المحكمة الإدارية بمراكش تلزم مدير مستشفى بالتعويض عن وفاة طفل رفض استقباله

أصدرت المحكمة الإدارية، في مراكش، مؤخّرا حكما بأداء  المركز الاستشفائي الجامعي بالمدينة تعويضا قدره 100 ألف درهم،  لعائلة طفل عجز المركز المذكور عن استقباله، ممّا أسفر عن وفاته بسبب هذا الإهمال. الحكم استند في تعليله على كون الحق في الصحة، يعتبر حقا دستوريا أصيلا من حقوق الإنسان، وأن الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية ملزمة بتوفير جميع الظروف الملائمة لتيسير أسباب الوصول اليه.

ملخص القضية

تعود تفاصيل هذا الملف إلى دعوى رفعها أب لأحد الأطفال أمام المحكمة الإدارية بمراكش، يعرض فيها بأن طفله أصيب بمرض عضال استوجب مراجعة الطبيب المعالج من أجل معاينته وتقديم يد المساعدة إليه لكونه كان في حالة يرثى لها، وحينما التحق بالمستشفى رفقة زوجته من أجل زيارة الطبيب وإجراء الفحوصات الطبية اللازمة لابنه، بعد تفاقم وضعه الصحي، أخبره الطبيب المختصّ أن حالة طفله مستعصية ويحتاج إلى أن يدخل إلى المستشفى ّبشكل فوريّ لإجراء العملية الجراحية في أقرب وقت، وأضاف أنه تفاجأ بإدارة المستشفى تخبر الطبيب المعالج بتعذر استقبال الطفل ومعالجته لعدم وجود سرير شاغر، من دون تقديم أي مساعدات أخرى، مما أدى إلى وفاة الطفل بين يدي أمه، التي أصيبت بانهيار عصبي ما زالت تعاني من آثاره.

وأضاف المدعي في عريضة الدعوى أن ما قامت به إدارة المستشفى يشكل اهمالا وتقصيرا عن تقديم المساعدة لشخص في خطر وذلك بتوفير السرير اللازم لإجراء العملية الجراحية.

وأجابت إدارة المستشفى المدعى عليها بأن الطفل المتوفى كان يعاني من ارتفاع ضغط الدم ومن مرض الصرع، وقد كان يستفيد من خدمات المستشفى طيلة المدة السابقة لوفاته، حيث أجريت له عدة فحوصات بالأشعة والتحاليل، وأنه وقبل اجراء العملية الجراحية فارق الحياة نتيجة تعرضه لسكتة قلبية، رغم قيام المستشفى بجميع المحاولات لإنقاذه، مؤكدة أن ادعاء المدعي بأن المستشفى لم تستقبل المريض بسبب الخصاص في الأسرة يبقى ادعاء باطلا، يعوزه الدليل. من جهة ثانية أثارت إدارة المستشفى أيضا كون الدولة هي التي تتحمل المسؤولية عن عدم توفير مستشفيات مجهزة من شأنها تخفيف الضغط عليها، ملتمسة رفض الطلب.

إجراءات المحاكمة

بناء على إدراج القضية في جلسة المناقشة، تم استدعاء الطبيب المعالج الذي أكّد عند الاستماع إليه أن الطفل المتوفى كان يعاني من تشوّه خلقي ومرض خطير في الرأس اضطر معه إلى اجراء عدة عمليات، وأن وضعيته الصحية كانت تستدعي أن يخضع للإسعاف وأن الحالات الحرجة تقتضي بصفة عامة بقاء المريض في المستشفى تحت الرعاية المركزة. كما تمّ الاستماع إلى الممرّض الرئيسي الذي أفاد أن الإدارة ملزمة بتدبير الأسرة للمرضى الذين تكون وضعيتهم متدهورة، وأن وضعية الضحية كانت تقتضي أن يخضع للإسعاف بقسم الكبار لوجود تخصص جراحة الدماغ وليس بجناح الأطفال.

