احتضنت المدينة الزرقاء، شفشاون، المهرجان الدولي لأفلام البيئة في دورته الثانية عشرة في اللفترة ما بين 20 و2″ يونيو الماضي.. تبارت خلاله الأفلام الصديقة للبيئة بالصور الجميلة والمواضيع القوية حول الطبيعة والبيئة. ومكنت المشاركين من التعرف على أهمية حماية الكوكب .
يأتي تنظيم هذا المهرجان في إطار الأيام البيئية السادسة والعشرين والتي تنظمها جمعية تلاسمطان للبيئة والتنمية في كل سنة احتفالا باليوم العالمي للبيئة.
وأفاد الأستاذ عبد الإله التازي رئيس جمعية تلاسمطان للبيئة والتنمية، خلال حفل الافتتاح، أن الجمعية لها قناعة راسخة بأن المؤهلات الطبيعية والثقافية والفنية يمكن أن تكون رافدا أساسيا من روافد التنمية المستدامة، فقد التزمت الجمعية منذ سنة 2018 بتنظيم المهرجان الدولي لأفلام البيئة، بعد أن كان عبارة عن مهرجان خاص بأفلام الهواة، وبلغ دورته الثانية عشرة بإشعاع دولي، حيث يشهد المهرجان انفتاحا على تجارب سينمائية دولية مختلفة وذلك باستضافته لعدد من الشخصيات السينمائية والفعاليات المهتمة بالبيئة والتنمية المستدامة من أجل تشجيع السينمائيين الشباب على خوض غمار التجارب السيمائية البيئية والتي بدأت منذ سنوات لتتصدر الإنتاجات السينمائية العالمية. وأصبح لها دور كبير في التحسيس بالقضايا البيئية التي يعاني منها العالم. وفي ظل التساؤلات والتفاعلات حول موضوع البيئة دوليا ووطنيا وجهويا لا يمكن إلا أن يكون المهرجان مناسبة لطرح أسئلة المجال الإقليمي والتحديات التي تقف أمامه كالمتغيرات المناخية وسبل التأقلم معها، ومعضلة الاستنزاف المفرط للموارد المائية، وكذا الاستعمال المتزايد للمواد البلاستيكية والتي أضحت تهدد المنظومة البيئية والحيوانية برا وبحرا. والجمعية دائما سباقة للاهتمام بالفيلم البيئي لما له من دور كبير ومتميز للتعريف بهذه القضايا والمساهمة في التحسيس بها وإيجاد حلول لها، ذلك أن رهان الجمعية على الصوت والصورة من خلال المهرجان جعل مدينة شفشاون، عاصمة الأفلام المهتمة بالبيئة، هو نابع من الأهمية التي صارت لهاتين الأداتين من أدوار يمكن أن تلعبها في أية تنمية منشودة وفي غير ذلك من المجالات الثقافية الاجتماعية والبيئية، يضيف التازي.
ومن جهته قال مدير المهرجان محمد السطار إنه في سياق عالم مليء بالصور المبهجة والقصص الساحرة، يستوجب الحقائق الصادمة أمام صراع البشرية مع التدهور البيئي الذي يتزايد، والأرض التي تتألم. في هذه اللحظة المهمة، “نجتمع جميعا هنا في قلب مدينة شفشاون، لنشعر بالحنين للطبيعة ولنتعاون على مواجهة تحدياتنا البيئية”. مضيفا أن الدورة الثانية عشرة من المهرجان الدولي لأفلام البيئة بشفشاون، فضاء تلتقي فيه السينما والبيئة ليخلقا معا تجربة سحرية تداعب الحواس و”تصحبنا في رحلة لا تُنسى”. مشيرا إلى أن المهرجان فريد من نوعه، إذ يصبح الفيلم البيئي شاهدا على قصص الكوكب وصراعه مع التغيرات المناخية والتلوث وفقدان التنوع البيولوجي. “نعم، هنا نجد القوة الحقيقية للسينما، فقدرتها على رسم لوحات تروي قصصا تعكس جمال الطبيعة وأيضا معاناتها. سنعيش معا وعلى مدى أيام لحظات مميزة عبر هذا المهرجان المليء بالأفلام المبدعة والملهمة، التي تأخذنا في رحلة عابرة للقارات والمحيطات، تتجاوز الحدود الزمانية لتلقي الضوء على أهمية الحفاظ على مواردنا الطبيعية واحترام التوازن البيئي. لنقف جميعا، يدا بيد، أمام شاشة السينما، نتأمل الصورة ونسمع الحكاية. والأهم ندعم الأصوات التي تصرخ بالحقيقة، وتعبر عن الأمل في مستقبل أفضل. فالفن ليس مجرد ترف ترفيهي، بل هو وسيلة قوية لفضح ممارساتنا المشينة ضد كوكبنا”.
