فيلم يوناني يجسد الأسئلة التي أطلقتها الدورة 23 من مهرجان تطوان الدولي لسينما البحر الأبيض المتوسط

فيلم قوي

في إطار فعاليات مهرجان تطوان الدولي لسينما المتوسط، الذي يختتم مساء اليوم، تم عرض فسيفساء من الأفلام المتوسطية التي تتراوح قيمتها بين غث وسمين، ولعل من بين الأفلام القوية الفيلم اليوناني “َََAmerika square”  أو “ساحة أمريكا”، الذي عرض مساء الخميس الماضي ضمن المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة، وهو فيلم من اليونان، الثاني لمخرجه يانيس سكاريديس،

 (86 دقيقة) انتاج 2016.

86 دقيقة من الإثارة ذات الطابع الإنساني، والإبهار الإبداعي الجميل رغم أن الفيلم في ذاته يعالج قضايا راهن مأسوي كالهجرة القسرية للأوطان، ومشاق ومعاناة الرحلة الى الوطن البديل، والعنصرية، وسماسرة الهجرة، والاتجار في معاناة البشر.
أمريكا سكوير، وهي منطقة سكنية في قلب أثينا، تشكل نقطة التقاء وتعايش بين الناس وفي مبنى سكني بساحة أمريكا ينطلق الفيلم بتركيز على الجيران المستأجرين، المختلفين والتصادم الثقافي وقصص كل واحد منهم، وهوس بعضهم المرضي وقصص العنف والعنصرية… وكل هذه المشاعر يتوجها الحب كأسمى إحساس إنساني، وان كان حبا من النوع المستحيل بل من النوع الذي يؤدي مباشرة الى الهلاك.
شخوص الحكاية في الشريط الذي ينبني على بطولة جماعية وتنعدم فيه النجومية الفردية، جعل من جميع ممثليه نجوما يتقاسمون فضاء المبنى حيث تنطلق الحكاية:
الشخوص

– تريزا أدتها الممثلة (زينيا داني)

 المهاجرة الافريقية… شابة سمراء جذابة ومغنية صاحبة صوت جميل تغني في حانة حيث يتم استغلالها بشكل وضيع فتقرر الهرب من اليونان الى فرنسا عن طريق إيطاليا.

– بيلي أداه الممثل (يانيس ستانكوغلو)

 اليوناني رسام الأوشام على الجلد البشري، الذي يعتبر نفسه فنانا حقيقيا وهذا ما يعبر من خلال سلوكه عنه، فهو انسان متزن ومنفتح ويعيش حزن وحيرة الآخرين المهاجرون بطبيعة الحال من بينهم.
يقع بيلي في حب تيريزا الافريقية بجنون، ومع ذلك، نجده من أجل تحقيق حلمها بالهجرة إلى فرنسا، الذي يدرك بشكل واعي مدى أهميته بالنسبة إليها، لتتمكن من الهرب من عصابة تستغلها وتبتزها بكل الأشكال، نجده لا يتمسك بها بل على استعداد لفعل أي شيء لتسهيل رحيلها بعيدا عن هذا الواقع… وهي المغامرة التي ستكلفه حياته، اذ وبعد أن يحقق هدفها، يتلقى رصاصة من العصابة التي تطارد محبوبته.
 الجميل أنه كان يدرك الموت الذي يترصده وتلقاه بشجاعة كبيرة.

ناكوس أداه الممثل (ماكيس باباديميتريو)

رغم أنه صديق قديم لبيلي ويستأجر في نفس المبنى معه، لكنه اغلب الوقت عاطل عن العمل ويعيش على نفقة أبويه الذين يسكن معهم وقد تجاوز الأربعين، لديه مشاكل نفسية ويكره الغرباء، ويعتقد أن المهاجرين يشكلون خطرا عليه، وانهم أعداؤه الذين جاءوا الى بلده ليسرقوه ويأخذوا منه فرص الشغل والعيش، لذلك، سيصنع خبزا مخلوطا بالسم، ويوزعه على المناطق حيث يقيم المهاجرون كبداية لخطة “إبادة” لعلمه أنهم يعانون من شدة الفقر والجوع، غير أنه بخطته كان سيتسبب في مقتل والدته.

