تتواصل الاحتجاجات بمختلف جهات المملكة، وتتنامى الوقفات والمسيرات والتوترات في عدد من المدن، وذلك للتعبير عن رفض إجبارية جواز التلقيح، ولحد الساعة وحدها قوات الأمن والسلطات الترابية توجد في مواجهة المحتجين لمنع التظاهرات وتفريقها، وأحيانا يقع التوتر بين الطرفين…
لم تعبر الحكومة، إلى غاية اليوم عن أي موقف أو تفاعل، ولم تقدم أي جواب عن هذه الاحتجاجات المتنامية.
لم يعد انتقاد طريقة الحكومة في فرض إجبارية جواز التلقيح مجرد مواقف سياسية صدرت عن أحزاب أو جمعيات ضمن بلاغات أو تصريحات، وإنما بات الغضب يمتلك عمقا شعبيا، ويتجسد في الميدان وعلى أرض الواقع من خلال تظاهرات وشعارات ووقفات لمئات المواطنات والمواطنين.
هنا يصير من الضروري أن تتوفر للبلاد حكومة سياسية فعلا، ووزراء ومسؤولون يمتلكون حس التقدير السياسي واستيعاب مؤشرات الواقع، والقدرة على الإنصات لنبض المجتمع والتفاعل مع ما يجري التعبير عنه من احتجاجات ومطالب.
متى تفكر حكومتنا ذات الكفاءات الخارقة أن تتدخل، وأن تنصت وتتواصل مع الشعب الذي منحها أصواته في الانتخابات؟ هل من الحكمة اليوم ترك الناس في مواجهة مباشرة مع قوات الأمن في الشارع إلى ما لا نهاية؟
لقد بذلت بلادنا فعلا جهدا مميزا في عملية التلقيح، وفي التصدي للجائحة وتداعياتها المجتمعية المتعددة، ومثل هذا الارتجال الحكومي بإمكانه التأثير على كامل هذا المنجز، واليوم المشكلة توجد في الخرس الذي يميز هذه الحكومة وعجزها عن الكلام مع الشعب والتواصل معه والتفاعل مع انشغالاته…
الحكومة السياسية المسؤولة هي التي تستحضر مصلحة البلاد والسياق المجتمعي قبل أن تقدم على أي قرار، وهي التي تحرص على تعبئة الشعب المعني بالقرارات الحكومية لينخرط عن وعي في تطبيقها، وحتى عندما يبدو القرار خاطئا أو في غير وقته، فهي لا تتردد في التراجع عنه أو تعديل مقتضياته، وأن تتوفر لها الشجاعة السياسية والتواصلية لتخاطب المواطنات والمواطنين بذلك.
الحكامة والتدبير العقلانيان لشؤون الناس يقومان على التفاعل مع ما يعبرون عنه من آراء وانتظارات وانشغالات، والحرص على التواصل المستمر، ذلك أن تدبير قضايا الشعب والدولة لا يتم عبر أوامر غير منصتة لنبض المجتمع، وهنا بالضبط يكمن الفرق بين إدارة شؤون شعب وبلد، وإدارة شركة أو مصنع.
الأساسي إذن اليوم هو التفاعل مع الاحتجاجات الشعبية، وبلورة جواب واقعي وعقلاني في أقرب وقت، لكي يتم توجيه تركيز الدولة نحو إنجاح التلقيح وحفظ صحة شعبنا وسلامة بلادنا، ولا يجب ترك جواب السلطات مجسدا في الشارع لتفريق الاحتجاجات، ولكن يجب تحويل الأمر إلى جواب سياسي وتدبيري، وأن يتم تفعيل حضور تواصلي قوي للحكومة، وتمتين النقاش الوطني مع المؤسسات والقوى الحية والخبراء والمختصين ومختلف الفاعلين في المجتمع.
<محتات الرقاص