لا بأس من بعض الملل

الصغار هم في الواقع أكثر الناس انشغالا طوال اليوم، فمعظمهم ينشغل غالبا بالأنشطة التي اختارها لهم الآخرون، ويبدأ هذا فعليا من فترة ذهابهم إلى الحضانة، فمنهم من يغني، ومنهم من يُلون، ومنهم من يستمر في عمل شيء جهزه له غيره.
لكن ماذا سيحدث إذا لم يشعر الأطفال في أي وقت بالفراغ والملل؟
يفوت عدم شعور الأطفال بالفراغ والملل في أي وقت بعض الخطوات المهمة لتنمية قدراتهم على الإبداع، فقدرة الصغير على الإبداع والاكتشاف والاعتماد على خياله لا يمكن أن تخرج إلا من خلال الشعور بالفراغ والملل، حسبما ذكر الباحث في علوم الدماغ جيرالد هونتر، فعندما يلعب الأطفال بعفوية تامة وبدون أي رغبة أو قصد تتشكل بعد ذلك وتتكون أفضل الترابطات والتشابكات في المخ، حسب صحيفة «هافينجتون بوست» الأمريكية.
ويضيف هونتر، أن هناك سعادة فطرية عند الأطفال تظهر عند اكتشافهم الأشياء من حولهم، وتبقى حتى يأتيهم شخص في وقت ما ليملي عليهم ما ينبغي أن يفعلوه بوقتهم الحالي، لذا، من المفترض إذا أخبرنا طفلا بأنه يشعر بالملل، أن نكون سعداء بهذا في الحقيقة، إلا أن معظمنا يرى بدلا من ذلك أنه يجب الإسراع في التوصل إلى حلول للطفل بأن نمده بأشياء يمكن أن ينشغل بها حتى نقضي على هذا الشعور من عنده.

الملل يقود لاكتشاف الذات
نحن لا نمد يد العون للطفل، بل نحرمه من فرصة يكتشف من خلالها اهتماماته، فمن يجلس كثيرا مع نفسه بدون أي انشغالات أخرى- هو من يتعرف بصورة أوضح على نفسه ويدرك إمكاناتها، وتذكر أخصائية علم النفس فينيسا لابوينت أنه ينبغي أن ينغمس الأطفال في الشعور بالفراغ والملل حتى يسكن العالم من حولهم بصورة تُمكّنهم من الاستماع لأنفسهم.
ولا يملك فرصة الحصول على وظيفة مرموقة أو العيش في حياة كريمة إلا من يعرف نفسه جيدا ويقف على مميزاتها، وهذا حسبما ترى لين فراي أخصائية علم النفس للأطفال، التي ذكرت في مجلة (Quartz)أن واجبنا نحن كآباء يكمن في إعداد أطفالنا بصورة جيدة، ليتبوؤوا مكانتهم في المجتمع، فالبلوغ والنضج يعني انشغال النفس وملء وقت الفراغ بالصورة والطريقة التي تجعل الفرد سعيدا، وإذا قضى الآباء وقتهم في تنظيم وقت فراغ أطفالهم، فلن يتعلم الأطفال أبدا فعل أي شيء بأنفسهم».

الملل يمنح المخ فترة استراحة
تتعاظم أيضا أهمية الفراغ والملل في كونه يمنح المخ فرصة ليستريح، إذ نشتكي دوما من أن فترة الانتباه عند بعض الأطفال في الوقت الحالي قصيرة جدا، حسبما أوردت نقابة المعلمين بكندا خلال أحد مؤتمراتها، حيث «يرى العديد من المعلمين أن الأطفال الذين يحصلون على مزيد من التحفيز وعندهم إمكانات اختيار أكثر، لا يمكنهم التركيز بصورة جيدة وليس ثمة قدرة على التحلي بالصبر لديهم»، لذا فإن الملل يعد بصفة عامة ظاهرة إيجابية، وينبغي علينا أن نعي هذا تماما في حياتنا ونعمل على دمج أطفالنا فيه.

الوسوم , ,

Related posts

Top