على إثر الزلزال مدمر الذي هز تركيا وسوريا الشهر الماضي، والذي تلاه ما يزيد عن 4000 هزة ارتدادية، وهزات أخرى كانت أعنف، تعود بين الفينة والأخرى مجموعة من السيناريوهات التي تقض مضجع الناس حول ماهية هذه الكوارث وطبيعتها وكيف تحول حياة الناس بين ليلة وضحاها.
وخلال الأشهر القليلة الماضية فقط ضربت عدد من الهزات الأرضية دولا متعددة، وسجلت دول أخرى فيضانات وسيول جارفة، وأدت هذه الكوارث في مجملها لوفاة الآلاف من الناس والتأثير بشكل مباشر أو غير مباشر على الملايين بدول مختلفة.
بيان اليوم ومن خلال هذه النافذة الرمضانية، تعيد شريط مجموعة من الأحداث التي عرفتها دول مختلفة، وضمنها بلادنا المغرب، حيث هزت، بين ليلة وضحاها، كوارث طبيعية شعور الناس وشدت الانتباه إليها وخلقت حالة من التحول في مسار الملايين.
زلزال بيرو العظيم 1970.. الكارثة التي دفنت مدينة تحت الثلج والصخر
من ضمن الزلازل الأكثر فتكا في السبعينيات من القرن الماضي، زلزال بيرو العظيم الذي ضرب غرب هذه الدولة التي تقع غرب أمريكا الجنوبية.
في تاريخ بيرو، كانت هذه الدولة دائما مع موعد مع كوراث طبيعية مختلفة خلال فترات متعددة من الزمن، لكن ساكنة الدولة وسلطاتها لم يكونوا على علم بأسوء كارثة ستضرب البلاد وستخلف عشرات الآلاف من القتلى والجرحى.
في زوال يوم الأحد 31 ماي 1970، وبينما ساحل بيرو الذي يطل على المحيط الهادئ تتلاطم أمواجه في عرض البحر، وبينما الجميع مستمتع بالجو المشمس في منتصف النهار، انقلبت حياة الساكنة رأسا على عقب.
في تمام الساعة الثالثة زوالا وحوالي 23 دقيقة بالتوقيت، ضرب زلزال عنيف على بعد 35 كيلومتر قبالة ساحل كاسما وشيمبوت في المحيط الهادئ، نتيجة إنزال صفيحة نازكا تحت صفيحة أمريكا الجنوبية.
حسب تقارير مجموعة من الجيولوجيين، فإن هذا الزلزال كان نتيجة لصدوع عادي داخل اللوح المائل. إلا أنه أدى إلى زعزعة استقرار الجدار الشمالي لجبل هواسكاران وهو جبل ضمن سلسلة كاردييرا بلانكا (السلسلة البيضاء) في وسط البيرو والتي تعد جزءا من جبال الأنديز.
أدى هذا الزلزال الذي ضرب سواحل بيرو بقوة تزيد عن 7.9 على سلم ريشتر إلى حدوث انهيارات ضخمة في البنية تحتية لعدد من المدن وانهيار المنشئات العامة والمباني الخاصة، وسادت حالة من الرعب داخل دولة بيرو وخصوصا إقليم أنكاش القريب من مركز الزلزال.
في اللحظات الأولى للزلزال الذي استمر حوالي 45 ثانية، لم يكن أحد يتوقع حجم الخسائر وما سيرافق هذا الزلزال من كوارث طبيعية أخرى، كان الجميع منشغلا بالبحث عن مأمن من المباني المنهارة.
تزامنا مع حدوث الزلزال، كان جزء من شمال جبل هواسكاران الذي يعد جزءا من سلسلة جبلية ضمن سلسلة جبال الأنديز قد انهار فعلا، لتبدأ كميات هائلة من الطين والجليد والحجارة، قدرت بين 50 و100 مليون متر مكعب، متجهة صوب المدن المجاورة للجبل وبسرعة فاقت 300 كيلومتر في الساعة.
بعد الكارثة بلحظات كان الانهيار الجليدي الذي وقع من جبل هواسكاران قد أدى بشكل مباشر إلى طمس الكثير من القرى والبيوت، ليصل إلى مدينة يونغاي عاصمة مقاطعة يونغاي ليحولها في ثوان معدودة إلى مدينة مدفونة تحت الأرض.
