رفض الوساطة والمحسوبية

أبدت السلطات الإدارية صرامة واضحة في مواجهة عدد من الأشخاص الذين استطاعوا الاستفادة من اللقاح ضد كورونا خارج المحددات القانونية والتنظيمية ذات الصِّلة.
وجرى في الأيام الأخيرة تعميم بلاغات رسمية أفادت تورط مسؤولين أمنيين ومنتخبين بعدد من المناطق في تلقي التلقيح من دون أن يكونوا منتمين إلى الفئات المستهدفة بهذه المرحلة الأولى، أو يكونوا مشمولين بالأولوية، وتم اتخاذ إجراءات في حقهم، وفِي حق من ساهم في تمكينهم من ذلك والتواطؤ معهم، كما فتحت تحقيقات إدارية أو قضائية بشأن ما حدث.
يكشف هذا الأمر، علاوة على التدني الأخلاقي واستغلال النفوذ، حاجتنا للتصدي لمظاهر تفشي الوساطة والمحسوبية في مختلف القطاعات، وفِي الممارسة والعقلية والسلوك.
لا يطرح الأمر  هنا لمجرد الوعظ أو تقديم النصيحة بشكل مجرد، وهو أيضا غير منحصر في السلوك الفردي والعلاقات اليومية العادية، ولكن الأمر يكتسب خطورة كبيرة لما يكون معششا في عقليات المسؤولين العموميين وفِي ممارستهم اليومية لمهامهم، وفِي علاقتهم بالمرتفقين، أي بالمواطنات والمواطنين.
الوساطة والمحسوبية تعني الامتناع عن تحقيق مطلب أو إنجاز خدمة مشروعة وقانونية لمواطن أو التلكؤ في تنفيذها، أو القيام بها لمصلحة أحد عبر التجاوز على آخرين، وعلى حقوقهم.
ونجد هذا السلوك واضحا وفاضحا ليس فقط في عدم الالتزام بالدور أثناء الانتظار، أو في الاستفادة من خدمات دون استحقاق أو سند، ولكن أيضا في قضايا كبرى مثل الصفقات العمومية أو في العلاقة مع الإدارات والجماعات المحلية، وبالتالي يتحول  هذا الأمر إلى عرقلة حقيقية لتطبيق القانون، ولإقرار وترسيخ العدالة والمساواة بين الناس، وهو ما يساهم، تبعا لذلك، في إضعاف ثقة المواطنات والمواطنين في المؤسسات، ويسيء إلى الدولة، ويكرس الإحباط وسط مجتمعنا وشعبنا.
من هنا، تعتبر صرامة السلطات في الفترة الأخيرة، تجاه المسؤولين الأمنيين والمنتخبين المستفيدين من التلقيح دون أن يكونوا من الفئة المعنية بهذه المرحلة الأولى، ردا إيجابيا وإشارة مهمة لجدية المنظومة الوطنية العامة لتدبير الحملة الوطنية للتلقيح، ويجب الاستمرار في ذلك، وتقوية اليقظة والصرامة تجاه المتهافتين ومنتهزي الفرص للاستفادة الذاتية على حساب المصلحة العامة.
ويعتبر  كذلك رد الفعل السريع الذي أعلن عنه المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية في هذا الإطار، تجسيدا واضحا للانخراط في محاربة الممارسات الانتهازية واستغلال النفوذ، ودعوة لتكثيف جهود كل القوى المجتمعية لتمتين سلوك المصداقية والنزاهة واحترام الأخلاقيات في كل مراتب المسؤولية العمومية والتمثيلية.
هذه الممارسات التي طفت على السطح في الأيام الأخيرة، وإن كانت محدودة العدد لحد الآن، ولا تؤثر في السير العام لحملة التلقيح، فهي، مع ذلك، تعطينا مبررا آخر للإنكباب على تقوية أدوات وتشريعات وهياكل وآليات تحقيق النزاهة ومكافحة الفساد بشكل عام.
التحديات المطروحة على بلادنا حالا ومستقبلا تحثنا اليوم على التصدي لمختلف الوساطات وممارسات المحسوبية والريع، وتفرض تطوير الحكامة الجيدة والمساءلة، وذلك في كل مستويات المسؤولية بالإدارات العمومية والجماعات المحلية والفضاء الاقتصادي، وبالتالي الإصرار على نشر وإشعاع قيم المصداقية والنزاهة والشفافية والمسؤولية وسط المجتمع عبر التربية والإعلام، وخصوصا من خلال توفير القوانين والنصوص التنظيمية والمساطر، والعمل على تطبيقها وفرض التقيد بها، ومعاقبة المخلين بها والمنتهكين لمقتضياتها.
إن ما حدث هذه الأيام يجعلنا نفكر في مستوى النخب المحيطة بنا، خصوصا في مجالس الجماعات المحلية، وأيضا داخل عدد من الإدارات، ويفرض علينا أن نفكر في هذا التدني الأخلاقي، وضعف الالتزام بالجدية والتعفف، وبالتالي ضعف ثقافة المساواة أمام القانون في عقلية وممارسات عدد من مسؤولينا.
ورش تقوية المنظومة الوطنية للنزاهة ومكافحة الفساد يعتبر أولوية، وتعزيز  رفضنا الفردي والجماعي لكل ممارسات الوساطة والمحسوبية في أي مستوى كانت، يجب أن يكون انشغالا وهدفا لدى كل القوى والمؤسسات الوطنية.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top