في مقدمة كتاب “التنشيط التربوي: مفهومه، وتقنياته، ووسائله”، يرى مؤلفه جميل حمداوي أنّ المغرب إنْ أرادَ التفوق وتحقيق الجودة في مجال التربية والتعليم، عليه بالاشتغال بطرق تعليمية حديثة وضمنها البيداغوجيا الإبداعية، تحقيقا للجودة كميا ونوعيا.
ولأن التعليم المغربي ـ حسب الكاتب ـ يتميز بالرداءة، والتخلف، والتسيب، والتبعية؛ ويحتاج، إلى الكفاءات المبدعة والأطر، رغم مذكرات رسمية شكلية تدعو إلى تطبيق الحياة المدرسية، والعناية بالتنشيط المدرسي، فإن من هذه الأزمة الخانقة، يكمن في الاعتماد – بشكل أساس – على فلسفة التنشيط، بتمثل مبادئها النظرية، والاستعانة بتقنياتها العملية، وهذا ما يعالجه موضوع الكتاب بالتحليل والرصد والتقويم، فهو يجيب عن أسئلة من قبيل: ما التنشيط؟ وما طبيعته؟ ما مرتكزاته؟ وما أهدافه؟ وما أنواعه في المؤسسات التعليمية والتربوية؟ وما آلياته وتقنياته ووسائله؟
في الفصل الأول، تناول الكاتب مفهـوم التنشيط باعتباره “عملية سيكوبيداغوجية فعالة، وتقنية ديداكتيكية ناجعة في مجال التواصل والتفاعل مع المتعلمين، ووسيلة فنية مثمرة فعالة، تنبني على تفعيل الوضع التربوي، وتحريكه إيجابيا، ويرتكز التنشيط أيضا على خلق النشاط الذهني والوجداني والحسي الحركي لدى المتعلم أو المؤطر أو المكون، و”يقتضي التنشيط البيداغوجي ثلاثة أمور أساسية هي: المنشِّط الذي يقوم بعملية النشاط التربوي، موجها ومشرفا ومكونا… “ومن هنا، فالنشاط ـ العنصر الثاني ـ هو إفراغ للطاقة الحيوية الزائدة، وترجمة للأفكار المخزنة في منطقة الوعي أو اللاوعي على أرض الواقع، وإخراج التصورات والخطط الذهنية إلى حيز التطبيق”.
أما المُنَشَّط بالفتح، فهو الذي يستفيد من عملية التنشيط، وينفذ تعليمات المنَشِّط، ويترجم عن طريق قدراته الحركية، وطاقته الزائدة، كل ما يتلقاه نظريا وتطبيقيا. وغالبا، ما يكون هذا المنشط هو المتعلم أو التلميذ المستهدف من عملية التنشيط.
وتبعا لذلك، فالتنشيط تقنية حركية إيجابية، تساهم في إخراج المتعلم من حالة السكون السلبية نحو حالة الفعل الإيجابي، عن طريق المساهمة في الأنشطة المقترحة إبداعا وابتكارا وخلقا، مع إنجاز التصورات النظرية، وتفعيلها في الواقع الميداني لكي يستفيد منها الآخرون.
وبصدد طبيعة النشاط، يشير المؤلف إلى كون الأنشطة عديدة في مجال التربية والتعليم، فالمؤسسة التربوية بمثابة مجتمع مصغر! مادامت هذه المؤسسة موجودة في حضن المجتمع المكبر، وهنا يمكن الحديث عن النشاط التربوي، والنشاط الفني، والأدبي، والعلمي، والثقافي، والبيئي، والاجتماعي، والديني، والخيري، والسياسي، والمدني، والرياضي، والسياحي..
ويحدد الكاتب أهمية التنشيط في كونه يرفع من المردودية الثقافية والتحصيلية لدى المتمدرس، ويساهم في الحد من السلوكيات العدوانية،
ويعمل على خلق روح الإبداع، والميل نحو المشاركة الجماعية، والاشتغال في فريق تربوي، ويمكن إخراج المؤسسة التعليمية، عبر عملية التنشيط الفردي والجماعي، من طابعها الانضباطي القاتم الذي يقوم على الصرامة والالتزام والعقاب، إلى مؤسسة بيداغوجية إيجابية فعالة صالحة ومواطنة..
أما أهداف التنشيط التربوي فكثيرة، فهو يساهم في تثقيف المتعلمين، وتأطيرهم معرفيا ووجدانيا وحركيا؛ كما يساهم في تهذيب الناشئة وتخليقها لتكون في مستوى المسؤولية وأهلية المشاركة والتدبير.
وقد خصص الكاتب مبحثا عن مرتكزات التنشيط التربوي، نظريا وتطبيقيا، ومن ذلك الإيمان بفلسفة الإبداع والاختراع والابتكار؛ والتحلي بالمواطنة الصالحة؛ وتمثل البعد القومي في عمليات التنشيط بغية خدمة الأمة؛ والانطلاق من التصور الإنساني؛ والاشتغال في فريق جماعي مع الأخذ بالفلسفة التشاركية؛ وربط النظري بالتطبيقي، والمعرفي بالعملي.
