ذكرى معركة الدشيرة وذكرى جلاء آخر جندي أجنبي عن الأقاليم الجنوبية للمملكة

يتواصل يومه الثلاثاء الاحتفاء بالذكرى 58 لمعركة الدشيرة التي جسدت معلمة بارزة في سجل تاريخ الكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال وتحقيق السيادة الوطنية والوحدة الترابية، والذكرى 40 لجلاء آخر جندي أجنبي عن الأقاليم الجنوبية للمملكة، الذي تحقق غداة المسيرة الخضراء المظفرة التي أبدعها جلالة المغفور له الحسن الثاني، وذلك بتنظيم مهرجان خطابي ببيوجدور من طرف المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بتعاون وتنسيق مع السلطات الولائية والإقليمية والمجالس المنتخبة والهيآت السياسية والنقابية والحقوقية ونشطاء العمل الجمعوي والمجتمع المدني بالأقاليم الجنوبية. وكانت المندوبية قد نظمت يومي أمس الاثنين وأول أمس الأحد مهرجانين خطابيين بكل من السمارة والعيون.
وبهذه المناسبة تجري مراسم توشيح صفوة من 37 من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بأوسمة ملكية شريفة، وحفل لتكريم 10من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بمدينة السمارة، وذلك عربون وفاء لتضحياتهم الجسام، في معترك المقاومة. وإلى جانب التكريم المعنوي، هناك أيضا التكريم المادي، كما جرت العادة بذلك، حيث خصصت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير إعانات مالية ومساعدات اجتماعية وإسعافات لعدد من المنتمين لأسرة المقاومة وجيش التحرير بكل من العيون والسمارة وبوجدور، ممن يوجدون في حالة العسر المادي والاجتماعي، حرصا من المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير على تلبية الطلبات والملتمسات الموجهة لها في هذا الشأن لتقديم المزيد من الدعم المادي والاجتماعي لمن هم أهل له وأحق به.
هذا، ويكتسي تخليد هاتين الذكريتين المجيدتين صبغة خاصة في هذه السنة من حيث أنهما تندرجان في سياق التعبئة الوطنية العامة واليقظة الموصولة حول قضيتنا الوطنية الأولى، قضية وحدتنا الترابية المقدسة، غداة الخطاب التاريخي لجلالة الملك محمد السادس يوم 6 نونبر 2015 بمدينة العيون، بمناسبة الذكرى 40 للمسيرة الخضراء المظفرة، والذي يشكل خارطة طريق لتنزيل النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية في إطار الجهوية المتقدمة والموسعة.

 معركة الدشيرة حلقة ذهبية في سلسلة الأمجاد

يخلد الشعب المغربي ومعه أسرة المقاومة وجيش التحرير في 28 و29 فبراير وفاتح مارس 2016 الذكرى 58 لمعركة الدشيرة المجيدة والذكرى 40 لجلاء آخر جندي أجنبي عن الأقاليم الجنوبية للمملكة، اللتين يستحضر المغاربة من خلالهما محطات تاريخية بارزة في ملحمة استكمال الاستقلال الوطني وتحقيق الوحدة الترابية.
وتعتبر معركة الدشيرة حلقة ذهبية ترصع سلسلة الأمجاد والملاحم البطولية دفاعا عن الوحدة الترابية التي تحققت بفضل النضال المستميت للعرش والشعب، والذي تكلل بالمسيرة الخضراء المظفرة وإنهاء الوجود الأجنبي بأقاليمنا الجنوبية.
لقد واصل الشعب المغربي وفي طليعته أبناء المناطق الجنوبية المسترجعة مسيرة النضال البطولي من أجل استكمال الاستقلال وتحقيق الوحدة الترابية المقدسة، مجسدين مواقفهم الراسخة وارتباطهم بمغربيتهم، إيمانا بالبيعة التي تربطهم بملوك الدولة العلوية الشريفة، رافضين لكل المؤامرات التي تحاك ضد وحدة المغرب الترابية.
وتجسد معركة الدشيرة بحق معلمة بارزة في تاريخ الكفاح الوطني، ألحق فيها جيش التحرير هزيمة نكراء بقوات الاحتلال الأجنبي ما بين 1956 و1960، وتظل ربوع الصحراء المغربية شاهدة على ضراوتها كمعارك «الرغيوة» و»المسيد» و»ام لعشار» و»مركالة» و»البلايا» و»فم الواد».
وأمام هذه الانتصارات المتتالية، لجأت قوات الاحتلال إلى إبرام تحالف في معركة فاصلة خاض غمارها جيش التحرير بالجنوب، تلك المعركة التي اشتهرت باسم «اكوفيون»، وكانت هذه الوقائع شاهدة على قوة الصمود والتصدي في مواجهة التحدي الاستعماري تعزيزا للأمجاد البطولية التي صنعها المغاربة لإعلاء راية الوطن خفاقة في سمائه وعلى أرضه بقيادة العرش العلوي المنيف.

