تعد نوال المتوكل واحدة من النماذج الناجحة للرياضيات اللواتي تمكن من المحافظة على مسار ناجح بعد نهاية المشوار الرياضي، مقدمة نموذجا للتحول الإيجابي للإنسان الرياضي.
فقد جعلت نوال من الاعتزال بداية لا نهاية، ومرحلة لإعادة بناء شخصية الرياضي، من ممارسة لا تعرف إلا المضمار أو القاعة والملعب، إلى إطار من مستوى عال تساهم في التدبير والتسيير على أعلى مستوى.
نموذج فريد وغير قابل للتكرار في سماء البطلات المغربيات، فهي بطلة أولمبية في ألعاب القوى، تجاوزت كل الحواجز، لتبرز كرياضية قادمة من عالم محكوم بكثير من التقاليد والأحكام المسبقة، وهي الآن تتقلد مناصب عليا داخل دواليب التسيير بالمؤسسات الرياضية على الصعيد الدولي، بفضل الكاريزما التي جعلتها رافضة للاستسلام والخضوع والتخلي والتراجع والقبول بالأمر الواقع.
خلال فضاء رمضان السنة الماضية، قدمنا حلقات الجزء الأول من مسار نوال المتوكل، والتي خصصت للوقوف على تفاصيل مرحلة الممارسة كعداءة، انطلاقا من ملعب لاكازابلانكيز، مرورا بانتمائها للمنتخب الوطني، وصولا إلى انتقالها للولايات المتحدة الأمريكية للدراسة والتدريب، وفق أساليب وطرق متطورة تختلف كليا عما سبق، لتتوج ذلك بميدالية ذهبية في سباق 400م حواجز بأولمبياد لوس أنجلوس.
خلال رمضان هذه السنة نعود لتقديم تفاصيل مرحلة ما بعد الاعتزال، والتي شهدت الانتقال من مرحلة الممارسة إلى التحول لكسب مكان داخل الأجهزة المشرفة على الرياضة الدولية، وبصفة خاصة الاتحاد الدولي لألعاب القوى واللجنة الأولمبية الدولية، وهذه المرحلة تحفل بالكثير من التفاصيل والمعطيات المثيرة، وهو ما نعمل على تقديمه تباعا عبر حلقات طيلة هذا الشهر الفضيل…
“قررت الاعتزال في أواخر الثمانيات ببطولة العالم بروما سنة 1987. وكان ذلك اضطرابا بسبب كثرة الإصابات، بعدها عدت إلى الولايات المتحدة الأمريكية لاستئناف مساري الدراسي، وأخذت دبلومي ثم قفلت عائدة إلى المغرب ما بين 1989 و1990. كان أمامي خياران: إما أن أتوجه صوب عالم الأعمال أو أظل بالعالم الذي أحب عالم الرياضة.
فضلت هذا العالم حتى أكون قريبة من الشباب والنساء بحكم أني كنت أول امرأة عربية مسلمة تحرز ميدالية ذهبية أولمبية. وكانت هناك علامات استفهام فيما يخص غياب المرأة على كافة الأصعدة. وبما أنني أظهرت أن للمرأة القدرة على تحمل عبء التداريب، لم لا يمكنها تحمل عبء التدبير؟ سألت نفسي: لماذا ليست هناك امرأة كاتبة عامة داخل الجامعات أو رئيسة لجامعة أو ناد. حتى الصحافيات كن يعددن على رؤوس الأصابع. في تدبير شركات ممولة للرياضة. فعندما كنت تجري اتصالا هاتفيا يجيبك رجل في ظل انعدام النساء. هذه كانت تساؤلات تجول في خاطري.
أتذكر أنه في يوم من الأيام، انتقلت للرباط لحضور أشغال الجمع العام للجامعة الملكية المغربية لألعاب القوى الذي كان يترأسها عبد الرحمان المذكوري. كنت آنذاك قد تزوجت، وسافرت مع زوجي إلى الرباط، وقررنا أن نحضر الجمع العام بصفتي بطلة سابقة وأراقب ما يحدث رغم أنني لم أكن مدعوة. عندما رآني المذكوري ألج باب قاعة الاجتماع قال لي إن هذا المكان الذي ولجته ليس للنساء، ويجب على الخروج منه لأني سأسمع كلاما لن يعجبني، ورغم ذلك أصررت على الحضور وإظهار نوع من الصمود غي المألوف.
تحدث عبد الرحمان المذكوري مع زوجي ونصحه بمغادرة القاعة لأن المكان ليس ملائما للنساء، حيث يقال فيه كلام سيئ ودون المستوى. وقال له إنه لا يرغب في أن تتعرض نوال التي يعتبرها كابنته لمثل الموقف، داخل عالم مليء بالسب والشتم. في الحقيقة تفاجأت لأني لم أكن أتوقع أن يسعى المذكوري لحمايتي بتلك الطريقة. قلت له إني سأدخل القاعة، لأنني أرغب في المشاهدة والتعلم واكتساب التجربة. وإذا لم أقم بذلك بنفسي، فلا أعتقد أن أحدا سيأتي ويقدم لي كرسي لأستمع إلى ما يدور بذلك المكان.
في تلك الفترة بدأت أهتم بعالم تدريب الأبطال على أساس أنها مناسبة لتمرير تجربتي بألعاب القوى رغم قصرها، حيث كان لدي مدرب مغربي وآخر فرنسي ومدربان أمريكيان. كنت عداءة مخضرمة التكوين. وبالتالي فلا بأس من أن أمرر هاته التجربة لأبطال كانوا يطلبون مني نصائح عن الفترة التي قضيتها في أمريكا، واستفسروني عن كيفية التداريب وطبيعة الأكل والنوم والقيام بمسائل أخرى في حياة الممارس.
بدأت التدريب في الدار البيضاء، ثم انتقلت إلى الرباط رفقة أفراد الفريق الوطني، وظللت أتنقل بين المدينتين. لأقرر بعدها دخول عالم التسيير.
غدا: تجربة قصيرة كمدربة ساهمت في تعبيد الطريق أمام بطلات المستقبل
انجاز: محمد الروحلي