دقت أجراس وطبول الانتخابات الجماعية والتشريعية وانتخابات الغرف المهنية. ولم يعد لمعظم الساسة أدنى اهتمام بمصائب وهواجس الزمن الكوروني وما ألحقه من أضرار صحية واجتماعية واقتصادية… بعد أن أصبح شغلهم الشاغل، التنافس من أجل استقطاب واستمالة الناخبين، وانتقاء المرشحين المرتقبين، والبحث عن تحالفات مستقبلية. ولأن هوس الانتخابات لن يفارق أدمغة الساسة فإنني ارتأيت اقتراح تنظيم (انتخابات رقمية عن بعد). ليس لأننا نعيش حالة طوارئ صحية، لا نعرف متى تنتهي. ولكن لأن من حسنات الزمن الكوروني، أننا بدأنا نستأنس ونعي بقوة وقيمة التواصل الرقمي عبر مواقع التواصل الاجتماعي. بعد أن خضنا تجارب متواضعة في التعليم والتكوين عن بعد. وخضنا ونخوض تجارب تقديم الخدمات الإدارية عن بعد. لما لا نخوض تجربة (الانتخابات عن بعد)؟. نعطي للعالم درسا جديدا، يضاف إلى دروسنا السابقة حول تدابير مواجهة جائحة كورونا؟. تجربة ستمكننا من تفادي اللقاءات المباشرة بين الناخبين والمرشحين والوسطاء (الشناقة). ونضمن تفادي كل أنواع الاحتكاك والتضييق والابتزاز والارتشاء.
تخيلوا معي حملة انتخابية رقمية بلا أدنى تقارب بين الناخبين والمرشحين. حيث يمكن للمرشح أن يحدث صفحات رسمية على (الفايس والتوتير والانستغرام..)، ومجموعات على الواتساب. واستغلال الإعلام المسموع والمرئي والمكتوب والالكتروني.. من أجل الإعلان عن ترشحه، والتسويق لبرامجه وأهدافه.. سواء كانت تلك الانتخابات جماعية أو تشريعية.
حملة بدون (زرقة ولا مرقة)، ولا وعود كاذبة لا أي تأثير نفسي أو تضييق على الناخبين. بدون تبذير المال في طبع وتوزيع ملصقات ومطويات واللافتات..، تنهك كواهل عمال النظافة وعمال الجماعات والإنعاش الوطني. وبدون تلطيخ جدران البنايات العمومية والخاصة (مدارس، مرافق عمومية…)، بكتابات ورموز الأحزاب السياسية. تبقى ملتصقة بها لعدة سنوات. حملة لا نستهلك فيها الوقود بالتجوال اليومي لقوافل السيارات والشاحنات، ولا نصرف فيها أموال من أجل حشد كائنات بشرية وتجهيزها بالعتاد التسويقي (مكبرات الصوت، أبواب، أوراق، أقمصة، طرابيش…)، واستغلالها في الدعاية والتجمعات والخطابات والمسيرات.حملة انتخابية مريحة للأجهزة الأمنية والسلطات والقضاء، حيث لا شكايات ولا حروب عصابات ولا تناحر بين المرشحين.. ولا موائد ليلية تنتهي بالعنف والإجرام. بإمكان نمط الانتخابات عن بعد، أن يفتح للمغاربة آفاق جديدة مواكبة لما يجري ويدور بمحيطهم الخارجي. وأن يقطع طرق ومسالك المجالس المنتخبة والبرلمان والاستوزار، في وجه فئات كثيرة من الفاسدين ماليا وسياسيا. وأن يمكن أطر وكوادر وكفاءات المغرب من التموقع والرقي ببلدهم.
لنقطع مع انتخابات جماعية وتشريعية تقليدية، تخدم مصالح البعض، وتؤمن لهم الكراسي ولذويهم. يبدعون في كل شيء. وعندما يتعلق الأمر بإبداع نمط انتخابي جديد. فإنهم يعرجون بالسياسة إلى الدين. ويشهرون الحديث النبوي الشريف ( .. كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار).
انتخابات 2021 على الأبواب. ولا ندري ما يختزن لنا الزمن الكوروني مستقبلا، وما إن كانت ستجرى في وقتها أم ستؤجل لموعد لاحق. لكن ما ندركه نحن المغاربة أنه بغض النظر عن صمودنا وتميزنا في مواجهة فيروس كورونا المستجد طبيا واجتماعيا واقتصاديا.. فإن مغرب ما بعد كورونا سيكون (مغربا جريحا)، في حاجة إلى الإسعاف والإنعاش والانتعاش. كما سيكون في حاجة إلى كل الأحضان المغربية الدافئة. فماذا أعدت تلك الأحزاب السياسية من برامج ومخططات ودراسات، حتى يمكنها خوض انتخابات 2021. فالزمن الكوروني ماض في كساده وتعطيله للحركة الاجتماعية والاقتصادية ببلادنا. علما أن هناك وراء الستارة، لجنة ملكية منكبة منذ عدة أشهر على إعداد نموذج تنموي جديد. لتعويض النماذج الترقيعية التي أفرزتها الحكومات المتعاقبة على تدبير شؤون البلاد. والمنبثة عن تحالفات مصلحية عشوائية. والتي أغرقت البلاد في الديون والمشاريع الواهية. وعطلت التعليم والصحة وأفقرت الفقراء وأغنت الأثرياء. اعتماد نمط انتخابي عن بعد بإمكانه أن يوفر لنا اقتصادا كبيرا في المال والجهد، ويضمن نزاهة وشفافية الانتخابات. وبفرز الكفاءات، ويعزز التواصل الرقمي. ويرتقي بالأسر المغربية إلى منصة العوالم الرقمية. ونترك يوم التصويت، يوما للتصويت عن قرب وبالمباشر. وربما قد نرتقي به كذلك في موعد انتخابي آخر.. يكون فيه المغربي ناخبا رقميا بامتياز.
وحدها العزائم هي من تفرز الاستثناء والتألق والتميز. وهي من تمكن الدول من الارتقاء، كما وقع في الصين والهند واليابان.. وفي دول صغيرة كانت بالأمس بؤرا للمجاعة والأمراض والأوبئة.
بقلم: بوشعيب حمراوي