واعتكف أعضاء لجنتي التحكيم على تقييم 18 عملا سينمائيا وفنيا من مختلف البلدان همت كل من مصر، سلطنة عمان، بولونيا، المكسيك، إيطاليا، إنجلترا، كوريا الجنوبية، فرنسا، بلجيكا، سويسرا والمغرب. وأعلن في حفل بهيج عن الفائز بجوائز المسابقات الرسمية بفئاتها الثلاث.
وكشفت لجنة التحكيم بالإجماع عن الفائز بجائزة فئة الأفلام الاحترافية القصيرة التي نالها فيلمَ “STOLEN FISH” للمخرجة (Gosia Juszczak). وقدرت لجنة التحكيم دواعي التتويج كون المخرجة وفقت في معالجة ظاهرة الفقر لدى صيادي البحر الصغار في غامبيا وما تُحدثه من مشاكل اجتماعية تُعيق العملية التنموية المحلية المستدامة وتتسبب في تفاقم مشكلة الهجرة غيرِ النظامية. كما تم التطرق بطريقة فنية ذكية إلى الهيمنة الأجنبية على الثروات الطبيعية في البلدان النامية. ونجح الفيلم في تقديم شهادات وصور حية عن معاناة صغار الصيادين وأسرهم وذلك عبر معالجة سينمائية متميزة.
وتعد غامبيا أصغر دولة في القارة الأفريقية، حيث يتم تحويل الأسماك إلى مسحوق من قبل شركات صينية، يتم تصديره بكميات كبيرة إلى أوروبا والصين، ويتم استخدامه لتغذية الحيوانات خلال مرحلة التربية الحيوانية الصناعية مما يسبب فقدان السكان المحليين لمصدرهم الرئيسي للبروتينات، ويكافحون من أجل البقاء، في حين يؤدي الصيد المفرط إلى تدهور النظم البيئية البحرية.
وجاءت جائزة فئة الأفلام الاحترافية الطويلة مناصفة بين فيلمين اثنين، فيلم “أموكا “AMUKA للمخرج Antonio Spano وفيلم “اغتيال” للمخرج المغربي ياسين آيت افقير. حيث اعتمدت اللجنة في مجازاة فيلم “أموكا” على نجاح الأثر السينمائي في رسم معالم بورتريهات متقاطعة لعينة من صغار المزارعين الكونغوليين عبر سعيهم الحثيث إلى فرض منتجاتهم في السوق بأسعار عادلة رغم المشاكل الكثيرة التي تواجههم والضغوط المضنية الممارسة عليهم باستمرار من عدة أطراف. ثم وفق الفيلم في التركيز على الدور الفعال الذي تقوم به المرأة في مختلف حلقات أنشطة الزراعة الأسرية أساسِ الأمن الغذائي بالنسبة إلى الفئات الفقيرة في الأوساط القروية الإفريقية. فضلا عن مهارة الفيلم في تصوير معاناة صغار المزارعين اليومية لاسيما من خلال تسليط الضوء على همومهم وقدرتهم على تجاوز العقبات.
وأما بخصوص فيلم “اغتيال”، فإن لجنة التحكيم حرصت على منحه جائزة أفضل الأفلام الاحترافية الطويلة المشاركة في المسابقة الرسمية نظرا لاهتمام الفيلم بالمخاطر المُحدقة بشجرة الطلح التي تُعدُّ حلقة مهمة جدا في التنوع الحيوي في المناطق الجافة وشبه الجافة. وتطرق الفيلم إلى هذه الإشكالية عبر مسار أسرة تشكل شجرة الطلح موردَ رزقها الأساسي وكذلك الأمر بالنسبة إلى سكان المناطق الصحراوية. ونجح الفيلم في تصوير واقع سكان المناطق الصحراوية ببساطة معبرة عن قيمة هذه الشجرة في حياة الإنسان الصحراوي على أكثرَ من صعيد.
وأسفرت نتائج مداولات اللجنة أفلام الهواة عن فوز فيلم (PLASTICENE) للمخرج الإيطالي (Jari Brontesi.)؛ والفيلم يعرض رسالة مهمة من خلال رجل يقود سيارته إلى منزله، في ليلة مظلمة مخيفة، يعترض صندوق كبير غامض طريقه ليفتن بمواجهة غريبة مع الصندوق. سيقوم بفتح الصندوق. وسيجد في الداخل واحدا من أفظع التصرفات التي تخبئها البشرية… ليستيقظ وحش النفايات.
كما تم التنويه بفيلم Nom d’une plante! للمخرج الفرنسي (Hervé Bressaud). ونال جائزة أفلام المؤسسات التعليمية المغربية فيلم “معركة الندرة” من الناظور للمخرج محمد أيخلف من ثانوية أحمد شوقي الإعدادية.