تضحيات جسام في مناهضة الوجود الاستعماري

لقد قدم المغرب جسيم التضحيات في مناهضة الوجود الاستعماري الذي جثم بثقله على التراب الوطني قرابة نصف قرن وقسم البلاد إلى مناطق نفوذ موزعة بين الحماية الفرنسية بوسط المغرب والحماية الاسبانية بالشمال والجنوب فيما خضعت منطقة طنجة لنظام دولي، وهذا ما جعل مهمة تحرير التراب الوطني صعبة وعسيرة بذل العرش والشعب خلالها تضحيات كبيرة في غمرة كفاح متواصل طويل الأمد ومتعدد الأشكال والصيغ لتحقيق الحرية والخلاص من قبضة الاستعمارين الفرنسي والإسباني المتحالفين ضد وحدة الكيان المغربي، إلى أن تحقق الاستقلال الوطني في 16 نونبر 1955.
ولم يكن انتهاء عهد الحجر والحماية إلا بداية لملحمة الجهاد الأكبر لبناء المغرب الجديد الذي كان من أولى قضاياه تحرير ما تبقى من تراب المملكة من نير الاحتلال. وفي هذا المضمار، كانت ملاحم التحرير بالجنوب سنة 1956 لاستكمال الاستقلال الوطني في باقي الأجزاء المحتلة من التراب الوطني، حيث استمرت مسيرة الوحدة في عهد بطل التحرير والاستقلال جلالة المغفور له محمد الخامس الذي تحقق على يديه استرجاع مدينة طرفاية سنة 1958 بفضل الإرادة القوية والالتحام الوثيق بين العرش والشعب وترابط المغاربة بعضهم ببعض من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب.
وتواصلت هذه الملحمة النضالية في عهد جلالة المغفور له الحسن الثاني بكل عزم وإيمان وإصرار، وتكللت باسترجاع مدينة سيدي افني سنة 1969، وبالمسيرة الخضراء المظفرة، في 6 نونبر 1975 التي جسدت عبقرية ملك استطاع  بأسلوب حضاري فريد يرتكز على قوة الإيمان بالحق، استرجاع الأقاليم الجنوبية إلى حضن الوطن الأب.
وهاهو المغرب اليوم يواصل مسيرته التنموية والنهضوية بقيادة جلالة الملك محمد السادس دفاعا عن مقدسات الوطن وانخراطا في  المسار التحديثي للمغرب على كافة الواجهات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية انسجاما وتجاوبا مع متطلبات المرحلة التي تقتضي اندماج كافة فئات الشعب المغربي في مسلسل التنمية الشاملة والمستدامة وإعلاء صروح الديمقراطية وصيانة الوحدة الترابية وتثبيت مغربية الأقاليم الجنوبية في ظل السيادة الوطنية.

 تثبيت السيادة الوطنية بأقاليمنا الجنوبية

إن أسرة المقاومة وجيش التحرير وهي تخلد الذكرى 58 لمعركة الدشيرة والذكرى 40 لجلاء آخر جندي أجنبي عن الأقاليم الجنوبية للمملكة، لتجدد موقفها الثابت من قضية وحدتنا الترابية وتعلن استعداد أفرادها لاسترخاص الغالي والنفيس في سبيل تثبيت السيادة الوطنية بأقاليمنا الجنوبية المسترجعة ومواصلة الجهود والمساعي لتحقيق الأهداف المنشودة والمقاصد المرجوة في بناء وطن واحد موحد الأركان، قوي البنيان ينعم فيه أبناؤه بالحرية والعزة والكرامة.

