجتمع له مقوماته وخصوصياته وجذوره في التاريخ.
مسافة التوتر هي راهنية الانتماء.
* هل يمكن الحديث عن منحى تجريبي في إنتاجك الإبداعي؟
– بإيجاز، المنحى التجريبي في إبداعي له ارتباط وثيق
بعلم النفس التجريبي الحديث. تراكمية المعرفة والممارسة ساهما بشكل غير مباشر في تطوير الذات المبدعة وتحريرها، بوضعها أمام المشكلة وجها لوجه وانتقالها من التنظير إلى التطبيق مع تحمل نتائج الممارسة الفعلية والانفعال معها.
* كيف هي علاقتك بالتواصل الرقمي؟
– علاقتي بالتواصل الرقمي كانت محتشمة، ربما لأن دوري كأم ومدرسة كان له تأثير في ولوج هذا العالم من بابه الضيق.
أحاول من خلاله اختصار المسافة واقتناص الجانب الإيجابي في استعماله.
– هل يمكن الحديث عن منعطف جديد في التجربة الإبداعية للجيل الحالي؟
– يمكننا الحديث عن منعطف جديد في التجربة الإبداعية للجيل الجديد، من خلال استحضار ذاك التحرر من سريالية تضخمت وكادت تحجز المثقف في جب لا يسمع فيه غير صوته، ونسي في غمرة الانتشاء أن هناك من ينتظره ليحتوي همومه وفرحه ببساطة، قال سركون بولس:
“أكتب كلمة واحدة في دفتري وأغلقه، حركة تكفي لكي تتغير الدنيا..”.
وهذا المنعطف يظهر جليا في رفض النمطية وتبني الوعي الإنساني غير القابل للاستهلاك المجاني، ببناء نصوص تنحرف فيها اللغة عن وظيفتها التواصلية الإخبارية إلى وظيفة المناورة العقلية التخييلية، ومن مستوى الخطاب الإبداعي الكلاسيكي إلى مستوى الإرباك اللغوي والتوليد الداخلي لتعطيل مسافة التوتر بين الواقع والمتخيل، مرورا بعملية تقليص دور حفريات الذكرى.
إنه الحسم مع أحجية تكرار الآخر والهروب المفرط نحو الغموض حد الغموض الممنهج.
* ما هي مشاريعك الإبداعية القادمة؟
– مشاريعي القادمة هي “رواية بقلم امرأة من الشمال”،
ربما هي تجربة الشاعر دوما لإخبار العالم أن لا حدود بين السرد والشعر، ولا بين الريشة والعود وغيرها من أشكال الإبداع.
كل مبدع قادر على أن يمنحنا الضوء بطريقته الخاصة.
الصباح لم يكن لي
كنت عقارب ساعة
كف ريح ممدودة
نحو تفاحة آدم
كنت شهقة بحر
محارة شحذت شفاه الموج
أتحسس سقوط عناقيد الأيام
تحت الضوء
الغيمة الماطرة لم تكن لي
كنت وجهها
عكازها..
أتعقب حمى الفصول
تسخر مني الحظوظ
وماعلق منها
على صدر الأعوام
أنا لم أكن لي..
كنت ظل نخلة
نظارة سوداء
أحلام يقظة
صفارة إنذار معلقة
في عنق الأحلام
كن لي أحداق السماء
أوتار عود حذفت الأحزان
كن لي أنت..
سكرة عشق
إذا تعذر الماء
إيقاع قصيدة لا تكررني
تهزم مواعيد الانتظار
في عيون الأبرياء.
فالصباح لم يكن لنا
كنا حكاية مساء
خطتها أنامل القدماء
ازرعني في ظهر الفجر
صبر أيوب.
هكذا … بلا مواعيد هشة
نهزم ما تبلد من الحب.
> إعداد: عبد العالي بركات