ويحكي الفيلم قصة طفل مستهتر يعشق اللعب بالماء وتبذيره غير مبال بأهميته وقيمته رغم تنبيهات من حوله، إلى أن يعيش كابوسا مرعبا ذات ليلة الشيء الذي سيغير نظرته للماء إلى الأبد..
يشار أن تقييم الأفلام الثمانية عشرة المبرمجة في هذه الدورة أوكل للجنتين: لجنة التحكيم الأولى الخاصة بالأفلام الاحترافية الدولية (الطويلة والقصيرة)، ترأسها المخرج المغربي طارق الإدريسي، وعضوية كل من: الناقد السينمائي الخليل الدمون، الإعلامية المغربية هدى مساهل بالإضافة إلى الإعلامي التونسي حسان التليلي. أما لجنة التحكيم الثانية فهي الخاصة بأفلام الهواة الدولية القصيرة وترأستها الناشطة البيئية البحرينية خولة المهندي، وعضوية كل من: الإعلامي البيئي محمد التفراوتي والسيناريست والمخرج المغربي الحسين شاني.
وقد روعي في اختيار لجنتي التحكيم تعدد الاهتمامات والصفات السينمائية والإعلامية والبيئية. إذ حددت لجنة خاصة بالمسابقة الدولية لأفلام البيئة الاحترافية (الطويلة والقصيرة) ولجنة خاصة بالمسابقة الدولية لأفلام البيئة الخاصة بالهواة والمسابقة الوطنية لأفلام المؤسسات التعليمية.
ويذكر أن الدورة الثانية عشرة من المهرجان نظمت بدعم من المركز السينمائي المغربي. وكان المهرجان مميزا بكل المقاييس حيث جمع بين المتعة السينمائية في مجال الأفلام البيئية بكل أشكالها (الاحترافية والهاوية وأفلام المؤسسات التعليمية). والمتعة الثقافية البيئية من خلال ندوتين وماستر كلاس بمشاركة مختصين في القضايا البيئة ومبدعي السينما من نقاد ومخرجين وإعلاميين همهم الوحيد هو إيصال صوت البيئة إلى أعلى المستويات.
سفراء البيئة من أجل مستقبل مستدام
ووفق سنته الحميدة التي تتغيا استقطاب فاعلين من تخصصات مهمة في أفق تعزيز مفاهيم وقيم البيئة والاستدامة عبر إشراكهم كمتحدثين وفاعلين نشيطين في مجال التحسيس بقضايا البيئة والدفاع عنها في حياتهم المهنية والشخصية، عمل المهرجان على اختيار أسماء مؤثرة في مجالات السينما والبيئة والإعلام لمنحها لقب سفراء للبيئة كل في مجال تخصصه.
اختيرت في هذه السنة 5 أسماء بارزة في مجالات السينما والإعلام المرئي والإعلام الرقمي (صناع المحتوى)، همت كلا من الأستاذة هدى مساهل، إعلامية متخصصة في القضايا البيئية وحائزة على جائزة الحسن الثاني للبيئة في الدورة 13؛ والأستاذ عبد الرحمان الرايس صانع محتوى مغربي/ حائز على جائزة أحسن محتوى (The one (2M)) ؛ وحمزة بنطاهر، مدون وصانع محتوى / بطل المغرب للمناظرات سنة 2017؛ ومالك أخميس ممثل مسرحي وسينمائي مغربي؛ وطارق الإدريسي مخرج مغربي لأفلام وثائقية؛ سلم لهم لقب ودرع سفير وسفيرة البيئة خلال حفل الافتتاح.
ويلتزم سفراء البيئة هذه السنة بالمساهمة وفق “ميثاق سفير(ة) البيئة” بالمساهمة في تعزيز القيم البيئية، الرفع من مستوى الوعي العام بالقضايا البيئية. والعمل على اتخاذ إجراءات من أجل الاستدامة، ثم تشجيع المبادرات البيئية التي تعتبر ذات أهمية بالنسبة لتغيير السلوكيات، والعمل عن كثب مع المهرجان ومع التظاهرات البيئية للمساعدة على النهوض بالقضية البيئية والترويج لها. في حين يلتزم المهرجان الدولي لأفلام البيئة بشفشاون بزيادة الوعي العام بالقضايا البيئية من خلال الفن والسينما، لكون الشخصيات المؤثرة من عالم السينما والمسرح والفن والإعلام يمكن أن تلعب دورا مهما في تعزيز مفاهيم البيئة والاستدامة. وقام المهرجان بإنشاء برنامج سفراء البيئة، حيث تتم دعوة شخصيات بارزة لتعزيز القيم البيئية والعمل كمتحدثين باسم المهرجان والقضايا البيئية الأوسع.
