مراكش.. ضرر أقل وخوف أكبر

يضع الطيب، وهو شاب يقطن بحي السملالية بمراكش كأسا زجاجيا على أطراف طاولته الخشبية القريبة من سريره.

يشرح الطيب لبيان اليوم أن هذا الإجراء يمكنه من استعلام الهزات الارتدادية التي تتكرر منذ الهزة الأولى العنيفة ليلة الجمعة الماضية.

يقول الطيب إن المراكشيين جلهم أو كلهم طبعوا مع هذه الهزات من حيث تكررها، لكن الخوف ما يزال يسيطر عليهم مهما بلغت درجة الثبات.

هذا الخوف يربطه الطيب بحالة الهلع العامة التي طغت على المدينة بعد الهزة الأولى وحالة الصدمة المستمرة التي لازال يعيشها السكان، خصوصا مع بروز تصدعات وتشققات بمجموعة من المنازل والعمارات السكنية، ذلك أن السكان يهرعون للشارع في كل هزة ارتدادية محسوسة مخافة أن تزيد حدة هذه التصدعات أو تؤدي إلى انهيار البيوت، مشيرا إلى أن الجميع يعيش في حالة شك وريبة.

يعود الطيب ليحكي لنا تفاصيل ليلة الجمعة، إذ كان حينها وحيدا في بيته يستعد للنوم من أجل الاستيقاظ صباح السبت باكرا لقضاء بعض مآربه.

لحظة الزلزال بمراكش

يقول الطيب: حوالي الحادية عشر ودقائق معدودة وبينما بدأ النوم يأخذ مني مأخذا، سمعت صوتا غريبا بشكل مرتفع وقبل أن أرفع رأسي عن مخدة سريري ارتجت الأرض رجا.

لا أبالغ إن قلت لكم إنني شعرت أنها القيامة -يصف الشاب- لم أفكر لوهلة في أي شيء. فقط أحاول الهرب اصطدمت في البداية بباب غرفة النوم وأنا أهم بالخروج منها، ثم اصطدمت ثانيا بباب الثلاجة بالفناء الداخلي، تُهت عن الباب ولم أعرف ما كان علي فعله.

يتابع الطيب: بدأت أتحسس باب المنزل في أسوار مدخل البيت والهلع يسيطر علي، قبل أن أتمكن من فتح الباب، لأدلف خارجا، لم أحمل معي أي شيء لا هاتف، لا ملابس، لا مال، ولا أي شيء.

ما إن تمكنت من فتح الباب والخروج متجاوزا باب العمارة خارجا لم أفكر ولو للحظة أنه علي إغلاق باب بيتي والحفاظ على ممتلكاتي، كل ما فكرت فيه هو أن أعيش، أن أهرب من هذا الصوت وهذه الرجة العنيفة.

 

                                             المدينة العتيقة بمراكش.. سيدة تعاين خسائر بيتها

في الخارج، كان الجيران في العمارة التي يتجاوز عدد المنازل فيها أربعين بيتا، كلهم قد هرعوا للخارج يجرون في الزقاق المؤدي إلى الشارع الكبير.

لم يكن الوقت، يقول الطيب، متوقفا فحسب، بل لم نكن نشعر ونعي بما يجري بما حدث، وبما يمكن أن يحدث، وسيطر ظلام دامس على المدينة بعد انقطاع التيار الكهربائي عقب الهزة.

يضيف المتحدث: بعد مرور وقت غير يسير من الزمن بدأنا نستشعر ما وقع، زلزال عنيف هز المدينة وكل الناس خارجا. وبعدما كان الصراخ يملأ المكان ثم الهدوء الذي يرافق الخوف، عاد الناس للحديث مجددا كأنهم كانوا في توقف اضطراري عن الكلام ولم تكن أنفاسهم تسعفهم على ذلك.

هدوء حذر وهواجس طيلة الليل

بعد مرور حوالي ساعة من الزمن، هم هدوء حذر نسبيا بالأحياء التي امتلأت شوارعها والساحات المجاورة لها بالناس. كان الجميع يحاول إيجاد تفسير لما وقع وكانت الهواتف ترن بعدما انقطعت الشبكة في البداية، الكل يحاول الاطمئنان على الكل.

بدأت الأنباء تصل، هناك بيوت هدمت بالمدينة العتيقة، بيت تشقق، أشخاص ماتوا، يواصل الشاب حديثه للجريدة، وبعد أن عاد لي شيء من الثبات قررت أن أدخل بيتي على وجه السرعة.

يعلق الطيب، لم أتوقع أن أدخل البيت وأجد كل شيء مفتوحا، لقد تركت الجمل بما حمل، دخلت مسرعا أبحث عن هاتفي وعن بعض الملابس ومفتاح سيارتي.

ما إن وجدت حاجتي حتى غادرت مرة أخرى مسرعا نحو الخارج بعدما أغلقت الباب هذه المرة واتجهت صوب سيارتي.

مشاهد مؤلمة

في الطريق كنت أشاهد نسوة جانب الطريق يحاولن تهدئة أطفالهن. وفي أحياء تظهر علامات التشققات والتصدعات، فيما كنت أجري الاتصالات الهاتفية مع عائلتي بالمدن البعيدة لأطمئن عليهم.

اعتقد الجميع في مراكش، بداية، أن الزلزال قد يكون ضرب أكادير المجاورة، بالنظر لتاريخ الزلزال الكارثي لـ 1960، قبل أن نعرف أن الكارثة ضربت إقليم الحوز المجاور.

مع بداية إحصاء الخسائر بالمدينة وبإقليم الحوز، عاد الخوف من جديد للساكنة التي لم يعد جلها لبيوتهم خصوصا مع تناسل الإشاعات بشأن هزات عنيفة مرتقبة في ساعات متأخرة من الليل ومن صبيحة السبت.