طارق أداه الممثل (فاسيليس كوهلاني)

 وهو لاجئ من سوريا، وضابط سابق في الجيش السوري، ترافقه  ابنته الصغيرة ذات السبع سنوات، يحاول الرحيل الى المانيا ويبحث عن وسيلة مضمونة خوفا على ابنته من الأخطار بعد أخذ ورد يجد لدى عصابات التهجير حلا مناسبا، بمساعدة حسن وهو مهاجر وعضو في العصابة، يتمثل الحل في السفر بالطائرة الى المانيا، بجوازات مزورة تكلفه كل مايملك …. ساعة السفر، سيتم اعتقاله والإلقاء به خارج المطار بينما تستقل ابنته الطائرة المتوجهة الى ايطاليا في مرافقة أناس أغراب.
المخرج يانيس ساكاريديس شارك في كتابة سيناريو هذا الفيلم الى جانب كل من جيانيس تسيرمباس، فانجيليس موريكيس، استنادا إلى رواية جيانيس تسيرمباس “لا توجد فيكتوريا” .
فيلم قوي يرصد لحظة تاريخية تتميز بالغليان والعنف والرفض، ويتوغل داخل المشاعر الانسانية يستفزها بتساؤلات بسيطة ومستحيلة في نفس الوقت، ويترصد بعين نقدية رافضة للواقع في بلده اليونان، حيث يتفشى الفساد والرشوة والارتزاق من خلال شبكات التهريب محمية ومؤازرة من طرف السلطات اليونانية.
فيلم غني بالمشاعر وبالإبداع الجماعي الخلاق، ولأنه كان أحسن تعبير عن أسئلة الهجرة والحدود والسينما في بحيرة المتوسط الذي حملته الدورة 23 من مهرجان تطوان الدولي، سيكون هذا كفيل بجعله يحظى بجائزة النقاد “مصطفى المسناوي” أو بإحدى جوائز المهرجان.
ومعلوم أن العد العكسي قد بدأ، حيث سيتكفل مساء اليوم بالإجابة على الأسئلة بخصوص الأفلام الفائزة، حين تعلن لجن التحكيم عن النتائج التي توصلت اليها.
و يذكر أن المغرب من بين البلدان المشاركة في مسابقة الافلام الطويلة، بشريط “ضربة في الرأس” كتابة السيناريو وإخراج هشام العسري، وقد تم عرضه ليلة الأربعاء، ويشارك في بطولة الفيلم، كل من عزيز حطاب، الذي لعب دور البطولة، ولطيفة أحرار، وبنعيسى الجيراري، فيما تم إنتاجه بالتعاون مع شركة فرنسية.
الى ذلك، تم يوم الخميس عرض الشريط المصري “مولانا” بطولة عمرو سعد، قصة وحوار إبراهيم عيسى، سيناريو وإخراج مجدي أحمد علي، هذا العمل السينمائى، قد نال جائزة أحسن فيلم طويل بمهرجان الأقصر للسينما الأفريقية، كما فاز عمرو سعد بجائزة أفضل ممثل، عن تجسيده شخصية الشيخ حاتم الشناوى، ورحلة صعوده من إمامة الصلاة فى مسجد حكومى إلى أن يصبح داعية تليفزيونى شهير.
الفيلم رغم الدعاية التي سبقته فانه لا يعبر سوى عن بيئة مصرية ضيقة ولا يتجاوز ثلاثيا تم استهلاكه يتمثل في الدين والسلطة والفساد، ويتبنى من خلال اللغة المرئية خطابا بسيطا وسطحيا لما ألفناه في السينما المصرية التجارية، ويبقى ما حصل عليه من جوائز لا يتعدى التراب المصري.
فالسينما وان كانت تقتبس من المسرح والأدب وتعتمد على الرسم والتصميم الفني والرقص والموسيقى والعمارة وشتى الفنون الأخرى الا انها تتقاطع معها وتختلف من حيث امتلاكها أدواتها الخاصة في التعبير وتمرير الخطاب، خطاب عبر الصورة تستغني عن اللغة المنطوقة .
و يعتقد عن خطأ أن  الخطاب السينمائي خطاب عقلاني لكنه في جوهره خطاب يستهدف الحواس والوجدان أساسا، ومن محددات نجاح أي فيلم سينمائي، قدرته على الاستحواذ على مشاهديه، حيث يصبح المشاهد مأخوذا بسحر الحكاية تماما، وهي تجربة عاطفية تتأتى من خلال لغة سينمائية تعتمد طريقة تبليغ ذكية إبداعية ومرنة.

مبعوث بيان اليوم الى تطوان: سعيد الحبشي

Related posts

Top