في الفصل الثاني، حدد الكاتب بعض تقنيات التنشيط ووسائله، ومن ذلك الطرائق التربوية الفعالة التي تعد من أهم التقنيات والآليات الإجرائية لتحقيق التقدم والنجاح والازدهار الحقيقي، ولاسيما أنها من مقومات التربية الحديثة والمعاصرة في الغرب، وتعتمد هذه الطرائق الفعالة الحديثة على عدة مبادئ أساسية هي: اللعب، وتعلم الحياة عن طريق الحياة، والتعلم الذاتي، والحرية، والمنفعة العملية، وتفتح الشخصية، والاعتماد على السيكولوجيا الحديثة، والاستهداء بالفكر التعاوني، والاسترشاد بالتسيير الذاتي، وتطبيق اللاتوجيهية، ودمقرطة التربية والتعليم، علاوة على الفكـر التعـاوني، والاشتغال في فرق، إذ يعد الفكر التعاوني من أهم الآليات لخلق الأنشطة الحقيقية؛ فالاشتغال في فريق تربوي، داخل جماعة معينة، يساعد التلميذ على التفتح الفعال، والنمو الإيجابي واكتساب المعارف والتجارب لدى الغير. كما يبعده عن كثير من التصرفات الشائنة، ويجنبه أيضا الصفات السلبية كالانكماش، والانعزالية، والانطواء، والإحساس بالخوف والنقص والدونية، ويساعده على التخلص من الأنانية، والابتعاد عن حب الذات إضافة إلى تأسيس التعاونيات المدرسية، واستعمال الجذاذات، والسهر على إنشاء جريدة الأطفال، والاعتماد على التسيير الجماعي، والاعتناء بالمذكرات اليومية، وتنظيم خزانة العمل، وتشغيل الآليات التقنية الحديثة، إلى جانب ما سبق يشيد الكاتب بديناميكية الجماعة التي تعد من الآليات المهمة التي يستعين بها التنشيط التربوي والديداكتيكي، بغية خلق مواطن صالح، وبناء شخصية متوازنة سوية سيكولوجيا وأخلاقيا واجتماعيا. ومن ثم، فهي منهجية مهمة في علاج الكثير من الظواهر النفسية الشعورية واللاشعورية. طريقة لعب الأدوار أو السيكودراما أو المسرح المدرسي، هي من أهم التقنيات في مجال تنشيط الجماعة وتفعيلها.
ويؤكد الكاتب على وجوب تفعيل الحياة المدرسية التي تعمل على خلق مجتمع ديمقراطي منفتح وواع ومزدهر داخل المؤسسات التعليمية والفضاءات التربوية. وتقوم أيضا على إذابة الصراع الشعوري واللاشعوري، والقضاء على الفوارق الطبقية، والحد من كل أسباب تأجيج الصراع، وتنامي الحقد الاجتماعي؛ يقول الكاتب “فما أحوجنا اليوم – نحن المدرسين- إلى تطبيق الدراما التعليمية لمسرحة مناهجنا التربوية، لنقترب أيما اقتراب من عالم التلاميذ المبني على حب المسرح، والتعطش إلى التثقيف والتسلية والترفيه الوظيفي والهادف والبناء.
وخصص الكاتب مبحثا لما أطلق عليه “القراءة الممسرحة”، وتعد من أهم التقنيات الديداكتيكية والبيداغوجية التي تسعف المتمدرس في التحكم في مهارة القراءة الصفية وغير الصفية، وتحسين مستواها أداء وتعبيرا وتواصلا وتشخيصا. كما أن مسرحة القراءة تساعد التلميذ على فهم الدرس القرائي فهما جيدا، واستيعابه بسهولة ويسر ومرونة، مع الاستمتاع به تسلية وترفيها، مادام هذا الدرس يؤدى عن طريق الدراما والمسرح. وبذلك، يولد هذا النوع من المسرح في نفوس المتعلمين حب القراءة بنهم كبير، وإقبال شديد؛ لأنهم يجدون فيه متعة وجدانية، وراحة نفسية، وسعادة روحانية، وحياة مدرسية زاخرة بالحركة والنشاط والتفاعل الديناميكي.
أما عن آليات التنشيط، فيشير الكاتب إلى الإذاعة المدرسية، الورقية والرقمية. إضافة إلى القـراءة الحـرة والمسابقات الثقافية، إلى جانب النادي أو المنتدى التربوي وغيرها من التقنيات الكفيلة بتفعيل التنشيط المدرسي.
في الفصل الرابع، أشار الكاتب إلى ضرورة تفعـيل المجالس التربوية لمكانتها البارزة في تنظيم الحياة المدرسية وتنشيطها ودمقرطتها. وتتمثل في إبداء المالحظات والاقتراحات حول البرامج والمناهج، وبرمجة مختلف الأنشطة الثقافية والاجتماعية والرياضية، وتحيين الإمكانيات والتدابير اللازمة لتنفيذها.
وقد ختم الكاتب كتيبه المفيد بملاحق، خصصها لخطاطات التنشيط التربوي، منها الخطاطة لأنشطة مجلس تدبير المؤسسة، وخطاطة لأنشطة القسم أو أنشطة الأستاذ بالمؤسسة، وخطاطة لتقويم أنشطة القسم، وأخرى لأنشطة النيابة التعليمية.
الكتاب يحمل معلومات وأفكارا مركزة مفيدة، لكل من يرغب في المبادرة لاعتماد تقنيات التنشيط لفعاليتها في التربية والتعليم.
بقلم: لحسن ملواني
هامش:
“التنشيط التربوي: مفهومه، وتقنياته، ووسائله” تأليف الدكتور جميل حمداوي، الطبعة الأولى:2015م ـ مكتبة المثقف.