على إثر الزلزال المدمر الذي هز تركيا وسوريا الشهر الماضي، والذي تلاه ما يزيد عن 4000 هزة ارتدادية، وهزات أخرى كانت أعنف، تعود بين الفينة والأخرى مجموعة من السيناريوهات التي تقض مضجع الناس حول ماهية هذه الكوارث وطبيعتها وكيف تحول حياة الناس بين ليلة وضحاها.
وخلال الأشهر القليلة الماضية فقط ضربت عدد من الهزات الأرضية دولا متعددة، وسجلت دول أخرى فيضانات وسيول جارفة، وأدت هذه الكوارث في مجملها لوفاة الآلاف من الناس والتأثير بشكل مباشر أو غير مباشر على الملايين بدول مختلفة.
بيان اليوم ومن خلال هذه النافذة الرمضانية، تعيد شريط مجموعة من الأحداث التي عرفتها دول مختلفة، وضمنها بلادنا المغرب، حيث هزت، بين ليلة وضحاها، كوارث طبيعية شعور الناس وشدت الانتباه إليها وخلقت حالة من التحول في مسار الملايين.
زلزال وتسونامي أندونيسيا 2004.. واحدة من اسوأ الكوارث في التاريخ
تحدثنا في حلقة سابقة عن زلزال وتسونامي ضرب بحر فلوريس بأندونيسيا وتسبب في مقتل ما يزيد عن 2500 شخص، والتي تحدثنا خلالها عن جغرافية هذا البلد الذي يعد أكبر جزيرة في العالم وبعد دولة أرخبيلية.
في هذه الحلقة سنتحدث عن كارثة مشابهة لكنها الأشد في تاريخ البلاد، بل والأشد على مستوى العالم، إذ لم يسجل منذ 1900 زلزال بهذا الحجم من الدمار.
صحيح أن أعلى شدة لزلزال في التاريخ سجلت بفالديفيا في تشيلي عام 1960 بقوة 9.5 درجة على سلم ريشتر، ويليه زلزال الألسكا بقوة 9.2 على نفس السلم وهما الزلزالان الأشد قوة في التاريخ وتحدثنا عنها في حلقتين سابقتين، إلا أن زلزال سومطرة بأندونيسيا يعد من أسوأ الكوارث بالنظر لما خلفه من خسائر بشرية مهولة لم تحدث بسبب كارثة طبيعية منذ 1900.
وبالرغم من كون شدة زلزال سومطرة الذي ضرب أندونيسيا في 2004 بقوة 9.1 هو ثالث زلزال في العالم من حيث القوة إلا انه الأول من حيث الدمار والخراب والخسائر المهولة في الأرواح.
ولعل ما أعطى لهذه الكارثة هذا البعد المرعب هو أنها اجتمعت مع كارثة أخرى وهي تسونامي الذي اشتهرت به هذه البلاد التي تعد أكبر جزيرة في العالم، وتضم ما يزيد عن 17 ألف جزيرة تابعة لها.
تعود تفاصيل الكارثة إلى يوم 26 دجنبر من عام 2004، مزامنة مع احتفالات الميلاد ببلدان مختلفة من العالم، حيث كانت الساكنة تنظر عاما جديدا بآمال وانتظارات جديدة، ولم تعتقد انها سختم العام على وقع كارثة ستدونها كتب التاريخ ليس بهذه البلاد فحسب وإنما على المستوى العالمي.
في صبيحة يوم 26 دجنبر 2004، وعلى تمام الساعة الثامنة إلا دقيقتين صباحا بالتوقيت المحلي، سيضرب زلزال عنيف تراوحت شدته بين 9.1 و9.3 على سلم ريشتر قبالة الساحل الغربي لشمال سومطرة في إندونيسيا.
كان لهذا الزلزال دفع هائل تحت سطح البحر نتج عنه تصدع على طول الفالق بين صفيحة بورما والصفيحة الهندية، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع سلسلة من موجات تسونامي هائلة وصلت لعلو قدر بـ 30 متر اتجهت مباشرة نحو سواحل إندونيسيا والدول المجاورة لها.
أدى الزلزال إلى دمار هائل بالمدن الواقعة على طول السواحل المحيطة بالمحيط الهندي، وقتلت أمواج تسونامي ما يزيد عن 227 ألف شخص في 14 دولة، وهو ما يجعلها إحدى أكثر الكوارث الطبيعية فتكا في التاريخ المسجل.
تسببت النتائج المباشرة لهذه الكارثة في اضطرابات كبيرة في ظروف المعيشة والتجارة في المقاطعات الساحلية للبلدان المحيطة، بما فيها آتشيه (إندونيسيا) وسريلانكا وتاميل نادو (الهند) وخاو لاك (تايلاند). وسجلت باندا آتشيه أكبر عدد من القتلى.
كان هذا الزلزال، كما ذكرنا، ثالث أكبر زلزال مسجل على الإطلاق، وأكبر زلزال في القرن الحادي والعشرين، وكانت فترة تصدعه أطول فترة ترصد على الإطلاق، إذ تراوحت بين ثماني وعشر دقائق.