موقف المحكمة

استجابت المحكمة لطلب المدعي معتمدة على العلل التالية:

  • الخطأ المرفقي الموجب للمسؤولية الإدارية يتجسد في إخلال الإدارة بالتزاماتها وذلك إما بأدائها الخدمة على نحو سيء أو عدم أدائها للخدمة المطلوبة منها أو بطئها في أداء الخدمة أكثر من اللازم؛
  • الحقّ في الصحة مضمون بمقتضى الفصل 31 من الدستور المغربي الذي ينص على أنه “تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين على قدم المساواة من الحق في العلاج والعناية الصحية والحماية الاجتماعية والتغطية الصحية؛
  • الحق في الصحة يستوجب تلبية الاحتياجات الصحية للأفراد والتي تشمل الحق في البقاء والحياة من دون التعرض لمعاناة تتمثل مثلا في عدم وجود أسرة شاغرة، كما أقرت بهذا الحق المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان، ونصت المادة 7 من اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989 على أنه: “لكل طفل حق أصيل في الحياة والتمتع بمستوى مناسب من الرعاية الصحية مثل كافة الأطفال، كما أشار دستور منظمة الصحة العالمية في ديباجته إلى أن التمتع بأعلى مستوى من الصحة هو أحد الحقوق الأساسية للإنسان؛
  • المادة 42 من قرار وزير الصحة في شأن النظام الداخلي للمستشفيات نصّت على أنه يجب استقبال وفحص كل مريض أو جريح أو امرأة مقبلة على الولادة الذين يحضرون في حالة استعجال وكذا قبولهم للاستشفاء عند الاقتضاء إذا كانت حالتهم تستدعي ذلك، ولو في حالة عدم توفر أسرة فارغة، ولا يشرع في فوترة الخدمات المقدمة إليهم إلا بعد الالتزام بالتكفّل الطبي بهم. كما شددت المادة 39 من نفس القرار على أنه في حالة عدم وجود سرير شاغر يمكن برمجة الاستشفاء بموعد بعد استشارة الطبيب الذي قرر الاستشفاء، ولا يمكن تأجيل الاستشفاء في أي حال من الأحوال خصوصا إذا كانت الحالة الصحية للمريض قد تتفاقم أو تعرض حياته للخطر.

وعليه استنتجت المحكمة أن الخطأ المرفقي للمستشفى ثابت من خلال إهمالها وتقصيرها في مد الضحية بالعلاجات والفحوصات الضرورية وكذا إخلالها بتسيير المرفق الصحي على الوجه المطلوب وعدم اتّخاذها الإجراءات اللازمة والمستعجلة وذلك بإيجاد مكان شاغر للتكفّل بالطفل الضحية في أيّ جناح داخلها، خاصّة وأنه كان بالإمكان الاستعانة بخدمات إحدى المستشفيات التابعة لها أمام حالة الاستعجال القصوى الثابتة والتي لا تقتضي أيّ تأخير وبخصوص الدفع المدلى به من طرف إدارة المستشفى والمتعلق بكون الدولة هي التي تتحمل المسؤولية عن عدم توفير مستشفيات مجهزة من شأنها تخفيف الضغط عليها، اعتبرت المحكمة أنه “بالرغم من صحة هذا الدفع فإنه لا يمكن أن يشفع للمستشفى في إعفائها من المسؤولية الإدارية خصوصا وأنها لم تعمل على إثبات أيّ خطأ في حقّ الضحية أو حالة القوة القاهرة التي تتحمل الدولة نتائجها باعتبارها من تكاليف توزيع الأعباء العامة ومن مستلزمات التضامن التعاضدي للدولة مع مواطنيها”. وأضافت المحكمة أنّ الواقعة “مرتبطة فقط بمجرد التقصير والإهمال وعدم الاكتراث بسلامة وصحة المرضى وعدم اتخاذ الاحتياطات اللازمة لتفادي وقوع مثل هذه الأخطاء وضمان مستوى معين من الرعاية الصحية خصوصا وأن الضحية تردد مرارا وتكرارا على مصالح المستشفى من أجل إيوائه والتكفّل به مباشرة داخل المستشفى لكن من دون جدوى، كما أن حالته الصحية تستدعي تدخلا طبيا عاجلا”، مستنتجة أن المسؤولية ثابتة في حق المستشفى تتحملها باستقلال عن وزارة الصحة طالما أن “الوزراء مسؤولون دستوريا عن تنفيذ السياسة الحكومية كل في القطاع المكلف به تبعا للفصل 93 من الدستور، واستقلالية مسؤولية كل وزارة وإدارة عمومية عن الدولة التي يمثلها رئيس الحكومة ماليا واداريا لتمتعها بالشخصية المعنوية”.

وعليه صرحت المحكمة الإدارية بمسؤولية المركز الاستشفائي، وقضت بالحكم عليه في شخص مديره بأدائه لفائدة الطرف المدعي تعويضا اجماليا قدره 100.000 درهم.

Related posts

Top