تثمين مبادرة الحكم ذاتي بالاقاليم الصحراوية

كما تثمن عاليا المبادرة المغربية القاضية بمنح حكم ذاتي موسع لأقاليمنا الصحراوية في ظل السيادة الوطنية لاسيما وأن هذا المشروع يحظى بدعم المنتظم الأممي ويعتبره المراقبون آلية ديمقراطية لإنهاء النزاع المفتعل بالمنطقة المغاربية والذي يسعى خصوم وحدتنا الترابية لتأبيده ضدا على الحقائق التاريخية التي تشهد على أن الصحراء كانت مغربية وستظل مغربية. ولن يفرط المغرب قيد أنملة في حقوقه المشروعة بتثبيت سيادته على الأقاليم الجنوبية المسترجعة وسيظل دوما وباستمرار على أهبة للتعاون مع المنتظم الأممي لإنهاء النزاع المفتعل حول اقاليمنا الجنوبية المسترجعة ليتسنى للمنطقة المغاربية أن تسير في طريق التقارب والتعاون والعمل المشترك لبناء اتحاد المغرب العربي الكبير الذي تتطلع إليه شعوب المنطقة.
والمناسبة سانحة كذلك لنثمن مضامين الخطاب السامي التاريخي لجلالة الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى 40 للمسيرة الخضراء المظفرة ليوم 6 نونبر 2015 والذي يعتبر خارطة طريق لإنجاز النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية، وحمل إشارات قوية ورسائل بليغة في تأكيد الموقف المغربي من حل النزاع المفتعل بالصحراء المغربية مشددا على أن خيار الحكم الذاتي هو أقصى ما يمكن أن يقدمه المغرب حيث يقول جلالته: «وبإقدامه على تطبيق الجهوية، والنموذج التنموي، فإن المغرب يريد أن يعطي حظوظا أوفر، لإيجاد حل نهائي، للنزاع المفتعل حول وحدتنا الترابية.
وإيمانا بعدالة قضيته، فقد استجاب المغرب، سنة 2007، لنداء المجموعة الدولية، بتقديم مقترحات، للخروج من النفق المسدود، الذي وصلت إليه القضية.
وهكذا، قدمنا مبادرة الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية، التي شهد المجتمع الدولي، بجديتها ومصداقيتها.
وكما قلت في خطاب المسيرة الخضراء، للسنة الماضية، فإن هذه المبادرة هي أقصى ما يمكن للمغرب أن يقدمه.
كما أن تطبيقها يبقى رهينا، بالتوصل إلى حل سياسي نهائي، في إطار الأمم المتحدة.
فمخطئ من ينتظر من المغرب، أن يقدم أي تنازل آخر. لأن المغرب أعطى كل شيء. أعطى من أرواح أبنائه، دفاعا عن الصحراء. فهل يجب علينا أن نقدم المزيد، كما تريد بعض المنظمات الدولية، وغير الحكومية إننا نعرف خلفيات هذه المواقف المعادية، التي تريد تقسيم البلاد. ونعرف أنه ليس من حقها التدخل في شؤون المغرب».
وفي هذا السياق، يضيف جلالته قائلا: «وبنفس الصرامة والحزم، سيواجه المغرب كل المحاولات، التي تستهدف التشكيك، في الوضع القانوني للصحراء المغربية، أو في ممارسة سلطاته كاملة على أرضه، في أقاليمه الجنوبية، كما في الشمال.
وهو ما يقتضي من الجميع مضاعفة الجهود، ومواصلة اليقظة والتعبئة، للتعريف بعدالة قضيتنا، وبالتقدم الذي تعرفه بلادنا، والتصدي لمناورات الخصوم».

Related posts

Top