حسب مجموعة من التقارير الرسمية فإن هذا الانهيار الجليدي يعد الانهيار الأشد فتكا في التاريخ لكونه أدى إلى اختفاء مدينة يونغاي بشكل كامل لدرجة أنه لم يمهل الساكنة حتى لحظات للفرار، إذ أن أغلب السكان والذين يفوق عددهم 20 ألفا دفنوا أحياء تحت الجليدة والحجارة المنهارة من الجبل.
وهكذا فارق 20 ألفا من سكان يونغاي الحياة عقب دفن مدينتهم بسبب الكارثة، حيث لم ينج سوى عدد قليل من سكان المدينة الذين تواجدوا إما بالمرتفعات القريبة أو خارجها لحظة وقوع الكارثة. ولم تكن هذه هي المدينة الوحيدة بل شملت الكارثة معظم قرية رانراهيركا، ودمرت قرى أخرى في المنطقة بشكل جزئي أو كامل، وهي القرى التي دفن أيضا سكانها أحياء نظرا لسرعة وقوع الكارثة مزامنة مع الزلزال.
كان للواقعة وقع عالمي كبير، لكونها من ضمن أكثر الكوارث فتكا في تلك الحقبة، كما أنها تعد بالنسبة للبيرو الكارثة أشد فتكا في تاريخها، ذلك أنه في لحظات قليلة جدا، كان أزيد من 70 ألفا قد لقوا حتفهم جراء الزلزال والانهيار الجليدي.
وما تزال عديد من التقارير تذكر حجم كارثة زلزال بيرو في عام 1970 والذي سمي بزلزال بيرو العظيم أو زلزال أنكاش نسبة لإقليم أنكاش الذي يقع شمال بيرو. حيث بلغ مداه وارتداه عددا من الأقاليم، من ضمنها لاليبرتاد وسواحل كاسما وشيمبوت في المحيط الهادئ.
أحصت سلطات بيرو وفاة ما يزيد عن 70 ألف بسبب الكارثة، فيما أصيب أزيد من 50 ألفا آخرين، فيما تشرد آلاف الساكنة نتيجة الانهيار الضخم الذي تسببت في هذه الكارثة.
وضعت هذه الكارثة سلطات بيرو تحت مجهر النقد، خصوصا مع تقارير إعلامية حينها ذكرت أن سلطات بيرو لم تعر تحذيرات عالمين جيولوجيين أي اهتمام، ذلك أن تقارير ذكرت أن العالمان الأميركيان ديفيد بيرنياز (David Bernays) وتشارلز سوير (Charles Sawyer) حلا في عام 1962 بسلسلة جبال كورديليرا بلانكا بالبيرو من أجل ممارسة تسلق الجبال. وبالتزامن مع ذلك، قرر الأميركيان زيارة منطقة بجبل هواسكاران والذي كان معروفا بكثرة الانهيارات الثلجية.
مع تواجدهما في هذا الجبل، ذكرت ذات التقارير أن العالمان الأمريكيان حلولهما ذهلا من هول المظهر حيث شاهدا كتلة هائلة غير مستقرة من الجليد والحجارة التي يمكن أن تنهار في أية لحظة. حيث تضيف التقارير أن هاذين العالمين اتجها مباشرة إلى اقرب مدينة عن الجبل لإطلاع المسؤولين عن الأمر من أجل اخاذ إجراءات عملية تفاديا لكارثة محتملة.
وبدلا من اتخاذ إجراءات لحماية سكان المدن القريبة من الجبل، اعتقلت السلطات البيروفية العالمين الأميركيين واتهمتهما، حينها، بنشر الإشاعة وإثارة الفوضى، ليتراجعا عن أقوالهما وتحذيرهما بعد أسبوعين من الاحتجاز من أجل مغادرة تراب بيرو.
بعد مرور ثمان سنوات، وقعت الكارثة، ووقع ما حذر منه العالمان الأمريكيان، إذ أدى الزلزال الذي ضرب إقليم أنكاش إلى انهيار جزء من جبل هواسكاران ليكون أكثر الانهيارات الثلجية فتكا في العالم حيث دفن مدينة وقرى بسكانها أحياء في لحظة من الزمن..
إعداد: محمد توفيق أمزيان