يحكي الطيب أنه ظل مستيقظا حتى السادسة صباحا، قبل أن يقرر العودة إلى البيت، بعدما أهلكه التعب وأنهكت مشاعره وحواسه طيلة الليلة.

مخاوف مستمرة

وفي الوقت الذي كان الجميع يعتقد أن الأمور قد مرت بسلام، وبعدما دخلت بيتي ونمت ضربت هزة زلزالية أخرى في تمام الساعة التاسعة والنصف من صبيحة السبت، هرعت من جديد للخارج. كان الأمر أشبه بكابوس.

ألغيت جميع أنشطتي ومشاغلي كما جميع المراكشيين ولذنا بالفضاءات المفتوحة والحدائق والساحات المجاورة طيلة يوم السبت، كان سؤالا واحدا يراود الجميع: متى ينتهي هذا الكابوس؟

الليلة الثانية أمضيتها في سيارتي نائما، لم أعد أثق في البيت الذي ظهرت به تصدعات كثيرة، وهي التي عاينتها بيان اليوم حين رافقت الشاب إلى منزله، قبل أن يحول لحظة الحديث إلى لحظة بسط ويقول بخفة ظل “ولكن إلى ضرب الزلزال غنسمح فيكم هنا”.

هزات متكررة كل يوم

يقول الطيب إن الهزات منذ الهزة الأولى ليلة الجمعة تكررت مرتين يوم السبت وثلاث مرات يوم الأحد ومرة يوم الاثنين، وأخبرنا أنه قبل وصولنا من إقليم الحوز لمراكش صباح الثلاثاء ضربت هزة أخرى نصف ساعة قبل أن ندخل المدينة “غي مع الطريق والطموبيل مغتكونوش حسيتو بها” يعلق الشاب.

في تمام الساعة الثانية تقريبا، وبينما نتحدث معه، سمعنا صوتا غريبا يشبه إلى حد ما صوت الرعد، كان وجه الطيب قد تغير من الانبساط إلى الجد وهو يقول “هذا هو الصوت” وبالفعل كان ارتجاجا طفيفا تحت أقدامنا استشعرناه من النوافذ الزجاجية ومصابيح البيت التي اهتزت.

بعد مغادرتنا البيت نحو الخارج، وجدنا الجميع يسأل كل من يقابلهم “واش حسيتو بها” أو “ضربات ياك”، في إشارة إلى الهزة، فيما تمحور سؤالنا نحن حول هذا الصوت الغريب.

صوت أنين غريب

في إجابة للشاب الطيب وبعض الناس بمحيط حي السملالية، يقول البعض إن الزلزال بحد ذاته ليس مرعبا بقدر ما أن المرعب هو الصوت.

مشاهد من الدمار بأحياء مراكش

صوت الأنين هذا يشبهه البعض بصوت الرعد والآخر بكونه صوت قطار حديدي ضخم يشبه قطارا لنقل السلع يمر تحت الأرض بقوة، فيما يقول البعض إنه مثل صوت فتح باب حديدي ضخم بسرداب في أعماق الأرض، تختلف الأوصاف لكنها تجتمع في مدى الرعب الذي يحدثه، والذي يرافق الهزات الأرضية الارتدادية، هذه الأخيرة التي اعتاد عليها المراكشيون لكنهم لم يعتادوا أبدا على الصوت وما يزال في كل مرة يرعبهم، ويجعل أغلبهم متشبثا بالمبيت في الشارع بدل البيت.

الهزات مستمرة ولكنها طبيعية

وفي محاولة للتساؤل عن هذه الهزات الارتدادية، يقول ناصر جبور مدير المعهد الوطني للجيوفزياء إن هذه الهزات بالفعل موجودة ويتم تسجيل عشرات الهزات الأرضية بشكل يومي بكل من الحوز ومراكش.

ليلة الزلزال، ساكنة عدد من العمارات تفر نحو الشوارع

ويوضح جبور في تصريح لبيان اليوم أن هذه الهزات لا يستشعرها السكان كلهم، بل يستشعرون فقط هزة أو هزتين يفوق معدلها 4 درجات على سلم ريشتر، كما هو الحال كل يوم إذ يجري تسجيل هزات يومية تتراوح بين 4.3 و4.6 بمركز الزلزال بالحوز ومراكش، فيما عشرات الهزات غير محسوسة ولا يشعر بها السكان لكونها لا تتجاوز 3 درجات.

وحول استمرار هذه الحالة، يؤكد مدير المعهد الوطني للجيوفزياء أن هذه الظاهرة طبيعية وعادية بعد كل زلزال، مشيرا إلى أنها ستستمر لأشهر مقبلة قبل أن تتوقف بشكل كلي، مردفا في هذا الصدد أنها بدأت في التناقص سواء في قوتها أو عددها، إذ أنها ستتحول لمعدل هزة في اليوم ثم في الأسبوع ثم مرة واحدة ربما في الشهر قبل أن تتوقف.

الظاهرة لا تستدعي، حسب الخبير في الزلازل، الذعر والهلع والرعب، ذلك أنها تبقى هزات عادية وطبيعية تأتي بعد الهزات الأولى، وأنه لا يمكن لها أن تتجاوز حدتها الهزة الأولى.

ويطمأن جبور سكان مناطق بؤرة الزلزال من كون الهزات الارتدادية لا يمكن أن تكون أعنف من الزلزال الأول، وأنه عما قريب ستصبح هذه الهزات غير محسوسة ولن تتجاوز في الغالب معدلات 2.6 و3 على سلم ريشتر.

محمد توفيق أمزيان

Top