فنان عرف طريق الشهرة مبكرا، بداية خمسينيات القرن الماضي. صدى أغانيه تخطى حدود المغرب ليصبح أول فنان مغربي تذاع أغانيه من بلد الفراعنة. هو سفير الأغنية المغربية ورائد من روادها الذين أسسوا لبدايات الأغنية المغربية العصرية…هو صاحب أغنية «العروسة» التي تغنى بها جيل مغاربة السبعينات والثمانينات والتي أدخلته بقوة لتيار الأغنية الاجتماعية … هو محمد المزكلدي ابن مدينة فاس الذي طاله النسيان بعد سنوات من العطاء اللامشروط .
ولد محمد المزكلدي سنة 1932 بمدينة فاس ونشأ داخل أسرة موسيقية مولوعة بأغاني محمد عبد الوهاب وأم كلثوم. كباقي أطفال جيله، ولج محمد المزكلدي الكتاب وحفظ القرآن الكريم قبل أن تكتشف الأسرة ميوله الفني ورغبته الكبيرة في ولوج عالم الغناء. ولعه بالموسيقى لم يلهه عن متابعة دراسته، حيث التحق بجامعة القرويين وتخرج منها سنة 1948، ليبدأ مسيرته الفنية رفقة كبار الفن المغربي.
بدايته الفنية كانت رفقة جوق «الشعاع الفني» بفاس الذي كان يضم كلا من أحمد الشجعي وعبد الرحيم السقاط إلى جانب محمد فويتح الذي كان يترأس الفرقة أنذاك، هذا الأخير جمعته بالمزكلدي علاقة صداقة متينة استمرت لسنوات.
الأوضاع السياسية التي كان يعيشها المغرب نهاية الأربعينات، أجبرت محمد فويتح على مغادرة البلاد نحو فرنسا حيث ترك رئاسة الجوق لأحمد الشجعي، الذي شكل صحبة محمد المزكلدي وعبد الرحيم السقاط، ثلاثيا فنيا ذاع صيته بمدينة فاس.
الرغبة في الانتشار وإسماع صوته خارج حدود مدينته، جعلته يغادر نحو العاصمة الرباط ويلتحق سنة 1952 بجوق «راديو ماروك». خلال فترة تواجده بجوق الإذاعة، ساد جو من التوتر السياسي عقب اغتيال النقابي التونسي فرحات حشاد الشيء الذي أثر سلبا على مساره الفني، خصوصا بعد عثور المسؤولين الفرنسيين على رسائل كتبها المزكلدي لأحد أصهاره يسرد فيها أحداث ما وقع.
انخراطه في العمل السياسي واهتمامه الكبير بشؤونه لم يخدم مصالحه الفنية، حيث تعرض لمجموعة من المضايقات المالية قبل أن يتم طرده نهائيا من جوق الإذاعة بأمر من سلطات الحماية التي أمرته بمغادرة العاصمة نحو مدينته فاس بداية الخمسينات.
أمام هذا الوضع، فضل المزكلدي مغادرة أرض الوطن والتوجه للقاهرة، لاستكمال مشواره الفني الذي لم يكتب له النجاح داخل أرض وطنه.
استغل المزكلدي فترة إقامته في القاهرة واحتك بمجموعة من الفنانين الكبار أمثال محمد عبد الوهاب واسمهان وفريد الأطرش وغيرهم. واستطاع بفضل موهبته أن يلفت إليه أنظار كبار الفنانين المصريين على رأسهم العندليب الأسمر، الذي كان يرافقه في جل سهرات برنامج «أضواء المدينة» بإذاعة مصر.
خالد مشبال، أحمد طيب لعلج، حسن المفتي، أسماء مغربية وازنة، لامست عن قرب النجاح الكبير الذي حققه المزكلدي في المشرق حيث استطاع بفضل مجهوده الكبير أن يسمع صوته للعرب، عبر أثير إذاعة «صوت العرب» التي أذاعت له ما يقارب 15 أغنية مغربية، في إطار اتفاق مسبق بين الطرفين.
«علاش قطعوك يا وردة»، «فين غاب القمر»، «أنا محتار»، « قنديلي يا قنديلي» ، أغاني سجلها المزكلدي في القاهرة، ولاقت نجاحا لدى المستمعين المغاربة كما المشارقة، ليستحق بذلك لقب سفير الأغنية المغربية بالمشرق العربي.
انتقل المزكلدي من مصر أواخر الخمسينات وزار عددا من البلدان العربية كسوريا ولبنان، حيث سجل هناك مجموعة من أغانيه المغربية، قبل أن يقرر العودة نهائيا لأرض الوطن سنة 1960.
بعد رجوعه لأرض الوطن، اختار محمد المزكلدي سلك طريق فني مغاير واتجه صوب غناء أنماط شعبية تراثية لاقت نجاحا واسعا.
«العروسة» أغنية عرفت انتشارا واسعا فترة الثمانينات وحظيت باهتمام الملك الراحل الحسن الثاني، الذي طلب منه أداءها خلال عرس الأميرة لالة مريم. فرصة استثمرها المزكلدي بذكاء ليطلب من الملك الراحل مساعدة بعض أصدقائه الفنانين الذين يمرون بأوضاع اجتماعية صعبة. طلب وجد طريقه لقلب الملك الراحل الذي أكرمه وإياهم في عدة مناسبات.
عطاء فني متواصل لفنان استثنائي، أخرج للساحة الفنية أسماء لمعت في سماء الفن العربي أمثال ليلى غفران.
ندرة الإنتاج الفني واندثار الأجواق الموسيقية علاوة على إصابته بوعكات صحية متكررة، أسباب عجلت اعتزال المزكلدي للغناء في بداية التسعينات، مخلفا وراءه أزيد من 140 أغنية، أصبحت اليوم جزءا من التراث الوطني الفني .
محمد المزكلدي فنان يستحق أن تمد له يد المساعدة لتجاوز محنة المرض الذي أرهقه ماديا وجسديا لسنوات عديدة.
السعدية بسيل صحافية متدربة
محمد المزكلدي.. فنان طاله النسيان بعد سنوات من العطاء اللامشروط
الوسوم