ومن النتائج التي تظهر حجم الكارثة هو أنه تسبب في اهتزاز كوكب الأرض بقدر 10 ملمتر، وتسبب أيضا في إحداث زلازل عن بعد في أماكن بعيدة مثل ألاسكا بالولايات المتحدة الأمريكية.
شعر الناس بالزلزال الذي أعقبه تسونامي في بنغلاديش، والهند، وماليزيا، وميانمار، وتايلاند، وسريلانكا والمالديف، وتسببت الفوالق المنحدرة، أو الفوالق المنبثقة الثانوية، في اندفاع أجزاء طويلة وضيقة من قاع البحر إلى السطح في ثوان، وهو ما أدى بسرعة إلى زيادة ارتفاع الأمواج وزيادة سرعتها، الأمر الذي تسبب بشكل مباشر في تدمير بلدة لوكنغا الإندونيسية القريبة.
لقد كان زلزال المحيط الهندي عام 2004 كبيرا بشكل غير عادي في النطاق الجغرافي والجيولوجي، حيث انزلق ما يقدر بـ 1600 كيلومتر من سطح الفالق نحو 15 مترا على طول منطقة الاندساس حيث انزلقت الصفيحة الهندية (أو اندست) تحت صفيحة بورما السائدة.
أدى الارتفاع العمودي المفاجئ لقاع البحر لعدة أمتار في أثناء الزلزال إلى إزاحة كميات هائلة من المياه، ما أدى إلى حدوث تسونامي الذي ضرب سواحل المحيط الهندي، حيث استغرق انتشار تسونامي 5 ساعات للوصول إلى غرب أستراليا، و7 ساعات للوصول إلى شبه الجزيرة العربية، ولم يصل إلى ساحل جنوب إفريقيا إلا بعد 11 ساعة تقريبًا من الزلزال.
وفقا لهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، اعتبر هذا الزلزال، قياسا بالأرواح المفقودة، أحد أسوأ عشرة زلازل في التاريخ المسجل، بالإضافة إلى كونه أسوأ تسونامي منفرد في التاريخ. كانت إندونيسيا المنطقة الأكثر تضررًا، إذ قدر عدد القتلى فيها حوالي 170 ألف، فيما كانت السلطات المحلية قد أعلنت على لسان سيتي فضيلة سوباري، وزيرة الصحة الإندونيسية آنذاك، أن إجمالي الوفيات وصل حتى 220 ألف شخص في إندونيسيا وحدها، وقدر وفاة 280 ألف شخص بالمجمل. إلا أن العدد التقديري للقتلى والمفقودين انخفض فيما بعد في إندونيسيا بأكثر من 50 ألف.
من غرائب هذه الكارثة وقوتها أنها أدت إلى حدوث أضرار جسيمة ووفيات حتى في الساحل الشرقي لأفريقيا، حيث سجلت أكبر عدد الوفيات الناجمة مباشرة عن التسونامي في روي إلس، بالقرب من كيب تاون، على بعد 8000 كيلومتر من مركز الزلزال السطحي، كما توفي ثمانية أشخاص في جنوب إفريقيا بسبب ارتفاع منسوب مياه البحر والأمواج.
بالإضافة إلى السكان المحليين، وفي إحصائيات متفرقة، أعلن عن مقتل أو فقد ما يصل حتى 9000 سائح أجنبي، معظمهم من الأوروبيين، الذين كانوا يستمتعون بذروة موسم السفر والعطلة بمناسبة نهاية السنة، وكانت السويد الدولة الأوروبية الأكثر تضررا، إذ بلغ عدد القتلى من جنسيتها 543 شخصا، متبوعة بألمانيا التي سجلت مقتل 539 شخصا من جنسيتها.
إلى ذلك، كانت تقارير صادرة عن وكالات الإغاثة قد لفتت إلى أن ثلث القتلى هم أطفال، بسبب ارتفاع نسبة الأطفال في سكان العديد من المناطق المتضررة، وكذا لكون الأطفال كانوا أقل قدرة على المقاومة وتغلبت عليهم المياه المندفعة.
منظمة أوكسفام بدورها أعلنت في تقرير لها بأن عدد القتلى من النساء زاد عدد قتلى الرجال بأربعة أضعاف في بعض المناطق لأنهم كانوا ينتظرون عودة الصيادين على الشاطئ ويرعون أطفالهن في المنازل.
نتيجة هذه الكارثة التي خلدها التاريخ كأسوأ كارثة في القرن الحالي إلى حدود اليوم، أعلنت حالات الطوارئ في سريلانكا وإندونيسيا والمالديف، فيما قدرت الأمم المتحدة في البداية أن عملية الإغاثة ستكون الأكثر تكلفة في تاريخ البشرية.
صرح الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك كوفي عنان حينها أن إعادة الإعمار ستستغرق على الأرجح ما بين خمس إلى عشر سنوات، فيما عبرت الحكومات والمنظمات غير الحكومية عن تخوفاتها وخشيتها أن يتضاعف العدد النهائي للقتلى نتيجة للأمراض التي تتفشى مع الكوارث، ما أدى إلى استجابة إنسانية ضخمة حيث تم رصد مساعدات إنسانية ضخمة لتجاوز أثار الكارثة المدمرة.
- إعداد: محمد توفيق أمزيان