المهرجان بدون بلاستيك
لاحظ المشاركون في المهرجان أن جميع وثائق المهرجان من لافتات وملصقات وإعلانات دعائية تحمل شعار “مهرجان بدون بلاستيك” أو “صفر بلاستيك”، وهو شعار وتحد في نفس الوقت تبناه المهرجان منذ الدورة الماضية من أجل تنظيم بدون مواد مصنوعة من البلاستيك وذات الاستعمال الواحد. ويعتبر المهرجان بذلك أول مهرجان عربي وإفريقي يلتزم بهذا الشعار في كل أنشطته وأمكنة انعقاده. والتزم المشاركون والضيوف بحماس في بلوغ هذا التحدي.
ماستر كلاس: فيلم وثائقي سينمائي مميز “أرض العسل”
وتخلل أنشطة المهرجان عرض فيلم وثائقي سينمائي مميز، “أرض العسل” (HONEYLAND) اعتبره المشاركون هدية المهرجان لعشاق السينما الوثائقية ولعشاق السينما عموما. شكل تحفة سينمائية يلتقي فيها الإبداع السينمائي والحضور الإنساني وعلاقته بالطبيعة. والدليل على تميز هذا الفيلم هو العدد الكبير من الجوائز التي حصل عليها بالإضافة للترشيحات وأهمها حصوله على 3 جوائز متميزة من مهرجان (SUNDANCE) بالولايات المتحدة الأمريكية، وترشيحه لجائزتي أوسكار كواحد من أهم الأفلام الوثائقية الأجنبية التي تم ترشحيها لهذه الجائزة الكبيرة. وتدارس المشاركون تفاصيل ومشاهد الفيلم في “ماستر كلاس” جماعي مع ضيوف المهرجان تناقشوا حول القيم الفنية والجمالية والبيئية في الفيلم.
******************
حوار اكسبريس
مع المخرج السينمائي الإيطالي جاري برونتيزي الفائز بجائزة أفلام الهواة
- هل توقعت الفوز أمام المنافسة القوية بما في ذلك الأفلام المدرجة في المسابقة؟
** يجب أن نعترف بأننا لم نتوقع الفوز بالنظر إلى المنافسة القوية التي واجهناها. قدم كل صانع أفلام وجهة نظره الفريدة حول القضايا البيئية، وكان من المثير للاهتمام حقا الفوز. كان الفوز وسط صانعي الأفلام الموهوبين تجربة حقيقية!
- ما هي انطباعاتك عن مهرجان الفيلم البيئي الدولي ومستوى التنظيم والفعاليات الموازية؟
** ترك المهرجان الدولي للأفلام البيئية انطباعا عميقا في نفوسنا. كان مستوى التنظيم مميزا، وقام فريق المهرجان بعمل رائع في تقديم مجموعة متنوعة من الأفلام التي تناولت مواضيع بيئية مختلفة. على الرغم من أن معظمها كان باللغة العربية، فقد كان من الملهم أن نشهد شغف وتفاني زملاء من صانعي الأفلام وحضورنا معهم وفق هدف مشترك يتمثل في رفع مستوى الوعي حول التحديات البيئية من خلال وسيلة الفيلم والمبادرات الأخرى ، مثل فيلم “بيت النحل”.
- تناول فيلمكم (PLASTICENE) موضوعا مهما مع الإبداع الفني. هل يمكنك إعطاء بعض الإيضاحات والتفاصيل؟
** يهدف فيلمنا إلى مشاركة الشعور بالشفقة الذي شعرنا به عندما واجهنا آثار استخدامنا غير الأخلاقي للعبوات البلاستيكية. من خلال استخدام مجازات الإثارة والصور السريالية، أردنا استحضار نفس الشعور أثناء إنشاء تجربة مسلية ومثيرة للتفكير للجمهور. لقد واجهنا العديد من التحديات خلف الكواليس، ولكن بفضل مساعدة فريقنا المذهل، تمكننا من إنجاز ذلك في الوقت المحدد وبزيادة طفيفة في الميزانية. كما عزز هذا الانتصار إيماننا بأهمية استخدام الأفلام كوسيلة لزيادة الوعي ودفع التغيير الإيجابي. نحن ملتزمون بمواصلة استكشاف هذا النوع من الموضوعات في المشاريع المستقبلية. ولابد للإشارة إلى أن مهرجان السينما البيئية بشفشاون استقطب منذ قرابة 12 عاما مجموعة من المخرجين ورواد السينما في عالم البيئة وجوانبها وموضوعاتها المختلفة كقضية عالمية تتطلب التأثير والوعي بحس فني رائع .
- تقرير: محمد التفراوتي