كل من تابع هشام بوعويش، وهو يبكي بعد خروجه من السجن بحرقة كبيرة على ضياع عشرين عاما من عمره، يشفق عليه وينعل الظروف التي قادته في المكان والزمان الخاطئين، حيث تحول من شاب كله طموح، للوصول إلى المجد والمال والشهرة، إلى متهم بقتل دركي فرنسي، في حالة فرار مختفيا عن مطارديه.
عبر بوعويش هاربا ومختفيا عن عيون الأمن، الأراضي الفرنسية، ومر بثلاث دول أوروبية أخرى، إلى أن ألقى عليه القبض، وهو يعبر الحدود المغربية، حيث اعتقل وحوكم، وأدين بعقوبة سجنية ثقيلة، بعد محاكمة شهدت فصولا مثيرة، وجلسات ومرافعات ودفوعات صاخبة، دامت سنوات.
عشرون عاما كلفته الكثير، توقف نهائي لمسيرة رياضية ناجحة، ضياع مرحلة الشباب الذهبية. اذ دخل السجن في سن الـ 27 بعمر الزهور، ليخرج كهلا منهك القوى، بوجه شاحب ورأس يغزوه الشيب، وهو يشارف على العقد الخامس.
مدة طويلة دمرت عائلة بكاملها، مات والده وهو في السجن، انهارت قوى والدته التي ظلت وحدها تقاوم، تدبر أمورها من أجل استمرار زيارة ابنها، لتقوية معنوياته من جهة، ومن جهة ثانية مده بما يحتاجه من متطلبات العيش، رغم الحالة المادية الضعيفة والصعبة.
طيلة كل هذه المدة الطويلة والمؤلمة، ورغم ظروف العيش القاسية، لم تتخل الوالدة العجوز المسكينة والوحيدة في هذه الحياة، عن المطالبة بإطلاق سراح ابنها لإيمانها المطلق ببراءته، أما شقيقه الذي كان ينتمي هو الآخر لعالم ألعاب القوى، واستمر كسند وحيد للوالدة، فأصيب بمرض نفسي من جراء دخوله في حزن عميق، بسبب الحكم القاسي على هشام.
خسارة كبيرة على جميع المستويات، كلفته الكثير رياضيا وإنسانيا ونفسيا وأسريا وماليا، كما خلفت جرحا عميقا من الصعب أن يندمل بسهولة، مهما طال الزمن، وكيفما كان التعويض الذي يمكن أن يمنح له، في حالة ظهور أدلة تثبت البراءة التي ما يزال يقر بها حتى الآن، ورغم قضائه مدة العقوبة.
فأي تعويض يمكن أن يمنح له، لا يمكن أن يعوض سنوات الضياع الطويلة والمكلفة التي عاشها وراء القضبان، فما بالكم لو كان فعلا إنسانا بريئا.
الآن وبعد أن عانق بوعويش الحرية، وسواء كان بريئا أم مذنبا، فإن حياة أخرى تنتظره، وهو الذي وجد أمامه مسؤوليات لا تتطلب التأجيل، من أسرة صغيرة، بعد زواجه سنة 2007 وهو داخل السجن، وإنجاب بنت، ومسؤولية والدته المتقدمة في السن، وشقيقه المريض.
من المفروض أن يتم احتضانه، وتهيئة ظروف عودته، وتسهيل الانخراط مجددا في المجال الذي نشأ وتألق فيه، الأكيد أن لديه إمكانيات ليفيد بها ويستفيد، مع التفكير في كيفية مساعدته على تحيين مداركه التقنية ومراجعة ملكاته المعرفية، فمثل هذه التفاتة الإنسانية، يمكن أن تساعده نسبيا على تجاوز عقدين من الابتعاد القاسي.
كما أن وضعية بوعويش الصعبة بعد خروجه من السجن، تقتضي مساعدته من الناحية المالية، حتى يتمكن من ضمان مورد عيش في حدوده المقبولة، لأنه صراحة يستحق أن يعيش حياة كريمة، كما كان يطمح لها، ويأمل في الوصول إليها، وهو عداء دولي يخوض أكبر التظاهرات، وأهم الملتقيات بجل القارات باسم المغرب.
محمد الروحلي